نزار العبادي - تقليـد رمضانـي رئاسـي في نوفمبر 1978م انتهز الرئيس علي عبدالله صالح حلول الشهر الفضيل فدعا إلى قصره الرئاسي كبار مسئولي دولته الفتية، التي لم يمض عليها سوى أربعة أشهر أو نحو ذلك، ودعا أيضاً أبرز شيوخ القبائل، ووجهاء المجتمع، وكبار رجال الدين والضباط- وربما فئات أخرى من المجتمع اليمني.
وبعد الإفطار طلب الرئيس من ضيوفه أن يحدثوه في هموم الناس، ومشاكل المناطق ، وما تجيش في صدورهم من انطباعات وآراء حول ما يأملونه لهذا البلد الكليم بجراح التشطير، والشتات الوطني، والصراعات الدامية، والكراسي السلطوية المضرجة بدماء الرؤساء المنحورين على أعتابها بأيدٍ غادرة ، توارث عن عدالة القضاء.
غرق الرئيس في عالم من الصمت ، مشدوداً بكل جوارحه إلى كل ما يقال.. وكل همسة، أو غمزة، أو لفتة نظر.. ويقيناً أن أدرك – حينذاك- صعوبة المهمة التي جازف بقبولها في السابع عشر من يوليو من العالم نفسه .. الأمر الذي دفعه في ختام تلك الأمسية الرمضانية إلى التأكيد للحاضرين بأن مسئولية إخراج الوطن من أزماته ومشاكله، وانتشال شعبه من الواقع المؤلم الذي يقاسيه لا يمكن أن تكون مسئولية رئيس الجمهورية وحده دون جهود كل الشرفاء المخلصين من أبناء اليمن.
بعد عام من ذلك الحدث بالضبط ، كرر الرئيس علي عبدالله صالح الأمر نفسه، واجتمع على مائدة إفطار واحدة مع تلك النخب الوطنية، ثم توالت بقية التفاصيل ، مجددة تاريخ رمضان السابق..
من يومها أدرك الجميع أن الرئيس اكتشف – منذ الأمسية الرمضانية الأولى- سحر اللقاء مع النخب الجماهيرية، وعظمة جدوى تلمس هموم الشعب عن كثب، وقيمة الزعامة حين تكون محفوفة بجماهير الوطن، تشق الطريق إلى غد اليمن في مصير واحد.
منذ العام الأول لحكمه وحتى اليوم لم ينقطع الرئيس صالح عن تقليد الأمسيات الرمضانية ، باستثناء عام 1994 التي وافق فيه رمضان مع بداية شرارات فتنة الجماعة الاشتراكية الانفصالية، مما أحالت الضرورات الأمنية دون إقامة أمسية رمضانية.
نسترجع إلى أذهاننا هذا التقليد الرمضاني الرئاسي في الوقت الذي نضع أقدامنا على عتبات شهر رمضان المبارك، لنعترف – ولو في قرارة أنفسنا- أن السلام ، والاستقرار، والديمقراطية، وحركة النهضة الوطنية، ومركز اليمن الدولي المرموق اليوم.. جميعها لم تكن إلا وليدة أسرار ذلك اليوم الرمضاني في نوفمبر 1978 ، الذي أمضى الرئيس مساءه فيه يتلمس خطى مسيرة دولته على هدي تطلعات الجماهير، ويستمد من إرادتهم عزيمة الوقوف بوجه التحديات ، وقوة الإصرار على نقل اليمن وشعبها إلى واقع مغاير.. أسمى ما فيه: إنسانية الفرد، وكرامته وعزة وجوده.
ولعلي استذكر هذا الدرس العظيم من مدرسة الرئيس صالح ، وفي النفس تساؤل متكرر يقول: يا ترى ما الذي يمنع بقية المسئولين في القيادة السياسية من تقليد التجربة ، وإقامة الأمسيات الرمضانية في مناطقهم الجغرافية ، وتجريب إحساس القوة والرضا والثقة بالنفس ، الذي حقق بفضله فخامة الرئيس أروع الانتصارات، وأعظم الإنجازات..!؟
|