الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 06:09 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الإثنين, 09-أغسطس-2004
المؤتمر نت - بقلم : نزار خضير العبادي -
حقوق الإنسان في اليمن.. وآفاق التحدي

تجلت حقوق الإنسان حديثا بجملة من المواثيق والإعلانات التي تراكمت وتشكلت تدريجيا عبر مسيرة التاريخ الإنساني، بدءً من الحضارات والثقافات القديمة، وصولا إلى الحضارة الحديثة، وإنجازاتها، إلاّ أن مبادئ حقوق الإنسان، وتكونها التاريخي يتجاوز المواثيق، والدساتير، وتركيبة الدول والمجتمعات الحديثة - بوصفها ارتبطت منذ القدم بالحق الطبيعي للإنسان الذي يضمن له العيش بكرامة، وحرية، ومساواة مع الآخرين، واستندت إلى إرث فلسفي، ومعرفي كبير، وهذا ما أكسبها بعدها العالمي الواسع.

ومع صعود الرأسمالية في الغرب وتشكل الدولة الحديثة التي وجدت ضالتها في الديمقراطية الليبرالية تعاظم شأن حقوق الإنسان واقترنت بولادة المفهوم الحديث للمواطن داخل الدولة التعاقدية التي صانت دساتيرها تلك الحقوق ، وتأسست عليها مؤسسات المجتمع المدني.

لكن ذلك لم يأخذ طابعا شموليا، فحدثت التجاوزات والانتهاكات في حروب الإبادة، والتصفيات والمجاعات، وقهر الشعوب، وفي الدول ذات الأنظمة النازية والديكتاتورية. وتبدد حلم الفلسفة بالدول الديمقراطية الشمولية، ذلك لأن الشيء الوحيد في ظل الرأسمالية الذي يكتسب طابعا شموليا هو السوق، وتبدو معايير حقوق الإنسان مجرد معايير اصطلاحية تتعايش مع معايير أخرى في السوق، فيحدث الخليط ، أو التجاور المشوب.

لا شك أن التلاقي والتفاعل مع الغرب شكل بداية الوعي العربي المعاصر بمفهوم حقوق الإنسان ، غير أن المسار التاريخي لحقوق الإنسان في البلاد العربية سار بغير الوجهة التي تقوم عليها الفلسفة الأصلية، وبغير ما نادى به مفكرو عصر النهضة العربية آنذاك. فالدولة القطرية ( الحديثة) اعتبرت حقوق الإنسان ثانوية أمام غاياتها العليا المطروحة في شعارات التقدم والاشتراكية، والتنمية، وغيرها.. فمارست سياسات داخلية تنتهك مجمل حقوق الإفراد المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية..

ومع إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م حقق الترابط ما بين الحقوق المدنية والسياسية، وبين الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، لكن ذلك لم يمنع الانتهاكات الكثيرة لحقوق الإنسان في مختلف أنحاء المعمورة بفعل أسباب مثل الحروب والنزاعات، وغيرها.

ومع ذلك فإنه بتطور الزمن أخذت حقوق الإنسان في العالم تكتسب طابعا إنسانيا أكثر عمومية، وشمولية. فقد أضحى حق العيش بسلام، والدفاع عن البيئة، والتضامن ، والإغاثة عند وقوع الكوارث بمثابة حقوق ملازمة للحق في الحياة ، وحرية التعبير والرأي.

وإذا ما انطلقنا بتلك الأفكار وأسقطناها على واقع الدولة اليمنية( كنموذج) ، نجد أن اليمن رغم انفتاحها المبكر على خيارات الديمقراطية والحريات العامة، لكنها لم تبدأ بتوجيه تجربتها صوب
رعاية حقوق الإنسان — مؤسسيا - إلاّ منذ نهاية عقد التسعينيات ، ضمن تشكيلة " هيئة " لم تحظ فيها بأكثر من كينونة هلامية ، لا تتجاوز حدود تخفيف حدة الانتقادات التي كانت توجه لليمن من قبل هيئات خارجية دولية، لا ترى فيما كان معمولا به على المحور الديمقراطي التعددي صيغة مرضية، أو كافية.. رغم أن اليمن آنذاك كانت تُعد الأفضل على نطاق إقليمها الجغرافي الذي وقف حذرا من تفشي عدوى الديمقراطية التعددية، وعبور أفكارها تحصيناته التقليدية، المتوغلة عميقا في تاريخ الدولة ، ومؤسساتها.

ومع إن اليمن تقدمت كثيرا في استيعابها لمقتضيات التوجه إزاء تبنٍ جاد لسياسة واضحة، وعملية لمفاهيم حقوق الإنسان ، وأخذت تترجم ذلك واقعيا من خلال برامج ميدانية باشرتها وزارة السيدة أمة العليم السوسوة، لكن — على ما يبدو- أن الطموحات اللامحدودة للسوسوة، والصلاحيات الواسعة الممنوحة لها من قبل رئيس الجمهورية ( بشكل استثنائي) تصطدم بالكثير من التحديات التي تحول دون ملامسة تفاعل اجتماعي سريع يتناسب وحجم الجهد الرسمي للوزارة ، أو الضرورات الملحة المتوقفة على مخرجات ما يتحقق على هذا الصعيد..

وربما كان الوقوف على أبرز تلك التحديات يرسم رؤىً واضحة لمعالم ماينبغي أن يكون عليه واقح حال عمل المرحلة القادمة ، وهو ما سنحاول إيجازه من خلال الآتي :-

* ضعف الوعي الاجتماعي العام بمفاهيم حقوق الإنسان، والشروحات المرتبطة بهذه العبارة، وفي مقدمتها الوظيفة الأساسية، والحقيقية التي يمكن أن تؤديها وزارة حقوق الإنسان.. وهو قصور ليس محصورا على الفرد وحده ، بل يمتد إلى كثير من المؤسسات الحكومية، أو المدنية.. مما يترتب على ذلك بطء التفاعل، والتجاوب مع الخطط المرسومة - وربما وأد بعضها أحيانا.

ولعل تدني الوعي بثقافة حقوق الإنسان في اليمن كامن في تدني المستوى التعليمي العام للمجتمع، وضعف - بل غياب - دور المؤسسات الإعلامية، الحكومية والخاصة ، وغياب مشاركتها الواضحة في هذا الجانب، فضلا عن ثقل الإرث التاريخي السلبي الذي كرسته حقب سابقة من عمر اليمن ساد فيها الكثير من الاضطراب، وعدم الاستقرار الذي أعاق مسيرة حياة الشعب اليمني.

* ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني المختلفة في تحريك أنشطة حقوق الإنسان في الوسط الجماهيري والرسمي.. ولعل مرجع هذا الضعف يعود إلى تشتت جهود تلك المنظمات، والمؤسسات، وتقوقع الكثير منها بكيانات صغيرة، ومتنافرة عاجزة عن إيصال صوتها، أو تشكيل قوة ضغط نافذة. والملاحظ أن برامج بعض تلك المنظمات، والمؤسسات إما أن تكون غير واضحة، أو خاضعة لتأثير جهة أخرى "حزبية غالبا " أو أن مواردها المادية ضحلة جدا، ولا تكفل تبني مساهمة حقيقية وفاعلة.

* تلعب الأحزاب السياسية في مختلف أرجاء المعمورة دورا كبيرا في تحريك دائرة نشاط حقوق الإنسان، إلا أنها في اليمن ما زالت منطوية على أدوار خجولة جدا ،من جراء انغماسها بالجدل السياسي العقيم ، والمكايدة الحزبية التي تُفقدها الكثير من الموضوعية، والمصداقية ، وتطوقها بهالة من المبالغة التي من شأنها تضليل الجهات المعنية - خاصة في تناولها الانتهاكات، وحريات الرأي، وواقع الممارسات اليومية ، أو استنزاف جزء كبير من طاقاتها في موضع ما كان يستحق الأولوية، إلى جانب غياب المبادرات التي تتبناها الأحزاب ميدانيا، والتي من شأنها أن تصبح تكميلية، أو مساعدة بقدر ما لأي برنامج وزاري في الاتجاه ذاته.

* وقد تقف العادات والأعراف الاجتماعية السائدة في المجتمع اليمني عقبة في إنماء كثير من اتجاهات حقوق الإنسان- كما هو الحال فيما يخص حقوق وحريات المرأة اليمنية..

فما زالت الكثير من مناطق اليمن تحمل نظرة قاصرة للمرأة، بين من يستعيب تعليم الإناث، أو خروجهن للعمل الوظيفي، وبين حتى من يحرم على المرأة إبداء الرأي، أو المشاركة في الانتخابات، والأنشطة المحلية. وهذه معضلة كبيرة في طريق مشاريع إدماج المرأة- سواء الحكومية، أم غير الحكومية- وسيتطلب الأمر أعواماً أخرى من العمل المضني على مستوى نشر الوعي العام، وتطوير ثقافة المجتمع، وإدماج تلك المناطق بالمحيط المدني الحداثي حتى يتم تأهيل الواقع لدور مختلف.

* تدني الموارد الاقتصادية للدولة اليمنية له دور كبير جداً في كبح تدوير عجلة حقوق الإنسان. فالموارد الوفيرة تتيح للدولة تبني مشاريع كبيرة، وتسهيل نشر الوعي العام بثقافة حقوق الإنسان، وتقديم الدعم المناسب للمؤسسات والمنظمات غير الحكومية، فضلاً عن تأهيل الكوادر وتطوير وتأثيث المنشآت الصحية والبيئية والتربوية، والإصلاحية، والاجتماعية، وغيرها.

لكن في ظل شحة تلك الموارد لن يكون الأمر مشكلة تمويل وحسب، بل سيتفاقم الفقر وتزداد البطالة، وتتفشى الجريمة، والفساد بمختلف أنواعه.. وبالتالي تتعقد مهام مؤسسات حقوق الإنسان ولن يكون بالمقدور التعامل مع تداعياتها بـ(50) موظف، بل بـ(50) منظمة.

* هناك عامل في غاية الأهمية ، لكن قلما يتناوله المختصون، وهو السياسة الدولية.. فالهيئات والمنظمات الدولية، وكذا وزارة الخارجية الأمريكية دأبوا على إصدار تقارير مُحبطة للدول النامية، أو كما يسمونها- دول الديمقراطيات الناشئة- ومنها اليمن، ويطالبوها بأمور قد لا تبدو واقعية في بعض الأحيان، وربما تكون مستحيلة أحيانا أخرى، كالمطالبة بإلغاء قيود سفر المرأة بدون محرم، أو انتقاد تعدد الزوجات، أو يطالبون كشف ملابسات حالة اختفاء شخص من قبل عشرين عاماً.

والملاحظ أنه لم يسبق لتلك الجهات أن أصدرت تقاريراً بإيجابيات ما تحققه دولة ما على صعيد حقوق الإنسان.

ولا شك أن إلغاء خصوصيات هذه البلدان، وتجاوز ظروفها الاجتماعية ، والثقافية ، والتاريخية يجعل من القفز إلى مرحلة متقدمة وضعاً غير صحيّ لغرس ثقافة ومعالجات متينة لمسائل حقوق الإنسان- خاصة إذا ما قايسنا الأمر ضمن أطر الهموم الوطنية الأخرى لليمن أو سواها من الدول النامية.

* وفي سياق السياسات الدولية نفسه، يجد الباحث أن طريقة انتظام العلاقات الدولية في الوقت الحاضر بالصورة التي هي عليها تتسبب هي الأخرى بإشكاليات لمسائل حقوق الإنسان.

فانحياز الدول الكبرى، الموصوفة بـ "الراعية لحقوق الإنسان والديمقراطية"، إلى جانب إسرائيل، واستخدامها (الفيتو) ضد أي مشروع قرار عربي، علاوة على فرضها العقوبات الاقتصادية أو التلويح بها، وباستخدام القوة ضد بلدان عربية وإسلامية بعينها، فضلاً عن مسألة احتلال العراق.. وغيرها من القضايا ، كلها ولدت إحساساً مشككاً بجدوى شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي ترفعها تلك الدول لدى الإنسان العربي.

ولعل هذا العامل النفسي سيكون عائقاً أمام حدوث تفاعل شعبي حقيقي مع تلك الفلسفات العصرية- خاصة في ظل مستوى الوعي الاجتماعي والثقافي المتدني في اليمن، وغيرها.. لأن " الاعتقاد " هنا هو أن ثقافة حقوق الإنسان تعد نمطاً سلوكياً تمليه القناعة قبل أي شيء آخر، ويطوره التفاعل الإيجابي بين الأمم والشعوب..

* في الأعوام التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر أخذ مفهوم (القوة) يفرض نفسه بديلاً عن (الحوار)، و (القانون) بفعل السياسات التي تبناها البيت الأبيض..

ولعل التعبئة الإعلامية الخاطئة من قبل الإدارة الأمريكية بتأكيد شبهة الإرهاب على العرب والمسلمين خلق نفوراً شديداً في الأوساط الاجتماعية (المُدانة) من الولايات المتحدة والغرب، وإحساس بالظلم لا يمكن تجاهله عند تناول مسائل حقوق الإنسان،ومحاولة إقناع شعوب البلدان النامية بتلك المفاهيم ، والاستدلال بتجارب الآخر — (القدوة ).

وهناك نسبة كبيرة من الناس تقف مترددة — وأحياناً معارضة بشدة — للمشاريع الوطنية باتجاه حقوق الإنسان والديمقراطية لمجرد علمها أن الولايات المتحدة لم توقع قانون المحكمة الجنائية الدولية ، أو القانون الخاص بعمالة الأطفال.. أو لمجرد القول أن هذه الجهة أو تلك المتبنية للمشروع تدعمها الولايات المتحدة، أو بريطانيا ، ممن يقود الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب.

وغالباً ما تسعى شعوب البلدان النامية التي هي بمثل وضع اليمن الاجتماعي والثقافي إلى تأويل كل شيء سياسياً، وإعادة وضعه في قالب (المخططات الإمبريالية)، والتعبئة المعادية للإسلام ، وتجد على أرض الواقع الشيء الكثير الذي يدعّم رؤاها ، ويوثق شكوكها .. الأمر الذي يمكن اعتبار سلوك الأنظمة السياسية العالمية واحداً من تحديات إعاقة الحراك الديمقراطي اليمني ، وغيره .

إن الظروف السابقة بمجموعها تشكل تحديات صعبة أمام خطط وبرامج وزارة حقوق الإنسان اليمنية ، الأمر الذي يجعل حصر مسئوليات المشروع اليمني في بناء دور فاعل لحقوق الإنسان بما تبذله السيدة أمة العليم السوسوه وحسب أمراً خاطئاً تماماً، وينبغي على الجميع إعادة النظر فيه، والتعامل معه انطلاقاً من مفاهيم (الهدف الوطني) ، الذي لا يتحقق إلا بتضحيات الجميع ، وليس البعض.

ربما نجحت الأخت الوزيرة في تحويل أيامنا اليمنية إلى فروض يومية من الأنشطة والفعاليات الخاصة بحقوق الإنسان- رغم أن قوام وزارتها لا يتعدى الـ50 موظفاً ، لكن الحقيقة التي يجب أن نواجه بها أنفسنا هي: أنها نجحت بمفردها بينما نحن بجمعنا أخفقنا - كإعلاميين ومثقفين مدركين أهمية حقوق الإنسان في حياة الشعوب- فليس بيننا من استثمر جذوة اتقاد هذه السيدة الرائعة لقدح ثورة التحول الشعبي إلى لغة وثقافة حقوق الإنسان ، في بلد طالما ظلّ الغير يدعوه : " مهد الحضارة الإنسانية " .





أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر