الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:51 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الخميس, 16-ديسمبر-2004
بقلم-دنيا الأمل إسماعيل -
هامشية المرأة الفلسطينية-هامشية الصحافة
بداية لايمكن إنكار أهمية تأثير الإعلام عامة على المجتمعات الحديثة، بحيث أصبح من المستحيل أيضاً إنكار دوره في تحديد الخيارات الشعبية العامة ، وإعادة ترتيب سلم الأولويات الاجتماعية والاقتصادية.
كما مما لاشك فيه أنّ هذا التأثير العميق للإعلام يمتد إلى التربية الاجتماعية ذات العلاقة الوثيقة بالثقافة الوطنية. ففي ظل سيطرة نظام العولمة، والانفتاح اللامحدود على الخارج حتى أصبح العالم بالفعل قرية صغيرة. من الصعب الحديث عن شخصية وطنية خالصة، خاصة إذا كانت هذه الشخصية تتعارض مع مصالح دول المركز أو القوى الاستعمارية الجديدة في العالم.بحيث لم يعد باستطاعة الشخصية الوطنية التعبير عن قيمها الثقافية، بل ربما ما يحدث هو العكس تماماً. ومن ثم، من البديهي القول أنّه على مدى السنوات القادمة، ستتخلق أنماط جديدة من التربية، تسهم بل تشكّل شخصية مشوّشة، تتسم بالتبعية، فاقدة للابتكار، مستسلمة للإقتداء.
إنّ هناك حقيقة علينا إدراكها بسرعة، وقبل فوات الآوان-هذا إن لم يفت بعد- وهي أنّ الإعلام في حد ذاته، يشكّل منهجاً تربوياً متكاملاً. علينا أخذه من هذه الزاوية بعين الاهتمام والجدّية. حتى لا نحمّل الأخطاء التاريخية التي ستحدث للآخر.
وعلينا أنّ نقر هنا أنّ الغزو الإعلامي الذي تعاني منه دول العالم الثالث، يهدف أول ما يهدف إلى خلق مجتمعات استهلاكية غير منتجة، يجعلها خاضعة لابتزاز وسيطرة الدول المتقدمة. مما يعني ضرورة العمل على خلق وتنمية مناعة وطنية ضد سياسة الاستهلاك، وضد التبعية الثقافية والسياسية. تنطلق من تأسيس استراتيجية وطنية للإعلام، وليس استيراده من الخارج كما هو بفلسفته وأهدافه. وفي هذا السياق يجب التأكيد على أنّّ الإعلام الجيد هو ذلك الذي ينطلق من تفهم الاحتياجات المختلفة للجماهير، التي يجب إشراكها في وضع السياسات الإعلامية الموّجهة لها، وعدم التعامل معها باعتبارها فقط مجرد متلقي سلبي.
إنّ هذا التقديم ليس نافلة لا ضرورة لها، بل يدخل في صميم عنوان هذا المقال الذي سيبحث في معنى وأسباب هامشية المرأة الفلسطينية في الصحافة الرسمية المكتوبة، والتي هي –الصحافة المكتوبة- جزء أساس ومهم من وسائل الإعلام، وإن كان ذلك على عجالة لا تنفي أهمية البحث الجدي في هذه الأسباب، وما يمكن أن تفرزه من نتائج وتداعيات. فمما لاشك فيه أنّ التحدّيات التي تواجه الإعلام الفلسطيني كبيرة وخطيرة أيضاً، خاصة، بعد توقيع اتفاقات التسوية مع الجانب الإسرائيلي، الذي فرض من القيود، لضمان وداعتها، ما لا يعد ولا يحصى. وإذا كان هذا الوضع قد ترك أثره السلبي على واقع الصحافة المكتوبة بشكل عام، فإنّ أثره يتضاعف فيما يخص العلاقة مع المرأة الفلسطينية. سواء باعتبارها جزءًا من العملية الإعلامية، أو بوصفها متلّقي.
وقبل أن نتطرق إلى أسباب هامشية المرأة الفلسطينية في الإعلام الرسمي المكتوب. علينا أن نبين أولاً: أنّ كلمة الهامشية لا تشتمل فقط على معنى الإقصاء، أو التجاهل، أو إعطاء اهتمام أقل فقط، بل تشتمل أيضاً على التناول المغلوط للمرأة، بوصفها كائناً مشاركاً ومنتجاً في المجتمع. ووضعها في قالب يتنافى مع أو ينتقص من إنسانيتها، كأن يتم التعامل معها باعتبارها مجرد مادة إعلانية مدّرة للمال، أو مادة للإثارة، أو مخاطبتها عبر جسدها من خلال التركيز على الأزياء وآخر وصفات الموضة، أو من خلال المطبخ الذي يصوّر دائماً على أنه المكان الأكثر ارتباطاً بالنساء. ورغم الإقرار بوجود مثل هذه الأشياء في شخصية المرأة، لكنها ليست الأساس، ولا يمكن أن تشكل أولوية بالنسبة لها. ولو استشيرت النساء لاكتشفنا أنّ هناك موضوعات أخرى أكثر أهمية، وذات أولوية لهن. كتلك التي تتعلق بالصحة والفقر والتعليم وتربية الأطفال ، وغيرها من الموضوعات الأخرى.
وإذا طبقنا هذا الوضع على الصحافة الفلسطينية الرسمية، لوجدنا شيئاً فاقع المرارة. ففي ظل إشكاليات الوضع السياسي وما يطرحه من تحديات على المستويات كافة على أرض الواقع، نجد خطاباً آخر موجهاً إمّا لنساء لا يشكلن غالبية النساء الفلسطينيات. بل على العكس من ذلك توحي المادة الصحافية الموّجهة للنساء –على قلتها- بنساء أخريات لا تنطبق عليهنّ المواصفات الوطنية. بمعنى أنهّنّ خاليات من إشكاليات الوضع السياسي، وما يعكسه من آثار على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أو أنّ هناك خطاباً موّجهاً لنساء محددات، هنّ نساء النخبة، وأقصد بهنّ العاملات، أو المتعاطيات مع المؤسسات النسوية، أو غيرها من المؤسسات غير الحكومية. وهو خطاب إعلامي ناتج عن نشاطات تلك المؤسسات. كالورشات والندوات واللقاءات التي يحضرها عدد قليل عادة، ويتكرر في كل نشاط. وكأن هناك تعاقد ضمني لتبادل المنفعة التي تحفظ البقاء في ظل الإحجام الجماهيري عامة، والنسائي خاصة، والموّجهة لهنّ أصلاً مثل هذه النشاطات. وللأسف الشديد اضطرت الصحافة الفلسطينية إلى الانشداد لمثل هذه الأفعال الآنيّة، إماّ لكونها أحد أطراف العقد النفعي الضمني –وأحياناً يكون غير ذلك-، وإمّا لافتقاد هامش من الحرية يسمح بتناول جريء وبنّاء لموضوعات حقيقية تمس بالفعل هموم واحتياجات القطاع الأوسع من النساء الفلسطينيات، خاصة إذا علمنا أنّ الغالبية العظمى منهنّ لاجئات يفتقرنّ إلى الحد الأدنى من مستوى المعيشة، بحيث لا يستطعنّ تطوير أوضاعهنّ، أو على الأقل منع استمرار انحدارها نحو السوء. وقد ساعدت مثل هذه الخطابات على شيوع أنماط نسائية تفتقر إلى مقومات الشخصية الوطنية، المنطلقة من ثقافتها، وخصوصية وضعها. وعمّقت من الفجوة بين ما تطرحه هذه الأنماط، وبين الاحتياجات الحقيقية للنساء الأخريات، وهنّ كثر.
وربما هذا ما يفسر سبب إخفاق عدد غير قليل من المؤسسات النسوية الفلسطينية في تحقيق تواصل مثمر وبنّاء مع القاعدة النسائية العريضة. ومن ثم ضياع الكثير من الجهد والوقت دون تحقيق نتائج ملموسة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّ عدم وجود استراتيجية وطنية للإعلام، تحتمي بالثقافة الوطنية، بكل خصائصها، ساعد على انتشار التخبط، وعدم وجود و وضوح رؤية حقيقية لما يمكن أن تكون عليه صورة الإعلام الفلسطيني، سمح للمستفيدين والدخلاء أن يفرضوا تجارة السوق على الصحافة، بحيث أصبح الإعلان أهم من الإعلام، والفرق بينهما كبير، غير أنّ سيطرة سياسة الاستهلاك، قللت من مساحة هذا الفرق، ومن قيمته أيضاً. حتى أنّه لم يعد هناك مانع من تطابقهما، أو إحلال أكثرهما إدراراً للمال محل الآخر . وهذا استدعى التفكير بالنساء كبطلات دائمات للإعلانات. ورويداً رويداً أصبح هذا نمطاً ثقافياً سائداً. يعمل الإعلام على خدمته، مباشرة أو خفية. حتى أصبح من الصعب معالجة الخطأ دون الرجوع إلى جذوره، وهو أمر لن يهتم به أحد، ما دام غير مجد مادياً. ومادام يتعارض مع مصالح المستفيدين دولاً وأفراداً. والآن أصبحت هذه الصورة على شدة سوئها، أخف وطأة وألماً مما حملته الاتفاقات الموّقعة مع العدو الإسرائيلي، الذي سيسعى جاهداً –كعادته دائماً، وكما هو الآن- إلى إقصاء أي ملمح وطني من شأنه أن يعزز الهوية الوطنية. ويتضاعف السوء إذا كان الكادر الصحافي لا يعي هذا التوّجه الإسرائيلي، أو أنه يعيه لكنه في الوقت نفسه لا يرغب في كسب غضب السلطة الوطنية الفلسطينية، التي ستلتزم بالطبع بما جاء في الاتفاقات. وهي اتفاقات ستكون بالطبع ضد استعادة النساء لعلاقتهن الإيجابية مع ذواتهنّ، ومن ثم مع الخطابات المنتجة، والمتداولة بهنّ أو إليهنّ.
إنّ الصورة لا تتضمن ذلك فقط، بل تشتمل أيضاً على الدور المنوط بالنساء العاملات في مجال الصحافة، واللواتي، غالباً، ما يفتقدن للوعي الكافي الذي يقيهنّ الوقوع في شبكة الترويج للنمط الاستهلاكي، والتعبير عن أولويات نساء أخريات ليس بالضرورة أن ينتمين للمجتمع الفلسطيني، أو إقصاء الإمكانات المحتملة لخلق وجود نسائي متميز في الصحف الفلسطينية الرسمية، يؤسس لحضورها المتوقع، وليس لغيابها وإن حضرت أطيافها. إنّ علينا أن نعي أنّ إقصاء جوانب مهمة من هموم وقضايا النساء، والتركيز على الهامشي منها، أو التناول المغرض لبعض احتياجاتها، أو تسيسه لخدمة أهداف أخرى تتناقض مع رؤية نسوية واعية، تتركز على المقومات الوطنية، من شأنه أن يترك على المدى البعيد آثاراً خطيرة على المجتمع الفلسطيني بأسره .
وإذا كان الإعلام الجيد هو ذلك الإعلام الذي يرى فيه كل فرد من أفراد المجتمع، أنّه مهم لرفاهيته ورخائه. فإنّ النساء الفلسطينيات هنّ أولى فئات المجتمع احتياجاً لهذا الفهم، وإدخاله حيز التنفيذ عبر تبني سياسات استراتيجية، تشترك النساء في صياغتها وفق احتياجاتها، وتدريب كوادر إعلامية من النساء مسلحة بالوعي الكافي الذي يؤهلها لتحديد احتياجات مجتمعها بمن فيه النساء.






أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر