الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:46 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الخميس, 26-أغسطس-2004
بقلم-الدكتور حسن ميّ النوراني -
النورانية
(1)
الألوهية فكرة التفوق المستمر. ونحن نمتلك من الألوهية، امتلاكا فعليا، قدرا معادلا لقدرتنا الفعلية على التفوق على اللحظة الراهنة. يكون الواحد منا إلهيا إذا امتلك القدرة الفعلية على التفوق على آخر لحظات الزمان.
وصحيح أن إلهيتنا لا تنفك عنا ولا ننفك عنها، وفي كل الأحوال؛ ولكن هناك تمايزا بين إلهية تتجاوزها الفعلية، وإلهية تتقدم بالتجاوز الفعلي، تقدما أخلاقيا.
الإلهية في مستواها الإنساني هي إلهية أخلاقية، وعقلية أيضا. الإلهية الإنسانية اجتماعية متحركة بالعقلي، متحركة بالصناعة؛ أي: بالخلق. الإنسان اجتماعي يخلق ذاته. وفعل الخلق هو فعل تجاوز، هو فعل خروج من كائن إلى كائن. الخروج من كائن إلى كائن فعل طبيعي، ليس متفوقا دائما، ولكنه يكون متفوقا إذا كان ممتلئا بقدر من الألوهية بقدر فوق ما هو معتاد. الفعل الفائق فعل غير معتاد، هو فعل استثنائي. والنبوة فعل استثنائي، لكن استثنائيتها لا تلغي أنها محكومة بخاصة الفعل التي هي خاصة الحرية والمحدودية. كل فعل حر، ولكنه ليس مطلقا. وكل فعل هو ناتج ما هو كائن. الفعل الفائق، أي: الفعل الاستثنائي، ليس خارجا عما هو كائن؛ هو ثورة ما هو كائن لاكتنازه بالألوهية؛ هو توتر إلهي (كوني) شديد.
ولهذا التوتر الإلهي (الكوني) أسبابه الموضوعية التاريخية. التوتر الذي يخلق التفوق مرتبط بالظرفية التي نتج منها. وعندما تختلف هذه الظرفية لن يكون في مقدور هذا التوتر أن يخلق حالة تفَوّق مثل تلك التي خلقها عند وجوده الأول (والأخير أيضا).
الفعل المتفوِّق يساهم في تكوين ظرفية جديدة، فتتغير الظرفية التي نتج عنها، فيفقد حيويته، ويصبح شيئا من الماضي، يفقد تماميته الوجودية. وهذا ما يفسر تراجع التوتر الذي تنخفض شدته كلما ابتعدنا عن ظرفية تكوينه؛ وهكذا يتحول الفعل الاستثنائي الفائق إلى حدث تاريخي ناقص الوجود (الوجود تام بحضوره في الحاضر).
ومع حضوره الناقص، يظل الفعل التاريخي المتفوِّق، عنصرا لله دوره في بناء الوجود التام: الحاضر. ولا يستطيع الحاضر أن يتخلص جذريا من تاريخه. ولكن على الحاضر أن يناضل ضد محاولات تقييد حركته بالماضي. وعلى الحاضر أن يصنع تفوقه الخاص به.
والعنصر المستمر بين الماضي والحاضر هو عنصر ملائم لكل منهما. القيم الإنسانية العليا، الأخلاقية، قابلة للاستمرار، ليس كلها: قيمة الصدق، قيمة مستمرة. والحاضر الذي يناضل للتحرر من هيمنة الماضي عليه، ليس عليه أن يرفض قيمة مثل قيمة الصدق. الإنسان ليس عليه أن يرفض أشياء من الماضي لأنها من الماضي؛ علينا أن نرفض الإيمان بأن للماضي الحق في الهيمنة على الحاضر. علينا أن نصنع حاضرنا بقرارنا نحن، بإرادتنا نحن، باحتياجاتنا نحن، وبمفاهيمنا (العقلية) نحن.
والفعل الفائق الذي ينتج من التوتر، يحتاج أيضا إلى الإرادة. ولا يستطيع التوتر وحده أن يخلق تجديدا عميقا متواصلا (حضارة جديدة). إن التوتر بلا إرادة انفعال قصير الأمد، قابل للتراجع. إن الإرادة، الواعية، هي التي تجعل من التوتر مادة تغيير.
وأبطال التغيير، المتفوقون، فنانون عند أول نقطة في مسيرتهم، إنهم ينفعلون ويتوترون، هذا في البداية، ولكن عليهم فيما بعد أن يخلقوا من انفعالهم وتوترهم حركة إرادة. وإذا لم تكن الإرادة واعية، لن تتحول إلى تاريخ بطولي، لا تتحول إلى حضارة جديدة.
وتحول عملية التفوق من نقطة التوتر إلى نقطة الإرادة الواعية لا يعني حصول قطيعة بين التوتر والإرادة. يجب أن تظل الإرادة الواعية متوترة، مقدامة.
والتوتر هو جدلية الانفصال – الاتصال؛ مع استمرار وحدة العنصرين وحدة عضوية. في اللحظة التي يقع فيها الانفصال الوجداني العقلي (عن اللحظة التي يستهدفها التغيير)، يتعمق الاتصال الوجداني العقلي (مع اللحظة التي يبدعها التغيير). الحديث هنا عن التوتر البطولي، عن التفوق. الانفصال رفض للوقوع في أسر الكائن، ليس مجرد رفض، هو فعل تفوق عما هو كائن، المرفوض مغلق محدود. غاية الرفض فتح هذا المغلق، تحريره، أي: تحرير الكائنية الرافضة. التحرر ليس حركة في الخلاء، هي حركة مفعمة بالحب، فالانفتاح، إرادة الانفتاح، حب. والذي يرفض الرضوخ للبقاء منغلقا، الذي يطلب الحرية، هو يمارس فعل الحب. والحب علاقة ارتباط عميق بالعالم. ولكنه ارتباط لا يلغي ثنائية طرفيه. إن الانفصال كائن، والاتصال كائن؛ لكن الاتصال أقوى، والاتصال يغذي الفردية التي تنمو بنمو انفصاليتها؛ الأخيرة التي تتغذى بالاتصال. وهذه التغذية تقوي الاتصال؛ لأن الممتلئ بالاتصال لا يملك إلى أن يمارسه. الاتصال حب، ومن يمتلئ بالحب لا يستطيع إلا أن يمارسه.
البطولة حب. والحب حرية. البطولة حرية. البطولة حالة انكشاف الحرية في الفردية التي (الفردية) تعمق فعل الاتصال، أي: تعمق فعل الحرية، حيث الاتصال فعل حرية، فهو فعل انفتاح، انفتاح كائن على كائن، تحرر كائن بكائن آخر بواسطة عملية انفتاح أحدهما على الآخر.
البطولة (التفوق) انفصال هو حرية، واتصال هو حرية. التفوق حرية. والحرية فعل كوني ذو وجود تام. ما كان وجوده ناقصا لا يستطيع ممارسة الحرية. إنه (الوجود الناقص) لا يستطيع ممارسة أي شيء لأنه غير كائن كيانية مستقلة، هو عنصر في كائن كيانية تامة. والعنصر لا يمتلك حرية الفعل. العنصر يشارك في الفعل. والذي يمتلك حرية القرار هو الإرادة.
الإرادة هي العنصر السيادي في توليفة الكائن البشري. نحن نستطيع أن نختار الحرية (الاجتماعية). نعم نحتاج إلى دفعة حيية تدفع بنا نحو هذا القرار. وهذه مهمة البطولة. هذه مهمة أولئك الذين يمتلكون زخما من الشعور بالحرية، ومن الإخلاص لهذه الحرية؛ أي: الإخلاص للألوهية. إن الألوهية، في المستوى الاجتماعي، هي الحرية الإرادية، هي الحرية الاجتماعية المنفصلة عن (المتصلة بـ)الحرية الطبيعية. الحرية الاجتماعية هي التي تمنح الفرد البشري شهادة صدق ارتباطه بالعالم، بالله المطلق. هي العبادة الحقيقية، هي صلاة الإنسان لربه. هي الدين الحق، هي الدين المتفوق على كل ظرفية. الحرية هي أم كل دين، وهي وظيفة كل دين. الحرية هي التي تناسب كل ظرفية من غير أن تسلب الظرفية خصوصيتها. بدين الحرية نتصل اتصالا أعمق بالله، بالكون، بالآخرين؛ ولكن بدون عدوانية. إنما بحب. إنما بنورانية. إن الحب يبدد الظلمات، إنه يضعنا في النور. إنه يوسع دائرة النور.
بيت لاهيا – غزة في 21/11/1996.
(2)
إنني أؤمن بالحرية إلاها. والذين لا يؤمنون إيمانا حقيقيا عميقا صادقا بالحرية، قد يسيئون تفسير مقولة الحرية، بالقيام بأفعال مؤذية للغير، متعللين بمقولة الحرية. ولكن الحرية التي أؤمن بها، لا تسمح بإلحاق أذى بالغير، إنها خير، إن حريتي لا تسمح لي بسلب حرية غيري. إني أطلب الحرية لي وأطلبها لغيري أيضا. هذه هي الحرية، هذا هو الحب. إن حرية غيري هي النور الذي تنطلق فيه حريتي، كما أن حريتي هي النور الذي تنطلق فيه حرية غيري.
الحرية في عقيدتي هي تلك التي تتجه اتجاها نورانيا، ولا تتجه اتجاها ناريا. حريتي ضياء لحياتي ولحياة الآخرين. إن الحرية التي أؤمن بها هي الحرية النورانية. إن النورانية عقيدتي الاجتماعية. الحرية الاجتماعية إذا لم تكن نورانية كانت نارية. الحرية طبيعة كل كائن. إن كل كائن (بطبعته الخلْقية) حر، إن الكائن فعل، والفعل، مل فعل، هو فعل الحرية.
في الحياة الاجتماعية الإنسانية، يجب توجيه الحرية توجيها نورانيا. الحياة الاجتماعية الإنسانية لحقها الفساد تحت ظروف تطورية ضخمت مشاعر الملك: من مشاعر تحرك الكائن الإنساني إلى تملك ما يحتاجه احتياجا فعليا، في لحظة الحاضر، ليس به مطالبه الحيوية الطبيعية المعنوية؛ على مشاعر تملك لما هو أبعد من حاجته الفورية (حاجته الحقيقية).
هذا الفساد في مشاعر التملك، أفسد ممارسة الإنسان لحريته البريئة. صارت الحرية الإنسانية عدوانية. صارت ظلامية، صارت نارية تأكل الآخرين. صارت الحرية البريئة حرية فاسدة ضالة هدامة لجمال الحياة، هدامة للحب. تحولت حياة الإنسان إلى حرب ضد الآخر. وبرزت في المستوى الإنساني، برزت بحدة، عدوانية الغاب. أصبح الإنسان عدوانيا أشد من عدوانية ضواري الغاب وضواري البحر. واستخدم عقله لتضخيم عدوانيته، ومارس حريته العدوانية.
إني أدعو إلى حرية الحب، الحرية النورانية التي تدفعنا في اتجاه التطهر من شهوة التملك العدواني. إن حرية الحب النورانية هي فلسفة واحدية في اتجاه غير عدواني. وعقيدتي النورانية ليست خروجا مني على فلسفتي الواحديةالتي ظللت سنوات طويلة أؤمن بها. إن عقيدتي الراهنة تعميق لفلسفتي الواحدية، التي كنت أدعو فيها إلى واحدية حب أيضا. وأنا أقوم الآن بتعيين اتجاه لواحديتي. النورانية تعيين للحرية وللواحدية. والنورانية واحدية مضيئة. وفي الضياء، فإن حضورنا الوجودي، حضور كل فرد منا، هو حضور واضح قوي. إن النور يشملنا شمولا خارجيا، يوحدنا بهذا الشمول، ولكنه لن يفلح في تحقيق هذا الشمول إذا لم يكن النور هو مادتنا الفردية، إذا لم يكن النور هو ذاتيتنا، الفردية فردا فردا، فلن يكون هناك نور شامل لنا. النورانية تبدأ من داخلنا، وتشرق على عالمنا الخارجي.
والنورانية لن تلغي ذاتية أي فرد منا. إنها هي التي تجلي كل ذاتية فردية، وهي التي تسمح بظهورنا، بحضورنا، كما هي حقيقتنا. إنها ضياء نسبح فيه، ضياء داخلي وضياء خارجي. إنها تعيين لحريتنا. وكل اعتداء على الحرية ليس فعلا نورانيا.
الحرية الاجتماعية تحتاج لضبط، لتوجيه. النورانية هي الضابط الموجه للحرية الاجتماعية، هي الضمان ضد سوء استخدام الحرية، أو ضد سلبيات فعل الحرية الطبيعي الذي هو الفعل الإلهي.
في المستوى الإنساني، الفعل الإلهي، فعل الحرية، هو، هكذا يجب أن يكون، هو الفعل النوراني. عن الله نور الحياة الاجتماعية التي تمارس حريتها. النورانية هي حرية الله الإنسانية. إن الله في الإنساني متميز، متفوق عن الله في غير الإنسانية. الله في الإنساني نوراني بإبداع إنساني. النورانية في غير الإنسان طبيعية. النورانية في الإنسان فعل إرادي إنساني. إنها جهاد لاستعادة الحرية الإلهية الكونية لبراءتها التي فقدتها عندما كان عليها أن تضحي بها في عمليات تحول تاريخي كوني خلق الحضارات الإنسانية.
إن الله الآن يريد أن يستعيد براءة فعله، إنه يريد أن يستعيد حريته البريئة. والله هو فعله. وهو يفعل ما يفعل خلال (خلالية كاملة) الخلق. إن الخلق هو حرية الله، والله هو الحرية. والله يجاهد لاستعادة الخلق للحرية الإلهية البريئة من غشامة التملك المنحرف. هذا الأخير استثناء، ليس أصيلا، لذلك فإن الله لن يكتب له الدوام.
والإنسانية تتجه بقوة نحو الواحدية، وتمارس حريتها بقوة أيضا؛ لكن هذه الممارسة، والتوجه، للحرية وللواحدية، لهما انعكاسات عدوانية، بل، إن الحرية التي تمارسها الإنسانية الآن (النظام الرأسمالي) هي حرية عدوانية ظلامية. والواحدية التي تتجه الإنسانية إليها، تحت هيمنة الرأسمالية، هي واحدية عدوانية في صفتها السائدة.
والدعوة النورانية، هي دعوة لواحدية وحرية غير عدوانيتين، غير تملكيتين تملكا منحرفا. هي، النورانية، دعوة لعالم واحد يمارس الحرية البريئة. هي دعوة ليطهر بها الله واحديته وحريته. ليطهر الله بها الحياة الاجتماعية من عدوانيتها التي مصدرها التملك العدواني.
النورانية ثورة إلهية، بعمق الإله، بعمق الوجود المطلق؛ ثورة ضد ممارسة العدوانية، ضد ممارسة التملك العدواني، ضد ممارسة القهر ضد الآخرين. إن من يتملك تملكا عدوانيا، إنما هو يمارس القهر ضد الآخرين. التملك العدواني يسلب الآخر حريته. الملك العدواني حرب على براءة الحرية، حرب على الألوهية الأصلية. إن الأخيرة لا تمنح الشرعية للتملك العدواني. إن الألوهية، بمقدراتها، مشاع لذاتها. إن طيبات الألوهية هي لفردياتها. والألوهية حاضرة، حاضرة بطيباتها، حاضرة في النور، إنها هي النور الأصلي. والتملك حجب للنور الأصلي، إنه حبس لبعض مقدرات الألوهية، إنه فرض الظلامية على الألوهية. والألوهية لن تقبل طويلا بهذا الفرض الظلامي عليها، لن تقبله لطبيعتها النورانية، ولن تقبله لطبيعة الحرية التي هي الألهية. بالحرية سترفض الألوهية كل ظلامية. وبالنورانية ستكون حرية الألوهية هي الحرية المطلوبة لاجتماع إنساني تحت راية السلام.
بيت لاهيا – غزة في 22/11/1996.
(3)
الفعل، أي فعل، هو تكريس وجودي. والكل الذي يواصل فعليته، بضرورة طبيعية، هي طبيعته، يضع ضمانات لمنح الحياة أو الوجود (الفردي) لكل فعل من أفعاله. فهو يحافظ على فعليته من خلال فعل (كائن) يمتلك أسباب البقاء، لا أقول البقاء الجامد، فالفعلية لا تهب لأفعالها صفة الوجود، لأنها لا تمتلكها. ولكن البقاء في استمرار الحركية أو في استمرار فاعلية الفعل.
أي: كل فرد يمتلك قوة البقاء، وبقدر محدد، بما يمتلكه من هذه القوة.
والفردية، هي من جهة، حد للفعلية، لأن الفعلية حركة تمنح الوجود لأفراد كثيرين، ولو أنها منحت وجودا مفتوحا لفرد ما، فإنها ستفقد خاصية التكثر، وهي لا تستطيع ذلك، بضرورة طبيعتها.
حدية الفردية هي المسئولة عما أسميه هنا بظلاميتها. وفي الواقع، إن الانغلاق ليس حقيقة نهائية.
وعندما يقع الفرد في شرك الانغلاقية، فإنه يكون قد وقع في شراك الموت. فالموت هو الآلية التي يتخلص بها الوجود الكلي (الفعلية) من وقوعه في شرك الموت. وهذا التخلص (فعل الحرية) يتم بمقتضى طبيعة الحرية المهيمنة على الوجود.
والفرد الظلامي ليس فردا خاليا من النور. إن الظلام، في فلسفتي، هو نور مضغوط. في الوجود لا يوجد غير النور. والظلام ليس اختفاء النور اختفاء تاما؛ الظلام هو وقوع النور في شرك المحدودية المنغلقة.
والمحدودية المنغلقة أيضا ليست ظلاما. إنها آلية نورانية: إنها تحدي للنور ليعاود تأكيد طبيعته. إنها واقعة يناضل النور فيها وبها في سبيل حريته الطبيعية.
إن النور هو الحرية.
واجب هنا أن أؤكد على أنه لا علاقة للنورانية التي أدافع عنها بالفلسفة التي تقسم العالم إلى نور وظلام، والتي تقول بإله للنور وإله للظلام.
فلسفتي النورانية فلسفة واحدية. إنها "واحدية نورانية".
كل شيء نور.
الحرية نور متحرر.
الظلام نور يتأهب للتحرر.
الحرية نوراني واسع.
الظلامي ضيق ولكنه عنصر أصيل في البناء النوراني للعالم. إنه مادة الحركة النورانية الطبيعية ومادة الحركة النورانية الإنسانية.
نحن لا نعي (نمتلك) حريتنا إلى إذا قاومنا عبوديتنا.
والفعلية الطبيعية (في حالتها الإنسانية) في مواجهة دائمة مع وقائعها. إنها غير جامدة. ولتحافظ على عدم جموديتها فإنها تفتح لنفسها جبهات. إن المسالة تبدو وكأنها تسلية ذاتية؛ ولكن هذا هو الكائن. إن الأشياء تتكون وتفنى، وعلى أنقاض الفناء تعود لتتكون وتفنى...
ولو حاول حرف من كلمة، أو من جملة، أن يتفهم معنى وجوده المحصور في ذاته، فإنه سيكتشف عبث محاولته. إن وجوده في ذاته لا معنى له. وجوده في ذاته ليس كائنا على الحقيقة. إن معنى وجوده يمكن تلمسه في دوره في سياق الكلمة أو سياق الجملة. المعنى ليس فرديا. المعنى ينشأ من مشاركة الفرد في نسق أكبر منه. ولا وجود للفرد وجودا منفصلا عن نسق أكبر.
النسق الأكبر مما هو فردي (حرف) هو الذي يمنح الفرد معناه الوجودي.
الفرد عنصر فاعل في النسق الكبير في حالة انفتاحه على النسق الكبير. ولكن الفرد المنغلق لا فاعلية له في النسق الكبير.
أي: عندما أشارك بنشاط وانفتاح في جماعة، أمتلك القدرة على التأثير فيها. الانفتاح هو آلية تحول الفرد من عدمية المعنى إلى المعنى. المنغلق لا معنى لوجوده.
ومع هذا المعنى، فإننا، في خطوة متقدمة، قد نكتشف أن لا معنى أيضا للانفتاح على الآخرين.
هذا يحدث. وهو يحدث عندما نصل على اليأس من الآخرين؛ أي: عندما نصطدم بانغلاقية الآخرين التي تقف بكثافة، بظلامية، في وجه حركتنا المنفتحة.
إن الإيمان العميق الصادق بالنورانية، يمنحنا القوة لمواجهة الجدران الكثيفة الظلامية. هذا الإيمان هو قوتنا للإفلات من حالات الانغلاق، أو الارتداد إلى فرديتنا المنغلقة ونحن نواجه فرديات منغلقة أخرى.
الآخر المنغلق نور، ولكنه نور في دور المحفِّز لذاته. عدوانية الآخر ضدنا ليست شرا تاما. إنها تحفيز لنا نحن المؤمنين بأن الحرية هي حقيقة الوجود، وهي تحفيز لنا لننطلق في الحرية النورانية. إنها الدافع لنا لنناضل في سبيل تحقيق معنى لوجودنا.
لن يكون لوجودنا معنى آخر غير المعنى الذي يحقق طبيعة الوجود: طبيعة الحرية.
الحرية هي معنانا الوجودي. الحرية هي التي تفتح وجودنا الفردي على الآخرين. الحرية هي التي تمنحنا القوة للمشاركة في صنع الوجود الأكبر.
إن "العبد" منغلق ولا معنى لوجوده لأنه لا يشارك في بناء العالم الأكبر مشاركة نورانية. أي: هو لا يصنع عالما إنسانيا نورانيا.
"العبد" أداة يستخدمها "عبيد" مثله، لصنع عالم العبودية. إن من لا يعترف للآخر بحقه في الحرية هو "عبد" لفرديته المنغلقة.
لن يكون لوجودنا الفردي معنى إلا إذا تطابق مع حقيقة العالم الذي نحن خلقه. هذه المطابقة هي بطاقة انتمائنا الحقيقي للعالم.
الحالة الإنسانية حالة وعي وإرادة. هذا ما يميزنا عن الحالات الأخرى. ووعينا، كما إرادتنا، مفتوحان؛ وهذا يعمق ميزتنا الوجودية.
فإذا لم نمتلك الوعي الحقيقي بالعالم، سنضل الطريق.
وإذا امتلكنا الوعي، ولم نمتلك الإرادة الواعية، فإننا أهل الشقاء.
إن الشقاء هو الذي يدفعنا لأن نقول إن حياتنا بلا معنى، أو هي شريرة.
وأصل الشقاء هو أننا لا نمتلك الإرادة الواعية. أي: إننا لا نمتلك رؤية سليمة للعالم؛ وعندما نمتلكها (نسبيا) فإننا لا نستخدم هذا الامتلاك للتحرر من شقائناـ أو من شرورنا، أو من الشرور المحيطة بنا.
النوراني يعي العالم باعتباره، هو كذلك،بالضبط، عالم الحرية.
لأن العالم حر، فهو يخلق أفرادا وباستمرار ولأن العالم حر. والحرية هي خروج الشيء من حالته الكائنة. هي حركية الفرد؛ أي: حيويته.
ولأن العالم، وهو يخلق بحريته أفرادا وباستمرار، يكون يمارس حرية انفتاحه على ذاته، على فردياته الكائنة، بفتح هذه الفرديات على أفق جديدة للحرية؛ أعني: ينفتح ذكر على أنثى ويجيء من هذا الانفتاح كيان جديد. هذا هو أسلوب حرية العالم.. هكذا يمارس العالم حريته.
إنه يدفع اثنين إلى حالة واحدية ليخلق حالة نورانية جديدة، لبدد ظلامية انغلاقية الأم وظلامية انغلاقية الأب بدفعهما للتلاقي والتوحد الذي يتحقق بالحب (الطبيعي – النفسي) ويمنح الوجود كيانا جديدا؛ أي: ليؤكد من جديد طبيعة الحرية النورانية في العالم، وباعتبارها صفة جوهرية للعالم.
الكائن الجديد كان محجوبا. وبفعل الحرية ظهر؛ صار دليلا نورانيا يؤكد أن حرية الوجود الأساسية حرية نورانية.
الكيانات الجديدة، في العادة، تمنح لنا سعادة. ودائما نراها جميلة. إن السعادة مرتبطة بالجمال.
ولأن الكيانات الجديدة هي تحققات للحرية، أي: هي الحرية كواقع، فإن السعادة والجمال والحرية وقائع مترابطة. هذه الوقائع المترابطة نشأت من واقعة حب جديدة، جمعت اثنين، وخلقت واحدا من اجتماعهما.
وممارسة الحرية أسميه: نورانية.
والانضغاط، والانغلاق أسميه: ظلامية.
وفي حالة خلق كائن جديد، فإن قوة الخلق الكامنة فينا تتحرر من انضغاطها، هذا التحرر يكشف نورانية هذه القوة التي إذا تحررت شاركت في إبداع خلق جديد. وهي لا تتحرر إلا بالحركة المتفتحة تجاه قوة أخرى كامنة، تحت حالة انضغاط، هي الأخرى تتحرك تجاه القوة الأولى. إن الحركة المشاركة هي التي تخرجنا من الظلامية.
هذه الحركة المشتركة، قد تكون ظلامية أيضا إذا توجهت ضد حرية الغير. مثلا: إنجاب لأبناء بغرض تعزيز قوة جماعة ما، لتعزيز موقفها في صراع ضد آخرين، هذا الإنجاب ليس فعلا نورانيا في وظيفته الاجتماعية.
النورانية دعوة سلام، لأن السلام مقاومة للموت غير المبرر. إن الموت حقيقة من حقائق العالم، ولكن استدعائه ليخدم أغراضا عدوانية، هو عمل غير نوراني؛ لأنه اعتداء على حرية الآخرين.
والنورانية (الإنسانية) لا تعتدي على حرية الآخرين ولا تسمح بها.
الآخر، في النورانية، هو أفق الحرية الفردية.
النوراني لا يمارس حريته في فراغ.
الظلامي يمارس حريته وهو يعتقد أن العالم له وحده؛ أي: وهو يعتقد أن العالم فارغ (من الوجود الحقيقي ذي الشرعية) مما سواه.
الظلامي يلغي، في وهمه، وبعدوانية، وجود الآخر، فيحرم نفسه من أفق الآخر الذي يمنح الفردية الفرصة للفعل الحر الجميل المبتهج بالحب.
الحرية الإنسانية فعل غير فردي مجرد. إنها فعل فردي في إطار اجتماعي. الجماعة تمنحنا حرية ممارسة الحرية.
ولكن النورانية لا تقبل تحكم الجماعة في حريتنا تحكما ظلاميا. الجماعة أفق حريتنا وليست مقبرتنا.
والجماعة التي تعتدي على حرية أفرادها هي جماعة منغلقة قاتلة.
كما العالم الكوني يمارس حريته بانفتاحه على فردياته؛ فإن الإنسانية تمارس حريتها بانفتاحها على أفرادها. هذا الانفتاح هو انفتاح الفرد، بالفرد، على الفرد.
في الجماعة الحرة، يكون للفرد دوره. في الجماعة المنغلقة يكون الفرد طريقا للموت، ويكون بلا معنى,
في الجماعة المنغلقة لا معنى للحياة. إن المعنى في الحرية النورانية.
والجماعة الحرة، حرية نورانية، تستمد حريتها من الفرد الحر حرية نورانية. الجماعة الحرة، هي ملتقى حر لأفراد أحرار، حرية نورانية، لا اعتداء فيها يعتديه فرد على آخر.
وبالانفتاح نتجدد، كما بالانغلاق نموت.
الحرية تجدد. الحرية النورانية تجدد يمنحنا المعنى ويمنحنا السعادة: يمنحنا البهجة والجمال.
الحرية النورانية بتجديدها لنا، تخلق عالما إنسانيا كريما لا عبودية فيه.. تخلق عالما من العدالة، تخلق إنسانا فائقا..
إنني، إذا تحررت تحررا نورانيا، فإني أتفوق على شهواتي العدوانية..
إن إشباع الشهوات، أو الحاجات، بعقيدة نورانية، لا ينبغي أن يتم في ظلامية، لا ينبغي أن ينطوي على عدوانية. إشباع الحاجات ممارسة للحرية، لكنه يصير ممارسة عدوانية إذا توهم أحدنا إن الوجود حق قاصر عليه وحده.

********
النورانية دعوة اجتماعية، فلسفتها أخلاقية، وتنبثق من الوعي بالوجود، كوقائع، كمعنى،الوجود كله، الطبيعي و(بما فيه) الإنساني. إنها تنبثق من فهم الوجود، ومن احتياجات الروح والاجتماع الإنساني.
النورانية فلسفة اجتماعية تريد أن تتطابق مع حقائق الكون، وأن تفتح أمام الإنسانية أفقا متفوقا، لا مضادا، لأفق الوجود كله.
إنها فلسفة الانطلاق في رحابة الوجود، في نورانيته.. هي دعوة للانفتاح الأجمل..
هي دعوة الحب..
الأخلاق التي تدعو إليها النورانية، أخلاق مستوحاة من قانون الكون الأعظم: قانون الحرية.
ولأنها دعوة اجتماعية، فإن الحرية في دعوتنا النورانية هي حرية الوعي المحب.. وحرية الإرادة المحبة.. هي حرية الإرادة الواعية المحبة.
النورانية هي حرية الإرادة الواعية المحبة.
هي حرية الحياة تحت ضياء الشمس والأقمار.
هي حياة الأقوياء بالروح.
هي حياة المجد، حياة العزة والكرامة.
من يكن حرا محبا فهو العزيز الكريم، هو الماجد، هو الروح الطاهرة.
هو النور المستضيء بذاته.. المضيء للعالم.
هو المعنى الذي يناضل العالم لإبداعه واقعا حيا..
حررني من بغضائي أكن نورانيا..
حررني من شهواتي المظلمة أكن روحا من النور..
حررني من شهوة التملك بعدوانية، أكن الطهارة والوضاءة..
والتملك يكون عدوانيا إذا زاد عن حاجتي.. ما يزيد عن حاجتنا من محتكراتنا يسلبنا الحرية، لأن ما نحتكره من الزائد عن حاجاتنا هو حق لغيرنا..
لا حق لأحدنا في غير الحرية النورانية..
ولا حق لأحدنا إلا فيما يحفظ علينا حياتنا لنجعل منها واقعة حية جمالية بهيجة عزيزة كريمة محبة.. لنجعل منها مثالا فائقا للإنسانية..
بالحرية النورانية نخلق المثال الإنساني المتفوق.. وهذا وحده الذي يمنح وجودنا معنى.
أما غير ذلك فهو عبث.
وبالنسبة لنا، فإن في الوجود قدر كبير من العبث، ولا سبيل لمواجهة هذا العبث إلا بفلسفة أخلاقية تبني الإنسان الفائق بالوعي والإرادة الواعية وبالحب. وفي غياب هذه الفلسفة، يظل العالم عبثا، قبيحا، قاتما، قاتلا.. يظل عالما للذئاب، ومقبرة مفتوحة لنا مغلقة علينا.
حرية النورانية هي حرية تفتح الأزهار.
ليست حرية تدمير العالم.
ليست حرية زيادة الرصيد المصرفي.
هي ليست الحرية التي يمارسها النظام الرأسمالي الغربي، حرية الاستهلاك، وحرية العدوان، وحرية الشهوات.
حرية النورانية هي حرية العشق في الضياء الفسيح.
والحرية التي حرية الأزهار المتفتحة هي الجمال.
النورانية هي تحرر العقول والنفوس والسلوكيات من الظلمات..
وكل جمود ظلمة.. والذين يدوسون الأزهار بأحذيتهم الثقيلة هم تحت الظلمة رازحون.
النوراني لا يكره إلا الكراهية..
النوراني يشعل الضياء كلما جابه ظلمة.
وظلمة الظلمة هي الكراهية.
ونور النور هو الحب..
والكراهية حب للنفس بجهالة..
والنورانية حب للنفس بعلم.
الذي يحب نفسه بنورانية، يحب كل نفس، ونحن، بحب كل نفس نصير نورانيين.. بحب كل غير، وإن كان تحت الظلمة رازحا، نصير نورانيين.. نصير أحرارا بالحرية الأجمل الأبهج، بالحرية السلام.
النورانية توحد الفرد داخليا وخارجيا، فأنت إذا كنت نورانيا في داخلك ستشع ضياء.. عندما تكون ممتلئا بالحب، فلن تفعل إلا بحب.
ومن كان واحدا، غير منقسم على ذاته، كان مطمئنا.
والطمأنينة هي السلام النوراني.
والنورانية تخلق حالة واحدية اجتماعية، حالة ضياء مفتوح يسع كل فرد، ولا يلغي وجود أي فرد، لا يعتدي على حرية أي فرد. إن النورانية حالة فردية تمارس حريتها في نسق جماعي، هذا الأخير، هو أفق الحرية الفردية، هو الضامن لاستمرارها، الضامن لنورانيتها. إن النورانية خروج الفرد من ذاته، بالتحرر بواسطة فعل يفتح وجوده على وجود غيره.
النور الذي يشع من جوانية كل فرد، منفتح بطبيعته على النور المشع من فرد آخر. وللطبيعة الواحدة للنور، طبيعة الحرية، فإن الحالة الجماعية النورانية هي حالة واحدية نورانية.
وفي الحالة الواحدية النورانية، تتعزز الطمأنينة الفردية الداخلية بالطمأنينة الخارجية، ويتعزز السلام الفردي الجواني، بالسلام البراني الجماعي.
والسلام الذي يمارس الناس في ظلاله حريتهم، هو سلام البهجة، وهو الذي يمنح حياتنا المعنى الأجمل.
بالنورانية نصير أكبر..
ومقولة "الله أكبر" الإسلامية مقولة نورانية (الله نور السموات والأرض – يقول القرآن، وأنا انتقدت محدودية فهم هذه النورانية القرآنية في موضع آخر، وهدفي هو تعميق دللاتها – ووظيفة النبي محمد المعرفية / الأخلاقية كانت إخراج الناس من الظلمات إلى النور. والنبي محمد دعا بحرارة وبعمق، إلى تحرير الناس من عبادة الجاهلية، عبادة أصنام، إلى عبادة "رب حقيقي"، واحد، يوحد العالم في ظلال واحديته المتفوقة. والله أكبر هي النداء للصلاة التي تفتح الوجود الإنساني الفردي على الوجود الإلهي المطلق. الصلاة حرية نورانية يعلو فيها الفرد على وجوده اللحظي المغلق، علوا منبثقا من إيمانه القلبي العميق الذي يجب أن يصدِّقه العمل، الذي منه حركات الصلاة (الركوع والسجود والقيام) التي تدرب الإنسان، ومن خلال رياضة جسدية روحية في وقت واحد، على التخلص من غروره ووهمه وجهله ومحدودية (انغلاقية) وجدانه وخياله، فلا يعود يرى أنه وجود مطلق لا وجود لأحد سواه. الصلاة تجربة روحية معرفية جسدية. ودعوة "الله أكبر" دعوة معرفية أخلاقية / روحية/نورانية تحريرية).
نصير بالنورانية أكبر لتوحدنا بالنور الأكبر، النور الخارجي، نور الحرية الكونية الواسعة المطلقة. بالنورانية نحوز وساعة وجودية أكبر، نحوز على حرية الروح في الانطلاق الحر. وهذه الوساعة الروحية هي الفائقية الإنسانية التي يرنو إليها النوراني. هذا النوراني الذي ينمحي في وساعته وفائقيته كل أفعال السوء، أفعال الظلمات. النوراني محب عفوّ سمح كريم.
بالنورانية تكبر وساعتنا، بانفتاح الفرد على ذاته، بانفتاح الفردية على الإنسانية، وبانفتاح الفردية على العالم كله، وهو انفتاح عميق أصيل، منبثق من انفتاح الشيء على ذاته.
نكبر بالنورانية، لأن بها يتطهر كياننا الفردي ونحتل مكاننا الصحيح، بهويتنا الصحيحة، نمتلك حقيقتنا الوجودية النورانية: الحرية (امتلاكا واعيا كريما) بأفقها المترامي في الأفق الإنساني وفي الأفق الكوني. نستعيد بها الواحدية الأصل، بها نكون التحقيق الواقعي لواحدية الوجود. بها نحوز شرف المشاركة في إبداع الوجود الواعي بذاته الواحدية النورانية. بها نحوز شرف المشاركة بإرادتنا الفردية، بفرديتنا العميقة، بحريتنا، في بناء عالم وأحد، أجمل، وهو الهدف السامي للوجود، لأنه وحده الهدف الذي يمنح الوجود معنى يستحق الجهاد في سبيله.
وفي العالم الأجمل، الذي نشارك في إبداعه، في العالم الذي نتوحد فيه توحدا عميقا.. توحُد النور الفردي بالنور الكلي.. في هذا العالم، ستكون الطمأنينة أعمق وسيكون السلام أعمقا.. ستكون الحرية أشد ضياء.. ستكون الحياة بهجة.. ستكون الحياة عشقا.. إن النورانية عشق.. هي العشق الأعمق الأكبر.
بيت لاهيا – غزة في 17/12/1996
(4)
النورانية صفاء وجداني عقلي . فهي إزاحة للظلام، لكل ظلام، والكراهية ظلام، كما الجهل. والكراهية والجهل وجهان لما هو واحد.الكراهة جهل، والجهل كريه.
في النورانية، بها يزول الكدر، وتنفتح أمامنا الآفاق.. آفاق النفس وآفاق العقل.. آفاق كينونتنا.. آفاق روحنا..
النورانية أخلاق فائقة، وعلم يطلب الحق. وهذا هو الحرية وهو الجمال وهو الكرامة.
النورانية هي أن أحيا مكشوفا.. عاريا في ضياء الجمال.. حرا في ضياء الحب.
ليس لدى النوراني ما يخجل منه.. الحقيقة ليست موضوعا للخجل. لكن من الحقيقة أيضا أن الإنسانية ترنو إلى الجمال.
القبح كائن.. أقبح القبح الجهل والبخل والكراهية..
وحرية العدوانية قبح من أقبح القبح..
حرية البناء جمال.. بالمعرفة يكون البناء أقوى.
النورانية معرفة وبناء. معرفة وحب.
النورانية في كلمة واحدة هي: الحب.
والحب هو: الحرية.
والحرية – في معناها الإنساني الاجتماعي – هي بناء الجمال.
ولا يقوم بناء الجمال إلا بالعدل.
المقهور لا يبني الجمال.. إن القهر قبح.
والمقهور عبد، والقاهر عبد..
والعبد والعبد لا يبنيان الجمال..
لا عدل في جماعة العبيد.
العدل في جماعة الحرية النورانية.. جماعة الحب..
إذا لم يكن عدل لا يكون حب ولا يجيء السلام.
ولكن، إن أعطيتك بحب، أعطيتك بعدل.. ثم إنك تعطيني وأعطيك السلام.
ومع السلام تكون الحرية النورانية.
والعدل النوراني أن لا يأخذ أحدنا أكثر مما يفي بحاجاته، وأن لا يأخذ ليكتنز. الاكتناز ظلامية.. وليس لي من شيء إلا ما يملأ روحي (بإشباع حاجاتي بحق وبلا عدوانية) وفي وقتي.
أخذ ما يزيد عما يملأ روحي ظلم.. ليس عدلا..
وإذا لم يكن لدينا ما يملأ أرواحنا، وما يحفظ لنا الإشباع؛ فإن ما بين أيدينا قسمة بيننا.. ثم تستكمل روحُنا أمتلاءها بالرضا..
وليس الرضا خنوعا.. الرضا نورانية والخنوع عبودية..
ولكن؛ إن أعطيتك بحريتي، أعطيتك بنورانية.
فلنهزم الظلام. ولن نهزمه إلا بالنورانية.
بيت لاهيا – غزة في 18/12/1996.




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر