بقلم :يوسف الشريف - الثورة اليمنية وجهود توحيد الشمال والجنوب للحقيقة والتاريخ كان الصديق العزيز والصحفي الكبير على جمال الدين المدير العام آنذاك بوكالة أنباء الشرق الأوسط أول صحفي عربي أو أجنبي تطأ قدمه أرض اليمن بينما مدرعات ثورة 26 سبتمبر عام 1962 قد تحركت لضرب معاقل الإمام «البدر» آخر آئمة حكام بيت حميد الدين، فهل كان جمال عبدالناصر إذن على وعي سابق بمخاض الثورة اليمنية وتوقيت إندلاعها، خاصة أن الكثير من وقائع كتاب اللواء صلاح المحرزي يشي بالعديد من الشهادات .
والإشارات التي تؤكد على أن القيادة المصرية كانت وثيقة الصلة بتنظيم الضباط الأحرار اليمنيين، وأنها لعبت دورا مقدرا في إعدادهم عسكريا وسياسيا وتنظيميا وروحيا، إذ كان صلاح المحرزي واحداً من الذين نهضوا بذلك الدور التاريخي مع غيره من أعضاء بعثات التدريب العسكري والأمني المصرية في اليمن إبان حكم الإمام أحمد ولي الدين وعجلت بشكل تلقائي في نهاية عهده!.
على أن وصولي لأول مرة إلى صنعاء في أواخر أكتوبر أو أوائل نوفمبر 1962 على ما أذكر، كان أشبه بالانتقال مباشرة ـ كما يقولون ـ من الدار للنار، عبر الطائرة العسكرية السوفييتية العملاقة طراز «انتونوف» التي حملتني فجرا من مطار الماظة بصحبة طلائع سلاح المظلات المصري استجابة لنداء الثورة اليمنية بعدما استشهد العديد من ضباطها الأحرار في الدفاع عنها.
وبدأت القوات القبلية الموالية للإمام البدر تحتشد تباعا حول صنعاء في محاولة لاقتحامها بدعم لوجستي عربي رجعي كثيف من وراء الحدود، وهكذا قدر لي أن أواكب الظروف الموضوعية العصيبة وكم وألوان التحديات التي واجهت الثورة اليمنية تباعا على مدى 42 عاما من اندلاعها، وخلالها وعيت الدروس المعرفية الثمينة بتاريخ اليمن وآدابه وتقاليده وفنونه، وبالشخصية اليمنية الفريدة في مختلف مناحيها!.
كنت قد لازمت في بداية عهدي باليمن ثلاثة من أرق خلق الله وأكثرهم مودة وظرفا ووعيا، وهم كانوا يتبادلون «الميكرفون» آنذاك في إذاعة صنعاء ويؤججون الثورة والصمود في كل مكان بألوان من الحماس والأدب الشعبي، الأساتذة عبدالعزيز المقالح الذي نال الدكتوراه فيما بعد وأصبح مديرا لجامعة صنعاء .
والضابط الأديب الكاتب حسين المروني خريج الكلية العسكرية العراقية يرحمه الله، والمرحوم الأديب الظريف عبدالله حمران وزير الإعلام فيما بعد، ولعلي أشهد لهم في هذه المناسبة بالفضل في مساعدتي على تبني منهجية تاريخية علمية لفهم اليمن، وأن أتخلى عن كل ما انطوت عليه ذاكرتي المعرفية «الفلكلورية» عن الإمام أحمد وكان عنوانا ونموذجا للشخصية اليمنية،.
ويوما وصل الإعلامي المصري الكبير أمين بسيوني في مهمة عاجلة لتطوير إذاعة صنعاء، حيث بادر الأصدقاء الثلاثة بضرورة اختيار جيل جديد من المذيعين، وكتب أمين بسيوني إعلانا لإذاعته يدعو كل من يجد نفسه مؤهلا لشغل هذه الوظيفة الجديدة، وأذكر أن الدكتور المقالح منع إذاعة الإعلان وقال لأمين سوف تجد نصف الشعب اليمني من الرجال المتعلمين .
وأنصاف المتعلمين غدا أمام الإذاعة على أهبة الاستعداد للامتحان، خاصة أن الشعب اليمني تواق للتعبير عن نفسه بعد قرون من الكبت والخوف والعزلة، ومن ثم كان الخيار البديل في المرور على منازل الشباب ممن يشهد تاريخهم بالوطنية والثقافة والإبداع، واختيار أفضلهم للعمل في إذاعة صنعاء، وأذكر أنه وقع الاختيار آنذاك على شاب اسمه محسن الجبري اطلق عليه أمين بسيوني وصف «أحمد سعيد اليمن».
وأشهد أنه لعب دورا إعلاميا فريدا ومشهودا في تاريخ الثورة اليمنية، فكان يحرض القبائل على تعزيز حتميات الثورة وتقبيح انحياز غيرهم إلى الفرقة والطائفية والرجعية العربية، ثم تنتقل أشعار «الزامل» التي كانت تتغنى فيها القبائل إلى مختلف ربوع اليمن عبر الأثير بكلفة بسيطة لا تتعدى بضع ريالات.
وهو ما عجزت عنه الرجعية العربية بذهبها وقضها وقضيضها، فإن كانت الإشارة واجبة بذكاء اليمنيين الفطري الذي وجد فرصته للتعبير والخلق والإبداع مع ابتلاج أول شعاع لفجر الثورة، يظل الرئيس على عبدالله صالح نموذجا على دور الفرد في تغيير مجرى التاريخ، فمن التشطير والتجزئة شيد روح الوحدة اليمنية، وقاد الشعب في معركة دحر المؤامرة الانفصالية، ورغم كل ما شهده اليمن من المؤامرات والتحديات .
وآخرها كارثة الداعية المشبوه حسين الحوتي، إلا أن على عبدالله صالح لجأ إلى كل أبواب وأساليب الحوار السلمي معه، لكنه فضل الاحتكام للسلاح، ومع ذلك لم يتراجع اليمن ولم يكفر بالديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، ولعله من هناك كان التقدم المذهل في شتى المجالات وخاصة التعليم وإسدال الستار على عهود القلاقل السياسية والانقلابات العسكرية!.
ـ كاتب مصري
نقلاً عن البيان الاماراتية
|