المؤتمر نت - نزار خضير العبادي -
التعليـم الأهلـي ..واقع ملبّد بالإختلالات ، وتجارب ينقصها الحزم
ما انفك التعليم في اليمن يمثل التحدي الأعظم ، الذي كان القبول بالمراهنة على كسب حرب مكافحة الإرهابً أيسر بكثير من ردم خنادق التحديات الخطيرة التي تعترض مسيرة التربية والتعليم في اليمن.. كما لو أن تلك المشاكل قدر تورثه الأعوام لكل قادم جديد على هذه الوزارة ، لتثبط من عزائمه.
اليوم ارتأى (المؤتمر نت) فتح ملفات التعليم الأهلي والخاص، بعيداً عن أروقة المدارس الحكومية، ومشاكل القطاع العام، المتهم- دائماً- باللامبالاة، وعدم الاكتراث، وغياب الرقيب المخلص الأمين الذي ينبض في جوفه ضمير الإنسان الحي.
وبواقع الحال، فإن لا أحد في وزارة التربية يُعيبه اكتشاف أخطائه ، ومواضع إخفاقه ، لكن القيادة التربوية - بأجمعها - يخجلهم كثيراً التستر على حال قد يكون بوسع أياً منهم إصلاحه فيما لو أُخبر به ، وتم لفت نظره إليه..
- أولى الحقائق..
لا شيء مؤكد في عصر الحكومات الإلكترونية ،كان مأمولاً ألاّ تتحدث الصحافة بمنأى عن الأرقام والإحصائيات، لكن الواقع لدى وزارة التربية والتعليم كان مختلفاً. إذ أن الإدارة العامة للتعليم الأهلي والخاص لا تمتلك إحصائيات دقيقة، أو بيانات مضبوطة عن المنشآت الخاضعة لإشرافها، ومسئوليتها المباشرة في منحها تراخيص العمل الرسمية.
ويؤكد الأستاذ محمد علي مداعس- مدير عام التعليم الأهلي والخاص- أن الأرقام غير مستقرة، ومتفاوتة، وليس هناك إحصائيات دقيقة 100% ، فيما يقول الأستاذ عبدالله شرف- المسئول عن إعداد الإحصائيات في التعليم الخاص بأمانة العاصمة: أن الإحصائيات في أمانة العاصمة ليست ثابتة، أو مؤكدة.. وقد تتغير بين الساعة والأخرى، وأشار إلى أنه يستطيع تزويدنا بأرقام تقريبية وحسب.
في آخر المطاف استطاع (المؤتمر نت) الخروج من قطاع التعليم العام بالوزارة بأحدث خلاصتين تحليليتين بأعداد المدارس الأهلية والطلاب والمدرسين للعام الدراسي 2003/2004م، لكن بيانات كلاً منهما مختلفة عن الأخرى، وهناك تفاوت- يصل فارقه أحياناً بالآلاف- بين أرقام الإحصائيتين، ويؤكد المسئولون في الإدارة العامة للتعليم الأهلي والخاص أن كليهما معتمدٌ لديهما، فالأولى مستقاة (من واقع تقارير كل محافظة)، والثانية (من واقع تقارير كل مدرسة).. ولا أحد يمتلك جواباً لسؤالنا: أيّهمــا الأصــوب!؟
- أصحاب القرار مختلفون قبل ستة أشهر تقريبا أكد الدكتور عبدالسلام الجوفي- وزير التربية والتعليم- في حوار مع (المؤتمر نت)، أن هناك عدد كبير من المدارس الأهلية المخالفة للأنظمة، وأن الوزارة على وشك إصدار اللائحة التنفيذية لقانون التعليم الأهلي والخاص، وهدد المخالفين بالإغلاق، وحذر من العبث بالتعليم، ومستقبل أجيال اليمن.
وفي الوقت الذي نقف فيه على بعد أربعة أسابيع من العام الدراسي الجديد 04/2005م مازال الجميع يترقب صدور قائمة المدارس المخالفة، بينما كشف مدير عام التعليم الأهلي والخاص عن وجود عدم تجاوب بين إدارته وديوان الوزارة، وتذمر من الوضع القائم. فيذكر مداعس أنه سبق أن رفع تقاريراً تفصيلية للوزير عن حقيقة الوضع القائم في المدارس الأهلية والخاصة، وأنه بصدد رفع تقرير جديد للوزير يحدد فيه وجهات نظر إدارته، والتشخيصات التي تم رصدها خلال العام المنصرم. وبدا واضحاً من حديث عدد من العاملين في الإدارة العامة للتعليم الأهلي والخاص أن الأجواء مشحونة مع الوزارة، وأنهم أحوج ما يكون إلى لغة تفاهم مشتركة يناقشون بها مشاكل العمل بشفافية ووضوح.. خاصة- وإن هناك من يقول أن وزارة التعليم الفني والتدريب المهني دخلت على الخط أيضاً، وباتت تتسبب بمشاكل إضافية من خلال تبني منح تراخيص للمعاهد، والقيام بالمهام الإشرافية، دون تنسيق مسبق مع وزارة التربية.
مشاكل شخصتها تقارير رسمية:
رغم الحظر الذي فرض مؤخراً على منح التراخيص الجديدة للمدارس الأهلية، أكد الأستاذ مداعس أن أمانة العاصمة ومحافظة تعز مستمران في التوسع بالمدارس الأهلية، ومنح التراخيص للراغبين على نحو كبير جداً ، في الوقت الذي بات التوسع في المحافظات الأخرى محدوداً جداً.. ومن المفارقات التي تحدث عنها هي: أنه وقّع في شهر يوليو الماضي تراخيص لمدارس أهلية تعمل في الميدان منذ بداية العام الدراسي 03/2004م، وبعد أن سمحت إدارة الاختبارات لطلابها بأداء الاختبارات العامة. ومن واقع التقارير المختلفة المرفوعة لقيادة الوزارة، التي استطاع (المؤتمر نت) الاطلاع عليها، تجلت أمامنا عدد من المشاكل المهمة التي أفرزها واقع حال المدارس الأهلية والخاصة، منها:-
- أن هناك عدد من المدارس الأهلية تفتقر إلى أغلب المواصفات العامة المطلوبة من قبل وزارة التربية والتعليم، من حيث المبنى، والمساحة.
- تم الكشف عن مدارس لا يحمل مدراؤها سوى شهادة الثانوية العامة، ومع هذا حصلت تلك المدارس على تراخيص عمل.
- هناك مدارس ترفض استقبال اللجان الإشرافية التابعة لوزارة التربية والتعليم، وتقوم بإغلاق أبوابها بوجه أية زيارة حكومية رسمية، ولم تتخذ بحقها أية إجراءات عقابية، رغم أن الحالة مثبتة بتقارير رسمية دورية تم عرضها على المسئولين- أصحاب القرار.
- بعض المدارس الأهلية تمتنع عن شراء الكتب المدرسية من الوزارة، وتؤكد التقارير الرسمية أنها تشتري المناهج من السوق السوداء، مما يجعلها في مقدمة المشجعين على ترويج التجارة السوداء للكتب المدرسية ، ودعم الفساد.
- وجود مدارس مخالفة للطاقة الاستيعابية، وتزج بأعداد كبيرة من الطلاب في الفصول بما يتجاوز النصاب المحدد في لوائح الوزارة.
- وجود مدارس تعاني من نقص كبير في أعداد المعلمين ، والاختصاصات، وتجهيزات المعامل، وفي الأثاث المدرسي، فضلا عن المنشآت الصحية وغيرها.
- هناك مدارس تباشر أعمالها دون حصولها على التراخيص الرسمية، أو دون تجديد تراخيص العمل من قبل الجهات المعنية، ومع ذلك تم التعامل معها أسوة بالمدارس التي تحترم الأنظمة واللوائح الوزارية، وتم السماح لطلابها- بطريقة أو بأخرى- دخول الاختبارات الوزارية، والحصول على شهادات نظامية وقانونية.
- تؤكد التقارير أن بعض المدارس الأهلية تتعرض لتسويف، وابتزاز ( ولو بصورة غير مباشرة) من قبل الجهات المسئولة عن تمويلها بالكتب المدرسية في الوزارة، الأمر الذي تفسر به التقارير أسباب عزوف المدراء عن شراء الكتب من الوزارة واللجوء إلى السوق السوداء.
· مدارس من العالم الآخر
مع أن التطور الحاصل في بنية المجتمع اليمني، وحركة نمائة الثقافي تمثل قفزة نوعية في واقع الحياة اليمنية، إلا أن – على ما يبدو- كانت مواريث الماضي اليمني أكبر بكثير من أن يكون بمقدور أحد الحديث عن تعليم بلا مشاكل وهموم، أو أن نشيد بجهود وزير بعينه، مادامت مهمته مرتبطة بتربية وتأهيل شعب بأكمله- وليست فئة محددة.
ولعل الواقع الاجتماعي والسياسي الجديد استطاع النفاذ إلى أروقة المدارس، ووجد في التسهيلات الحكومية الممنوحة للمدارس الأهلية والخاصة فسحة من الحرية التي يستطيع بها تمرير مشاريعه السياسية أو الفكرية أو المذهبية. فقد نشأت في أمانة العاصمة بعض المدارس الأهلية ذات التوجه المنهجي الديني رغم أن الترخيص الممنوح لها لا يحمل صفة( مدرسة دينية) .. وهذه المدارس لا تلتزم بمناهج الوزارة، ولا توزيع الحصص المخصصة لكل مادة، بحيث أنها تقتطع من نصاب المواد العلمية لتضيفها على نصاب مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية.
وتؤكد مصادر عديدة ومختلفة أن هذه المدارس تحرّم تحية العلم الجمهوري، أو ترديد النشيد الوطني اليمني.. وأنها تضع لنفسها شعارات دينية خاصة-كلا حسب مزاجه- وتقوم بأنشطة لا تمت بأية صلة للعملية التعليمية والتربوية، ويتم تعبئة طلابها بثقافة إنفصامية موجهة في عكس مسار الأهداف المرجوة من قبل الوزارة. ومن الملاحظ أن هذا النوع من المدارس- وفقا لآراء عدد من مدراء المدارس الأهلية – لا تكترث لحسابات أي جدوى اقتصادي( استثمارية).. ويؤكدون أن نفقات تشغيل هذه المدارس يفوق بكثير ما هو مستحصل من أجور من الطلاب.. الأمر الذي يجعلهم يعتقدون أن هناك جهات تموّلها، لتتخذ منها ميدانا لنشاط من نوع خاص غير ما هو معلن لها كمؤسسات تعليمية وتربوية. ويحذر بعض مدراء المدارس الأهلية من مغبة تفشي هذا النوع من المدارس، معللين ذلك بأنها ستكون على حساب مدارسهم ( الملتزمة بالأهداف التربوية الوطنية) أولا، ولأنها- ثانيا- تمثل ضربة للاستثمارات المحلية ( المحدودة) التي ( لن تكون قادرة على خلق منافسة عادلة في ضوء ما يحصل عليه الآخر من دعم خارجي). ثم بالدرجة الثالثة- لأنها تؤسس لثقافة جديدة تترتب عنها الكثير من المخاطر المستقبلية. ·
مدارس الجاليات.. ذلك المجهول.
تذكر التقارير الرسمية لوزارة التربية والتعليم، المُعدّة من قبل الإدارة العامة للتعليم الأهلي والخاص للعام الدراسي 30/2004م أن عدد المدارس الخاصة في الجمهورية اليمنية ثلاث هي: ( المدرسة السودانية، والمدرسة المصرية، والمدرسة الهندية) وجميعها في أمانة العاصمة. دون أي ذكر لـ ( المدرسة الباكستانية) الكائنة في حدة- وربما غيرها مما لا نعلم – في الوقت الذي تجهل فيه الإدارة البيانات الخاصة بتلك المدارس.
أما بالنسبة لمدارس الجاليات اليمنية في الخارج، فإن خلاصة التقرير السنوي للوزارة يذكر أن هناك مدارس في: ( بريطانيا، جيبوتي، أثيوبيا) وتؤكد الإدارة العامة للمدارس الأهلية والخاصة: ( لا توجد لدى الإدارة العامة للتعليم الأهلي والخاص أي معلومات عنها، وأيضا عملية الإشراف على الامتحانات العامة لم تُبلّغ الإدارة بمن يقوم بالإشراف، ولم يتم موافاتهم بأي تقارير بهذا الخصوص). مع العلم أن اليمن تمتلك جاليات كبيرة جدا في الولايات المتحدة الأمريكية – وأكبرها في ولاية "مشيجان"- ويشكلون نسبة 9% من عرب أمريكا، ولديهم عدة مدارس هناك إلا أن التقرير أهملها- وربما أهمل غيرها.. وهو ما يؤكد قصور رؤى الإستراتيجيات الموضوعة لمستقبل التعليم الأهلي والخاص.
· حقائق رقمية.
بحسب تقارير المحافظات، يتحدد إجمالي المدارس الأهلية بـ 300 مدرسة للعام 03/2004م منها (186) في أمانة العاصمة فقط، تليها تعز ( 30)، الحديدة ( 26) إب ( 18) حضرموت الساحل (15)، عدن (14) ، حضرموت الوادي (4)، شبوة (2) ، واحتفظت كلا من : ذمار، عمران، لحج، صعدة، ومأرب بمدرسة واحدة لكل محافظة.
أما أعداد الطلاب لنفس العام، فيقدرون بـ (81964) طالبا وطالبة، منهم( 45950) في أمانة العاصمة، تليها تعز ( 13745) ، الحديدة ( 6457) ، إب (5313)، عدن ( 4575) ، حضرموت الساحل(3375) حضرموت الوادي( 1368)، ذمار (360) ، عمران ( 294) ، شبوة ( 233) , لحج (109) ، مأرب ( 94) ، وصعدة ( 17). علما أن تقرير المدارس يزيد عن تقرير المحافظات بـ (3000) طالبا وطالبة، وكلاهما معمولا به وزارياً.
· لماذا التعليم الأهلي ؟
لاشك أن ليس هناك أمر مطلق، وأن كل ما تحدثنا عنه آنفا من مشاكل واختلالات هو تقييم نسبي قد ينطبق بعضه على عدد محدود جدا من المدارس.. وكذلك هو الحال مع آفاق النظر إلى جدوى وجود مدارس أهلية جنبا إلى جنب المدارس الحكومية.
الأستاذ/ محمد علي مداعس مدير عام التعليم الأهلي والخاص يقول: أن في المملكة العربية السعودية تدعم الدولة كل طالب يلتحق بمدرسة أهلية بملغ 300 ريال سعودي، لأن الطالب يكلف الدولة أضعاف هذا المبلغ، وعليه فإنها ستكون مستفيدة جدا، ويؤكد: أن التعليم الأهلي في اليمن مازال في بداية تجاربه، وأنه إلى حد ما جيد، لكنه بحاجة إلى مزيد من التنظيم والحزم.. وقد بدأ لنا الأستاذ مداعس ملمّاً جدا باختصاصه، ويحمل رؤى ثاقبة لمعالجة القصور وتطوير التجارب ، إلاّ أنه ليس إلا رقماً ضمن سلسلة صُنّاع القرار..!
أمّا الأستاذ/ محمد عمر مدير مدارس العلوم والتقنية، ومقدم البرنامج التعليمي في التلفزيون اليمني يعتقد : أن التعليم الأهلي نوع من الاستثمار الوطني الرفيع الذي يصب في خدمة الإنسانية، ويرى أن : هناك ضرورة ملحة لأن تعمل المدارس الأهلية في إطار أنظمة ولوائح الوزارة، ومناهجها، وخططها لأنها مُعدّة من قبل خبراء ، وموجهة لخدمة أهداف وطنية . ويؤكد : من المهم أن يفهم المدراء أن مدارسهم يجب أن تخفف العبء عن وزارة التربية ، لا أن تصبح مصدر قلق للوزارة، وعبئا عليها.
ويقول علي مهدي- أستاذ رياضيات في مدرسة خاصة- أن فشل بعض المدارس الأهلية يبدأ عندما يظن القائمون عليها أنهم قادرون على التفوق على خطط ومناهج وزارة التربية.. ويذكر: أن كل بلد يتجه نحو التطور والحداثة لا يمكن أن يستغني عن جهود القطاع الخاص في تحمل جزء من المسئولية ،منوها: أن التعليم أمانة، وليست مقامرة ربح وخسارة - كما يفهمها البعض.
من جهة أخرى ، يعتبر جار الله حسن الأهنومي- ولي أمر طالبة بمدارس الأمجاد - أن من حقّ كل أب البحث عن فرصة تعليم أفضل لأبنائه، ويقول: زحمة الفصول في مدارس الدولة تقتل الإبداع عند الطالب مهما كان المُدرس متميزا.
أما رقية عبدالله يحيى- طالبة جامعية في كلية التربية- ترى أن المدارس الأهلية: ( صارت أشبه بالموظة، ومجال للتفاخر والتباهي) ، وتضيف: مدارس
الدولة ( أكثر أنضباطاً ، والرقابة فيها مشددة.. بينما يتعلم الطلاب من المدارس الخاصة قلّة الأدب، لأنه لا أحد يحسابهم ماداموا يدفعون الرسوم بالدولار). بينما يقول الطالب وائل صالح فرحان : النجاح مضمون في المدارس الخاصة، والأساتذة لا يعاقبوننا بشدة عندما نقصر بالواجبات مثل مدارس الحكومة.
وبين هذا الرأي وذاك، تبقى المهمة شاقة، ومحفوفة بالكثير من الصعاب لبلوغ الصورة التي يرسمها الدكتور عبدالسلام الجوفي – وزير التربية والتعليم لمستقبل التعليم الأهلي والخاص..
ومع أنه الرجل الذي يتفتّق طموحا، ويتقد حيوية واجتهادا، ولا يفوقه أحد حزماً وشدّة.. إلاّ أن كل ذلك لن يبدل من واقع حال التعليم الحكومي أو الأهلي بشيء ، ما لم تتظافر كل الجهود مع الوزارة وإداراتها..
فالحقيقة الوحيدة التي مازال أغلبنا يجهلها هي: أن ثلثي الشعب اليمني في عاتق وزارة التربية والتعليم ، وأن مستقبل ثلاثة أجيال قادمة مرهون بمخرجات التعليم الآن.. وأن على اليمنيين ألاّ ينتظروا نبياً يصلح حال أمة بمفرده.. فقد انتهى عصر المعجزات..!