المؤتمر نت - التسامح من منظور إسلامي دائما ما تطرأ مشكلة عند مناقشة مفاهيم مثل التسامح والليبرالية والديمقراطية من منظور إسلامي، لأن المسلمين يفترضون أن هذه المفاهيم وتلك القيم وافدة من نظام آخر وأنهم بتبنيهم لها، فإنه يطلب منهم التعامل في إطار نظام غريب عنهم.
وتحمل هذه النظرة أحد محذورين: أولهما أنه يمكن تبني هذه المفاهيم وتطبيقها بالكامل مع محاولة تطويع القيم والنظم الإسلامية لها بالشكل الذي يكفل للمسلمين القول "إننا كنا دوما متسامحين وديمقراطيين... إلخ". وفي سعيهم هذا فإن المسلمين يجتثون من الفكر والمعاملات والتاريخ الإسلامي ما قد ينهض دليلا على عكس ذلك. أما المحذور الثاني فهو محاولة رفض هذه القيم جملة وتفصيلا، والقول إنها قيم وأطروحات ومعتقدات وافدة يتعين على المسلمين لفظها لأن لهم نسق القيم الخاص بهم.
وهناك جدل حاد حول محاولات تحليل هذه القيم في إطار العقيدة الإسلامية. والكلمة المستخدمة اليوم للمرادف الإنجليزي tolerance هي تسامح، وهي كلمة حديثة نسبيا بالنظر إلى ما تستدعيه من معان. أما الجذور الأصلية لمعنى التسامح فقد أشير إليها في تاريخ الفكر الإسلامي بكلمة "سماحة" وهي قريبة جدا من "تسامح". وهناك حديث عن النبي "ص" يقول "رحم الله عبدا، سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا اقتضى" أي طالب برد ديون له عند الآخرين.
وفي البداية كانت هناك صعوبة عند المسلمين في تعدد المذاهب والمدارس الفقهية، فقد كان هناك مفهوم وحدة المسلمين الذي نص منذ بداية الإسلام على وجود قائد واحد للمسلمين يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه. ونوقشت آنذاك فكرة وجود قائد ثان لكنها رفضت على الفور.
وتجلى هذا لاحقا في ضرورة أن تكون هناك وحدة واحدة متماسكة. أما مفهوم التعددية في إطار الأمة فقد ظهر في صدر الإسلام، لكنه سرعان ما توارى واختفى.
لذلك فإنه على مدار التاريخ الإسلامي أخذ القبول بوجود مذاهب ومدارس فقهية وقتا، كي يترسخ بشكل تدريجي. واعترف الإسلام بوجود استثناءات لكن الوضع المثالي ظل في أن تكون الأمة موحدة خلف مذهب بعينه.
وبعد ذلك تطور الأمر وترسخت فكرة تعدد المذاهب الفقهية، لكنه وحتى الآن يجد المسلمون صعوبة في تقبل هذه الفكرة. وهناك ميل عام إلى النظر إلى أتباع مذهب مختلف على أنهم مخطئون بالتأكيد، ولابد لهم لتصحيح هذا المبدأ أن يتبعوا المذهب السائد. وإذا لم يفعلوا ذلك تبذل محاولات لإقناعهم فإن لم يقتنعوا أكرهوا على ذلك.
وهناك حاجة الآن إلى إعادة التفكير في هذا التصنيف الفئوي. ويجب ألا يملى ذلك كلية على المسلمين من خارج بلادهم. الفكرة هي أنه على المسلمين أن يكونوا متسامحين لأنه في الغرب يتحدث الناس عن هذه الفكرة وعلى المسلمين أن يحذو حذوهم.
ويجب على المسلمين أن يراجعوا الكيفية التي يتعين أن يتعاملوا بها مع بعضهم بعضا ومع العالم الخارجي الذي يضم أناسا مختلفي العقائد والأجناس والأديان. والمفارقة أن المسلمين أنفسهم من مختلف المشارب تجمعهم الظروف في عالم اليوم أكثر وأكثر. ففي الدول الغربية توجد تجمعات إسلامية كبيرة العدد من دول كثيرة ومن قارات متباعدة وتختلف ألوانهم وثقافاتهم وأجناسهم. وأحيانا يؤم هؤلاء المساجد ودور العبادة نفسها. وقد أثار ذلك جوا من الجاذبية وأحيانا مناخا من التشاحن، لكنه أظهر - وهذا هو الأهم - مدى تنوع المجتمع الإسلامي.
إن ثمة فكرا جديدا يتشكل الآن عن تطور الإسلام، والواقع الجديد في عالمنا المعاصر يدعو إلى فكر جديد تتعاظم فيه أهمية أن يعيد المسلمون النظر في الطريقة التي يتعاملون بها مع فكرة تعدد المذاهب والرؤى داخل المجتمع الإسلامي ومع العالم الخارجي.
عن : (الوسط ) البحرينية |