بقلم: إبراهيم نافع -
من هو الرئيس الأمريكي القادم؟
يتوجه الناخبون الأمريكيون صباح الثلاثاء المقبل إلي صناديق الانتخابات لاختيار الرئيس الأمريكي القادم, و34 عضوا في مجلس الشيوخ, وهو ما يعادل ثلث الأعضاء البالغ عددهم مائة عضو, وكل أعضاء مجلس النواب, وعددهم435 عضوا, وأيضا حكام الولايات الأمريكية الخمسين.
وتستقطب الانتخابات الأمريكية المقبلة اهتماما ومتابعة غير مسبوقين من جانب باقي دول وشعوب العالم, إلي الدرجة التي دفعت بعض مراكز البحوث إلي استطلاع آراء مواطني دول أخري بشأن من يفضلون أن يكون الرئيس الأمريكي القادم.. هل بوش أم كيري؟. ويرجع الاهتمام بالانتخابات الأمريكية هذه المرة إلي اعتبارات عديدة, منها: أن الولايات المتحدة هي القوة العظمي الأولي في عالم اليوم, وأن هذه الانتخابات هي الأولي منذ نهاية الحرب الباردة التي تتقدم فيها قضايا السياسة الخارجية علي قضايا الشأن الداخلي.
صحيح أن كل مرشح قدم موقفه للناخب الأمريكي من هذه القضايا' الخارجية' انطلاقا من اعتبارات داخلية تتعلق بأمن ورفاه المجتمع الأمريكي, ولكن الصحيح أيضا أن ما يجري خارج الولايات المتحدة, سواء في العراق أو أفغانستان أو الشرق الأوسط, كان يلقي بظلاله علي الأوضاع الداخلية الأمريكية بشكل مباشر.
وعلي الرغم من الجدل الحاد الذي شهدته الحملة الانتخابية بين المرشح الجمهوري, وهو الرئيس الحالي جورج بوش الذي يتطلع إلي فترة ولاية ثانية, والمرشح الديمقراطي السيناتور جون كيري, فإن الكثير من المراقبين والمحللين توصلوا إلي عدم وجود فوارق جوهرية بين المرشحين فيما يخص السياسة الخارجية, وأنهما بصدد هذه السياسة يختلفان في التفاصيل ويتفقان في الجوهر. وأن الخلافات الحقيقية بينهما تتمثل في السياسة الداخلية, وخصوصا حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية. ويبدو واضحا, بالرغم من كل ذلك, أن أنظار العالم ستظل تتابع ما يجري في الانتخابات الأمريكية, وأن عددا كبيرا من قادة دول العالم ونسبة كبيرة من الرأي العام العالمي باتوا منشغلين أكثر من أي وقت مضي بالانتخابات الأمريكية, وهم يتابعون الحملة الانتخابية, ونتائج استطلاعات الرأي, وينتظرون يوم الحسم لتحديد الرئيس القادم. ولا توجد أدني مبالغة في القول إن العديد من دوائر صنع القرار في العالم تعمدت تأجيل قرارات معينة, أو تصرفات محددة, انتظارا لمعرفة من هو الرئيس الأمريكي الذي سيجلس في البيت الأبيض السنوات الأربع المقبلة.
وعلي الرغم من توجه الأنظار إلي الانتخابات الرئاسية, فإن الانتخابات الأخري ـ التي تجري في الوقت نفسه ـ تعد مهمة للغاية في ضوء ما تمارسه المؤسسة التشريعية الأمريكية من أدوار مهمة للغاية علي الصعيدين الداخلي والخارجي, بحيث ينظر في المحصلة النهائية إلي الانتماء الحزبي لرئيس الدولة في إطار توزيع مقاعد مجلسي الشيوخ والنواب بين الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة.
و يسيطر الجمهوريون حاليا علي51 مقعدا في مجلس الشيوخ, الذي يضم100 مقعد, ويشغل الديمقراطيون48 مقعدا, في حين يحتل عضو مستقل مقعدا واحدا. كما يتمتع الجمهوريون أيضا بأغلبية في مجلس النواب, حيث يشغلون229 مقعدا من أصل435 مقعدا, بينما يشغل الديمقراطيون205 مقاعد, ويشغل عضو مستقل مقعدا واحدا. ويميل الناخب الأمريكي عادة إلي تحقيق نوع من التوازن, بحيث يعطي منصب الرئاسة لحزب, والأغلبية البرلمانية للحزب الآخر, وأحيانا يجمع حزب بين البيت الأبيض وأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب, علي غرار الوضع القائم حاليا. ولاشك أن فوز حزب ما بالرئاسة وبأغلبية مقاعد مجلسي الشيوخ والنواب, يعني تقوية قبضته علي السلطة.
ومع ذلك تستقطب انتخابات الرئاسة الاهتمام الأكبر, فالولايات المتحدة تتبع النظام الرئاسي, ويلعب الرئيس دورا كبيرا في النظام السياسي الأمريكي. ولايتم اختياره بالتصويت المباشر من جانب الناخبين, بل يتم انتخابه من المجمع الانتخابي, المقسم بين الولايات الأمريكية. ويبلغ عدد أعضاء المجمع الانتخابي538 صوتا, وتقسم هذه الأصوات علي الولايات الأمريكية, وفقا لتعداد سكانها, وتماثل نظريا عدد ممثلي الولاية في الكونجرس, بالإضافة لعدد أعضائها في مجلس الشيوخ, بواقع عضوين لكل ولاية, فضلا عن3 أصوات لمقاطعة كولومبيا( العاصمة واشنطن) التي ليس لها تمثيل في الكونجرس, وهذا يمنح الولايات الصغيرة بعض المميزات. وبينما يبلغ عدد أعضاء المجمع الانتخابي لولاية كاليفورنيا55 عضوا, فإن عددهم في ولايات مونتانا ووايومينج, وديلاور وفيرمونت وألاسكا ثلاثة أعضاء فقط لكل منها, وهناك ولايات متوسطة مثل جورجيا ونيوجرسي ونورث كارولينا ولكل منها15 عضوا.
وفي غالبية الولايات فإن من يفوز بأغلبية أصوات الناخبين يحصل علي جميع أصوات أعضاء المجمع الانتخابي الممثلين لهذه الولاية.وهذا هو ما حدث في ولاية فلوريدا عام2000, عندما تم إعلان فوز جورج بوش بالانتخابات. فلقد حصل علي جميع أصوات أعضاء المجمع الانتخابي عن ولاية فلوريدا, مما مكنه من الفوز بالانتخابات بصفة عامة, علي الرغم من أنه حصل علي أصوات أقل من منافسه الديمقراطي آل جور في باقي أنحاء البلاد. وقبل أقل من أربعة أيام علي الانتخابات المقبلة يبدو واضحا أن حظوظ المرشحين في الفوز بالمنصب متقاربة, حيث أشارت معظم استطلاعات الرأي العام هناك إلي تبادل المرشحين للمكانة الأولي بفارق ضئيل للغاية, وهو مؤشر علي صعوبة المعركة الانتخابية بين المرشحين, وتقارب كفتيهما بصفة عامة. فمن ناحية أولي يتمتع المرشح الجمهوري بتفوق واضح في معظم استطلاعات الرأي, كما أنه يحظي كجمهوري بتأييد208 أصوات من المجمع الانتخابي, مقابل179 صوتا للمرشح الديمقراطي, وذلك وفق حساب أصوات الولايات المحسومة, حسب نمط التصويت واتجاهات الانتماء الحزبي للغالبية. ومن ناحية ثانية لا يعني ذلك أن فوز المرشح الجمهوري بات مضمونا, فالفوز يحتاج إلي270 صوتا, وهناك151 صوتا من أصوات المجمع الانتخابي لم يتم حسمها بعد, وعادة ما يسير التصويت فيها وفقا لمستجدات الأحداث, ومن ثم يمكن أن تذهب إلي أي منهما, أو تتوزع بينهما حسب ما يستجد من تطورات.
ومن جانبه سعي المرشح الديمقراطي جون كيري إلي توظيف' ملف الحرب علي العراق' في تأكيد أن الرئيس لم يقل الحقيقة للشعب الأمريكي, وأنه كذب عليه بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية, وبشأن علاقة نظام صدام حسين بتنظيم القاعدة, وأيضا بشأن ما رددته الإدارة الجمهورية عن وجود دور ما لنظام صدام حسين في اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر, وأن الرئيس بوش أخفق في إدارة الحرب علي الإرهاب عبر غزو العراق دون تشاور مع الحلفاء, ودون أن يتخذ خطة محددة لمرحلة ما بعد الحرب.
ففيما يخص ملف أسلحة الدمار الشامل العراقية, وعلي الرغم من الجهود المكثفة التي بذلتها قوات الغزو بعد السيطرة علي العراق, فإنها فشلت فشلا ذريعا في العثور علي أي دليل يثبت أن العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل قبل شن الحرب عليه. وترافقت مع ذلك تحقيقات وشهادات انتهت إلي تأكيدات محددة بعدم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل قبل الحرب, وأن ما ذكر من تقديرات أمريكية وبريطانية, وما طرح علي أنه دلائل علي وجود هذه الأسلحة لم يكن أكثر من معلومات تم صنعها والتلاعب بها من أجل تبرير شن الحرب علي العراق.
أما فيما يخص قضية علاقة نظام صدام حسين بتنظيم القاعدة, فعلي الرغم من الجهود المكثفة التي بذلتها الاستخبارات الأمريكية لإثبات وجود علاقة ما لنظام صدام حسين بتنظيم القاعدة, فإن الإدارة الأمريكية, وحتي بعد احتلال العراق, والقبض علي غالبية رموز نظام صدام حسين, فشلت في تقديم دليل واحد يثبت هذه العلاقة, وهو أمر أحسب أنه كان مفترضا أن يضرب مصداقية إدارة الرئيس بوش, لاسيما بعد شهادة وزير الخارجية كولين باول في جلسة مجلس الأمن بتاريخ5 فبراير عام2003, والتي تحدث فيها عن وجود علاقة قوية لنظام صدام حسين بتنظيم القاعدة.
وأما عن قضية علاقة العراق باعتداءات الحادي عشر من سبتمبر, فإنه علي الرغم من تأكيد العديد من أعضاء الإدارة الأمريكية وجود دور ما لنظام صدام حسين في اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر, بالاستناد إلي وجود اتصالات بين عدد من مرتكبي هذه الاعتداءات, وعناصر من الاستخبارات العراقية, وهو ما رددته بعض أجهزة الأمن في دول شرق أوروبا, فإن هذه العلاقة ظلت علاقة تصورية, إذ لم يظهر دليل واحد يثبت وجود هذه العلاقة, وبالتالي يسند لنظام صدام حسين أنه لعب دورا ما في الترتيب لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر.
أيضا أثيرت إبان الحملة الانتخابية قضايا عديدة من جانب المرشح الديمقراطي جون كيري, من بينها قضية مسئولية القيادة السياسية عن الإعداد لشن الحرب علي العراق, ومدي قيام الإدارة ببذل الجهود الممكنة لتحقيق الأهداف المحددة بوسائل أخري, قبل اللجوء إلي الحرب. وبدا واضحا أن المعسكر الديمقراطي ركز بصفة عامة علي فكرة عدم استنفاد الوسائل البديلة للحرب, ومن ثم فهو يري أن قرار شن الحرب قد تم اتخاذه بشكل متسرع, وأن الإدارة الأمريكية لم تبذل الجهود المطلوبة لبناء تحالف دولي واسع النطاق لحسمها عسكريا, من جانب تحالف يمثل إرادة المجتمع الدولي. وركز المعسكر الديمقراطي علي فكرة أن الرئيس بوش قد فشل في ذلك باعتباره القائد الأعلي للقوات المسلحة, وفي إدارة الحرب.
وأخيرا تأتي قضية غياب خطة لدي إدارة الرئيس بوش لمرحلة ما بعد العمليات العسكرية. وهي قضية ظهرت عبر العمليات العسكرية في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين, حيث تبين عدم وجود خطة أمريكية لما يجب فعله بعد كسب المعارك العسكرية واحتلال العراق, بهدف إرساء الأمن والاستقرار.
وفي المقابل اتسم موقف المرشح الديمقراطي جون كيري بجوانب ضعف عديدة, منها أنه صوت لمصلحة قانون تفويض بوش بشن الحرب, وهو أمر استغله المعسكر الجمهوري جيدا, حيث تعمد بوش تأكيد توافق المرشح الديمقراطي معه في الرؤية بشأن الحرب علي العراق, قائلا:' كيري وأنا نتشارك في الرؤية....' وعاد المعسكر الجمهوري ليستغل حملة كيري المتأخرة ضد الحرب علي العراق لتأكيد أن المرشح الديمقراطي يغير مواقفه باستمرار, وأنه شخص يتسم بالتردد, الأمر الذي يعني أنه لا يتمتع بسمات الشخص القادر علي قيادة الولايات المتحدة.
وبدا واضحا أنه, وبرغم كل ما أحاط بسياسة الرئيس بوش من مشكلات, وما ترتب عليها من خلافات عميقة مع الدول الصديقة والحليفة للولايات المتحدة, وارتفاع معدل كراهية' السياسة' الأمريكية في العالم, فإن توجها ملحوظا قد تشكل لدي الرأي العام الأمريكي, وعمل المرشح الجمهوري وفريقه علي تغذيته باستمرار, وهو أن إخراج الرئيس الأمريكي من البيت الأبيض في هذا التوقيت سيكون بمثابة تنحية للقائد في خضم المعركة, وأن تغيير بوش حاليا سيبعث برسائل إلي أعداء الولايات المتحدة تقول إن تغيير الرئيس يعني تغييرات جوهرية في' حرب الولايات المتحدة علي الإرهاب', وإن ذلك سيمثل رسالة دعم قوية لأعدائها.
وفي تقديري أن معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية ستكون شرسة, ولن يتم حسمها بسهولة, فحظوظ المرشحين متقاربة, وإذا كان كل فريق لديه حصة مستقرة تتمثل في أصوات المجمع الانتخابي في الولايات التي تصوت تقليديا لحزبه, فإن ذلك يعني زيادة أهمية الولايات التي لم تحسم موقفها بعد, والتي يطلق علي ناخبيها' الأصوات العائمة أو المترددة', وعادة ما تحسم اختياراتها وتتخذ قراراتها في الساعات الأخيرة, الأمر الذي يجعل الأيام القليلة السابقة علي الانتخابات مهمة للغاية.
ولاشك أن أي حدث مهم يقع خلال هذه الفترة يمكن أن يحدث تحولا كبيرا في اتجاهات التصويت لمصلحة أي من المرشحين, والأمر يتوقف علي نوع الحدث وطبيعته, وعلاقته بالقضايا الكبري المثارة في الانتخابات, وعلي رأسها الحرب علي الإرهاب, وأمن الولايات المتحدة.
واذا لم تقع أحداث من هذا النوع, فأغلب الظن أن هذه الانتخابات سيتم حسمها عبر أصوات المجمع الانتخابي, وليس عدد الأصوات التي سيحوزها أي من المرشحين. فالمعروف أن النظام الانتخابي الأمريكي يقوم علي حصول المرشح الحائز علي أغلبية أصوات الناخبين في كل ولاية أمريكية علي حدة علي جميع أصوات هذه الولاية. ويبلغ عدد أصوات المجمع الانتخابي538 صوتا, يفوز بالمنصب من يحصل علي270 صوتا منها, بصرف النظر عن عدد الناخبين الذين منحوه أصواتهم.
والمعروف أن بوش قد فاز بفترة رئاسته الأولي عام2000, بعد حصوله علي271 صوتا من أصوات المجمع الانتخابي, بالرغم من أن آل جور حصل علي أصوات تجاوزت ما حصل عليه بوش بنحو550 ألف صوت. أي أن الرئيس5 القادم ربما لن يكون هو الحاصل بالضرورة علي العدد الأكبر من أصوات الناخبين الأمريكيين, فهل تحسم أصوات المجمع الانتخابي الانتخابات الأمريكية هذه المرة أيضا؟.
نقلاً عن صحيفة الاهرام