توفيق عثمان الشرعبي - غياب الأحزاب وصمود المؤتمر منذ شنَّ تحالف العدوان عدوانه الغاشم على اليمن في مارس 2015م غاب دور الأحزاب والتنظيمات السياسية تماماً وحضر دور الأفراد ممثلين عن القبائل والمعسكرات واللجان والمؤسسات والجماعات..
هذا الغياب المريب لدور الأحزاب لما يقارب ثمانية أعوام فيما يعتمل في المشهد السياسي لايدل فقط على هشاشة هذه الأحزاب والتنظيمات التي أثبتت الأحداث أن معظمها كانت مختزلة في أشخاص أو أسر، بل يدل أيضاً على أن المتحكمين بسير الأحداث داخلياً وخارجياً يمارسون سياسات تغييب الأحزاب وإفراغها من محتواها لإضعاف تأثيرها في ساحة الفعل السياسي والعام في البلاد..
صحيح أن الصراعات والحروب تؤثر في العمل السياسي الأمر الذي ينعكس على العمل الحزبي لكن ليس إلى المستوى الذي يجعل الأحزاب لاتظهر إلا في المناسبات أو عبر بيانات تساير من خلالها الوضع القائم الذي تحكمه وتتحكم فيه القوة وليس السياسة..!!
إن ثمان سنوات من عمر العدوان كشفت أسباباً كثيرة لغياب دور الأحزاب ومنها أن بعض قيادات تلك الأحزاب استثمرت الحرب لمصالح شخصية وتعمدت المتاجرة بالمواقف على حساب سياسة وبرامج احزابها.. غير آبهةً بحقيقة أن الغياب الطويل للدور الحزبي يمهد الأجواء لترسيخ الفكر الشمولي الديكتاتوري الذي يشيطن التعددية والحزبية في الوعي الشعبي لصالح الجهوية والمناطقية والعصبوية..
كل التجارب المماثلة للوضع الحزبي اليمني في المرحلة الراهنة تؤكد أن الحزبية والتعددية تفقد حضورها وتأثيرها يوماً بعد يوم خصوصاً وأن الكثير من قياداتها أثبتت أنها غير قادرة على طرح رؤى وأفكار يلتف حولها الناس لحلحلة الأزمة وإنقاذ البلاد..
فالحقيقة الماثلة تؤكد ان الأحزاب والتنظيمات السياسية لم تقم بدورها المفترض بها تجاه ماتشهده البلاد حيث تخلَّى الكثير منها عن مواقفها الوطنية وغابت تماماً خلف مواقف قادتها.. وبعضها الآخر وإن اصطفت مع الوطن والشعب إلا أنها لم تثبت وجودها من خلال العمل الميداني الذي يجعلها محل رهان الشعب للتمسك بالتعددية والديمقراطية..
وإذا ما نظرنا إلى حال الأحزاب والتنظيمات خلال السنوات الثمان الماضية والدور الذي لعبته على الساحة الوطنية فلن نجد لها أثراً أو تأثيراً سوى حراك سياسي يمكن وصفه بـ(الضئيل) لتنظيم المؤتمر الشعبي العام ليس لأنه غير مؤثر في الساحة ولكن لأن هناك مؤامرات كبيرة خارجية وداخلية سعت بكل الأساليب والوسائل للنيل منه وتمزيقه وتصييره إلى ما صارت إليه الأحزاب الحاكمة في دول ما يسمى (بالربيع العربي) ..
ولعل القارئ للمشهد السياسي الراهن ودور المؤتمر الشعبي العام فيه سيلاحظ أن هذا التنظيم يواجه تحديين كبيرين: تحديا خارجيا يسعى لتمزيقه باعتباره المكون الكبير والفاعل والذي لايزال يمثل رقماً صعباً في مواجهة مشاريع التمزيق..
وتحديا داخلياً يعتمل من خلال الحملات الاعلامية المنفلتة للإساءة إليه وتشويهه لإضعاف تأثيره وتغييب دوره..
لكن هذه التحديات جميعاً- وإن ضاءلت من نشاط المؤتمر -تعطي الدليل الواضح على أن هذا التنظيم وقيادته الوطنية يمثلون شوكة الميزان والرافعة الحقيقية للمشروع الوطني الجامع وحائط الصد لكل المشاريع التقزيمية والتمزيقية..
سيُحسب للمؤتمر الشعبي العام في ظل التحديات والمؤامرات عليه في هذه المرحلة المعقدة من تاريخ اليمن الحديث أنه لم يفضّل التواري عن اعضائه وحلفائه وأنصاره وجماهيره كما فعلت بقية الأحزاب والتنظيمات السياسية، ولم يتهاون في اتخاذ الاجراءات الحازمة ضد قياداته التي انزلقت إلى أحضان أعداء اليمن، ولم يخضع للإملاءات أياً كانت، ولم يتمترس في المنطقة الرمادية أو يستجب للضغوطات التي كانت تسعى لاختراقه عبر المطالبة بإجراء تغييرات في هيكله التنظيمي خارج نظامه الداخلي..
لقد استطاع المؤتمر الشعبي العام الحفاظ على سياسته ونهجه مستنداً في تحركاته على دليله الفكري (الميثاق الوطني) ومعتمداً في اجراءاته التنظيمية على نظامه الداخلي، محافظاً قدر المستطاع بحكمة قيادته على أداء مهامه كصوت سياسي فاعل يمثل أبناء شعبه الصابر الصامد..
وفي الوقت الذي تخلت الأحزاب عن مهامها في مواجهة الأزمة أدرك المؤتمر الشعبي العام حجم المسئولية وعظمها تجاه وطنه وشعبه فتجاوز العصبية التنظيمية التي تسيطر على أداء الأحزاب وأعلن تعصبه للوطن ووسع خارطة تحالفاته الجديدة وأهمها تحالفه مع جماعة أنصار الله لمواجهة الخطر المحدق بالوطن وهو تحالف مهم لصالح الهدف العام وإن كان الطرفان بحاجة إلى تطوير الاستفادة من هذا التحالف في تأسيس ثقافة جديدة من معطيات اليوم وخبرة الأمس..
فكلما ترسخت هذه الشراكة مثلت قلقاً لمن يسعى لفضها وهم كُثُر لا يقتصرون على تحالف العدوان ومرتزقته فقط بل الممانعين أيضاً ممن يقدمون أنفسهم بديلاً للتعددية والحزبية حيث لم يعد خافياً سعيهم لتقليص دور المؤتمر الشعبي العام ومهامه وانشطته وفاعليته السياسية على الساحة الوطنية كمكون له حجمه وجماهيره ومحاولة تحجيم أدائه واختزالها في مواقف أو تصريحات لأشخاص محددين يتحركون خارج حسابات مستقبل العمل التنظيمي..
خلاصة القول: إن غياب الأحزاب أو تغييب أدوارها في العمل الوطني والسياسي لايخدم التوجه العام لبناء دولة مدينة حديثة لأن البديل الذي يفرزه الغياب الحزبي هو أفكار شمولية متطرفة ومكونات طارئة مشوشة النهج ومرتبكة التوجه..
وما يبعث على الاطمئنان أن الأحزاب الوطنية الحية المنتمية لوطنها ولشعبها لا يمكن أن تغيب عن أداء مهامها ولا ترضخ لسياسة التغييب أو التهميش أو الإقصاء حتى وإن تكالبت عليها المؤامرات فإنها تمرض ولكنها لاتموت كما قال رئيس المؤتمر الشعبي العام صادق بن أمين ابوراس وهو يشرح حال تنظيم المؤتمر وما حصل له من هزات وصدمات خلال السنوات الماضية. |