الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:28 ص
ابحث ابحث عن:
ثقافة

زيارة ثالثـة إلى مـدينة الحنان.. اليمن سياحات تنعش القلب وتحقق الـحلم القديم

السبت, 28-أغسطس-2004
المؤتمر نت - الروائية الكويتية ليلى العثمان بقلم الروائية الكويتية ليلى العثمان -
لحظات لا تنسى في أحضان الطبيعة وقلوب بشر لا يتمدد الشيطان داخلها (الحلقة الثانية )
لا يهون على اليمنيين ان يتركوا مكانا جميلا في بلادهم الا ويسعون بك لمشاهدته. فاليمني يعتز بجمال بلده ويفرح حين يرى تأثير هذا الجمال فيك ويسمع عبارات الدهشة والاعجاب ما يجعله يشعر وكأنه قد قدم لك هدية نادرة. وهذا صحيح، فأنت لولا هذا الحرص منهم لما تسنى لك ان تكتشف جمال هذا البلد الذي كان مجهولا بالنسبة إليك.
كانت اولى الرحلات الى مكان جميل تمضي إليه عبر الجبال مرورا بالمناظر الخلابة. كان الجو غائما والرذاذ يتساقط بين لحظة واخرى ويتناسب وصوت فيروز وهي تشدو: «شتي يا ديني تيزيد موسمنا ويحلى»، هناك مكان أثير على قلب د. المقالح «اللؤلؤة» ولا ادري ان كان هذا اسمها فعلا أو انها تسمية اطلقها وحي الشاعرين الكبيرين: المقالح وصديقه الشاعر سليمان العيسى، لكنه على اي حال لؤلؤة بالفعل.
لم تكن الطريق سهلة في بعضها، فما ان تتخطى الشوارع المسفلتة حتى تبدأ الرحلة على الارض الوعرة التي لا يخفف من تعبها إلا جمال الحقول الخضراء المتناثرة، وفيها من خيرات الله ما لذ وطاب من الفاكهة والخضار وتنوع الاشجار. وقد لفتني حجم ثمرة الملفوف واشجار الفلفل الاحمر التي لم اكن اتصورها بهذا الحجم لعدم وجودها في بلادنا. اما كميات الصبير، وهذا موسمه الغني، فقد كانت الطريق تمتلئ بها، مما اثار شهيتي ورغبتي في ان آكل منه اكبر كمية ممكنة، ولي طرائف مع هذه الفاكهة الاثيرة: ذات يوم كنت في طريق المقطم في مصر وكان البائعون يتوزعون على الطرقات بسلالهم الممتلئة، توقفت عند احد الباعة فصار يقشر وآكل وآكل حتى إذا انتهيت وطلبت الحساب اكتشفت انني ومن معي التهمنا ثمانين حبة كان نصيبي منها اكثر من النصف مما جعل الاخرين يتندرون علي ويتوقعون ان اقضي ليلة ليلاء، وقد انتهي في المستشفى لإجراء غسل للمعدة، ولم يحدث هذا، وهو ما اثار استغرابهم فوصفوا معدتي بأنها «حديد وتهضم الزلط». وفي مرة اخرى كنت مدعوة عند احدى الصديقات فبدأت تنقل اطباق الفاكهة ولسوء حظها انها بدأت بوعاء الصبير الكبير. وما ان ذهبت الى المطبخ لاحضار البقية حتى انقضضت على الوعاء وافرغته في لمح البصر. حين عادت وقفت مذهولة تنقل نظراتها بين وجهي والوعاء غير مصدقة فخجلت وخشيت ان تصيبني «بضربة عين» فسارعت لأطفئ دهشتها وقلت: جاء اولادك وشاركوني في التهامه.
في اليمن يسمون الصبير «البلس»، وكنت انتظر اللحظة التي نستقر في مكان لأحظى بنصيب منه.
جلسنا تحت شجرة ظليلة بعد ان تجولنا في المنطقة العامرة بالجمال والخير، وما هي الا دقائق حتى اجتمع حولنا الاطفال والنساء وباعة البلس الطازج، لكنهم جاؤوا ليبيعوه وليس ليقشروه ونأكل. أصررنا عليهم، فاحتجوا بعدم وجود سكين معهم فما كان من السائق الا ان استل «جنبيته» ليستخدمها فامتقع وجه البائع - يبدو ان للجنبية (الخنجر) مكانة عند اليمنيين فهي لا تستخدم الا للزينة التي تفرضها التقاليد. هذا الامر جعل البائع الذي ادرك مدى تلهفنا للبلس ان يأمر احد الصبية ليركض الى احد البيوت ويحضر السكين. ورغم «شفاحتي» ولهفتي فإنني خجلت من د. المقالح والشاعر الصديق محمد عبدالسلام فاكتفيت بسبع حبات منه.

غداء تحت الأشجار

يفرح القلب فرحا صاخبا حين تأتيه دعوة مفاجئة لرحلة قريبة او بعيدة، يفرح اكثر حين يكون اصحاب الدعوة من اصدقاء سكنوا القلب واستقروا هانئين. يوم آخر تذرف السماء رذاذها البارد، يلامس وجنتي فأحسه اشبه بقبلات حفيدتي «ليلى» التي حرمتني الظروف من رؤيتها لسنتين وبضعة اشهر، اسمعها تناديني: «تيته اين انت لتقصي لي حكاياتك الناعمة؟» احس الوجع داخل قلبي وصدى الرعد يموج بين الحين والآخر ويوقظ الذكريات. هل اصير الآن «شهرزاد» وابوح بصوتي ودموعي؟ ام اسجلها اسرارا في رسائل الى حبيب القلب نبيل؟ ماذا ستقول شهرزاد، واوجاعها - رغم الفرح بالرحلة - تتعارك في داخلها فلا وسيلة للهرب منها الا الاندماج مع اغنيات فيروز المنبعثة من الشريط المسجل: «انت بتجرحنا وبنحبك ياجار، وبنعرف بأنه قلبك مليان أسرار، يكفي تلوعنا وتهجرنا، وعدروب الحب مسيرنا، ضلك نادمنا وسامرنا، وغنينا اشعار».. تتلون الذكريات بتلون الطريق، تارة بسهول خضراء وتارة بألوان الجبال التي لم تخضر بعد. السفر «رفقة هنية» وما أهنأ الرفاق كانوا. الاخ الكريم جدا غمضان الكهالي ود. المقالح الذي كان مرحا، على غير عادته، والشاعر والانسان الرائع محمد عبدالسلام منصور الذي يشيع بمرحه وقفشاته النادرة جوا من البهجة لا يضاهيه سوى بهجة الطبيعة التي تبعث بنسيماتها الندية كقبلات «جدة» مشتاقة وابنه الوسيم «وائل». وانا «شهرزاد» التي تتمنى ان تكون في قلب شهريار تلتصق بدفئ ولا تفكر بسيفه المتحفز لنحر عنقها.

مررنا في الطريق على احد المطاعم واختاروا اللحم لشوائه واشتروا الفاكهة والخضار. كان القرار ان نتغدى في الهواء الطلق بين السهول وتحت الاشجار، قطعنا طريق «غيمان» ثم افترشنا الارض تحت شجرة وحيدة كحبيبة هجرها المحبون، وبدأنا نأكل بشهية الجائع والسعيد. فوجئت بأرتال النمل تخرج من اوجارها منجذبة لرائحة الخبز، وانا عاشقة النمل اترك لقمتي لأتأملها فينهرني عبدالسلام: كلي واتركي النمل بحاله، ولا يدري ان رؤية النمل تعيدني إلى تلك الطفولة حين كنت اجمع اسرابه واحشوها في علب الكبريت الفارغة وفي جيوب فساتيني التي املأها بالسكر وفتات الخبز مما جعل امي تغضب وتحرق الاوجار امام عيني في مشهد -درامي- لا تنساه العين ولا الذاكرة.

الحضن الحنون

ماذا يعني ان تكون في حضن الطبيعة الحنون وفي قلوب بشر لا يتمدد الشيطان بداخلها؟ انها لحظة للتوهج، لإثارة «الالهام الذي لا يعترف به د. المقالح». تتراكض الصور والافكار وينسج القلب قصائد شوق إلى حبيب وإلى إله عظيم وهب هذا الجمال لخلقه ولعلهم يشكرون. وإلى بناء يتمناهم القلب لو يكونون معه ويستمتعون بما يستمتع به وإلى حلم لا ادري متى تتمدد اوصاله ليوقظ الاحلام السادرة في صمتها في ليل الغافلين.
صنعاء تمنحني الراحة والامان، وفي ظلها اعود شابة لا تتجاوز العشرين، اضحك من اعماق قلبي، اطير مثل نورس ابيض واحتفي بالفرح احتفاء عصفور يكسر باب القفص ويتوه في الفضاء الواسع حيث لا حدود للسماء ولا للأرض، ولا اجدني الا في مناجاة لهذه المدينة المغناطيسية: «صنعاء كلما ازددت قربا زادني القرب حبا فلا تتركي قلبي معلقا، صليه بقلبك بحبل من الورد، بجديلة من الغيم، بفتات من خبز اطفالك الدافئين، وان لم تقدري صنعاء فخذي قلبي اذن، خذيه كله واتركيه في قلب وسادتك يبكي حنانا او يحكي مثل شهرزاد حكاياه الدفينة.

رحلة إلى الأصدقاء

في زيارة سابقة قمت برحلة إلى منطقة اب وتعز لكن الرحلة في هذا الموسم الربيعي تختلف. الجو الغائم يثير غبطة وانتعاشا، كما لا بد ان يثير بعض الشجن لفراق صنعاء التي اصبحت كالحبيب الذي نفرح حين نلقاه ونحزن عندما نفارقه. وانا اقطع المسافات الشاسعة كنت اشعر بالأسى واتساءل: لماذا لا تكون هناك شبكة قطارات سريعة تصل المناطق بعضها ببعض؟ او مترو انفاق يسهل انتقال الناس؟ او اذا كانت ميزانية اليمن غير قادرة على تحقيق هذا المشروع، الضروري والمهم، فلماذا لا تتكرم بعض الدول العربية الغنية او الدول الصديقة لليمن بتبني هذا المشروع؟ ثم ان هناك مسألة مهمة وضرورية يحتاجها المسافرون بين هذه المناطق المتباعدة وهي اقامة استراحات على الطرق يستطيع المسافر ان يرتاح فيها، يشرب الشاي والقهوة والعصائر، وتتوافر فيها السندويتشات الخفيفة والاهم من كل هذا وذاك ان تكون فيها بيوت للراحة يقضي فيها المسافر حاجته الملحة، فالرجال عادة يجدون وسيلتهم خلف الاشجار والصخور ولكن ماذا عن النساء البائسات؟ الامر يغدو صعبا للغاية فإما الضغط على النفس مما يؤدي الى الاحتقان والحصر، او الاضطرار لدخول حمامات محطات البنزين او بيت من البيوت البعيدة عن القرى وبالطبع فإن هذه الاماكن لا توفر الحد الادنى من الراحة للمسافر المتعب.
لقد تكرمت علي احدى النساء الجالسات امام باب بيتها وسمحت لي بالدخول، وحتى اللحظة لا ادري لماذا احتضنتني وقبلت يدي ورحبت بي ترحيبا شديدا قبل ان تعرف «خيري من شري»، وخصوصا ان شكلي لا يبدو عربيا. كان البيت بسيطا للغاية ويوحي بأن الاسرة تعيش حالة فقر شديد، رغم ذلك كان الحمام نظيفا والماء والورق متوافرين. كانت الأسرة تتحلق حول مائدة الطعام البسيط، دعتني المرأة لمشاركتهم، ولو كان الوقت يسمح لما ترددت لأتعرف على طعام وهؤلاء الناس البسطاء الكرماء وحياتهم. قبل ان اخرج قدمت لها مبلغا تعبيرا عن شكري ترددت في البدء، وحين ألححت مدت كفا خجلا وتناولته، ولسانها يلهج بعبارات شكر لم افهم اغلبها.. كم يعجبني الإنسان اليمني بما يملك من عزة نفس واعتداد بكرامته، لكن الأمر لا يخلو ان تصادف عشرات الأطفال المتناثرين عند اشارات المرور يبيعون الحاجيات البسيطة او يمدون أيديهم للسؤال أو أن تصادف واحدا عاش في دول أخرى، وتحنك بأساليب الانتهازية، ولا يصعب التعامل مع إنسان كهذا، اذ يكفي ان تعترف له بأنك جاهل ولا تتقن فن الوساطات التجارية، تشكر له سهرته الجميلة وتشطب اسمه من لائحة المعرفة.

صوت فيروز

في الطريق الى تعز، ومع الغيوم المنسدل ظلها على رؤوس الجبال ورذاذ المطر والخضرة المترامية تحتاج الى صوت فيروز، هذه الهدية الإلهية التي انعم الله بها علينا، نحن العرب، فلا تكتمل جماليات رحلة كهذه دون صوتها الذي يحلق بك في رحاب النشوة والتأمل واستعادة تذكارات حنونة يرتعش لها القلب، وكأنها كانت بالأمس القريب، في البدء ضاق بها السائق وقال: «أنا لا احب صوتها، ولا افهم ما تقول» قلت له: «حين تعتادها ستحبها»، بعد ذلك كان يسارع لسحب شريطه ويدس شريط فيروز، ما أن اركب السيارة، فارتحت انه يحترم رغبتي.
لا بد من التوقف في «إب» قبل استكمال الرحلة الى تعز لزيارة الاخ د. احمد شجاع الدين رئيس جامعة إب، وهو كريم لا يسمح ان نغادر قبل تناول الغداء معه في منتزه اب، وقد اشتد المطر وكان طرق السحائب على سطح المنتزه المعدني يثير موسيقى رائعة تتناغم وذرف المزاريب النازفة من السطح. كانت إب تغتسل وتزهو بثوبها الاخضر وورودها الزاهية، وكنت انظر الى السماء وارجو المطر: اذهب الى صنعاء فهي تشتهيك.
واصلنا الرحلة بعد الغداء الى تعز حيث سنقضي بقية النهار، وننام ليلة في فندق سوفوتيل ضيوفا على الصديق العزيز فيصل فارع، الرحلة مريحة، واذا كان المطر وصوت فيروز يضيفان إلى جمالها الا ان وجود اصدقاء حميمين مثل الشاعر محمد عبدالسلام واحمد العواضي، اضاف جوا خاصا ومرحا جعل للرحلة مذاقا آخر.. وفي السفر تكتشف اصدقاءك، هكذا اكتشفت في الشاعر عبدالسلام زوايا مضيئة ما كنت سأعرفها لولا هذه الرحلة انه بمثابة «موسوعة متنقلة»، تعوضك في السفر عن قراءة كتب الفلسفة والتراث والادب. كل سؤال يطفر منك مفاجئا تلقى له اجابة عنده، ليست اجابات فجة لردم فجوة خاوية في ذهنك بل هي اجابة شافية وبأسلوب جاذب يغنيك ويغريك بالاستماع الى المزيد، مهملا حبيبا يناوش في قلبك وتنسى فيروز وهي تتمنى: «يا ريت انت وانا بالبيت شي بيت ابعد بيت»، لكنك لا تستطيع ان تمنع شهقتك المجنونة حين يصادفك منظر مذهل لمدرجات الخضرة والغيم الذي يتشكل غزلانا، وتعرجات الجبال وصخورها التي تبدو مثل اكف مفتوحة او صدفات بحرية هائلة الحجم او تلك الاشجار الغاصة بخيراتها، وحين تلج القرى سيثلج قلبك مشهد الطماطم والبطاطا والقرع وكلها ثمار طازجة قطفت للتو من حضن امها الارض، اما ثمار البلس المنتشر على الطرقات بقشورها الشوكية او المقشورة في سلال الباعة فهي تناديك، كان المشهد يثير شهيتي وخوفا من أن اتوقف كل مسافة قصيرة تآمر علي احمد ومحمد فادعيا ان التوقف في هذه الطرق خطر، فقد اتعرض للخطف وصدقتهما ببراءتي، حتى اكتشفت لاحقا انهما كانا يعبثان ببراءتي، كانت هناك نقاط تفتيش بين فترة واخرى، نقف ويستعرض العسكر وجوهنا، يتوقفون عند وجهي: اميركية؟ انكليزية؟ فأجيب بصوت ادرك وقعه الجميل عليهم: كويتية، عندها تنشرح الوجوه وترحب الألسن بالكويتية ابنة الكويت التي يحبونها ويذكرون هداياها لليمن.
استقبلنا الصديق الجميل الانيق فيصل فارع في مقيله المكتظ ثم اعتذر من ضيوفه واخذنا الى الطابق الثالث لنجلس في هدوء، يستعيد وصديقه عبدالسلام ذكرياتهما الماضية، وقبل خروجنا وعدنا برحلة في الغد الى جبل صبر.



.. وأخـيـرا حـقـقت حلمي وركـبت ظهـر الـحـمـار


لمحت صبيا فوق ظهر حمار أبيض، فاستيقظت رغبتي العارمة التي لم تتحقق في الرحلتين السابقتين، وأنا امرأة تحب هذا الحيوان الأليف و«تحترمه» لفائدته وصبره وتحمله المشاق بهدوء فهو «حمال الأسية».. رغم هذا.. لم اشأ ان اقتل رغبتي، فاعتليت ظهره بجهد جهيد. ماذا لو أثارت رائحة عطري مشاعر الحمار فاهتاج وركض بي بين هذه الجبال وفوق الحجارة؟ حين تسلط هذا الهاجس عليّ فزعت ونزلت بعد ان التقطوا لي الصور. بعدها شعرت بتأنيب الضمير، خصوصا أنني أحسست بعظام ظهر الحمار ناتئة من تحتي، وأشفقت عليه متمنية لو تنشأ جمعية للرفق به ولكنني تذكرت قول الله تعالى: «والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة». ولهذا حرم الله أكل لحمها. وهي زينة حين يسخرها الإنسان لتكون مصدرا من مصادر الترفيه والفرح، فنجد الحمير والخيول مزينة بالشرائط والأجراس في مناطق السياحة العربية والعالمية، مفردة يركبها الاطفال والكبار او تجر الحناطير وتقوم بجولات بين الأسواق وفي الشوارع الواسعة. وكل يتفنن في زينة ما يملك ليجذب اليه اكبر قدر من السياح. ولا أدري لماذا لا نجد هذه الظاهرة الجميلة في المناطق السياحية اليمنية خصوصا انها تزدحم بالسياح الاجانب الذين يغريهم هذا النوع من الترفيه.

في السيارة والنسيم العليل يربت على وجهي راودتني الافكار المشاغبة: هل الحمير وحدها يستغلها البشر لمصالحهم ويعتلون ظهورها سواء الممتلئة او تلك التي تبرز عظامها نتيجة التعب والجوع؟ ماذا عنا نحن البشر؟؟ ماذا عن أمتنا التي هي «خير أمة اخرجت للناس؟» فتأتي الدول الكبرى تمتطي بلداننا وتسيطر على خيراتنا ونحن «كال....» نطأطئ ونصمت ولا نحرك شعورا؟



لا مـقـاهي رصـيف في صنعـاء لأن أهـل اليـمن «بيـتـوتيــون»


تفتقر صنعاء، وهي مدينة سياحية، الى مقاهي الرصيف التي عادة ما تنتشر في المدن السياحية وتعتبر جزءا مهما من معالم السياحة اذ لكل بلد طقوسه المختلفة في مقاهيه وما تقدمه من خدمات ومتعة للسياح. اما في اليمن، فإنها في أغلبها مقاه شعبية بسيطة غير مهيأة بما يطمح له السائح، وتراها شبه فارغة خصوصا في الليل وقد يعود السبب لأن اليمنيين «بيتوتيون» ويفضلون البقاء في البيت بعد استراحات المقيل. لا ليل صاخبا في صنعاء، لا ملاهي ليلية ولا بارات، فهذا ممنوع والسهرات غالبا ما تكون في البيوت، تبدأ مبكرة ولا تمتد حتى ساعات متأخرة من الليل.
وحين لا تكون هناك مقاه فهذا يعني ان لا شيشة «أرجيلة» لعشاق هذه العادة، لكن من يطلب يجد المكان. حين اعلنت عن رغبتي دعاني الاصدقاء الى مقهى «يامال الشام» كان شبه فارغ ما عدا نفر قليل وبضعة اطفال رافقوا آباءهم لوجبة عشاء سريعة، ضايقني هذا الامر في البدء فحلاوة المقهى ان يكون مكتظا بالبشر، بروائح الاسرار والتعب والحب البريء. لكنني ارتحت بهذا الهدوء الذي جعلنا نتحاور ونضحك من القلب وندخن الشيشة من دون ضجيج ولا فضول من عيون.
مرة ثانية، خرجت مع مجموعة اخرى الى كازينو «رويال» في حي المصباحي. كان مزدحما بالعائلات والاطفال، ربما لأنه يوم الخميس، وللهرب من صراخ الاطفال اخترنا قمة المكان حيث البقعة هادئة وقريبة من الشلالات المتدفقة والاضواء الملونة. كانت ثمة نساء وحيدات يشربن الشيشة. افرحني هذا المشهد الذي يوحي بأن المرأة اليمنية تستطيع ان تتمتع بحريتها الشخصية كما تتمتع بحقوقها السياسية والمراكز الوزارية وحقها في التعليم والعمل. استمتعنا بتلك الجلسة وبالشيشة برائحة التفاح والعنب وتعشينا ثم غادرنا كل الى حيث يضع رأسه على وسادته ويستحلب أحلامه المؤنسة.




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر