بقلم- حافظ سيف فاضل - اللائحة المنظمة لشؤون الطلاب في جامعة صنعاء يتهم منتقدو اللائحة المنظمة لشؤون الطلاب في جامعة صنعاء، بأنها مخالفة للدستور ومبادئ ثورة 26 سبتمبر 1962م. قررت على الفور بالعودة لمراجعة أهداف الثورة المجيدة، عله أضيف إليها بندا سابعا إلى أهدافها الستة يخص الشؤون التنظيمية للجامعات اليمنية او مايشير اليها. فوجدت ان الاهداف لازالت ستة ولم يطرا عليها تغيير. وظننت ان المنتقدين ربما اعتقدوا من باب التأويل (الحزبي) ان أحد الأهداف والمبادئ وهو الثالث، الذي يدعو بالنص الى "رفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا"، ان تفسير رفع المستوى السياسي للشعب اليمني يعني بالضرورة (الطلاب) وبشكل مباشر من الجامعات التعليمية. وحين تمخضت الثورة وولدت الأهداف والمبادئ لم يكن هناك جامعات على الساحة اليمنية، وقد تم فتح جامعة صنعاء في مطلع عام 70/1971 كأول جامعة، ولم تكن هناك مدارس تعليمية رسمية أيضا، سوى ملحقات تعليمية (معلامة) مقتصرة على تعليم القرآن وبعض الشؤن الدينية في زوايا المساجد وثنايا العشش. وانما جاء خطاب أهداف الثورة موجه كخط عام لرؤية سياسة الدولة اليمنية المدنية الجديدة المنشئ، بعد دفن نظام الإمامة الرجعي الحاكم بأمر الله. وبالتالي، من واجب الدولة رفع مستوى الشعب سياسيا من خلال فتح قنوات التعبير المتعددة المشروعة، ومنها الاعلامية من خلال توسيع هامش الحرية للتعبير في الصحافة وحرية الكلمة المكفولة للجميع بدون استثناء، ومنهم الطلبة، أيضا السماح لجميع المواطنيين بالانخراط في العمل السياسي بتشكيل الهيئات المدنية والنقابات والاحزاب السياسية وبدون استثناء، وبما فيهم الطلبة. ولكن، يحق للدولة ايضا دستوريا ان تمنع العمل الحزبي السياسي وفق ماتقتضيه المصلحة العليا للبلاد، كأن تحرم الحزبية على ضباط وأفراد الجيش والأمن، لان السلك العسكري يعني بحماية الوطن ويسهر على امنه وسلامته ويحافظ على سير العملية السياسية متعددة الطيف السياسي، بتأمين المناخ الآمن لادارة عملية صناديق الانتخاب والاقتراع في البلاد تمهيدا للتبادل السلمي للسلطة. وكان منع الحزبية على السلك العسكري قرارا سياسيا صائبا، يمنع الصراعات والمواجهات المسلحة بين الأطراف والتي قد يكون لها امتداد حزبي عسكري والوقوع في آتون فتنة داخلية حرجة. من المعلوم أن أفراد الجيش والأمن هم من قطاعات الشعب اليمني في المضمون، والتي نصت عليها أهداف ومبادئ الثورة اليمنية في ضرورة رفع مستواهم السياسي. ورفع المستوى السياسي يتخذ أشكالا عدة وواسعة، وليس بالضرورة ممارسة وفق مفهوم خط الحزبية والتي قد تكون ضيقة في بعض الأحيان. أيضا يدخل من ضمن القرار الصائب للدولة، منع سلك القضاء من ممارسة الحزبية، فتنزيه القضاء أمر ضروري وابعاده من المعمعة الحزبية لايختلف بشأنه اثنان، من اجل ان يتبلور مفهوم العدالة والمساواة، ولكي لا يؤثر على أحكام القضاة أية اعتبارات حزبية او ولاءات خارج منطوق القانون. ومن المعلوم ان رجال القضاء يعدون من ضمن قطاعات الشعب اليمني. كما يحق لوزارة الأوقاف والإرشاد بإصدار مرسوم يمنع من استغلال منابر المساجد لأغراض سياسية حزبية تفقد رسالة المسجد روحانيته وسموه، وتصبح مهب للتلاعب بعواطف البسطاء من الناس ومااكثرهم في واقع الأمية المرتفعه. بالرغم عدم ورود نص قانوني صريح في ذلك -حسب اعتقادي-، إلا أن المصلحة العليا للبلاد تقتضي اصدار مثل هذا القرار. ومن المعلوم ان المصلين ومرتادي المساجد من عامة الناس من الشعب اليمني، ولكن لن يسمح لهم بممارسة العمل الحزبي السياسي في دور العبادة. ومن هذا المنطق والمنطلق، لايمكن أن يتم استثناء أمر الطلاب من هذا المفهوم برمته، إذ أن الجامعات والمدارس التعليمية تعتبر حرم تعليمي وصرح علمي، لتعلم العلم الصرف. وإقحام هذا الحرم والصرح العلمي التعليمي بالتجاذبات الحزبية والمماحكات السياسية خطأ فادح، يدفع ثمنه المجتمع، وتتحمل مسؤليته الدولة، سيُدخل العملية التعليمية برمتها في دوامة الصراع خاصة بين أطرافها، معلمين ومعلمين، وبين طلاب وطلاب، وبين الجانبين معا، كما يشوش على طبيعة نشر الرسالة العلمية وتلقيها من قبل الطلاب في العملية التعليمية. وما يتم من انتساب حزبي أو تسييس للـ(مواطن/الطالب) خارج أسوار الجامعات التعليمية، يعد حقاً كاملاً للطلاب في ممارسة الأنشطة الحزبية الفاعلة ورفع مستواهم السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، كفله الدستور اليمني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، 1948م. فالطالب يتميز من هذا الموقع على الفرد من القوات المسلحة والأمن، وعلى الفرد العامل في سلك القضاء، أن للطالب أن يمارس أنشطته السياسية والحزبية وغيرها، خارج أسوار الحرم الجامعي، بينما لايتمكن منتمي هذين السلكين العسكري والقضائي من ممارسة هذه الأنشطة خارج الموقع والوحدة العسكرية، أو خارج ساحة المحكمة القضائية العدلية، اذ تعتبر محرمة بشكل قطعي عليهما.
في اغلب جامعات العالم والمعتبرة منها، لاتسمح بممارسات العمل السياسي الحزبي، ولاتتيح في أروقتها الأنشطة الحزبية الموجهة او المؤدلجة، وهذه الجامعات واقعة في دول ذات ديموقراطية عريقة، ايمانا منها باستقلال الرسالة العلمية الأكاديمية وتنزيه العلم من افون السياسة. والجامعات اليمنية ليست استثناء من هذا المفهوم الصائب والإيجابي للحفاظ على الطلبة من بعض شرور أنفسهم و شرور بعض موجهي قادة الأحزاب السياسية، فالصراعات والمماحكات الحزبية الضيقة طالت كثير من مؤسسات البلاد، ولايزال الفساد قائما ومستمرا في محاولة تعميمه وتسريبه إلى مقاعد الدراسة، وكان مما قرأت لبعض دعوات مؤيدي الأنشطة الحزبية في الجامعات من القانونيين من حجج واهية منها "ان تحريم العمل الحزبي في الجامعات بأنه محاولة لاخراج طلاب ضعفاء غير قادرين على التعبير عن حقوقهم وان تحريم العمل الحزبي داخل الجامعات عمل مخالف للقانون والدستور ولاينبغي ان نكون في دولة تتغنى بالديموقراطية". فالقانون يسمح بالعمل الحزبي العام وحدد منع العمل الحزبي في إطاره العام، والذي شمل في المادة العاشرة من الباب الثاني من قانون الاحزاب والتنظيمات السياسية في الفقرة الثالثة: "أن لايكون من أعضاء السلطة القضائية او من ضباط أو أفراد القوات المسلحة والأمن أو من أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي أثناء فترة عملهم في البعثات اليمنية في الخارج". ولكن السماح على إطلاقه للبقية ممن لم يشملهم منع القانون، لا يعني بالضرورة أن يجر ذلك إلى المؤسسات المستقلة بعينها، مثل المؤسسات التعليمية، -خاصة- إذا تناولها صراع وإشكاليات تعيق من مهام تأدية عملها، إذ أن للمؤسسات التعليمية الحق في إصدار لوائح داخلية تنظيمية تحدد المصلحة التعليمية العليا وطريقة سيرها، وقد ترى هذه المؤسسات أن أمر استفحال العمل الحزبي السياسي في المؤسسة التعليمية، يشكل ضررا بالعملية التعليمية برمتها، ويؤصل للخلاف، ويفتح أبوابا للصراع، فتنتفي بذلك عن المؤسسة الصفة والهدف الأساسي من مهمة رسالتها التعليمية العلمية ووجودها، وتصبح بؤرة تجاذب صراع لأطراف حزبية ومماحكات سياسية، تخل بالمؤسسة والمستوى التعليمي برمته. كما انه لا يحق للمؤسسة التعليمية منع الانتماء السياسي والممارسة الحزبية عن طلابها خارج أسوارها. وبهذا لاينتج بذلك تعارض مع القانون العام بل يتمشى والمصلحة العليا للبلاد، في خلق جيل طلابي متلقي تعليمي في وسط صحي أكاديمي صرف، وفي ذات الوقت جيل طلابي يمارس حقه في الأنشطة والعمل السياسي الحزبي، ولكن خارج أسوار الجامعات والمؤسسات التعليمية. فالبلبلة وسوء الفهم أتت من هذا الخلط في المفاهيم، فالجامعة لاتمنع الطالب من ممارسة عمله السياسي ونشاطه الحزبي وبذلك لم تخالف الدستور، ولكن عليه أن يقوم بها خارج أسوارها، مما يتوافق مع لوائحها وأنظمتها الداخلية المخول لها وفق الاستقلالية واللامركزية. إذ يحق لهيئة رئاسة الجامعة ان تُسير عمل كلياتها وكل مايتعلق بها حسب رؤيتها المستقلة ومصلحة الجامعة وطلابها. وبالتالي، في المحصلة يجمع الطالب متلقي العلوم والراغب في الممارسة الحزبية السياسية بين الاثنين، وعلى هذا الأساس لم تخالف الجامعة الدستور وانما نظمت العملية استبعادا للصراع السياسي الداخلي في الصرح التعليمي. ومن هنا ندرك ان المنطق يقول، انه إذا تسببت الممارسة السياسية الحزبية ضررا في البنية التعليمية واخلت بالمستوى التعليمي، سوف يتطلب لزاما على القائمين على المؤسسات التعليمية وضع الحلول الناجعة للحد منها، تفاديا لخطورتها، ووفق القانون الذي يسمح لمؤسسات التعليم المستقلة في إصدار اللاوائح الداخلية التنظيمية، كما يمنحها حق حرية تقدير الضرر واتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من تفاقم المشكلة. لاشك ان اللوائح الداخلية التنظيمية قابلة للمناقشة واعادة الصياغة بحسب وجود المسببات وانعدامها، ووفق رؤية مجلس الجامعة بالتفاعل مع الاتحادات الطلابية المنتخبة المعتمدة لدى الجامعة. فعملية منع المباح امر متعارف عليه، اذا كان سيتسبب في أضرار أو إخلال بنيوي اوامني عام، كما حدث مؤخرا في جامعة صنعاء من إشكاليات حزبية واطلاق عيارات نارية واعتقالات ومحاكمات لطلاب حزبيين!. مماحدا برئيس الجامعة -مشكورا- من إصدار اللائحة المنظمة لشؤون الطلاب، والتي أثارت حفيظة بعض التيارات السياسية، والتي تعمل جاهدة على إفشال هذا المسعى السديد والصائب، بتحريض الطلبة على التمرد وممارسة الضغوط على رئاسة الجامعة، فقد سبق وفشلت بعض هذه التيارات في إدارة مدارس كانت واقعة تحت سيطرتها الحزبية والخارج نطاق سيطرة وزارة التربية والتعليم اثر عملية دمج وتوحيد التعليم الإيجابية والتي قامت بها الدولة مما اعتبرت من ماحسنها، وأدى ذلك إلى فقدانها لتلك المدارس، لتعود اليوم بعض هذه التيارات لتلعب على وتر صرح الجامعات التعليمية رغبة منها بعودة السيطرة الأيديولوجية والتمويلات المالية المشبوهة. كان يتوجب على الطلاب ونقابة هيئة التدريس في جامعة صنعاء وغيرها من الجامعات، اذا رغبت فعلا في اعتصامات ايجابية للصالح العام، هوالاعتصام والمطالبة بمبدأ الانتخاب، لا التعيين في الجامعة، لفترتين زمنيتين محددتين، للرئاسة والنواب والعمادات ورؤساء الاقسام، هذا مطلب عادل ويقوم على أساس ديموقراطي، ويفعل في ادخال دماء جديدة، وبرضى الأغلبية. لقد أثر مبدأ التعيين سلبيا على نهضة جامعة صنعاء وتطويرها، بسبب مدة الترئس السابقة والتي كانت أشبه بمدى الحياة، افقدتها طيلة الفترة المزمنة تدفق التحديث والتطوير، واورث حمل ثقيل لخلفه الحالي-الله يكون في عونه-. ان ما يحاول القيام به رئيس الجامعة الحالي الدكتور صالح باصرة من إعادة ترتيب وتطوير واهتمام في البحث العلمي يشهد له. ان مسالة الضغوط التي تلقاها كما وصف موقع -الصحوة نت- من جهات عليا في قضية تعيينات المعيدين الأخيرة اذا صحت، وكانت متجاوزة للقانون والضمير الاخلاقي، يتوجب التراجع عنها فورا وتصحيحها بجرئة ومهنية عالية. ولكن مالا يجب عنه التراجع، هو قرار منع العمل الحزبي في الجامعة، خشية العودة لصراع الممارسات الحزبية داخل أسوار الجامعة، وقرار حكيم كهذا لاشك يحبط الاجندة الخفية لتيارات أصبحت معروفة، لازالت تعزف على نفس الوتر وفي نفس وسط هيكلية التعليم.
كاتب وباحث اكاديمي
-نقلاً عن جريدة إيلاف الإليكترونية
|