المؤتمر نت - حاوره : سامي الشاطبي -
أسعد الهلالي .. تشظ بين الأدب والتلفزيون
في حوار سابق أجريته مع القاص والسيناريست أسعد الهلالي قبل أربعة سنوات تطرقت الى جوانب جزئية من أسعد .. لم تتعد القصة القصيرة .. في هذا الحوار ارتأيت أن تتسع آفاقه لتشمل الكل لا الجزء .. ولأهمية الحوار قسمته على محاور خمسة .. ودونما إطالة .. أدعوكم الى هذا الحوار الشيق ..
1.ببساطة من هو أسعد الهلالي ؟
*. كائن امتلك حق وجوده قسراً .. اجتذب ملامح كينونته اجتذاباً ولم ينتظر أن تتشكل بيسر وهدوء كما اعتاد الجميع أن تتشكل الكينونات .. لذا تجاوزت حدود الإضطراب والقلق مديات القبول .
2. قبل الكلمة .. كيف كنت ترى ملامح المستقبل ؟ .. الماضي ؟ .. المرأة ؟
*. في البدء كان الحلم .. الغوص في حلم لا متناه يتفتق عن أحلام ترى المستقبل بعيون وجلة .. وربما لأن غفوتي كانت وما زالت خالية من الأحلام صرت أفجرها في يقظتي وأراقب تجليات هذا التفجر .. لطالما كان المستقبل مجرد فكرة تثير بي القلق والترقب فهو محاط بأسوار هائلة من علامات الإستفهام .. وكثرما تسلل حلمي من خلال تراص علامات الإستفهام هذه الاّ اني أعجز عن اعادة ماتسرب مني لذا كان هناك دوماً جزءان حبيسان مني .. أحدهما خارج السور والآخر داخله .. المستقبل كان بالنسبة لي توليفة غير متجانسة من القلق المصحوب بالخوف والحلم .. أما المرأة فقد كانت رديفاً لخطاي .. مؤازراً تارة ومحبطاً تارات .. ربما لأنها لمكونات شكلتها الحصارات الإجتماعية والفكرية والإعتقادية وحتى العاطفية .. ربما لكل هذا كانت المرأة وما زالت عنصر تجسيد وتضخيم لمفردات القلق .. ربما يجذبني الحلم الى ماهو أسمى من الغيوم وما هو أبعد من شفق جريح .. وتكبل المرأة أقدامي في أغلال أكثر ثقلاً من صخرة سيزيف .. ولا يعني هذا عدم وجود امرأة تدفعني للتحليق بعيداً وسبر أغوار أعتى الأحلام وأشدها غموضاً وروعة .. لكني أعود من حلمي لأكتشف اختفاء آثار هذه المرأة وكأنها كانت جزءً من حلمي ..
3. بين أسعد الكاتب والإنسان ثمة تناقضات .. تقاربات .. فوارق .. من يتغلب على الآخر؟
*. لا تناقضات ولا فوارق .. ولم يخض الإثنان ـ ان كانا كذلك ـ أي صراع .. انهما على أية حال تشكلا من طينة واحدة .. طينة اختلط في عجينتها الطري والمجدب .. غالباً ما يعتصرني هم ما .. قلق ما .. حصار ما .. حتى أغوص في غيبوبة الألم فينبري جزء أكثر صحوة مني ليكتب ما اعتصر جزئي الآخر .. ولا أخفيك يا صاحبي .. بأني أشعر دوماً ان ما تحمله قدماي حلم مؤجل يسير في شوارع المدينة .. ربما كان وهماً .. ويفاجئني دوماً من يطالبني بالعيش في محيط من مفردات مكرورة وعبثية .. الباص التي تقلني الى عملي تعيدني ثانية الى منزلي .. ما جدوى كل هذا ؟ .. وهل ما يحشو الزمن الفاصل بين الذهاب والإياب يستحق أن أكون واع له تماماً .. هذا أمر أفكر فيه كاتباً وانساناً فما الذي تريدني أن أفعله بين جزئي الكينونة الواحدة ؟
4. كيف بدأت علاقتك بالكلمة ؟
*. بدأت .. حين اكتشفت امتلاكي طاقة هائلة للحلم وخزيناً ضخماً من الأحلام .. كان مدرس اللغة العربية الشاعر صاحب الشاهر ـ الذي أردته الحرب ـ مع إيران يعتبر أحلامي دفقاً سريالياً .. كنت آنذاك مجرد تلميذ في المرحلة المتوسطة لم أدرك ما الذي يعنيه بسريالية.. لكني بعد سنوات .. وافقت الشاهر على ما كان يراه ..لكني أعلنت موافقتي هذه على قبره .. حالة ما .. تدفع القلب الى الإضطراب والى دفق الدم بهياج وجنون دونما مبرر .. هكذا .. حالة .. مجرد حالة .. ربما استخلصها من لون ما أو صوت .. وربما لا شئ .. كنت أشعر بغياب من نوع ما أردت أن أدون مخاضه ذات يوم فلم أدون سوى الغياب .. العجز .. ظلت الورقة بيضاء كما كانت .. وبكيت على صدر الشاهر .. فجذب قلمي ليدون كلمة أثارت شهيتي لإيجاد رفقة من كلمات تجاورها .. وكانت قصة من كليمات فرح بها الشاهر كثيراً وقرأها أمام استغرابي عشرات المرات ..
5. متى ستنتهي تلك العلاقة ؟
*. يقول أندريه موروا : أن تكتب معناه أن تكتشف نفسك .. وقد آمنت كثيراً بماقاله موروا .. متى تراني سأعلن اكتشافي لكينونتي .. ربما آنذاك لن أجد مبرراً للكتابة .. لا أخفيك بأن هذا ربما سيحدث بعد موتي بثلاثة أجيال ..
6. سؤال استفزازي .. لماذا تكتب ؟
*. سأجيبك ان أجبتني .. لماذا تتناول فطورك كل صباح ؟ ..لماذا تغفو حين يجن الليل؟.. لماذا تقودك خطاك الى دار بذاتها ؟ .. وجدران بذاتها ووجوه بذاتها حين تتعب الخطى قدماك ؟ .. أكتب يا عزيزي لأني أحب أن أتناول افطاري كل صباح والنوم في فراشي بعد أن يرهقني الأرق .. أكتب لأن رحلة البحث تبدأ دوماً بعد لقمة الإفطار .. والهرب اليومي يودي دوماً الى الفراش ذاته وما بينهما سيل لا ينفد وبركان لا يخمد من اعتصارات ستخنقني ان لم أقئها على ورقتي ..
7. لمن تكتب ؟
*. ما دامت الكتابة مفردة حياتية مثلها مثل إفطار الصباح أو سأم العمل أو رقاد الليل .. فأنا أكتب لي .. لأعيد تشكيل أشيائي ولإحتمال ما يكتنفني من مقلقات ..
8. كيف التقى القلم بالرصاص ؟ .. التجليات والبوح بالسوداوية والدم ؟ .. أم ان اعلانك الإنفصال عن الرصاص دفعك للدم ؟.. وأيهما أكثر سلبية وايجابية عليك ؟
*. انهما لم يفترقا ليلتقيا .. القلم كان الهاجس الذي صرت عبر انبهاري به أزفر حرقتي.. والرصاص والدم مكونات حقيقية ومتفاعلة لهذه الحرقة .. انني من بلاد أدركت كنه الرصاصة .. وغدا البارود عطر أيامها الجافة ولياليها الباردة .. وجيلي هو من احترف اللعب بالرصاص أما برشقه أو باستقباله بأجساد منهكة .. كان الرصاص أقماراً تدور حول كواكب أجسادنا فلا يكاد أحدنا يفلت من اساره الاّ بمعجزة .. وأنا كالبعض من زملاء الجيل .. خرجت من الحرب سهواً كما قال الشاعر الصديق عدنان الصائغ ..
في البدء كانت الرصاصة .. وكان الدوي الذي طوح برؤوسنا .. ارتجف القلم الذي كان يرسم صورة خلابة لجسد فتي .. ثم أدرك ما يحويه جراب الحاوي من صور أخرى للرعب القادم .. فأخرسته الصدمة حيناً وسطر حروفاً قلقة حيناً آخر .. الاّ انه استسلم لرغبة جارفة بالثرثرة .. ربما لم تكن حينها الآذان مستعدة للإستماع الاّ انه وحين اكتشف لذة الثرثرة آثر عدم النكوص عنها ..
9. النص الأول في ذاكرة المبدع .. أول قصة نشرتها .. أول نص درامي يذاع .. كيف استقبلتها .. هل قلبت موازين حياتك على الأقل ككاتب ؟
*. ربما كانت ستفعل لو كنت حاضراً .. لكني كنت سادراً في الغياب فلم ألحظ ظهورها.. نجمة تبزغ دونما أن يكلف أحد نفسه عناء النظر الى السماء .. ربما لأنها مليئة بالنجوم اللامعة لن تثير انتباهه نجمة مأزومة بين حدي اللمعان والتلاشي .. ظهور خافت وهادئ كصوتي الذي لا يكاد يظهر .. كنت غائباً لأني كنت غالباً ما أفقد الإحساس بالإنتماء لما أكتبه بعد أن أنهي كتابته .. لذا لا أراني متحمساً لمراجعته أو حتى نشره .. ولا يكاد الإحساس بمقت ما أكتبه يفارقني بمجرد أن يبارحني النص .. أتكتم سراً ؟ .. انني لا أحسن مراجعة نصوصي وكلها تقريباً تنشر من مسوداتها .. ولا أظنك ستصدقني ان أخبرتك بأني لا أكاد أذكر النص الأول خاصة وانه غدا عبثاً ككل عبث يطوح بنا..
10. ما الذي في الحقيبة ؟
*. الثرثرة كلها .. وأكداس من المفردات التي لا توازي ما يعتريني دوماً من وجع وذهول واكتشاف ..
11. ما هي المشكلات التي يمر بها السيناريو في اليمن من النص الأدبي حتى اخراجه ؟ .. وهل يمكن سد الثغرات التي يعاني منها ؟
*. يعتمد السيناريو على شقين أولهما القصة بمجمل ما تحويه من أحداث وعلائق وصراعات والثاني هو صيغة بلورة هذه القصة الى سيناريو صالح لتنفيذه بصرياً وتحويل دلالاته اللغوية الى دلالات بصرية .. ولا نستطيع القول ان اليمن مفتقر الى القصة بل العكس تماماً .. انه متخم بها .. فكل شخص يحمل بين جوانحه ما هو محتو لغزارة درامية ولا أبالغ في ماقلت .. اليمن كنز حكائي درامي .. المشكلة اذن في تقنية الكتابة .. فالقصة وحدها لا تكفي ان لم تحسن صياغتها بالسيناريو والحوار.. ليراعى البناء المشهدي الحاوي على اشتراطات التنامي والصراع والذروات وصولاً الى الإنفراج .. وهنا علينا الإعتراف بالحاجة الماسة الى من يمتلك القدرة والمهارة والحس .. وأؤكد على الثالثة ( الحس ) ..فرهافة الإحساس تعطي الكاتب بطاقة دخول الى قلوب مشاهديه .. وأؤكد كذلك على ضرورة التعامل الجدي والصادق من قبل الكاتب مع المادة التي يود كتابتها كما أطمح الى أن يتأكد المتدرب على كتابة السيناريو ان اعتقاده بأن الإنخراط في دورة كتابة السيناريو لايؤهله للكتابة ان لم يتواصل بشكل عملي وجاد مع ما تدرب عليه .. يجب أن تلي الدورة جهود كبيرة لكتابة أعمال والإقتناع بحقيقة انه سيختار آخر الأمر وضعها على الرف كي يكتب نصوصاً أخرى أفضل .. وأطمح أن يأخذ التلفزيون على محمل الجد دعاوى تنشيط الدراما اليمنية وايجاد الوسائل لتشجيع كتابها .. خاصة الجدد منهم ..
12. قصة تمنيت معالجتها درامياً وفشلت في اخراجها للمشاهد ؟ ببساطة لم تتحقق ؟
*. قصة الرهينة للروائي زيد مطيع دماج .. التي ان جردتها مما تعد تابوهات أفرغتها من محتواها .. وهي ليست قابلة للعرض كما جاءت في رواية دماج .. وشخصية ـ سيف بن ذي يزن ـ التي طلب مني الأخ المخرج عبد الرحمن دلاق الكتابة عنه لكني لم أنجح في العثور على منافذ تجعل منها رمزاً وطنياً .. ربما لأني لم أستسغ لجوءه الى تسهيل استعمار الفرس لليمن كي يطرد الأحباش بواسطتهم .. اضافة الى الحاجة الى الكثير من الوقت والجهد لفرز ما هو حقيقي مما هو أسطوري من كدس ما كتب عنه .. وهذا ما حداني بترك الفكرة منذ أربعة سنوات .. ولعل المآخذ ذاتها التي جعلت النص الذي كتبه السيناريست السوري يفشل في تحقيق أدنى قبول لدى المشاهد اليمني ..
13. كونك تعمل في الفضائية اليمنية .. كيف تنظر للخارطة الدرامية في اليمن .. وما الذي تحتاج له بالضبط لخلق دراما يمنية جادة وهادفة ؟
*. انها بحاجة الى قرار فاعل ومؤثر من القائمين على العمل الإعلامي .. قرار يتضمن تنشيطها وتفعيل دورها خاصة ان كونها الأكثر قدرة على اختراق وجدان وتفكير عامة المشاهدين أمر حقيقي بل وبديهي .. ومثل هذا التفعيل يعني في مداه التقني العمل على ايجاد كادر متخصص بالعمل التلفزيوني الدرامي .. يتم تأهيله عبر الأعمال وتوفير الخبرات .. كذلك العمل على أن يغدو العمل في الدراما التلفزيونية مجد مادياً .. وأطمح الى استخدام كلمة مغري .. انني أتمنى أن يرى العاملون في الدراما التلفزيونية يوماً تكون العائدات المتحققة نتيجة جهودهم منصفة ومغرية كي يمتلكون الرغبة والإصرار للمواصلة والإبداع .. أنّى لي أن أطالب فني التصوير مثلاً ببذل الجهد في تسجيل لقطة مبدعة وهو يرى ان جهده لن يكافئ مادياً ولا معنوياً .. وكيف نطالب بتطوير الدراما التلفزيونية ولم يوجد حتى هذه اللحظة مقياس إداري لتكريم ماهو جيد ومحاسبة ما هو ردئ .. كيف نطمح الى تغير كبير الى منحى ايجابي للدراما التلفزيونية اليمنية .. وما زالت الإدارات مستعدة لصرف الملايين لأعمال تعلم مسبقاً بأنها ستكون فاشلة .. وهي بهذا تتسبب في فقدان الثقة بالإنتاج اليمني لدى المشاهد والإدارات .. اننا نحتاج الى منحنى تصاعدي يشهد وضع عمل ما في موضعه من المنحنى لنبحث عن عمل يرتقي الى درجة اعلى .. نحتاج تماماً الى كسب ثقة المشاهد والإدارات المقررة لإستمرارية الإنتاج .. وهذا يعني أن لا نقدم الأعمال اعتباطاً .. أعجبني ماقاله لي مدير ادارة الإنتاج في الفضائية اليمنية د. فضل العلفي حين عدت من بغداد وبعد أن عرض مسلسل الوصية فحقق نجاحاً جماهيرياً .. لقد طالبني بأعمال أفضل من الوصية .. وأعلن عن نية الإدارة بتطوير الأعمال الدرامية .. نحتاج الى الكثير من الصدق كي ندفع بالدراما التلفزيونية الى الأمام ..
14. علاقة السيناريو بالأدب والتاريخ علاقة تخدم الطرفين .. ما الذي يحتاجه أدبنا وتاريخنا لنراه صوراً ؟
· . يحتاج الى ملتقط جيد ذا حساسية مرهفة وبصيرة يقظة .. ومن الكنوز التي يزخر بها الأدب اليمني ومنه الأدب الشعبي .. والتاريخ اليمني والحديث منه بوجه خاص .. منها جميعاً يستطيع مثل هذا الملتقط أن يقدم أعمالاً رائعة .. ولكي تكون كذلك يجب أن يتدرب البعض من عاشقي الكتابة على السيناريو .. ربما لن تكون كتابة السيناريو مربحة كبعض البرامج مثلاً لكنها تمنح الكثير من الرضا حين يتعامل معها السيناريست كرسالة يسعده ايصالها أكثر مما تجنيه يداه من نقود .. ولكي ترى هذا الأدب والتاريخ صوراً .. عليك أن تطمح أولاً الى امكانية تنفيذ هذه الصور بحد من القبول ينأى بنا عن مشاهدة مهازل صورية .. اننا نحتاج الى مخرج لا يفكر بما سيدره عليه العمل من موارد خارج إطار ما خصص له من أجور .. وإدارة تقدم المال الكافي لإنتاج العمل بعد أن تدرسه بشكل فعلي ثم تقوم بتحديد الطاقم القادر على الإنجاز الإيجابي لا تحويل العمل الى دار للرعاية الإجتماعية يرى فيه أفراد الطاقم مصدراً لجني المال فحسب .. أما العمل ضمن معاييره الإبداعية فسيغدو نكتة سمجة ان ذكرت به أحدهم .. نحتاج الى إعادة النظر في آليات إنتاج الأعمال الدرامية .. وأكرر .. نحتاج الى إيجاد كوادر متخصصة وتحظى بامتيازات مالية مرضية ..
15. يقول البعض بأنك أحد الأسباب المباشرة في تنشيط العمل الدرامي التلفزيوني .. هل أنت راض عما قدمته ؟..
*. يسعدني ما يقولون .. لكني أعترف لك بأني غير راض تماماً عما قدمته من أعمال .. لقد حقق مسلسل الثأر صدى جيداً حين تم عرضه .. وتكرر الأمر عدة مرات آخرها عند عرض مسلسل الوصية .. حمداً لله اننا استطعنا الإقتراب من الذائقة الشعبية التي أراها بالغة التعقيد خاصة ان مفردات ذائقتي الخاصة مختلفة الى حد ما عنها .. لكني أرى ان الأعمال كانت ستقدم بشكل أفضل ان حظيت بإهتمام أكثر .. وبالنسبة لي أحتاج الى التخلص من فكرة اني معرض لتهميش دوري في كل عمل أساهم به .. فليست الأجور وحدها التي تعتبر بالغة الضآلة ما أعاني منه .. بل التهميش الإعتباري .. ففي مسلسل الوصية مثلاً كتب اسم الأخ أحمد محمد اللحجي باعتباره المؤلف مما جعل الجميع يرى دوري ثانوياً تماماً ، بل ان بعضهم لم ير لي دوراً .. فالكلمة صريحة في اعتبار الأخ اللجي مؤلف العمل .. الاّ ان واقع الحال اني تصرفت بالقصة التي قدمها الأخ اللحجي بشكل كبير وفاعل وصل الى حد إضافة شخصيات وخطوط درامية وأحداث وحذف الكثير مما رأيته قد يسبب الترهل في ايقاع العمل .. ثم كتبت السيناريو والحوار كاملاً .. يعلم الأخ المخرج / مجاهد السريحي والأخ / مدير الإنتاج د. فضل العلفي مدى تدخلي في بناء القصة بما يوازي وقد يتجاوز حدود القصة التي قدمها الأخ اللحجي .. لذا كان حرياً بهما الإشارة الى جهود الأخ اللحجي كمساهم في كتابة القصة وفي أفضل الأحوال تنسب اليه القصة .. لا أن يشار اليه كمؤلف اذ يشمل معنى هذه المفردة كل الجهود الخاصة بالكتابة ومنها السيناريو والحوار .. ان إقدامي على عمل جديد صار مبعث خوف لي حين أفكر مسبقاً بأن جهودي ستصادر في جانبيها المادي والأدبي .. وأود أن أوجه للمعنيين كلمة مفادها : أبعدوا المبدعين عن مثل هذه التخوفات .. لأنها حتماً ستلجم أيديهم عن كتابة ما هو مبدع ..
16. قال الطيب صالح في إحدى حواراته ان الأدب لم يشفِ جراح البشرية .. فهل بالفعل لم يشفِ الجراح ؟
*. طبعاً .. فالأدب يشير لما هو سلبي بالضرورة ويضع لائحة اشتراطاته وأحلامه في البديل الأفضل .. إلاّ ان مجتمعاتنا التي اعتادت على أن يحدث التغيير بالدبابات والمدافع لن تؤثر فيها الكلمة تأثيراً جذرياً .. اعتدنا للأسف ان ننخرط في أية عملية تغييرية تملى علينا .. لا أن نساهم فيها .. يجب ان لا ننسى ان هناك فواصل كبيرة بين المواطنين بوجه عام وبين العملية الأدبية والإبداعية التي غدت تخصصاً نخبوياً .. يتداوله أفراد النخبة بعيدين بشكل كبير عن المجتمع .. انني أرى التلفزيون أكثر تأثيراً من الأشكال الأدبية التقليدية لذا أبذل الكثير من الجهود لإيصال رسائلي عبره ..
17. المرأة تمثل محوراً هاماً في أعمالك الأدبية .. لماذا اخترتها هي بالذات ؟
*. لم يكن اختياراً بل تجاذب في المصائر .. المرأة كانتني فصرتها .. كانت الحافز .. البذرة المكتنزة بكل طاقات الإيحاء .. فصارت القصة والرواية والسيناريو .. ما دامت تعيش في مسامي وبين تجاويفي فكيف تستطيع القول بأني اخترتها .. ليس في الأمر ثمة اختيار .. انها موجودة دائماً لأنها كذلك ..
18. ماهي الأعمال الأدبية التي تتمنى أو ترى أحقيتها من حيث الأهمية لمعالجتها درامياً ؟
*. جملة من الأزمات الإجتماعية الكبيرة التي ان تناولها عمل أدبي ما فيستحق الترجيح والاّ فيجب أن يتم تناولها ضمنه .. المرأة وتعلمها وما تؤول اليه بعد التعلم .. علاقة الرجل بالمرأة ، تلك العلاقة المأزومة حد العلة أحياناً ، الأطفال الذي يتولى الشارع تربيتهم لغفلة ذويهم أو اهمالهم ، قضايا الثأر والسلاح ، أزمة الوعي لدى الجيل الجديد ، مظهرية الإنتماء وجوهره ..
19. خطوات قادمة ؟
· أدبياً : عدة كتب سيتم اصدارها ، منها رواية ومجموعتان قصصيتان وكتاب عن وزارة الثقافة .. ورواية عن اتحاد الأدباء اليمنيين .. ورواية أعكف على كتابتها الآن.. وتلفزيونياً : مسلسل ضخم عن الحركة الوطنية كتبت السيناريو والحوار لخمسة عشر حلقة حتى الآن وعلي كتابة مثل هذا الرقم تقريباً ان يكن أكثر .. ومسلسل السور الذي كان من المفترض ان يقدم في رمضان القادم الاّ اني اضطررت لإهماله في ظل انشغالي المستمر والإجتماعات اليومية مع الشاعر محمد الشرفي والمخرج مجاهد السريحي طيلة أشهر حيث نقوم معاً بجمع المادة التاريخية التي ترفد السيل الحكائي لأحداث المسلسل وستكون الشخصية المحورية له الشهيد محمد محمود الزبيري .. لذا لن أكون مشاركاً في رمضان القادم بأي عمل تلفزيوني .. هناك أيضاً مسلسل الأحفاد الذي كتب له السيناريو والحوار وتم تسليمه للدكتور فضل العلفي منذ أمد ، وهناك فلم تلفزيوني يحمل عنوان زائر المطر ربما يكون مفجراً لسلسلة من الأفلام التلفزيونية المستمدة من حكايات شعبية يمنية ..
20. قراءة سريعة للشيطان ، الحب ، الرغبة ؟
*. ان لم نحتضن الشيطان بين أضلعنا فليس ثمة خطر .. انه كائن سرابي خارجنا .. لا قيمة له الاّ بضعفنا .. يستمد وجوده منّا .. من تصارعنا العبثي مع ذواتنا .. فيتجلى قوياً .. مؤثراً .. من يقرر وقف التعاطي مع الشيطان كمن يقرر الإقلاع عن التدخين .. وأرى الأمر ممكناً .. لا يتطلب منا سوى تحفيز قدرات الخير المخبوءة .. أما الحب فهو الله الكامن بين جوانحنا .. الله محبة .. أليس كذلك ؟ .. وليست الرغبة أدنى من ذلك .. فالرغبة قدسية ...
21. مواقف ؟
*. لا أسوأ من موقف تشعر فيه ان ما حققته من نجاح لايعني لك ولا لغيرك شيئاً .. المواقف الغريبة كثيرة ، ربما كان آخرها ما طرق سمعي منذ وصولي المطار بأن مسلسل الوصية حاز على نجاح كبير ، وان الجميع يراه أكثر نجاحاً من مسلسل سيف بن ذي يزن .. بل ان زملائي في التلفزيون أخبروني بأن الأخ الرئيس علي عبد الله صالح اتصل برئيس قطاع التلفزيون معلناً اعجابه وتهنئته به .. كنت أظن أنهم سيشكرونني على الأقل .. لكني فوجئت بأن راتبي قد تم إيقافه .. ومكافئتي المالية الخاصة بمسلسل الكنز موشكة على التبخر .. بل ان الصديق الذي ائتمنته على مرتب شهر رمضان الذي قضيته في بغداد فاستلمه نيابة عني تصرف به عوضاً عن حفظه حتى عودتي .. لذا كنت وقد عدت من بغداد خالي الوفاض .. مغمور بالنجاح ومفلس حتى النخاع ..
22. مصادر تزود مكتبتك الذهنية ؟
*. أول المصادر وأهمها الناس .. فهم كنز من الحكايا والتجارب .. وثانياً الكتب .. وثالثاً الإنترنت .. ربما أعده ثانياً هذه الأيام .. وهناك ما هو أكثر أهمية من الجميع .. تلكما هما عيناي اللتان احترفتا مراقبة ورصد كل شئ .. وذاكرتي التي تحسن خزن ما تراه عيناي واستخراجه حين الحاجة وفق آلية لا واعية لكنها منظمة تثير استغرابي في أكثر الأحيان .
23. أطرف موقف ؟
*. حين اختارني الأخ المخرج عبد العزيز الحرازي لتمثيل شخصية توم في مسلسل الكنز لأكتشف اني ممثل فاشل وغير قادر على الحفظ تماماً .. كانوا يمسكون لي ورقة تحوي الحوار الذي كتبته أنا ولم أنجح في حفظه ..
24. نصيحة توجهها .. لقلمك ؟ لقلبك ؟ لشخص ما ؟
*. لقلمي : عليك أن تستعد دائماً لإستقبال المبراة فالدرب طويل .. ولقلبي .. دع الإضطراب جانباً .. فقد فرقعت كل بالونات الأحلام .. كل ما عليك أن تقوم به .. هو أن تنبض بشكل جيد .. ولشخص ما ... لا أذكر شخصاً محدداً .. بل لمن بيده الأمر في تقرير واقع الدراما التلفزيونية اليمنية أقول : رفقاً بها .. انها وليد يستحق العناية .. ورغم ان المواليد حشد من المجاهيل لما سيكونونه مستقبلاً .. لكن وليدنا ذكي ونابه ان أحسن توجيهه .. فاعمل على ذلك أيها الأب ..