حافظ سيف فاضل - ما حقيقة (الحصة) النسائية في اليمن؟ المطالبة بالـ (الكوتا) او الحصة النسائية، مطالبة عادلة. فقد عانت المرأة بشكل عام وعلي مدي التاريخ من تسلط الرجل، وهضم المجتمع الذكوري حقوق الانثي الاجتماعية ومن ثم السياسية، وبالتالي فان تحول المجتمع اليمني وانتقاله الفجائي الي اقامة الديمقراطية جاء بفضل التقاء بعض الارادات السياسية العليا الفاعلة في البلاد، ابتداء منذ تاريخ تحقيق الوحدة اليمنية في 22 ايار (مايو) 1990م. والتي هبطت فجأة علي مجتمعين يمنيين منفصلين كانا يعانيان زمن التشطير وطبيعة النظامين الشموليين في الجنوب والشمال ومن هنا قد نستدل علي ان الاصلاح ايسر وافضل ان يأتي من القمة الي القاعدة، منه ان يأتي من القاعدة الي القمة.
فالـ (كوتا) النسائية هي بالاساس اعتراف من الرجل بالمرأة وفاعليتها في شتي المجالات سواسية واسوة به، وتقريبا قد يعد تكفيرا عن مسلك الرجل المتشدد تجاه المرأة وقد يعتبر نوعا من تأنيب الضمير، وان زمن التسلط والقمع قد ولي. اٍذ لايعقل ان تعيش الانثي دهرا من الزمن واقعا مريرا منتقصة الحقوق ومهمشة ومحبوسة تحت اسقف الاركان في الكهوف والعشش والخيم والمنازل، حسب التسلسل الحضاري وترقي الانسان الزمني في السكني، ليأتي النظام السياسي في العصر الحديث وبشكل مفاجئ يطالبها بالترشح والانتخاب والفوز حسب اغلبية الاصوات، متغافلا زمنها الثقيل وارثها المظلم وغير العادل ليطالبها متشددا في هذه المسألة وتحديدا بالمساواة بالرجل!.
وعندما لايصوت لها ذلك المجتمع الذكوري ــ كما حدث في دول خليجية- وفق المنهج الديموقراطي ولكن علي اسس من الميراث الظلامي والعقلية القديمة، تجلد المرأة وتقمع مجددا وتحرم من حقوقها، ولكن هذه المرة وفق الديموقراطية ومنهج العصر الحديث!!. ان الديموقراطية سلوك ولابد ان تاخذ وقتها وزمنها لترسيخها في وعي المواطن والمواطنة.
ومن هنا ومن عدالة المطلب والمنطلق وعدم تجاوز تاريخ النساء وواقعهن، كان لابد من تخصيص مقاعد في مجلس النواب (البرلمان) بنسبة لاتقل عن 15%، وكذلك المجالس المحلية، ويفضل ان تزيد هذه النسبة تناسبا طرديا مع بداية الواقع وتقل تناسبا عكسيا مع تقدم وعي المجتمع.
وبالتالي يكون لها حق المشاركة والتشريع والمراقبة لسير الحكومة وتمثيل اداري اوسع. كما ان علي السلطة السياسية ان تسترسل في تعيين النساء في دوائر اتخاذ القرار في السلطة، وكذلك علي الاحزاب السياسية اتخاذ الامر ذاته، وان لاتتخذ الحكومة من تعيين امرأة واحدة (وزيرة) ذريعة واطارا ديكوريا يخاطب به الغرب والمجتمعات المتحضرة لتبرز السلطة الحاكمة من خلاله علي انها متسايرة مع العصر ووفق مبادئ حقوق الانسان الدولية والتي وقعت علي مواثيقها.
لقد لامس وعايش الشعب اليمني منذ قيام الثورة في 26 ايلول (سبتمبر) 1962م، سياسة الرجل المتسلطة علي جميع وزارات ومرافق وخدمات الدولة ولم يكن للمرأة وجود او مشاركة، فاوصلنا الرجل (الذكر) الي مانحن عليه الان من ازمات اقتصادية خانقة وخوض حروب قاتلة قضت علي الاخضر واليابس، وخرجت اليمن بنظام مأزوم هكذا تصنف دوليا خلف الكواليس، واستشراء الفساد المالي والاداري في اغلب اروقة الدولة ومؤسساتها العسكرية والمدنية، ناهيك عن السلطة القضائية والتي لم تكن يوما محط ثقة المواطن اليمني المشارع وغير المشارع. فلماذا لانجرب تعميم حــكم النســاء؟ باعطائهن مدتهن الزمنية الطبيعية لخوض الحياة السياسية والاجتماعية الفاعلة ابتداء من (الكوتا).
ذكرت رئيسة ملتقي الشقائق العربي امل الباشا في كلمتها للملتقي الديموقراطي الثاني في صنعاء حول (النساء والسياسة: رؤية دينية) (ان التفوق المتزايد للفتيات المسلحات بالعلم يعني بالضرورة خروجهن الي العمل واستثمار جهودهن في المردود الاقتصادي والاجتماعي مشددة علي ضرورة توفير الدولة فرص عمل لاستيعاب الآف الجامعيات العاطلات عن العمل "كما كشفت الباشا عن اتفاق في الخطاب (السياسي والديني) لتطويق عمل المرأة ومحاصرتها في المنزل. وكأن امل الباشا لم تكن لتتوقع مثل هذه التحالفات والتي هي في الواقع امتداد لتحالفات دائمة ومنذ امد طويل وفي الثقافة والواقع العربي والاسلامي علي مر العصور.
وهذا ليس بالامر الجديد. ولكن ما انصح به رئيسة الشقائق ان تخفف لغة الخطاب الديني في محاولة الاقناع بمدي وجدوي مشروعية واحقية المرأة في الحصول علي حقوقها السياسية والاجتماعية ومساواتها باخيها الرجل. فالغوص في النصوص الدينية والاسشهاد بها، انما بالضرورة يبرز من يستشهد بنصوص اخري دينية معارضة تسوقها خطابات دول وجماعات متشددة وبالتالي الوقوع في معمعة الفتاوي، والضحية تبقي هي المرأة في المحصلة.
فالاستشهاد الذي ذكرته امل الباشا والاشادة بملكة سبأ وحكم المرأة القائم علي الشوري في القرآن، قد تجاوزه الانسان المعاصر من مفهوم الشوري الي منهج الديموقراطية، ومن البيعة الي الانتخابات، ومن الرعية الي المواطنة. ومن دولة الفرد الحاكم بامر الله الي دولة المؤسسات والمجتمع المدني. والقرآن الكريم انما استعرض واقعة تاريخية لملكة سبأ من حيث العرض والقصة، ولكن حديث نبوي (لن يفلح قوما ولو امرهم امرأة) لم يشفع للمرأة ان تتولي الحكم او القضاء (الذي لايزال يختلف فيه)، حتي مع تصريح بعض الفقهاء في ان الحديث كان خاصا بالفرس الذين عينوا ابنة كسري حاكما عليهم بعد موت كسري الاب وتشجيعا لحرب المسلمين مع الفرس.
ومع ذلك ظل هذا الحديث سيفا مشرعا من قبل فقهاء التأويل ضد كل حركة تحررية نسوية. مثلها مثل قضايا اخري متعددة منها قضية الحجاب علي سبيل المثال، فقد بدا فكرا اسلاميا معتدلا يبزغ في الظهور ولو علي استحياء، في تصريح للدكتور الشيخ احمد الكبيسي في احدي مقابلاته التلفزيونية في برنامج (اضاءة) لقناة العربية، في مسألة منع الرموز الدينية في فرنسا وبعد قضية خطف الصحفيين الفرنسيين فقد ذكر الكبيسي (ان الاسلام مبني علي اركان وفرائض وسنن وشعائر، وان الحجاب يدخل ن ضمن الشعائر وهو القسم الاخير وفق الاهمية والاولوية، ويعد رمزا مثل علم الدولة، وحيث ان الله يقول (لا اكراه في الدين) اي في الاركان الهامة الاولي، فمابالنا بالشعائر والتي هي اقل بلاشك اهمية من الاركان).
وهناك تاويلات كثيرة قد تكون مفصلية في حياة المرأة وكينونتها وتبقي معلقة رهن ارتقاء مفاهيم وفكر فقهاء الدين وخاضعة لمبدأ التأويل البشري للنصوص ومستوي ترقيه.
ومن هنا ادعو جميع الناشطات النسويات والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني وخاصة تلك المؤيده لحقوق المرأة ان تستلهم مرجعيتها وتوثق حقوقها وتناضل من اجلها وفق: (الاعلان العالمي لحقوق الانسان، 1948م). والتي حملت في طياتها ثلاثين مادة، والمادة رقم (23) هدفت الي احقية العمل لكل فرد والمادة (26) الاحقية في التعليم للجميع.
اما المادة رقم (21) فقد اكدت علي التالي:
(1) لكل فرد الحق في الاشتراك في اٍدراة الشؤون العامة لبلاده، اٍما مباشرة او بواسطة ممثلين يختارون اختيارا حرا.
(2) لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد.
(3) اٍن ارادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الارادة بانتخابات نزيهة دورية تجري علي اساس الاقتراع السري وعلي قدم المساواة بين الجميع أو حسب اي اجراء مماثل يضمن حرية التصويت.
ولاضير البتة ان تلجأ الناشطات اليمنيات المطالبات بحقوق المرأة السياسية والاجتماعية كـاتفاق الشراكة من اللجوء الي كافة مؤسسات المجتمع المدني الدولي والامم المتحدة والولايات المتحدة الامريكية (لاستخدام عصا امريكا الغليظ، كما وصفت صحيفة القدس العربي الصادرة في 15/9/2004) للضغط علي الحكومات لتطبيق المفاهيم البديهية الانسانية والزامها بتفعيل ما وقعت عليه من مواثيق ومعاهدات دولية تحمي وتكفل المساواة وحقوق الافراد السياسية والاجتماعية. |