المؤتمر نت - العبادات مطلوبة لذاتها.. وليست مجرد وسيلة تهذيب من المزاعم الكاذبة والدعوات الخبيثة التي يرددها خصوم الإسلام والجاحدون لهديه ان العبادات والطاعات التي أمر بها الإسلام هي مجرد وسيلة لتهذيب النفس واستقامة السلوك فقط.
الداعية الدكتور يوسف القرضاوي يسخر من هذه المزاعم. ويقول ان العبادات والطاعات التي أمر بها الإسلام ليست مجرد وسيلة لتهذيب النفس والتربية الأخلاقية وإن كانت تحقق هذا الهدف، فالعبادة في الإسلام مطلوبة لذاتها، وغاية في نفسها، بل هي كما أوضح القرآن مراد الله من خلقه المكلفين إنسا وجنا، وهي الغاية وراء خلق السموات والأرض “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”.
فالمقصود الأول من العبادة كما يوضح الدكتور القرضاوي هو أداء حق الله عز وجل، والمقصود بالعبادة أن يعرف الإنسان نفسه فقيرا لا حول ولا قوة له إلا بربه ولا اعتماد له إلا عليه، ولا قيام له بذاته، ويعرف ربه عليا كبيرا غنيا عن العالمين “يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز”.
ومن هنا فإن إظهار العبودية لله رب العالمين وامتثال أمره سبحانه في ما تعبد به خلقه وهو علة العبادات كلها من صلاة وصيام وزكاة وحج وتلاوة وذكر ودعاء واستغفار واتباع للشريعة، والتزام بأحكام الحلال والحرام. أما صلاح النفس وزكاة الضمير، واستقامة الأخلاق، فهي ثمرة لازمة للعبادة الحقة، وليست علة غائية لها، ولهذا يقول الحق سبحانه “اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون” ويقول: “كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”.
ويضيف الدكتور القرضاوي: ينبغي للإنسان أن يعيد النظر في عبادته وإحسانها حتى تؤتي أكلها من تقوى الله وخشيته، فلو فرضنا أن قلنا لمزارع “ازرع لتحصد” فزرع ولم يحصد الحصاد المرجو لتقصيره في بعض ما كان واجبا عليه أن يرعاه، لم يكن معنى ذلك أن نقول له: اترك الزرع والغرس مع أن ذلك مهنته التي لا وظيفة له غيرها، وكل ما يقال له ابذل جهدا أكثر، ووف عملك حقه من الإتقان لتحصل على ثمرة أفضل وهذا ما أجاب به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين ذكروا له قوما يصلون ولكنهم يقومون بأمور لا تليق بمن يقيم الصلاة فقال لهم: إن صلاتهم ستنهاهم.
ولذلك فإن الإنسان الذي يحرص على الصلوات ويصوم رمضان ويزكي ولم يقصد من وراء ذلك إلا تزكية نفسه، وتربية خلقه، دون الالتفات إلى حق الله عليه، والقيام بواجب العبودية لله جل شأنه، ما كانت هذه الصلاة وذاك الصيام إلا عادة من العادات لا قيمة لها في ميزان الحق، ولا تحظى بذرة من القبول عند الله.
العبادة والأخلاق
ينتهي الدكتور القرضاوي إلى أن عبادة المؤمن لون من الأخلاق، وأخلاقه لون من العبادة، ويقول: العبادة عند المؤمن نوع من الأخلاق، لأنها من باب الوفاء لله، والشكر للنعمة، والاعتراف بالجميل، والتوقير لمن هو أهل التوقير والتعظيم، وكلها من مكارم الأخلاق عند الفضلاء من الناس، ومن أجل ذلك نجد القرآن الكريم يعقب على أوصاف المؤمنين القانتين المطيعين لله بمثل هذه العبادات “أولئك الذين صدقوا” “أولئك هم الصادقون”، والصدق فضيلة خلقية خالصة، وإنما استحقوها بل جعلت مقصورة عليهم لأن أعلى مراتب الصدق، وأثبتها وأبقاها هو الصدق مع الله رب العالمين.
وإذا كانت العبادة عند المؤمن لونا من الأخلاق المحمودة، فالأخلاق عنده لون من العبادات المفروضة. فهذه أخلاق ربانية، باعثها الإيمان بالله، وحاديها الرجاء في الآخرة، وغرضها رضوان الله ومثوبته، فهو يصدق الحديث، ويؤدي الأمانة، ويفي بالعهد، يصبر في البأساء والضراء وحين البأس، ويغيث اللهيف، ويعين الضعيف، ويرحم الصغير، ويوقر الكبير، ويرعى الفضيلة في سلوكه، كل ذلك ابتغاء وجه ربه، وطلبا لما عنده سبحانه وتعالى، والشواهد على ذلك من القرآن الكريم كثيرة منها ما وصف الله به الأبرار من عباده من البذل والرحمة والإيثار، إذ قال: “ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا” ثم يكشف القرآن عن حقيقة بواعثهم وطوايا نفوسهم فيقول معبرا عن لسانهم “إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا”.
ويضيف الدكتور القرضاوي: إن أخلاق المؤمن عبادة من ناحية أخرى، ذلك أن مقياسه في الفضيلة والرذيلة، ومرجعه في ما يأخذ وما يدع هو أمر الله ونهيه، فالضمير وحده ليس بمعصوم، وكم من أفراد وجماعات رضيت ضمائرهم بقبائح الأعمال، والعقل وحده ليس بمأمون لأنه محدود بالبيئة والظروف، ومتأثر بالأهواء والنزعات، وفي الاختلاف الشاسع للفلاسفة الأخلاقيين في مقياس الحكم الخلقي دليل واضح على ذلك.
فريضة دينية
أما المفكر الإسلامي الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية المصري، فيرفض هو الآخر المنطق المقلوب في التعامل مع العبادات والفرائض الدينية، ويؤكد أن عدم الالتزام الأخلاقي لبعض الملتزمات بفرائض لا يعني إهمال هذه الفرائض أو التقليل من شأنها، ويقول: الحجاب فريضة شرعية لا يجوز لأحد التقليل من شأنها في استقامة السلوك، فالحجاب الذي يفرضه الإسلام على المرأة لا يطلب منها غير الاحتشام في ملابسها، ومظهرها حتى لا تتعرض للمضايقات من جانب الرجل، فالحجاب هنا صيانة للمرأة وحماية لها وليس قيدا عليها من شأنه أن يشل حركتها.
والحجاب كما هو من الفضائل في الإسلام فهو كذلك من الفضائل في الديانة المسيحية والدليل على ذلك ما ترتديه الراهبات المسيحيات من ملابس تغطي كل جسم المرأة وشعرها ولا يظهر منها غير الوجه والكفين.
سلامة القلوب
الدكتور أحمد عمر هاشم أستاذ السنة النبوية يؤكد أن الفرائض الدينية والأوامر الربانية واجبة التنفيذ سواء فهم الهدف والقصد منها أو لم يفهم وسواء حققت هدفها في حياة الإنسان أو لم تحقق. يقول: المرأة المسلمة مطالبة بستر جميع جسدها فلا تبدي عورتها ولا مفاتن جسمها، وألا يكون ثوبها شفافا يظهر ما تحته ولا ضيقاً يصف أعضاء الجسم، وإذا نظرنا إلى الأوامر الإلهية في شأن الحجاب، وهي أوامر خوطبت بها أمهات المؤمنين في عصر كان خير العصور، ولنساء كن نماذج عليا للبشرية جمعاء، وجدنا أهمية الأمر بوجوب الحجاب، وأنه إذا كان قد خوطبت بتلك الأوامر أمهات المؤمنين الطاهرات اللاتي تنزل الوحي في بيوتهن وكن مع خير خلق الله فما بالنا به اليوم؟ لا شك أن طلبه ألزم، والنداء به وإيجابه أحكم، فقد نادى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لأزواجه وبناته ونساء المسلمين “يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين”.
ويوضح الدكتور هاشم أن أمر الحجاب ليس مقصورا على ستر جسد المرأة فحسب بل إنه يشمل أيضا التحفظ حتى في النطق والكلام فلا يكون الخضوع بالقول، ولا التكسر في اللفظ ولا التبرج قال تعالى: “يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى”، وحفاظا على الكرامة والعفاف، وحرصا على الطهر والنقاء وعلى سلامة القلوب من الوساوس والهواجس يأمر الله تعالى بأن يكون الحجاب معلم الطهر والعفاف فيقول سبحانه وتعالى: “وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن”، وبذلك يتضح أن الحجاب الذي أمر به الإسلام ليس قيدا على حرية المرأة بل هو حماية لها.
المصدر-الخليج الاماراتية
|