الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:24 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الإثنين, 25-أكتوبر-2004
المؤتمر نت - من مأذن حضرموت المؤتمرنت-أحمد الحسني -
حضرموت .. أخيــراً عجائب و عادات ( 6 )
طموح جبار تمرد عل الموت في صحراء الربع الخالي فتدفق صانعا مجد الحياةفي معاجن الوادي وبساتينه غيوله وغياضه مخلداً إنتصاراته بتماثيل الجبال الشامخة يستمد بها معونة السماء التي زودته بأكبر مخزون مائي لتمتلئ رئتيه أخيراً بهواء البحر وهو ينظر الى الدنيا الواسعة محتفظاَ من ذكريات المهد الذي جاء منه ببعض الحرارة تمازج أنسامه وتخالط مياه بعض عيونه الكبريتية مشكلاً برحلته تلك خارطة من المساحات الشاسعة إسمها حضرموت الطبيعية التي اكمل الانسان على ظهرها مسيرة الحياة والإبداع التي تأنقت مدناً بديعة وقصوراً فخمة وماذناً ساققة وقباباً بهية وتوابيتا وسدداً مزخرفة وقلاعاً جبارة وأكواتاً ( حصوناً ) منيعة وسدوداً وقنوات ري محكمة فكانت شبام وسيئون وتريم والشحر والغرفة والسوم وساه وعينات والمكلا وبور ومريمة و .. و.. الخ .
أعاق البحر طموح حضرموت الطبيعة في الانطلاق والامتداد لكنه لم يستطع ان يمنع الحضرمي من أن يحمل بلاده الى اطراف الارض بخصوصياتها وملامحها.
الإنسان في حضرموت صورة لأرضه بمتناقضاتها وسحرها وعجائبها فجاءت عاداته استجابة لظروفه الطبيعية وعكست ثقافته الشعبية وانماطه المعيشية وتقسيماته الطبقية خصوصية حضرموت الارض على حضرموت الانسان الذي أثر وتأثر لكنه ظل مسكوناً بأرضه المحفورة في تلافيف روحه كما هي مرسومة على قسمات وجه .
عادات في البناء : ـ
يعتبر المنزل الشبامي مثالاً للمنزل الحضرمي أختزل أغلب خصوصياته من حيث المكونات والتقسيم وعكس خصوصية شبام التأريخية كمركز تجاري هام رغم صغر مساحتها فهو مبني من الطين كسائر مباني حضرموت إستجابة للظروف الطبيعية ( ندرة الحجارة و المناخ الحار ) وتعبر زخارف سدده ونوافذه عن الحس الجمالي عند الحضرمي والترف الذي يحفظ التمييز بين طبقاته الإجتماعية .
يصل المنزل الشبامي الى ستة أدوار تتدرج من الدور الرابع لتنتهي في الدور الأخير بغرفة واحدة وحمام وعندما تدخل من السدة ( الباب الرئيس للبيت ) إما ان تنزل الدرج الى الدور الأول الارضي و إما أن تصعد الى الدور الثاني الذي ينقسم الى مخازن للمؤنة السنوية للأسرة ( غرفة التمر ـ غرفة الحطب ( أقصام ) قطع خشب النخيل والسمر القرض ـ غرفة النورة ( الجير المطفي ) ـ غرفة الفحم ـ غرفة الدواجن ( الطيور ، الماعز ، الضأن ) ـ غرفة الحبوب ) والدرج الى الدور الثالث الذي يتكون من مجلس كبير للرجال وحمام بجواره وغرفة ( التيحة ) وهي غرفة بجوار الحمام تستخدم لغسل الميت وفيها ( العمادي ) خزانة في الحائط يوضع فيها جهاز الميت ( الكفن ، الطيب ، الحنوط ) وكلما استخدمت محتوياتها لميت جيئ ببدلها إستعدادا دائما للموت كواقع لابد منه او استشعاراً له كنهاية لكل حي تبعث على التقوى والخوف من الله في مجتمع تجاري كشبام التي سميت قريبة اليتامى والعالية .
تصعد الدرج الى الدور الرابع الذي يقام على جزء من سطح الدور الثالث مجلس كبير للضيوف من الأقارب يقام في وسطه ( شبح ) ستارة تفصل بين الرجال والنساء وبجوار المجلس حمام ويترك جزء من السطح مكشوفاً يفرش للسمر يسمى الريم وتطل منه المشرفة وهي مشربية صغيرة يرى منها المستأذن امام الباب ويقودك الدرج الى الدور الخامس الذي يقام على جزء من سطح الدور الرابع ويتكون من غرفة نوم واسعة وحمام ودرج الى الدور الأخير ويترك جزء من السطح مكشوف يفرش كسابقه للسمر و يسمى الطيارم أما الدور الأخير فيقام على جزء من سطح الدور الخامس وهو عبارة عن غرفة نوم صغيرة مخصصة للعريسين وبجوارها حمام ويترك بقية السطح مكشوفاً كسابقيه ويفرش لسمرهما ويسمى القرح ومن سطح غرفة العريسين يجمع ماء المطر ويستخدم في إعداد الشاي الحضرمي المشهور وشوربة رمضان وفي بعض بيوت الجهة البحرية من شبام تقام ملاجئ أرضية تستخدم في حالة الحرب ..
كثرة الحمامات في المنزل الشبامي جعل ابناء هذه المدينة القدامى يقيمون فيها أقدم شبكة صرف صحي مكشوفة لم تستطع شبكة المجاري الحديثة أن تؤدي وظيفتها .
تكوين البيت الشبامي خاضع للتقسيم الطبقي للمجتمع الشبامي الذي ينقسم الى خمس طبقات اعلاها
1 ـ القروان ( جمع قرار ) وهم شيوخ العشائر وكبار التجار ينافسهم في المكانة
2 ـ السادة ( الاسر هاشمية ) الذين حفظت لهم مكانتهم الدينية مكانتهم الإجتماعية رغم قلة عددهم
3 ـ المساكين : من صغار الباعة والفلاحين يليهم الدلل .
4 ـ الدلل : من العمال واصحاب الخدمات الخاصة الذين يتوزعون في مجموعات تتبع أعيان الطبقتين الأولى والثانية .
5 ـ العبيد
وهذه الطبقات محافظة على التمييز فيما بينها حتى في الإستئذان لدخول البيوت فالقرار يستئذن قائلاً : ( ياحارير ) والسادة يقولون : ( ياسعادة ) والمساكين : ( حد طالع ) والدلل : ( حد فوق ) والعبيد : ( غير محدد )
رمضان في شبام : ـ
يبدأ الاستعداد لرمضان من يوم 14 شعبان حيث يتزين الجميع ويوسعون على أنفسهم وذويهم خصوصاً الأطفال الذين يبسط لهم بساط أمام جامع الرشيد تباع فيه الحلويات واللعب وبعد صلاة العصر يقرأ الناس سورة يس ثلاث مرات يقرأون بعد كل مرة دعاء الشعبانية ( اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه يا ذا الطول والإنعام يا ذا الجلال والإكرام لا إله الا انت ظهر اللاجئين وجار المستجيرين وامان الخائفين … الخ ) ثم يخرجون من جامع الرشيد ترافقهم الإيقاعات كل طائفة حول منصبها و يتوجهون لزيارة الموتى وهم يرددون الاناشيد الدينية والتراحيب برمضان وعند وصولهم مقبرة جرب هيصم يوجهون وجوهم صوب تريم ويقرأون الفاتحة الى ارواح علمائها ومشائخها ثم يجلسون في( القديم )استراحة في مقبرة ( ولي ) الجزء القديم من المقبرة يقرأون يس والدعاء ثم يعودون قبيل المغرب بزفة الى مسجد (بن احمد ) ليؤدوا فيه صلاة المغرب ويقرأوا يس والدعاء وبعدها يعودون الى المدينة ليشربوا القهوة ويرددوا الأناشيد الدينية والترحيب برمضان .. لقد بدأت هذه العادة تحارب من الجماعات السلفية باسم محاربة البدعة لدرجة انهم يمنعون الأطفال من الذهاب الى ساحة الجامع لشراء اللعب والحلوى .
من يوم الشعبانية تبيض البيوت بالنورة وتجهز أكلات رمضان التي من أهمها الشوربة وفي أول يوم من رمضان تذبح الذبائح و يجتمع الصغار في ( المتيعة ) وهي دكة في كل حارة يتجمع فيها الصغار يهزجون وتردد الفتيات اهازيج الترحيب برمضان والأذان من مثل
" يا مغرب أذن أذن
شوف أمي صايمة بغت لقيمة ..
أذن أذن يا مغرب "
وحين يطلع المؤذن منارة الجامع يصيحون ..
" شوف شوف
شوفت ضوء من بين العكر
شوفت ضوء صغيّر عبر "
وعند الختم في ليلة 11 رمضان
" الليلة ختمنا يا بنيات
الليلة يا فطوم يا حسيني يا بنيات
أبوك قدامك راكب على المرعى
مرعى رسول الله "
وفي 11 رمضان تبدأ أغاني الوداع الحزينة من مثل :
" مسكين رمضان ..
حمل ثيابه وعبر ..
ياليت رمضان يقعد عندنا أربع سنين
لانت على مقعد الضيقة وذاك السكون "
من أجمل عادات الناس الرمضانية في شبام هو مولاة صلاة التروايح بين مساجد المدينة بحيث تتمكن من أداء التراويح جماعة حتى وقت متأخر من الليل إن فاتك في مسجد أدركتها في الآخر والراغبون في التنفل يتنقلون بين المساجد ويصلون جماعة ما شاء الله لهم .
لكل حي من شبام مسحراتي خاص به من آل خراز يسمونه المفّّـّلح يدور على البيوت منادياً على أربابها بأسمائهم يوقضهم للسحور مقابل عطية تسمى الوريقة يبدأ في جمعها من البيوت ليلة 27 رمضان والأطفال معه يرددون
" وريقة وريقة جيتي جيتي
وريقة وريقة من وين جيتي "
وتبيض البيوت استعداداً للعيد الذي تبدأ طقوسه بالصلاة في المسجد ثم تقوم فرقة الطبالة من عبيد يدوة بالطواف بالمدينة متجهة الى قصر السلطان الذي يؤدي اليافعيون في ساحته رقصة البرع وهي رقصة حرب تعبر عن أصحابها الذين استعان بهم السلطان القعيطي في إقامة سلطنته وتوطيدها ..
يقال أن المرتزقة من الجنود الهنود اعترضوا على السلطان تفضيل الجنود اليافعيين عليهم في العطاء رغم اميتهم وأنهم لا يحملون شهادات دراسية كالهنود فقال لهم اليافعيون لديهم شهادة ( يالوماه ) ولم يكونوا يعرفون أنه يقصد ان قيم اليافعيين وقرابتهم له تمنعهم من خذلانه مهما جرى
أما فرقة الشرح الخاصة بالدلل فأنهم يؤدون زواملهم حتى يصلون الى شيخهم وبعدها يتجه الجميع للمعاودة زيارة الأقارب
القاب البلدان : ـ
للمدن والبلدان الحضرمية القاب للسخرية والتهكم يعير بها ابناؤها ويعبعب بها على من زار منهم هوداً للمرة الأولى وبلغ من الاهتمام بها ان نظم عمر بن عبد الله بن يحي ارجوزة تقع في خمسمائة بيت سماها الميدان في القاب البلدان جمع فيها القاب بلدان حضرموت من سيحوت الى المكلا ومنها :
سيئون : جَرّه
الغرف : شوربة
شبام : حقّقه
تاربة : مخروقة
حوطة سلطانة : كريم واكرم
تريم : خيّله
بعلال : يووه .. تشيب وقرقاعة
وفي اللقبين الأخيرين سخرية من التريمي الذي بهت من رؤية الخيل المغيرة فصاح " خيله " خيل أ و و ه وحين سئل عن عددها اجاب " خيله .. خيلتين .. اربع مية .. ما يعتدين "
والثاني تهكم من إجابة ربة البيت في بعلال بكلمة يوووه تمويهاً وسخرية من وضع القرقاعة حديدة مدلاة تستخدم للطرق على الباب رغم ان الباب " تشيب " عيدان خشبية اشبه بدرجات سلم متقاربة يظهر من وراءها أي وضع الشيئ في غير موضعه .
عادات في الزواج :ـ
من أغرب الأنكحة في بعض مناطق شرق الوادي التي ظلت الى عهد قريب " الإكتساب " وهو يشبه نكاح الإستبضاع عند العرب في العصر الجاهلي حيث تمكن المرأة من نفسها رجلاً غير زوجها بغرض الإنجاب منه بفارق ان المرأة الجاهلية كانت تقوم بذلك بطلب من زوجها بسبب الفقر أو طمعاً في نجابة الذرية وينسب الإبن الى الزوج او للأم او لأبيه الحقيقي او لمجهول كما في حالة زياد بن ابيه او زياد ابن سمية او زياد بن عبيد الذي الحقه معاوية بن ابي سفيان بنسبه ليصبح زياد بن ابي سفيان فقال فيه الحميري
الا ابلغ معاوية بن صخر مغلغلة من الرجل اليماني
اتغضب ان يقال ابوك عف وترضى أن يكون أبوك زاني
واشهد ان رحمك من زياد كرحم الفيل من ولد الأتان
أما الاكتساب فان الحضرمية تقوم به بحثاً عن ابن خاص بها يعينها في حياتها ويرثها بعد موتها واليها ينسب فيقال فلان بن فلانة ولا يستطيع الزوج ان يأخذه منها كأبنائه فيما لو طلقها وبدون أن يعيرها أحد تقول عن بنيها اولئك بنو فلان وأولئك بنو فلان وهذه أو هذا كسبي وما يزال هناك من أسمه فلان بن فلانة حتى اليوم وبعضهم ازال تاء التأنيث من اسم امه ليصبح بن عزيز بدلاً من بن عزيزة او بن حمود بدلاً من بن حمودة وعن وجود مثل هذه العادة في المجتمع الحضرمي المتدين يقول الأستاذ / محمد عمر الزبيدي : " ضرورة الحياة وقساوة المعاملة التي تحرم البدوية من حقها في بنيها من جهة والجهل بتعاليم الدين في هذه المناطق النائية وصعوبة الاتصال ادى الى ذلك وبزوال المسببات زالت العادة "
اما العادة التي اوشكت على الإنقراض في هذه المناطق بسبب المدنية رغم انها من ارقى صور التعامل الحضري " الصغرة " او حب ما قبل الزواج حيث يرتبط الشاب بفتاة من بلده بعلاقة حب عفيف لا يشاركه فيها احد وبمعرفة الجميع يتمنى لقاءها منفردين قائلاً :
" ياليت والله لا منيفة وانا في الخلا وحدنا "
فترد عليه معبرة عن خوفها من الوقوع في المحظور:
" خافك كما الهيج تهدر لما نكون وحدنا "
فيقسم لها على العفة :
" تغلب علي نجوم الليل ذي في السما "
فتلقاه مطمئنة ويزورها في منزل اسرتها يشربان القهوة ويتحدثان وحين يصبح مستعداً للزواج يتقدم الى اهلها ويتزوجها .
باختلاف بسيط بين المناطق في عادات الزواج وطغيان العادات الجديدة على البعض يتقدم الحضرمي خاطباً الى اسرة الفتاه التي يرغب الاقتران بها وهو يحمل معه القهوة ( سكر ، بن ، زنجبيل ) ويتفق معهم على المهر والجهاز في المجلس الذي تحضره ام البنت وتشترط لنفسها فيه ثوباً ولكل واحدة من خالات البنت ثوباً او( نقبة ) خماراً ولكل واحد من أخوال واعمام البنت ( صبيغة ) ثوباً مصبوغاً ويحدد موعد الزفاف او يحدد لاحقاً
الربوط ( القبضة ) :
قبل يوم الزفاف بليلتين تربط العروس حيث تحضر النساء من قرابتها وجيرانها الى البيت ويختبئن في غرف المنزل ومخازنه ومعهن ( القابضة ) وهي إحدى قريبات العروس يكون معها ثوب او عمامة للإب او للخال او للزوج بحسب طقوس كل قبيلة ثم تطلب الام من ابنتها ان تحضر شيئاً من الغرفة التي تختبئ فيها القابضة وما ان تدخل الغرفة حتى تفاجأ بالقابضة تلقي عليها الثوب او العمامة التي معها وهي تصيح " واا عروووس على فلان الفلاني " فتفزع العروس ولكن القابضة تمسك بيدها فيخرج النساء من الغرف وهن يغنين ويضربن الدفوف وعندما يسمع العروس ذلك يبدأ في إطلاق الأعيرة النارية في الهواء وتقوم الأم بتوزيع " البنة " البن المحمص المذرور عليه السكر على الحاضرات : استبدلت البنة باللب الزعقة والفشار وبهذا تكون المرأة قد ربطت أي حجزت لإحتفالات الزواج .
المرجة ( المرية ) : ـ
اليوم الثاني ليوم الربوط يسمى المرجة او المرية او الدهينة او الحناء وفيه تأتي ( الكوبرة ) المزينة لتزين العروس ويحزم الجهاز استعداداً لنقله الى بيت الزوجية في اليوم التالي وهو يتكون غالباً من حصيرة (مكيل ) 8 صحون 4 أو 5 جفان خشبية دلة للقهوة 6 فناجين 5 أو 6 ( تفلة ) جمع تفال سفرة طعام دائرية من خوص النخل وصندوق خشبي محلي او هندي توضع فيه ملابس العروس وحليها التي احضرها العريس الذي يقيم في هذه الليلة وليمة للأعزاء عليه الذين أتوا ليلطخوه بالحناء .
الغسة :
ثاني يوم المرية يسمى الغسة وهو يوم عقد القران والزفاف حيث يكون اغلب المدعوين قد حضروا فتنصب صخرة متوسطة يجلس عليها العريس وتأتي أمه برفقة النساء وهي تحمل " الغسّة " الماء المخلوط بورق السدر المجفف المطحون وتبدأ بغسل رأس ولدها والنساء متحلقات حولها يرددن معها :
" يا خيبعان .. ياخيبعان
عا ولد شيخ القبيلة ..
يا خيبعان .. يا خيبعان
يا محسنه يا خيبعان
سوس ولقى بياني
يا خيبعان .. "
وخيبعان تعني خاب اللعين ابليس او خابت العين وتردد النساء اغاني في مدح العريس واسرته وقد تحدث مساجلة ومفاخرة بين نساء العريس ونساء امرأة كان قد تقدم لخطبتها فردته وحين تفرغ الام من غسل رأس ولدها تمشطه وتنسحب مع النسوة ليأتي الرجال ويتحلقون حوله وهم يهزجون :
" وغلب ما يحني حنو له " مرتين
ويقوم بعضهم بالرقص مع العريس والآخر يطلق الأعيرة النارية في الهواء ثم يأخذه ابوه أو اخوه الى المسجد حيث يكون الشباب قد أعدوا له الماء في المزياب ليغتسل والمزياب إناء خزفي مثبت في جدار المسجد مفتوح من الخلف لصب الماء فيه وبأسفله ثقب يجلس من يريد الاغتسال تحته وينزع السدادة فينساب عليه الماء ( دش بدائي ) وحين يكمل العريس الغسل يعود برفقة الناس وهم يغنون الى المنزل حيث هناك من يحلق شعره ويلبسه الثياب الجديدة ويخرج بعدها بزامل الى ساحة البيت التي تكون قد فرشت واجتمع فيها المدعوون فيجلس في المكان الذي أعد له بين كبار الضيوف حيث يقوم والده او اخوه وبيسطوا امامه رداء ويطرح فيه بعض الماء وسرعان ما يتبعه الجميع بالطرح وهم يغنون ويرقصون ويصيحون في أذنه بـ ( التنصورة ) وهي صرخة نصر وارعاب للأعداء تختلف بحسب الأسرة والمنطقة فالشخص العادي يصرخون في أذنه :
" ويييييك .. ويييييك
والله كهم ويك " مرتين
وفي مناطق القبائل يصرخون :
" ويييييك .. وييييك
يا .. يالغلابة .. كم من قبيلي كسرنا نابه
والله كهم ويك "
والمشائخ والاشراف يقولون في تنصورتهم :
" ويييييك .. ويييييك
جدنا مولى عرف .. بحرنا ماله طرف
والله كهم ويك "
ومولى عرف هو جد آل با وزير الذين ينسب لهم غيل عمر في شرق الوادي وغيل با وزير في الشحر اما الحضريين فتنصورتهم اكثر رقة :
" وييييييك .. وييييييك
معرسنا يس عليه .. رب السما يحمي عليه
والله كهم ويك "
وعند المغرب يقوم من بسط رداء الطرح بطيه وحفظه للعريس ويتوجه الجميع الى المسجد حيث يؤدون الصلاة ويقوم الشيخ بعقد القران بعد أن يكون قد اخذ موافقة المرأة بحضور شاهدين حيث يلقي خطبة في الحاضرين يحبب فيها الزواج والحلال ويندب الناس اليه ويرغبهم فيه ويطلب من الجميع ان يرددوا معه بعد الاستغفار :
" امنا بالله وما انزل الله على مراد الله
امنا برسول الله وسنة رسول الله على مراد رسول الله
امنا بالشريعة وكفرنا بكل دين غير دين الاسلام "
ويجري الايجاب والقبول .
يستمر الفرح والغناء بعدها في منزل العروس حيث تجلس العروس وعليها التفال تمييزا لهاحتى موعد " السلة " وهو خروج العروس الى بيت الزوجية الذي يكون قد أعد بواسطة قريباتها اللواتي حملن جهازها اليه ورتبنه فيه وموعد الخروج تحدده المسافة بين منزل العروس الذي تغادره برفقة والدتها وبعض قريباتها ومعهن الكوبرة والخادم والنساء يرددن :
" بدينا بالرحمان وخزى الله الشيطان "
" يا بنتنا ساري ساري هداش الله "
وبين منزل الزوجية التي تصله مع بزوغ الفجر وقبل ان تصل اليه يحتجزها الخادم حتى تعطى له اجرته وعند باب بيت الزوجية تقف العروس وتمد رجلها اليمنى الى العتبة فتنزع الكوبرة حجلها ـ خلخالها ـ ويذبح كبش ويراق دمه على رجلها فيقوم الخادم بغسل رجلها وتجفيفها وتعيد الكوبرة اليها الخلخال وما ان تدخل العروس غرفتها حتى تقوم الكوبرة باصلاح ما افسد السفر من زينتها وتضع على وجهها النقاب استعداداً لدخول الزوج الذي يقدم لزوجته هدية او مالاً مقابل اماطته فقط حيث تكون امها قد حذرتها من ان يصل اليها الزوج فتضطر للغسل و نكث شعرها وافساد زينتها التي ستأتي النساء لرؤيتها في العصر ثم تأخذ ام العريس الضيوف من مرافقات العروس الى غرفة مجاورة وتقدم لهن القهوة المزغولة ( المحلاة بسكر القصب المحروق ) وبعض قطع الخبز المثلثة الأشبه بالكعك اما العريسان فتقدم لهما ( القلية ) وهي قلوب واكباد الذبائح بعد قليها بزيت السمسم ويستريح الجميع حتى العصر موعد ( الظلة ) حيث يكون الضيوف من الرجال قد استكملوا حق الضيافة ورحلوا فتبدأ النساء من القرية والقرى المجاورة بالتوافد على منزل العريس لرؤية العروس التي تقوم بنشر شعرها ( النعيش ) وعرض زينتها وتبدأ ( بالزفين ) الرقص امام الحاضرات اللواتي يتفحصن جمالها وزينتها بحثاً عن أي عيب و " اللي ما فيه عيب يقولوا اذانه تقدمت " كما يقول المثل الحضرمي وفي تلك الأثناء يدخل الزوج ويطرح على زوجته بعض المال فتتبعه الحاضرات بالطرح لها ويقوم الطبال بتعديد محاسن العروس وهو يقرع على طبلته ولكل بلدة طبالها الخاص الذي لا تحتجب عنه النساء ويعطين له في العيدين عطيته من الحبوب او التمر او الماء مقابل عمله هذا الذي يعيش منه والاسرة التي تبخل عليه لا يطبل في أفراح بناتها ولذلك يحرص الجميع على عيديته وقدتمتد الظلة ليومين لتتمكن النساء من المناطق البعيدة من رؤية العروس .
الخطراة:
وهي ثامن ايام الزواج وفيها يقوم اهل العروس بدعوة العريسين واهل العريس ويعملون لهم وليمة
لقد بدأت العادات الأكثر كلفة تطغى على روحانية تلك العادات وبساطتها فاستبدل جهاز المرأة البسيط بغرفة النوم الفخمة وعدة الشاي التي يتباهى بها الناس كثيراً وتتجاوز ثمنهامئة الف ريال ما بين ( بخارات ـ مواقد الفحم والكهرباء ـ ، أكواب زجاجية وخزفية صيني وآنية الشاي الكبيرة والصغيرة المعدنية والزجاجية وآنية السكر الكبيرة والصغيرة المعدنية والزجاجية والملاعق والبرادات المعدنية والخزفية ووو… الخ )
العصيدة الحضرمية : ـ
من الذ الوجبات الحضرمية الغنية بالطاقة العصيدة الحضرمية ( الهريس ) التي تصنع من محلول التمر ودقيق الذره ويقدم معها السكر المطحون وفي وسط الجفنة تعمل حفرة تملأ بزيت السمسم للإئتدام بها يقول مضيفي أبو ريدان : " لقدكان خرق حفرة الزيت يوجب في العرف الحضرمي رد الإعتبار لصاحب البيت " ولعل من ابتكر هذا القانون كان يكره التبذير في الزيت فوجد قانونه في المجتمع الفقير حينها صدى جعله محترماً ونافذاً ذكرني هذا القانون بالتحذير الذي كان يوجه لنا ونحن صغار ان لا نبالغ في غمس لقمة العصيد في حفرة السمن التي في وسط الجفنة لإن فيها شوكة وما عمم في بعض المناطق من أن من يخرق حفرة السمن تلك مشكوك في نسبه ( إبن زنا ) وهي عقوبة معنوية اشد سوءاً من العقوبة المادية على نفس الجرم في العرف الحضرمي .
لقدجاء الرز المستورد ليحرر الناس من صرامة هذه القوانين غير اني اعتقد ان قوانين العصيد ارحم بكثير من القروض وقوانين البنك الدولي والدول المانحة .
صديقي الحضرمي يوافقني الرأي ويقول : " كانت الحياة قاسية ولكن الناس عرفوا كيف يقهروا قساوتها بإرادتهم وتكافلهم ، وبالقيم النبيلة عرفوا الرضا وعاشوا سعداء كان لنا جارة وعروس ابنها على وشك الوصول وليس في بيتها شي لضيافة القادمين فخرجت تقترض من جيرانها بعض الحبوب لتطحنها على الرحى وتصنع منها مثاثات الخبز التي تقدم لمرافقات العروس وحين أعطتها أمي دقيقاً جاهزاً لم تدر بم تعبر به عن امتنانها غير دموعها التي انهمرت بطريقة لم استطع نسيانها حتى اليوم . قضت المرأة ما استدانته من الدقيق ولكنها ظلت ترد الجميل الى ان توفيت فكانت تأتي لمساعدة امي لطحن الحبوب على الرحى وتقدم لها الهدايا بين الحين والاخر لدرجة انها كانت حينما تنضح الماء لنفسها من البئر المجاور تحمل الى بيتنا قربتين او ثلاث هل تجد الآن إحساساً بحاجة الآخرين كهذا أو أرضية يثمر فيها الجميل كتلك المرأة النبيلة رحمها الله "
وحين سألته هل السبب وراء ما اشتهر عن الحضرمي من البخل هو إحساسه بعدم وجود من يثمر فيه الجميل أجاب قائلاً : الحضرمي ليس بخيلاً وإنما صارم في تعاملاته المالية كشؤونه الأخرى ورغم ما يتردد عن حرص الحضرمي فأنه ليس جشعاً مثلكم على الماء والجري وراءه فهو لا يفتح متجره قبل الثامنة صباحاً وعند صلاة الظهر يتوجه الى المسجد ويخرج منه الى منزله ولا يعود الى متجره الا بعد صلاة العصر وفي وقت المغرب يذهب الى الصلاة ويعود الى متجره ليبقى فيه الى الثامنة او التاسعة بالكثير حرص الحضرمي جزء من نظام حياته القائم على الترتيب والدقة وهو لا يغشك في البيع او يخدعك ولو كان يكرهك العيب الحقيقي في الحضرمي انه حقود بكل ما تحمله الكلمة من معنى فرغم أنه مسالم ومنصف في تعامله وودود إلا انه لا يسامحك إذا غمطته حقه خصوصاً اذا كنت من ابناء جلدته هناك أخوة يموتون ولا يرى احدهم الآخر " .





أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر