يحيى علي نوري -
الإدارة الفاعلة.. هل مازالت تمثّل طموحاً مبكراً؟
تظل الادارة العامة وبكل جوانبها وعواملها واسسها وقواعدها القاعدة االاساسية لانطلاق النشاط الانساني الى آفاق المستقبل الافضل الذي يوفر حياة كريمة وبيئة خصبة للتعامل الايجابي والفاعل مع كافة الجوانب الحياتية والقدرة على المواكبة المقتدرة لكافة لتطورات والمستجدات التي تطرأ عليه من وقت لآخر..
كما تظل العلاقة بين المواطن والدولة اسيرة للعوائق والعقبات التي تعاني منها الادارة ومنها بالطبع عدم قدرتها على ايجاد علاقات يسودها الثقة الكبيرة بين المواطن ومختلف المؤسسات واستشعاره الدائم بأن دور المؤسسات ضروري ولاغنى عنه في تحقيق الطموحات والتطلعات المختلفة كما ان استمرار هذه العلاقة بينهما حبيسة للمشكلات العديدة والمتراكمة الذي من شأنه ان يزيد الواقع مشكلات اكثر تعقيدا يصعب معها تحقيق الانفراج المنشود للمواطن على صعيد مختلف المشكلات المرتبطة بحياته اليومية والى حدود تعطيل قدراته وامكاناته ومبادراته في خدمة مجتمعه بفعل تعطل دور الادارة بمؤسسات الدولة وعجزها عن التعامل مع امكاناته وقدراته التي قد تسهم في المشاركة الفاعلة الى جانب المؤسسات في ايجاد المعالجات الناجعة لكثير من المشكلات التي تعتور النشاط الاداري..
كما ان استمرار تخلف الادارة الحكومية يمثل ايضا عائقا كبيرا مؤثرا بصورة سلبية وكبيرة على العلاقات بين الادارة الحكومية وادارة القطاع الخاص خاصة وان ادارة القطاع الخاص في حال اكثر فاعلية من الادارة الحكومية..وبين ضعف هذه وتطور الاخرى تنتج الاختناقات العديدة مايجعل من عملية التعاون والتكافل بين الادارتين عملية لاتخلو من حالات عدم الفهم والاستيعاب للعديد من القضايا المرتبطة بخططهما وبرامجهما..
ولاريب أن مايدفعنا للحديث هنا عن العلاقة بين الادارة الحكومية والمواطن هو مانرصده اليوم من تفاعلات تبديها القيادة السياسية العليا وما تعبر عنه بوضوح عن مدى الحاجة الماسة لتفعيل دور الادارة في خدمة المواطن من خلال تحسين الاداء والقدرة على الانجاز لمختلف مهامها المرتبطة بصورة مباشرة بالمشكلات والمعاناة للمواطن خاصة مع تراكم المشكلات ومع تزايد التأثيرات السلبية الناتجة عن العدوان والحصار وباتت هذه التداعيات تمثل اليوم التحدي الاكبر للادارة الحكومية ويتطلب منها تأكيد قدرتها وفاعليتها في خدمة المواطن صاحب المصلحة الاولى والاخيرة من وجودها كمصالح وهيئات..الخ.
الطريق الأمثل لتحرير الإدارة
وحقيقة ان تعبير القيادة السياسية العليا عن الحاجة الماسة لرفع مستوى الاداء للادارة الحكومية وإن جاء متأخرا خاصة مع مضي ثمانية اعوام من اندلاع العدوان والحصار بالرغم من المطالبات العديدة بضرورة اعتماد المثل والقيم الادارية كسلاح ذي حدين لمواجهة كافة التحديات والتداعيات الخطيرة التي تعاني منها بلادنا وتزيد من معاناة المواطنين الى حدود باتت غير مقبولة خاصة وان الوضع الحياتي للمجتمع اليمني وخلال الفترة الماضية مازال في امس الحاجة الى اعتماد الحكومة على ادارة الازمات وفي اطار خطط وبرامج واضحة وجلية تتجاوز كل مظاهر العشوائية والارتجالية في التعامل مع قضايا الناس وتحدد اهدافها بدقة في أطر زمنية يستشعر من خلالها المواطن قدرة الادارة الحكومية على رصد معاناته ومشكلاته اليومية ومن ثم بلورة كل ذلك في اطار خطط آنية تحقق الانجازات المنشودة وتعزز من ثقة المواطن بدور مؤسسات الدولة وقدرتها على التخفيف من معاناته..
ولاريب ان توجها كهذا نحو بلوغ الادارة العامة الفاعلة يجب ان لايتم التعامل معه بصور عاطفية او شعارية او كتفاعل مرحلي هدفه امتصاص حماس وتفاعل القيادة السياسية العليا لفترة ما ومن ثم تعود الامور الى ماكانت عليه من ركود وتقوقع للاداء الاداري..
وهذا يعني ان الحاجة اكثر من ماسة لربط هذا التفاعل القيادي بالتخطيط العلمي المرتكز على مثل وقيم الادارة الحديثة باعتبار ذلك التجسيد الوحيد او الاتجاه الاجباري كونه يعبر عن توجه او بالاحرى عن ارادة سياسية غير قابلة للتسويف او التعامل الشعاري عبر وسائل الاعلام خاصة وان الرأي العام اليمني والذي يبدي ارتياحه لتوجه كهذا لن يقبل ان تهاون او تقاعس في هذا التوجه نحو الادارة الفاعلة وجعلها المقياس الحقيقي والدقيق لعلاقات مثمرة مع مؤسسات الدولة تسودها الثقة وروح المشاركةي في الحاضر والمستقبل..
تفاعلات بحاجة إلى رؤية إدارية وحرفية
ولتتبع التفاعلات او ردود الأفعال لهذا التوجه القيادي فإننا ومن خلال رصدنا السريع نجده متواضعا ولايصل الى مستوى الاهداف الكبرى التي تنشدها القيادة حيث عبرت بعض المصالح كوزارة الادارة المحلية عن تفاعلها مع هذا المطلب الملح باعتبار ان ذلك يقع في نطاق نشاطها كوزارة معنية بالعمل المحلي الا ان بقية الجهات لم تبد او تعرب عن استعداديتها اللازمة لترجمة هذه التوجهات الى الواقع او على الاقل تهيئة اطرها الوظيفية لخوض مرحلة تتسم بالجدية والتفاعل مع العملية الادارية وبما يسهم في ترجمة اهدافها وبرامجها
وهذا لاريب يدعونا هنا الى التأكيد على ان كل المهتمين والمعنيين بقضايا الادارة ومشكلاتها مازالوا ينتظرون ردود الأفعال من قبل مختلف المؤسسات وهي ردود يرون فيها اهمية ان تؤكد التزام هذه الجهات في التعامل مع هدف تطوير الادارة من خلال اتباع الطرق والاساليب العلمية في التعامل مع مشكلات الادارة والاستعانة ببيوت الخبرة وبما يعزز من توجهاتها الراهنة والمستقبلية وبعيدا عن الاساليب الارتجالية خاصة وان تحرير الادارة من مشكلاتها العالقة ذات العلاقة بخدمة المواطن لاتعد هدفا يقتصر على التوجيهات وانما يتعدى ذلك الى اتباع الاساليب الحديثة في تحليل المشكلات والتعرف على الاسباب الحقيقية التي تحول دون تحقيق الادارة الحكومية أهدافها المنشودة وفي تعزيز علاقات المصالح والوزارات مع المواطن اولا..
ولكون حكومة الانقاذ تعد المسؤولة اولا عن ترجمة هذا الهدف فإننا نأمل ان نجد تفاعلاتها مع مختلف الوزارات والمصالح تنطلق من خطة واضحة وجلية تجبر مختلف الجهات على تنفيذ خططها المتصلة بهذا بصورة تستند على الاسس والقواعد العلمية الضامنة نحو بلوغ ادارة فاعلة ومثمرة في انشطتها وتفاعلاتها المختلفة وبما يجعل من كافة الاطارات الحكومية تصب في بوتقة واحدة هي الرقي بالادارة وجعلها اكثر حيوية وفاعلية في التعامل مع كافة مسئولياتها في اطار من الانجاز المرتكز على اداء متطور وحديث يتناغم مع قيم الادارة ومثلها..
مؤسساتنا العلمية والاستفادة من دورها
ان كل المعطيات الراهنة التي تشهدها بلادنا وما جلبته من تحديات كبرى وماتواجهه مؤسسات الدولة والحكومة من تآمرات خارجية تستهدف اسقاطها باعتبار استمرار عمل هذه المؤسسات بفاعلية من شأنه ان لايخدم تنفيذ سيناريوهات العدو المعتمدة اصلا على اسقاط المؤسسات لتهيئة مشهد يمني اكثر فوضويا وتلك جميعها تتطلب التعامل مع قضايا الادارة وتطوير اساليبها والاعتماد على الاسلوب العلمي من خلال الاستفادة القصوى من مؤسساتنا العلمية ذات العلاقة في اهدافها وبرامجها بالعلوم الادارية..
ولعل ابرز هذه المؤسسات العلمية التي يعول عليها القيام بدور اكثر رياديا في الدفع بكل الجهود نحو الادارة الحديثة وتمتلك في الوقت ذاته من الامكانات البشرية والعلمية مايؤهلها للقيام بدور محوري واساسي ووفق جودة علمية لاتقل عن جودة نتاجات الاكاديميات العلمية والمعاهد المتخصصة في البلدان المتقدمة وهذه المؤسسة تتمثل في المعهد الوطني للعلوم الادارية والذي تأسس في ستينيات القرن الماضي حيث ركزت ادواره في خدمة التنمية الادارية واصبح وفقا لشهادات اطارات علمية مؤهلا لتقديم خبراته ليس لبلادنا فحسب وانما على مستوى الدول المجاورة في القرن الافريقي او دول الايفاد..
وللاهمية البالغة التي يمثلها هذا الصرح العلمي فإن المهتمين ينتظرون البدء في ايلاء هذه المؤسسة الاهتمام والرعاية الكاملة للقيام بدورها الحرفي في تحليل مختلف مشكلات الادارة والتشخيص العلمي لأسبابها وفق مراجعات شاملة ودقيقة للانظمة واللوائح المنظمة للنشاط الحكومي وعلى مستوى مختلف جوانب العملية الادارية..
ولعل ابسط دور تقوم به هذه المؤسسة البدء في تنفيذ برنامج شامل يستهدف مختلف الجهات الحكومية ولو بصورة مرحلية لدراسة المشكلات وبالتالي التعرف على الاحتياجات التدريبية لكل جهة على حدة وبما يوجد معالجات ناجعة لكل اوجه القصور التي تعتور النشاط الحكومي..وعلاوة على ذلك اعادة الاعتبار لهذه المؤسسة الرائدة من خلال الزام مختلف الجهات لارسال موظفيها لغرض التدريب والتأهيل والاستفادة القصوى من مختلف اهداف وبرامج وانشطة المعهد والعمل على تنمية الثقافة الادارية في اوساط الموظفين وجعلهم متسلحين بالعديد من المهارات والمعارف الادارية التي تمكنهم من القيام بأداء اعمالهم على خير وجه وبما يعزز من العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة وثقته بقدرة الاطارات الحكومية على خدمته والتخفيف من معاناته..
ولاشك ان ابرز معضلات الادارة وعوائقها تعد نتاجا طبيعيا لغياب التدريب بل وفي انعدام وجود استراتيجية وطنية تعنى بتطوير الاداء تدريبا وتأهيلا وبالمزيد من التشخيص العلمي لكل المشكلات من خلال الاهتمام بإعداد البحوث والدراسات المتعمقة بجوانب الادارة وعملياتها المختلفة..
الخلاصة
إن اي توجه نحو التعامل مع الادارة بهدف تطويرها لا يعتمد على السير وفق منهج علمي واضح الاهداف والمتطلبات لن يمثل الا عبئا جديدا يضاف الى اعباء ومشاكل الادارة..
وهذا يعني ان ولوج المستقبل الافضل لن يتم ومهما كرسنا حديثنا واهتماماتنا بالادارة يظل حديثا خاويا ونظل في حالة تقوقع مستمرة في مستنقع المشكلات الادارية..
واذا ما استمررنا على هذا الحال فإننا لن نحصد سوى المزيد من الخراب والمزيد من الفشل الشامل على مستوى كل متطلبات التنمية الادارية وسنجد انفسنا واجيالنا نغرد بعيدا جدا عن السرب الحضاري العالمي..
وعلينا ان ننظر إلى تجارب الكثير من البلدان التي كانت مشكلاتها الادارية اكثر تعقيدا من مشكلاتنا وان نرى مكانتها الحضارية اليوم وهي مكانة لم تكن متوقعة لولا اعتماد هذه البلدان على النهج الاستراتيجي الوحيد المتمثل بالادارة العلمية الحديثة والتعامل المهني والحرفي مع كل مشكلاتها.