المؤتمر نت - ميلاد الديمقراطية إرتبط نهج الديمقراطية والتعددية السياسية في اليمن بعدة تجارب غنية ظل معظمها يبحث عن الهوية الحقيقية التي يمكن أن يستند إليها هذا البلد في توجهاته للبناء والتطور والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .. بعد أن تخلص من كهنوت الحكم الإمامي وقبضة الاستعمار الاجنبي .. وأتجه الى استشراف الواقع الجديد للعصر الراهن والتعامل مع حقائقه وضروراته بعيداً عن كل عوامل الاملاء والحجر والوصاية والتسليم الأعمى بالنظريات الجاهزة والنقل الممسوخ للأفكار التي تتعارض مع قيم وحضارة هذا الشعب.
- ورغم كل المصاعب والمحاذير التي صاحبت ورافقت كل تلك التجارب فإن الواضح والجلي ان تأسيس المؤتمر الشعبي العام في الرابع والعشرين من اغسطس عام 1982م قد شكل حدثاً بارزاً في تاريخ اليمن المعاصر .. فبقيام هذا التنظيم استطاع شعبنا ان يضع أولى القواعد الراسخة للبناء الوطني المستقبلي وأن يبدد بذلك غوامض المراحل الماضية وماحفلت به من احتقانات وتناحرات وصراعات بين الوان الطيف السياسي والحزبي في اليمن.
- ومن خلال العودة بالذاكرة الى واجهة ذلك الحدث قبل اثنين وعشرين عاماً .. لابد وان يكتشف المتابع المتفحص الكثير من الحقائق التي لاشك وان الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية قد عبر عنها بالتزامن مع محصلة ذلك التوافق الجماهيري والشعبي على صيغة الميثاق الوطني حيث أشار فخامته الى انه ومنذ الأيام الأولى لتحمله امانة المسؤولية في السابع عشر من يوليو عام 1978م فقد ظل التوصل لايجاد صيغة مثلى تحقق التفاعل الجاد مع مبادئ الديمقراطية والمشاركة الشعبية في صنع القرار طليعة الهموم التي تشغله على مدار اللحظة والساعة لإيمانه العميق من أن الساحة اليمنية مقبوضة بحالة من الفراغ السياسي لن تثمر سوى المزيد من الصراعات التي تنعكس باخطارها وتأثيراتها على مكاسب الوطن والشعب .. كما أن الحزبية التي تعشش وتستشري تحت رماد السرية لايمكن تقويضها وتجاوز تفاعلاتها وان القيام بذلك لن يؤدي إلاً إلى توسيع الاستلاب والتشظي الفكري ودفع الثورة الى دائرة الارتهان للجيوب الخفية التي كانت تتحين الفرصة لتنفيذ مخططاتها الرامية لافراغ هذه الثورة من مبادئها التي جاءت معبرة لإرادة كل اليمنيين وتطلعاتهم وتضحياتهم عبر مسيرتهم النضالية الرائدة.
- ولذلك كله فإن الأمانة التاريخية تقتضي القول بان توافق كل القوى السياسية والشعبية على الميثاق الوطني مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي قد حسم أموراً كثيرة لعل أهمها ماكان يتهدد الثورة اليمنية ورسوخ أهدافها الى جانب ماكان يعترض الوحدة الوطنية من تحديات الفراغ السياسي .. فضلاً عن أن تلك الخطوة قد فتحت الطريق أمام شعبنا لبلوغ تطلعاته في إعادة وحدة الوطن والمضي نحو إرساء أول نظام للتعددية السياسية عقب إعلان الجمهورية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990م.
- وفي مجمل هذه الشواهد مايؤكد على ان الحديث حول تجربة ومسيرة المؤتمر الشعبي العام لايعني بأي حال من الأحوال التعصب لهذا التنظيم الذي يحتفي اليوم بالذكرى الثانية والعشرين لنشأته.. خاصة إذا ماأدركنا بأن هذه الانطلاقة هي من ارتبطت بأهم تحول جريء أسهم وبشكل مباشر في انتقال اليمن من مناخ مضطرب الى فضاء ارحب من الأمن والاستقرار والوئام الاجتماعي مما اتاح لشعبنا انجاز اهدافه الكبرى في حقل التنمية والبناء والوحدة والديمقراطية وهي الإنجازات التي أبرزت وجه اليمن الحقيقي والمشرق على الساحتين الإقليمية والدولية وكذا بناء معالم المجتمع اليمني المتحضر القادر على النهوض بمسئولياته ومجاراة تحولات العصر بإرادة واعية لاتعرف التردد أو الانكماش.
- لقد انتصرت الديمقراطية اليمنية في تكريس حق الشعب في حكم نفسه بنفسه من خلال مؤسساته المنتخبة .. كما استطاعت هذه التجربة أن تجتاز كل مااعترضها من صعاب من خلال ترشيدها للمارسات والسلوكيات الخاطئة عبر قنوات الحوار ومنابر الرأي والرأي الآخر وحرية الصحافة.
- وفي خضم هذا التفاعل فليس من المبالغة القول بأن الأنموذج الذي قدمته الديمقراطية اليمنية قد أهلها لتصدر أفضل النماذج المماثلة في المنطقة .. وهو المدلول الذي تتجلى خصائصه في اختيار اليمن ممثلة بالاخ الرئيس علي عبدالله صالح للمشاركة في قمة الدول الصناعية الكبرى في سي إيلاند بالولايات المتحدة الامريكية .. وإذا كان هذا التقدير العالمي للتجربة اليمنية هو مايحفز على الاستفادة من كل محددات هذا النجاح.. فإنه الذي يضع المصفوفة الحزبية في بلادنا أمام مسئوليات جديدة تتمثل في أهمية الارتقاء بدورها ومسئولياتها الى مستوى هذه الانتقالة النوعية .. وذلك هو مايتطلب الترفع عن أي انزلاق في خانة المماحكات والكيد السياسي والاحساس بأن التوصل الى بناء المجتمع السعيد والفاضل والمناخ الديمقراطي الايجابي الذي يكسبها قدرا عاليا من الفاعلية في الوسط الاجتماعي إنما يقتضي بدرجة أساسية تطوير أسلوب عملها وتمثل روح الديمقراطية سلوكا وممارسة في كل توجهاتها وخطابها السياسي والاعلامي.. وجعل ذلك حاضرا في كل أدبياتها وتعاملاتها وتحركاتها وتعاطيها مع مختلف القضايا.
- وإذا كان من المفترض بالمؤتمر الشعبي وهو يحتفي اليوم بمرور إثنين وعشرين عاما على إنشائه ان يجعل من هذه المناسبة محطة لمضاعفة خطواته المتميزة واستلهام كل المعاني التي أكد عليها دليله النظري والفكري (الميثاق الوطني) فإن الاحزاب الاخرى لابد لها وان تدرك ان واقعنا اليمني اصبح غنيا بالعوامل الايجابية التي تشجعها على إضفاء إسهاماتها في مختلف مواقع البناء والعطاء والمشاركة في كل الخطوات التي تسير بالوطن نحو المستقبل الافضل والغد الأكثر إشراقا.
<<الثورة>> اليمنية
|