نبهان الفالحي - أمين ابو راس .. قطب راسخ وعلم شامح من أعلام النضال مات امين ودفنوه عهد الأمانة انه لن ينساك هذا الشعب الم تقول يوما ان اليمنيون أوفياء يا امين...
بمناسبة الذكرى الأربعين لاستشهاد شيخ مشايخ بكيل .. شوكة الجمهورية وشيخ اليسار ودرع المدنية وحامي الدولة الوطنية الحصين إليه هبت الحركات الوطنية وحماها وأخرج قادتها من السجون والمعتقلات وواجه السلطة المركزية وهرب العديد إلى خارج البلاد حتى نالوا منه بالسم في 13 مايو 1978 :
ان الاغتيال (الثلاثي) لأباة الضيم الذين بذلوا أرواحهم في سبيل الحق والكرامة والحرية ، الشهداء القاضي محمد محمود الزبيري (1965) والرئيس ابراهيم الحمدي (1977) و النقيب امين ابو راس (1978) ... جريمة بحق وطن وشعب ارتكبها سماسرة الظلمة من رجالات العمالة وجنود العبث والفساد والافساد واعوان التدخلات الخارجية ، من اجل ارباك اليمن وخلخلت مجتمعه ، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، من خلال ايجاد الفرقة والتناحرات والشقاق بين ابناء الوطن الواحد . الا ان القتلة لم يتمكنوا من طمس مآثرهم وأعمالهم ، وها قد بدأوا يرحلون خاسئين بفعل المد الثوري ...
قرأنا عن الزبيري في ذكرى استشهاده والحمدي في ذكراه واليوم وبمناسبة الذكرى الـ 40 لاستشهاده نقرأ عن امين ابو راس للكاتب نبهان الفالحي :
امين ابو راس .. قطب راسخ وعلم شامح من أعلام النضال
في مثل هذا اليوم من صبيحة الثالث عشر مايو 1978 م ، السادس من شهر جمادي 1398 هـ اهتزت اليمن طولا وعرضا اثر سماعها النبأ الاليم ، والفاجعة الكبرى التي حلت نتيجة وفاة قطب راسخ وعلم شامخ من اعلام النضال والتضحية والصمود ، داخل الساحة اليمنية الا وهو الفقيد الشهيد أمين بن حسن بن قاسم ابوراس .
نعم .. لقد ذُهل الصغير والكبير من هول هذه الصدمة في مشرق اليمن ومغربها " فور سماعهم لنبأ وقوعها" من الاذاعة ، وكان ذهولا وايما ذهول ، وألم وايما ألم ، لان فقدان مناضل عملاق ، اثبتت الاحداث وشهدت الوقائع ببطولاته النادرة ومواقفه الواضحة في اقسى الظروف واشد المحن من تاريخ يمننا وشعبنا ليس بالأمر الهين على القلوب والنفوس اطلاقا ... وكيف لا يفجع اليمنيون بوفاته الفجائية ، وقد كان رحمه الله طودا منيعا ضد كل خصوم اليمن واليمنيين وملاذا يأوى إلى كنفه بأمان كل مشرد او مضطهد ، اكفهرت الاجماء في وجهه وانسدت الابواب امامه سوى باب الأمين حيث الامن والامان لكل مؤمن بالعروبة ، وباليمن حرة متطورة متقدمة .
قليل أولئك الرجال الذين تفقدهم شعوبهم وتحزن لفقدانهم ، لانهم سطروا بدائهم وبتضحياتهم انصع الصفحات في التاريخ وخلدوا اروع المآثر لاوطانهم وشعوبهم وأمتهم ....
والشيخ الفقيد هو واحد من أولئك ، والتاريخ يشهد ، مواقفه البطولية التي وقفها في الدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر خير دليل على ذلك ، فما ان انفجرت ثورة شعبنا هذه ، الا والفقيد البطل يهب مدافعا عنها ، ويخوض في سبيل رايتها اشرس المعارك الحربية ضد جحافل مرتزقة الرجعية والملكيين ويطهر صعدة والجوفين ، ويتعرض جسمه للعديد من رصاصات اعداء اليمن وشعبها وثورتها ولكنه لم يأبه لذلك ، فقد استمر في نضاله العنيد مطهرا وديان صعدة والجوفين ، مسجلا اروع البطولات . والقبائل ملتفة حول قيادته ، ملبية لندائه " يا رجالات اليمن دافعوا عن كرامة حقكم في الحياة الحرة الكريمة المتقدمة" .
لم تكن اهداف الفقيد يومذاك – وكما كانت دائما – تقف عند تطهير المناطق الشمالية والشرقية من الرجعية وفلول الملكية ، بل كانت تتعدى الى ما هو ابعد من ذلك فقد كان يدرك ويعي ان تثبيت الثورة ونظامها الجمهوري يستدعي النضال في جميع الجبهات ، لذا فالتاريخ اليمني واليمنيون جميعا لا ينسون مواقفه الصلبة في كل المحافل والمؤتمرات التي كان يحضرها بنفسه – وما اكثرها – او تلك التي لم يكن حاضرا فيها سوى ثقله الاجتماعي ورأيه الوطني اللذان لعبا الدور الهام في مجريات امور تلك المؤتمرات لما فيه مصلحة الثورة والجمهورية ، وعودة الى مؤتمرات الجند وعمران وخمر وحرض نجد الدليل الساطع ، ونعم الشاهد على مواقفه العظيمة تلك .
لقد كان الفقيد رحمه الله ، حريصا على الثورة ومبادئها أكثر من حرصه على نفسه فبعد شهور من قيامها .. وحين بدأت الأخطاء تتضاعف وتتكاثر في قمة السلطة واهداف الثورة تتجمد لم يسكت ازاء ذلك ، بل اخذ يقارع المتسببين وينتقد اخطاء المسئولين نقدا بناءا لما فيه مصلحة الثورة والشعب ، متخذا شتى الأساليب الموضوعية في النقد والتوجيه والوعظ والارشاد .. وقد دخل ذات يوم القصر الجمهوري وشاهد حيث المتربعون على كراسي السلطة قابعين هناك ، في وقت كانت قوات المرتزقة وعملاء الرجعية تكتسح عددا من الجبهات القتالية ، فأخذ يردد والقبائل باصوات عالية تتخللها أصوات الرصاص الزامل التالي :
سلام آلاف لش يالعاصمة
واهل الكراسي يبلغوا منا سلام
ثلاث سنيين ما زد دروا بالخاتمه
الخصم يتحدى وهم فيها نيام
وللأسف لم يكن هؤلاء المسئولين في مستوى المسئولية ولم تكن تلك الكلمات الصادقة التي اطلقها الأمين اي اثر في نفسياتهم ، واذا به يأتيهم مرة أخرى وهم في اشد التطاحن على لمناصب ، والتأمرات على الثورة والجمهورية تسري بين الصفوف بشدة . فاخذ يردد عليهم والقبائل المسلحة من حوله الزامل التالي مذكرا اياهم بما قاله لهم المرة السابقة :
قالها ابو راس من قلب واعي
ويل من خالف وضيع ضميره
والخلاف يا ناس للخصم واعي
كل مسئول يقرر مصيره
لقد كان نقده البناء يثير حفيظة أولئك الذين لا هم لهم سوى مصالحهم الذاتية ، على حساب الثورة والجماهير اليمنية ، ولولا خوفهم الشديد من قوته في الحق والمنطق لبطشوا به ، وكم حاولوا ذلك عبثا .
لقد تشبع فقيد اليمن الراحل أمين ابو راس بالروح الوطنية والقومية منذ نعومة أظافره وزاد صلابة وعنادا بهذه القيم العظيمة وهو يعيش جو المعتقلات الرهيبة ، ويرى رؤوس اجداده وآبائه واخوانه وبني عمومته تتساقط امام عينيه طورا بضربات سيوف الجلادين من حكام الإمامة البائدة وتارة بالسم الزعاف الذي كان يدسه سماسرة الإمامة في الطعام والشراب ! ...
وفاءا للبطل الامين ابوراس سنواصل حمل الراية التي حملها وزاد عنها ، مناضلين ومضحين في سبيل المبادئ والقيم التي وهب حياته لها حتى تتحرر اليمن ارضا وانسانا من كافة القيود الظالمة التي تحاول تقييد حريتها وارادتها وتمنع تقدمها واستقرارها ، وتجتث كل مظاهر العبث والفساد والافساد وكل انواع التدخلات الخارجية التي انصبت على بلادنا فاربكتها وخلخلت بنيتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأوجدت الفرقة والتناحرات والشقاق والنفاق . فوعدا لأمين ان كل من عرفه وعرف مواقفه المشرفة سيظل حاملا الراية ، راية المبادئ السامية التي ربط مصيره بها ، مبادئ شعب اليمن وثورته ، مبادئ كل الجماهير العربية المؤمنة بوحدة امتها وحريتها وتقدمها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي كما سيظل الجميع محافظا على العهد ماضيا في طريق القيم التي كان الفقيد محافظا عليها حتى آخر لحظة من حياته .
|