المؤتمرنت - المشاركون في ندوة الثقافة: محو الأمية مسؤولية الدولة والمثقفين تواصلت اليوم أعمال ندوة( الثقافة اليمنية الواقع وآفاق المستقبل) حيث قدم الأستاذ عبد الباري طاهر ورقة عن (الثقافة اليمنية في سياقها العربي) أكد في بدايتها أن الهجرات المتعاقبة والقوافل التجارية والصلاة الروحية أدت الأثر الكبير في نشأة هذه الوحدة. فقبائل حمير وكنده وخولان ومذحج وهمدان والأزد تنتشر في الجزيرة ومصر وبلاد الشام ومنها تصل إلى المغرب العربي الكبير وصولاً إلى الأندلس. واللافت أن الانتماء إلى اليمن لم يشكل عائقاً أمام الاندماج في جسم المجتمع العربي الكبير، فعندما سئل القاضي شريح من أنت؟ قال أنا من أهل اليمن وعدادي في كندة. وعندما سئل رجاء بن حيوة أجاب أنا من أنعم الله عليه بالإسلام وعدادي في كندة. ويشير الأستاذ عبداللطيف الحديثي في كتابه القيَّم (أهل اليمن في صدر الإسلام) إلى أن هذا التعبير فقد قوته. ولم يتحول إلى وضعية اجتماعية أو سياسية. وحقيقة فإن التطور الحضاري الاجتماعي والسياسي الذي استخدمته اليمن منذ قيام الدولة السبئية فالمعينية فالحميرية قد صقل الروح القبلية، كما أن تحدي بناء السدود وإقامة المدرجات وحماية القوافل التجارية والهجرات التاريخية المتعاقبة قد أسهم في بلورة الشخصية اليمنية وربطتها أكثر فأكثر بما حولها هيأتها لتلعب الدور الكبير في كيان المجتمع العربي الذي كان فجر الدعوة الإسلامية بمثابة إعلان مولده، حقاً فإن مسمى أهل اليمن بعد انهيار الدولة اليمنية يعني -فيما يعني- تجاوز التركيبة القبلية والاحتفاظ بقيمة حضارية مهمة- ذلك أن جزيرة العرب- قبل الإسلام- كانت مملكة سياسية، منوعة حضارياً وثقافياً، بالرغم من بعض مظاهر هذه الوحدة التي تتجلى في اللغة، وفي النظم الاجتماعية المتشابهة. وبعض العقائد الدينية العامة التي ترجع إلى أزمنة موغلة في القدم وبالرغم من توفر سبل الاتصال المادي والثقافي بين أهلها. والواقع أن إطار هذا التنوع والتعدد والاختلاف لا يقل عن إنكار الوحدة، فكلاهما أدى ويؤدي إلى نتائج كارثية وما يجري الآن في العراق وفلسطين والجزائر والمغرب والسودان مظهر من مظاهر هذه الرؤية العقيمة والمدمرة.
مشيرا إلى أن الإقبال الظاهري على الإسلام والانضمام إلى دولته لم يكن عاما بالشكل الذي صوره مؤرخو السيرة. ولم تكن دوافعه وعوامله واحدة. كما لم يحدث كله في وقت واحد. ولا بد لفهم التطور الحقيقي للأحداث من دراسة دقيقة ومعمقة لوضع كل جماعة أو منطقة ومعرفة موقفها من الإسلام وأثر أوضاعها في المواقف التي اتخذتها. والواقع أن كتب السير إلى حد ما والوعاظ يصورون الجزيرة العربية ما لو كانت كلها وثنية وأهلها عباد قبور وجاهلية ولم يقرأوا التفاوت الحضاري بين أقسام مختلفة منها، وانحصار الوثنية والجاهلية في أجزاء معينة من الجزيرة.
وقال طاهر إن آيات القرآن الكريم والسنة تحتفل بمآثر اليمن وعظات وعبر التاريخ والحضارة اليمنية. ويشتمل القص القرآني وأخبار الوفود على النبي الكريم -حتى قبل الفتح ونصرتهم للرسالة السماوية- بالكثير والكثاير.
لذا فلا غرابة أن يكون اليمانيون في طليعة المفسرين والإخباريين ومعروف في التاريخ كعب الأحبار. وهب ابن منبه كما أسهموا في التأسيس لتدوين السنة: معمر بن راشد الأزدي وتلميذه عبدالرزاق بن همام وهما من مفسري القرآن أيضاً ويعتبر عبدالرزاق الصنعاني من أساتذة الشافعي وممن روى عنهم هو وأحمد بن حنبل.
لقد كان إسهام المدرسة اليمنية غزيراً في مختلف فروع المعرفة والعلوم والآداب. وإذا كان الحسن بن احمد الهمداني على رأس الجغرافيين والمؤرخين العرب، فإن نشوان بن سعيد الحميري في طليعة المتكلمين والشعراء والمفسرين وعلماء الكلام واللغويين في العصور الوسطى.
وقدم الدكتور فؤاد الصلاحي ورقة عن (علاقة المثقف بالنخبة السياسية وبالمجتمع) خلص فيها إلى أن بروز فاعلية المثقف اليمني وحزبه السياسي يتطلب منهما معاً تجديد وتحديث في الأطر المعرفية والأيدولوجية وفى الأدوات المنهجية وفق مراجعة نقدية جريئة تشمل نقد الذات والمجتمع، ونقد الفكر والسلطة ، ولتحقق ذلك لابد من الوعي الإدراك الكاملين بالمتغيرات الإقليمية والعالمية في مختلف المجالات ومنها مجال الثقافة والمعرفة والتنظير العلمي. ولصعوبة البناء الثقافي القُطري ولأن القطرية من أهم عوامل الأزمة الراهنة، ولأن الثقافة تتجاوز القطرية فهي ذات أفق إنساني اشمل - يمكننا القول إن ولادة نظام ثقافي عربي جديد ، يحتاج بالضرورة إلى إعادة إحياء المجتمع المدني ، وتصليب قدراته على مجابهة الدولة التسلطية القائمة ، وقيام أشكال من العمل المشترك بين مؤسسات المجتمع المدني محلياً وعربياً وعالميّاً ، تسمح باحتضان رأس المال الثقافي والمعرفي وتوظيفه ي خدمة القضايا الوطنية والقومية والإنسانية ( بالتعاون مع الدولة حيناً وبمعزل عنها حيناً آخر). ولعله حان الوقت في اليمن ( وفى الوطن العربي) للقيام بمراجعة نقدية ضرورية لكل اختيارات المثقفين ومواقفهم وانتماءاتهم وعلاقاتهم بالسلطة والمجتمع خلال الخمسين سنة الماضية. خاصة مع انقسام المثقفين العرب حالياً إلى مجموعتين : مجموعة كبيرة الحجم وهى سلفية ذات قدرة على تحريك الشارع ، ومجموعة صغيرة الحجم وهى نخب عصرية تطمح الى التغيير والتقدم. فنحن معشر العرب مسؤولون بشكل مباشر عن كثير من أسباب تخلفنا ، وتردى أوضاعنا ، ووفق منطق الحاجة والضرورة ملزمون بالبحث عن مجمل العوائق والكوابح التي تحول دون تطورنا ، ومن ذلك البحث عن العوائق والكوابح التي تحول دون إبداع العلم والتكنولوجيا. وكل ذلك مرهون باستيعابنا لثلاثة منظومات أو مرتكزات تنهض عليها مجمل عمليات التحديث والتطور ( العلم ، العقلانية ، الديمقراطية ) وهى متداخلة ومترابطة مع بعضها البعض وفق عملية تمفصل تعكس جدلية التأثير والتأثر ، وتبادل المواقع بين السبب والنتيجة. فالعلم كأسلوب ومنهج في التفكير والبحث يجب أن ينعكس كمنظومة معرفية وثقافية تؤسس في وعي الأفراد والجماعات للعقلانية كمنهج في التفكير والعمل اليومي ، تتعزز معه شخصية الفرد – المواطن – وتتحرر من كل أنواع القيود الاجتماعية والثقافية التقليدية ، إضافة إلى تحرره من القيود السياسية والتنظيمية من خلال الإقرار بالديمقراطية كنظام حكم وكأسلوب حياة. وبشكل عام أقول: نحتاج معشر العرب إلى عقلنة علاقاتنا بالعلم والثقافة وعقلنة الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية بتحويل المجتمع التقليدي إلى مجتمع مدني ، واعتماد الثقافة آلية هامة في بلورة منظور استراتيجي تتحقق به ومعه نهضة جديدة تمكننا من الوجود الفاعل في السياق الحضاري العالمي . فحاجة المجتمع إلى أن يتعقلن في مؤسساته وعلاقاته ، يستلزم بالضرورة منح الأولوية للعقل فى إدراك الوجود و تأسيس المعرفة الإنسانية في مجالاتها المتعددة. فالمعرفة وفقاً لمفهوم ( ميشيل فوكو) أداة تمنحنا القوة لفعل أشياء لم يكن باستطاعتنا القيام بها من دونها ، والفعل الإنساني يغير المجتمع أو يحافظ على بقائه بطريقة معينة ، والمجتمعات تتغير فقط عبر فعل الأفراد الفاعلين. فالفعل الإنساني فعل تنوير وتثوير للإنسان وواقعه معاً ، هنا يتحقق خروج الإنسان من قصوره وعجزه عن استخدام عقله وهو المعنى الذي قصده "كانط" من تحديده لمفهوم التنوير . إن تهميش المسألة الثقافية في السياسات الحكومية يعكس في دلالاته طبيعة الهوية التقليدية للنظام السياسي العربي الراهن. فالفجوة كبيرة ومستمرة بين الثقافة والمجتمع والدولة ، هنا غاب التوازن بين تحديث الفكر وتحديث الدولة والمجتمع. ومع إقرارنا بفقدان الود بين المثقف ( الناقد الملتزم ) والسلطة ، وضعف العلاقة أو الارتباط مع المجتمع ، إلا أن ذلك الإقرار يوجب القول بوجود تمايز دلالي بين الثقافة والسلطة ، وارتباط توليدي بين الثقافة والمجتمع. ومع استمرار معاناة الثقافي من وطأة واستبداد السياسي المهيمن ، وشيوع الجهل( والجهل المسلح ) واللاعقلانية في المجتمع ، يمكن القول إن مجتمعنا العربي بشكل عام يستلزم بالضرورة ثورة ثقافية يتأسس عليها مشروع سياسي جديد يحمل رؤية تغييريه عامة للدولة والمجتمع .
واختتمت الجلسة الأولى بورقة الباحث عبد الرحمن الأهدل الموسومة (الديمقراطية في اليمن محور الثقافة اليمنية والديمقراطية رؤية مستقبلية)أشار فيها إلى أن النخبة الفاعلة في المجتمع هي الفاعلة عضويّاً في العمل العام في الوطن وليست تلك النخبة التي وصفها تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003م بالقول بأنها (تنبثق وعلى امتداد الوطن العربي من أوساط السلطة السياسية المحالفة والمعارضة متبنية نمطاً أو أنماطاً معرفية قد تكون متطابقة مع هذا التوجه السياسي أو ذاك وقد تكون – وهذا هو الأغلب –منتحية نحواً أكاديميا يعمل على الاشتغال بإنتاج المعرفة وتنميتها بصرف النظر عن توظيفها في المجال السياسي وتقدم هذه النخبة المثقفة نفسها باعتبارها حامية للمعرفة وضامنة لنموها، خصوصاً وأن معظمها يتموضع في الجامعات العربية أو في مراكز الأبحاث العلمية المنبثقة عنها أو الموازية لها . إن تفريط فئة واسعة من النخبة العربية المثقفة في استقلالية المجال المعرفي أدى إلى هيمنة الأنظمة السياسية عليها مما مكنها من استقطاب وتوجيه عدد من المثقفين نحو المفاهيم التي تخدم توجهاتها وأدى ذلك إلى بروز نزعات تبريريه في أوساط بعضهم تعمل على تعزيز الشرعية للسلطة السياسية القائمة (ذلك يعيق التغيير باتجاه الديمقراطية ) ويلاحظ المراقبون للساحة الفكرية العربية أن المثقفين العرب الذين تمكنوا من الوصول إلى دائرة صنع القرار تمكنوا من ذلك -لا بفضل علمهم أو استقلالهم الفكري بل- بسبب مهاراتهم في التغلغل والانخراط في السلطة السياسية.
موضحاً بأن دور النخبة في اليمن يكمن في مجالات عدة منها:
مجال محو الأمية؛ فالأمية كما نعرف عائق كبير يحد من سرعة وتيرة التطور في مختلف المجالات بما فيها المجال الثقافي الذي تعتبر الديمقراطية أحد روافده وتبدو هذه القضية من أخطر القضايا في اليمن إذا علمنا بأن الأمية متفشية بنسبة 60% حسب تقرير التنمية الإنسانية للعام 2002 م على مستوى العالم العربي -وحسب كتاب الإحصاء للعام 2002 م- الصادر عن وزارة التخطيط والتنمية في اليمن. هذا فيما يخص الأمية الأبجدية، أما الأمية الثقافية فنسبتها عالية جداً وربما تشمل خريجي جامعات.
مجال المناهج الدراسية بمستوياتها المختلفة:
لا بد من أن تشتمل تلك المناهج على الثقافة الديمقراطية وبما يناسب كل مرحلة دراسية بحيث تنشأ لدينا الأجيال القادمة وهى مشبعة روحيّاً بقيم التسامح وقبول المخالف، بل واحترام حقه في الاختلاف لأن الاختلاف.
مجال فرض هيبة الدولة واحترام القانون:
العمل بجد على ضرورة أن يسود القانون على الناس جميعاً وبمختلف المستويات والشرائح. فاحترام القانون عملية ثقافية بحد ذاتها، إذ أن المجتمع الذي يحترم القانون هو بحق المجتمع المدني.
مجال الإعلام بمختلف وسائله ( المرئية و المقروءة المسموعة ):
يجب أن يكون الإعلام من ضمن وسائل التوجه الرسمي والشعبي والحزبي . فالإعلام كما نعرف صانع الرأي العام ويلعب دوراً مهما في صياغة المفاهيم والأفكار لدى الناس وله تأثيره الخطير، حتى على الأذواق والقيم والمسالك .
|