عبدالله محمد الإرياني -
المؤتمر اعتدال النهج ووسطية الميثاق
منذ الوهلة الاولى لتبلور فكرة انشاء اطار جامع للامة في عقول منظريها من كافة التيارات اليمنية المختلفة السياسية منها والاجتماعية والايديولوجية وعلى رأسها نواة الفكرة ومنظرها الاول الزعيم علي عبدالله صالح، الذي منذ توليه قيادة الدولة اليمنية في العام 1978م كان ومازال وإلى جانبه رفاق دربه النضالي من اولى اولوياتهم تبنّي نهج وطني معتدل لا غلو فيه قبلياً أو سلالياً أو مناطقياً أو ايديولوجياً.
وعلى الرغم من التنوع والاختلاف والتباين الشديد الذي ساد تلك الحقبة التي تزامنت في جزء لابأس به مع حركات التحرر في الوطن العربي، وتزامنها أيضاً في ذات الوقت مع احتدام الصراع بين التيارات اليسارية والليبرالية وكذلك الاسلامية، إلا ان قادة اليمن ومرجعياتها ورجالها الوطنيين ورغم كل تلك الظروف توصلوا إلى صيغة وطنية جامعة تجسدت بالدعوه لمؤتمر شعبي تجتمع في بوتقته كافة تلك التناقضات والتباينات، حرصاً على حماية الثورة المجيدة «26 سبتمبر و14 اكتوبر»، للعمل بروح وطنية جامعة سعياً لتحقيق اهدافها السامية، فالتفت كافة القوى الوطنية حول ذلك المؤتمر الوطني العظيم جاعلةً من الاعتدال نهجاً اساسياً لها في حوار جاد يهدف لمعالجة كافة قضايا الوطن العالقة الناجمة عن تلك التناقضات بين اطراف السياسة والمجتمع، وفي توجه وطني واضح غلّبت فيه المصلحة الوطنية على المصالح الجهوية الضيقة، صيغت وثيقة وطنية مثلت حتى اللحظة مرجعاً ودستوراً وطنياً اتسم بوسطية الصياغة والطرح، مشكّلاً بذلك عقداً اجتماعياً.. وثيقة صاغتها أيادٍ يمنية خالصة وبأحرف وطنية شددت على ضرورة واهمية حماية الوطن ومبادئ واهداف ثورتيه المجيدتين «26 سبتمبر و14 أكتوبر»، والانطلاق نحو تنمية شاملة للمجتمع والدولة اليمنية الموحدة والدفاع عن مكتسباتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية.
فنتج عن ذلك المؤتمر وثيقة الوطن الاولى المتمثلة بالميثاق الوطني، مسجلةً بذلك نهجاً نادراً للوسطية، ونموذجاً ايجابياً وفريداً في اعتدال لم تشهده المنطقة العربية برمتها، فشملت تلك الوثيقة في طياتها كافة جوانب الحياة اليمنية الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحضارية والايديولوجية، فتحول بذلك المؤتمر الشعبي إلى تنظيم سياسي جمع في اطاره كافة شرائح المجتمع اليمني واصبح التنظيم القائد للدولة والمجتمع، فاتخذ من قاعدتي الاعتدال والوسطية استراتيجية اساسية له في ادارة وقيادة الدولة والمجتمع، الامر الذي مكنه من استيعاب كافة تلك التناقضات في اطاره الحزبي، فأصبح تنظيماً محورياً في محيطه المحلي ورقماً صعباً في محيطه الاقليمي، وهاجساً ديمقراطياً أقضّ مضاجع منظّري الديمقراطية ودعاتها في محيطة الدولي.
تنظيم حيَّر العالم بالتفافه حول قضاياه الوطنية والاقليمية، واقلق سكينة قوى التجبر والاستكبار لقفزاته في فكره وبنائه وهيكله التنظيمي، وارهقها صلابة وثبات مواقفه تجاه قضاياه الوطنية والاقليمية والدولية، وانهكها تعاطيه المرن مع معطيات وظروف الساحة السياسية المحلية والاقليمية والدولية بما لا يتناقض مع الثوابت ولا يخالف نهجه الوطني أولاً والقومي ثانياً والاممي ثالثاً واخيراً التنظيمي، فكان بذلك ولايزال حقاً حزب الوسطية والاعتدال وانموذجاً ناصعاً لتجربة لم تشهد لها المنطقة العربية نظيراً.
فمن المسلَّمات التي لاجدل فيها ان نجاح أي حزب سياسي يتوقف على ثبات مبادئه وسمو أهدافه ورسوخ منطلقاته الفكرية النابعة من عمق وصلب حضارة وتركيبة مجتمعه المحيط، والمؤتمر الشعبي العام آمن بكل ذلك منذ تأسيسه الامر الذي ساعده على اضافة قاعدة جماهيرية عريضة إلى رصيده التنظيمي، فساهمت بشكل كبير في ترسيخ جذور التنظيم في صُلب الحياة السياسية والاجتماعية اليمنية، مصطفياً له الشعب دون غيرة ليكون جسره الآمن والأمثل في عبوره لبلوغ طموحاته، المتمثلة في بناء دولة راسخة مستقلة وذات سيادة مطلقة، وإرساء قواعد العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، والعيش بكرامة تحت سقف الوطن الواحد الموحد بعيداً عن اية وصاية أياً كان نوعها أو طابعها أو جهتها.
فكان بذلك المؤتمر الشعبي العام ومازال حتى اللحظة الجسر الآمن والمتين الذي تنقلت عليه الدولة اليمنية الحديثة، محققةً الكثير والكثير مما كان يطمح اليه الشعب، والفضل في ذلك يعود لالتزام المؤتمر بنهج الاعتدال والوسطية فكان ومازال حتى اللحظة، ذلك التنظيم المتشدد في اعتداله بقضايا الوطن، والمعتدل في تطرفه بقضايا الحزب.
حفظ الله اليمن أرضاً وانساناً وحفظ المؤتمر الشعبي العام كياناً وزعامةً وقيادةً وقواعد وعلى رأسهم رمز الوطن الزعيم علي عبدالله صالح، ورفاقه التنظيميون من قيادات وقواعد المؤتمر بمستوياتها - القيادية والوسطية والقاعدية.
المجد والخلود للشهداء.. الشفاء العاجل للجرحى.. النصر لقضية امتنا.. ولانامت اعين الجبناء..