الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 05:51 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء

لوحة فنية للرئيس اليمني علي عبد الله صالح

الأحد, 10-أكتوبر-2004
المؤتمرنت : (مارك كاتز Mark katz) - ترجمة: نزار خضير العبادي -
العلاقات اليمنية-الأمريكية والحرب ضد الإرهاب (مُترجَم)
أصبح العقيد علي عبد الله صالح رئيساً لليمن الشمالي في عام 1978، ثم رئيسا للجمهورية اليمنية بعد إعلان الوحدة عام 1990م بين الشمال والجنوب الماركسي سابقاً.
ومنذ عام 1978م، مروراً بحرب الخليج 1991م ظل صالح يبحث عن كسب محور ارتكاز لدولته الصغيرة من خلال لعبة سياسية مع البلدان الأكثر قوة - بما في ذلك الولايات المتحدة- يتولى فيها موازنة إحداها بالأخرى.
وعلى الرغم من أنه تابع السير على ذلك النهج بذكاء في بادئ الأمر، إلا أن الأمر ارتد عكسياً في الفترة 90-1991م، ومن يومها انصب تركيز صالح على التودد للولايات المتحدة ، بدلا من محاولة موازنة تأثيرها من خلال استخدامه لحلفائه الآخرين. وقد تجلى مثل هذا المسعى بوضوح ابتداء من حادث تفجير المدمرة الأمريكية (USS COLE) في ميناء عدن عام 2000، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، التي شهدت بداية التعاون الوثيق بين الرئيس صالح والولايات المتحدة.
وبغض النظر عن حقيقة "ليس كل العلاقات هادئة"، فإن الصيغة التي يتعاون بها صالح تبدو أنها ستستمر حتى أجلٍ مستقبلي لا يمكن التنبؤ بنهايته.
لقد وصل الرئيس صالح إلى دفة الحكم في زمن كانت اليمن الشمالي فيه تواجه تهديداً - ليس فقط من اليمن الجنوبي المدعومة سوفيتياً، بل أيضاً من علاقات النزاع مع الجارة المملكة العربية السعودية.
ورغم أن صالح كان يبحث عن دعم عسكري أمريكي لمواجهة الجنوب ، إلا أنه حصل على أقل مما كان يأمل لأجل ذلك، كما لو أن الولايات المتحدة كانت تحاول لفت أنظار الرياض إلى أن القدرات البشرية الكامنة لليمن الشمالي -وإن كانت فقيرة- فإنها في طريقها لتصبح مصدر تهديد للمملكة الغنية بالثروات النفطية.
ففي واحدة من مفارقات الحرب الباردة الأكثر غرابة طلب صالح شراء أسلحة من موسكو بنية استخدام هذه الأسلحة السوفيتية بشكل أساسي لقمع التمرد الماركسي لليمن الجنوبي المدعومة من السوفيت أنفسهم ، والغريب أنه حصل فعلاً عليها.
لقد أصبح صالح على إثر انتهاء الحرب الباردة ، وانسحاب الاتحاد السوفيتي من دول العالم الثالث زعيماً يتسيَّد الموقف، وتهيأت له فرصة توحيد اليمن الشمالي والجنوبي عام 1990م.. لكن انتهاء الحرب الباردة أزاح موسكو من حساباته كمصدر دعم بمواجهة العربية السعودية المدعومة أمريكياً ، والتي كانت تعارض الوحدة اليمنية.
لقد كان التفكير بحليف قوي آخر يتخذه بديلاً عن الاتحاد السوفيتي للوقوف بوجه العربية السعودية هو من قاد صالح للميل نحو العراق قبل – وخلال- الأزمة مع الكويت.. وقد تولدت الورطة عندما أراد صالح أن يضع نفسه في موقع يخلق من خلاله موازنة بين واشنطن والرياض من جهة ، وبغداد من الجهة الأخرى ، على غرار ما فعله من قبل مع واشنطن والرياض بمقابل موسكو.. إلا أن تلك الخطة فشلت من خلال قيام واشنطن والرياض بقطع المساعدات ، وعزل اليمن ، في وقت أمسى به العراق في موقف لا يؤهله لتقديم أية مساعدة لليمن.
وبعد ذلك الحدث، بذل صالح مساعي حثيثة في العودة الى علاقاته الطبيعية السابقة مع واشنطن والرياض ، لكنها -في بادئ الأمر- باءت بالفشل .
وفي منتصف عام 1994م حاول بعض الزعماء الجنوبيين الانفصال، والعودة إلى جنوب يمني مستقل، فبادرت السعودية لدعم ذلك المسعى ، بينما لم تفعل الولايات المتحدة الشيء ذاته .. وبعد بضعة أسابيع تغلبت قوات صالح على الجنوب، وقضت على محاولة الانفصال بمساعدة أبناء القبائل الشمالية، والإسلاميين.. ومن تلك اللحظة بدأت العلاقات اليمنية - الأمريكية بالتحسن تدريجياً، (أما علاقات اليمن مع المملكة فقد تحسنت أيضاً عندما تم التوقيع على معاهدة الحدود اليمنية - السعودية عام 2000م).
في أواخر التسعينات بدأت سفن البحرية الأمريكية بالتزود بالوقود من عدن - أكبر مدن الجنوب اليمني- التي كانت في البداية تمثل ميناءً لبريطانيا ، ومن بعدها تحولت الى أيدي البحرية السوفيتية.
وفي أكتوبر 2000م وقع هجوم انتحاري استهدف المدمرة الأمريكية "يو أس أس كول"، واتضح أن من قام بتنفيذه هو أسامة بن لادن ، وتنظيم القاعدة، كما نسب الهجوم إلى "جيش عدن أبين الإسلامي" ، وهي جماعة مستاءة من الهيمنة الشمالية على الجنوب ، التي كانت مخاض نتائج حرب 1994م ، فادعوا أن ذلك كان دافعهم الرئيسي للهجوم على المدمرة.
وعلى الرغم من أن اليمن لبّى متعاوناً مع تحقيقات المكتب الفيدرالي الأمريكي "FBI " الخاصة بتفجير الناقلة "كول" على نحو أكبر مما فعلت الحكومة السعودية في حادث تفجير أبراج (الخُبر) لاحقاً ، إلاّ أن ذلك لم يكن ليمنع نشوب خلاف رأي بين اليمنيين والأمريكيين إثر نزول مئات الضباط والمسئولين الأمريكيين في عدن.. ولم يكن اليمنيون وحدهم من اختلف بالرأي في ذلك ، بل أن بربارا بودين سفيرة الولايات المتحدة تذمرت أيضا من هذا التدخل.
وفي التحريات الخاصة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر بدا واضحا بشكل متزايد أن الكثير من الإرهابيين الإسلاميين كانوا قدموا من اليمن أو انطلقوا منها. وكان رجال القبائل - الذين يبسطون نفوذهم على أجزاء من البلاد لم تكن خاضعة لسيطرة الحكومة المركزية - في بعض الأحيان يأمنون ملاذاً لهؤلاء الأشخاص خدمة لأغراضهم الخاصة.. فالقبائل حول مأرب (وهي منطقة نائية تقع شرقي صنعاء، وبالقرب من الحدود الصحراوية مع المملكة) ظلوا لفترة طويلة يتلقون دعماً مناوئاً للحكومة اليمنية من جهات خارجية من بينها: ماركسيو اليمن الجنوبي، والمملكة العربية السعودية المحافظة، ثم من أُضيف إليهم منذ عهد قريب جداً عناصر راديكالية مرتبطة بالبعثيين العراقيين، والقاعدة ،.
إن حقيقة كون الجيش اليمني يضم الكثير من رجال القبائل المسلحين وغير المدربين تُعقد الوضع أكثر، فهم كجنود غالبا ما يرفضون إطلاق النار على رجال القبائل الآخرين، وبهذه الطريقة أطلق العنان لحرب قبلية شاملة. والحكومة اعتادت أن تستجيب للقبائل المثيرة للمشاكل ، التي تحاول الحصول على بعض مطالبها إن لم تكن جميعها. و لسوء الحظ فان ردود أفعال كهذه كانت تشجع القبائل على مواصلة البحث عن الدعم الخارجي، وهي حين تفعل هذا تبدو كما لو أنها واثقة من تلبية مطالبها من قبل الحكومة اليمنية.
ونتيجة لهذه الحالة المحبطة في اليمن عزمت واشنطن على القيام بعمل عسكري مباشر داخل اليمن في سبتمبر 2001م تستهدف به القاعدة. ومثل هذا الحدث كان مرفوضاً شعبيا تماما، ومن شأنه أن يقود إلى ارتفاع وتيرة الإحساس المعادي للأمريكيين من قبل الشعب اليمني ، إلا أن صالح كان أيضا يشعر بالمخاطر التي يمثلها زيادة نفوذ قوة الإسلاميين داخل اليمن، فقرر التعاون مع أمريكا بشكل كامل من أجل ردع أولئك الإسلاميين ، الأمر الذي نجم عنه تقلص التدخل الأمريكي غير المباشر..
وبالتالي باتت هناك أعداداً صغيرة من القوات الأمريكية تتولى تدريب القوات اليمنية ، وتقديم الدعم لها. وكمثال على ذلك التعاون المشترك: أذنت الحكومة اليمنية للأمريكيين في نوفمبر 2002م بتوجيه ضربات صاروخية لسيارة تقل ستة من الإرهابيين كانت تسير في طريق خارجي معزول.
وعلى الرغم من بعض ردود الأفعال المستاءة لهذا العمل داخل اليمن، إلا أنها لم تتوسع كثيراً ، ولم تدم طويلا أيضا تلك ردود الأفعال.. وعندما سُئل الدكتور عبد الكريم الإرياني مستشار الرئيس صالح ورئيس الوزراء السابق حول فيما إذا كانت اليمن ستسمح للولايات المتحدة بشن هجوم صاروخي مماثل رد قائلاً: (بكل تأكيد).
إن مثل هذا التعاون اليمني- الأمريكي الهادئ قاد إلى: عدم حدوث أية هجمات إرهابية في اليمن منذ حوالي العامين .. لكن يبقى هناك فرق بين أسلوب تعامل اليمنيين والأمريكيين مع الإرهاب فقد أوضح باول وولفوتز نائب وزير الدفاع الأمريكي مؤخرا: (أن هناك أشياء نود حسمها فيما يخص بعض الإرهابيين الذين تم إلقاء القبض عليهم ، ومن ثم آثرت اليمن الإفراج عنهم ).
فالولايات المتحدة تعتبر أن هناك مجازفة معينة بإطلاق سراح عدد من السجناء الذين أعلنوا توبتهم من الإرهاب عام 2003م ، في حين يبرر المسئولون اليمنيون إطلاق السراح بالكشف عن كون هؤلاء الرجال تم وضعهم تحت كفالة عوائلهم ، الذين سيفقدون منازلهم أو أعمالهم إذا ما استأنفوا الأنشطة الإرهابية (أنه لمن المبكر الحكم فيما إذا كان هذا الأمر سيجدي أم لا).
إن الاختلاف الرئيسي بين رؤى التعامل مع الحرب على الإرهاب بين اليمنيين والأمريكيين ظهر في تبادل حوار بين الرئيس صالح والرئيس بوش خلال زيارة إلى واشنطن نهاية عام 2001م، فيُذكر أن صالح أخبر بوش بمثل عربي يقول :(إذا حبست القطة يمكن أن تنقلب إلى أسد) ، فردّ عليه بوش: (هذه القطة مصابة بداء الكلب: الطريقة الوحيدة لعلاج هذه القطة هو بقطع رأسها).
إن هناك رغبة لا تقاوم لمزيد من التعاون، فواشنطن تبدو بجلاء مسرورة لتعاون صالح مع الولايات المتحدة في جهود مكافحة الإرهاب على ذلك النحو الكبير ، أمامن جهة الرئيس صالح فأنه لا يجني فقط فوائد التخلص من العناصر الإسلامية المتطرفة في اليمن (الذين يمثلون خطراً عليه على حد سواء مع أمريكا)، بل أن تعاونه يخدم أربعة أغراض أخرى بجانب ذلك هي :-
أولاً: أن رغبة اليمن للعمل مع الولايات المتحدة نجم عنه قبل كل شيء قيام واشنطن بتفضيل اليمن على السعودية في قضية تُعد ذات أهمية عظيمة بالنسبة للولايات المتحدة.
وثانياً: أن زيادة التعاون اليمني- الأمريكي في حرب مكافحة الإرهاب رافقه تراجع في اهتمام الولايات المتحدة بمسألة القصور في التقدم تجاه التحول الديمقراطي في اليمن، رغم أن تصريحات صالح تقول العكس.
ثالثاً: إن المساعدة التي يتلقاها صالح من الولايات المتحدة لدحر الإرهابيين الإسلاميين تساعده أيضاًعلى استخدامها في حماية حكمه.
رابعاً: أن تعاونه مع الولايات المتحدة في حرب مكافحة الإرهاب يقلل من احتمالية التدخل الأمريكي العسكري المباشر في اليمن الذي قد يتسبب في الإطاحة بحكمه.
إن قدرة الرئيس صالح على إعادة تمتين علاقاته مع الولايات المتحدة ، تُظهر مجدداً حنكته السياسية الثاقبة في الإتيان بالفعل السليم الذي من شأنه خدمة مصالح اليمن.

المصدر: The Jamestown Foundation
* ملاحظة : تمت ترجمة عنوان هذه الدراسة طبقاً لما ورد في أصل النسخة الإنجليزية.




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر