أ.د عبدالعزيز صالح بن حبتور - مؤتمر قمة عربي إسلامي جديد في الرياض.. بيع الأوهام لأمة المليار والنصف مسلم بدأت وانتهت القمة (للقادة) العرب والمسلمين في يوم الإثنين، الموافق فيه 11 نوفمبر 2024، وهي قمة باهتة لا تتجاوز مخرجاتها ونتائجها وقيمتها الفعلية قيمة الحبر الرخيص الذي كُتبت به تلك البيانات والنتائج من تلك القمة الفارغة.
لقد تمت دعوة رؤساء وملوك وأمراء، ورؤساء وزراء الدول العربية والإسلامية من شرقي الكرة الأرضية، وصولاً إلى ضفاف المحيط الأطلسي غرباً، من أجل أن يستمعوا إلى خطابات وتصريحات وبيانات لا قيمة ولا وزن فعلي لها، إلا ما ندر منها، كأن المنظمين لهذه القمة البائسة يهدفون إلى إسقاط آخر أوراق التوت التي ظلت ساترة ومغطية للعورات والعيوب لذلك النظام الرسمي العربي والإسلامي الفاشل تجاه ما يحدث من جرائم العصر الوحشية في فلسطين ولبنان، والتي يمارسها الكيان الصهيوني الإسرائيلي -الأميركي الأوروبي.
وكغيري من مشاهدي القنوات التلفزيونية العربية والأجنبية ومواقع التواصل الاجتماعي، استمعت إلى خطاب رئيس المؤتمر سيئ الصيت والسمعة هذا، وهو الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة السعودية ورئيس وزرائها والملك القادم للسعودية، استمعت إليه بحرص وكنت أتوقع ان استمع إلى شيء جديد منه يتساوى أو يفوق حجم جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني الإسرائيلي تجاه أهلنا في قطاع غزة من الفلسطينيين، لكنه لم يقل شيئاً مفيداً سوى أنه يطالب ويشجب ويستنكر ويدين و... و... وجميعها مفردات تكرر ذكرها في جميع المؤتمرات السابقة.
عند اعتلاء الأمير محمد بن سلمان آل سعود منصة رئاسة المؤتمر لهذه القمة، كنت أتوقع أن يأتي لنا بشيء جديد يمسح جميع زلاته القاتلة، أو لنقل بوضوح أكبر جميع جرائمه البشعة بحق الشعب اليمني، حينما قام بتزوير توقيع والده الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حينما أعلنوا الحرب الوحشية على الجمهورية اليمنية في صبيحة يوم الخميس الموافق فيه 26 مارس 2015، واستمرت المعركة العدوانية علينا حتى كتابة مقالنا هذا، وإن كانت في أشكال وطرائق متعددة عما بدأت عليه السعودية بعدوانها البربري على شعبنا اليمني.
وبعدها حينما اشترك بشكل مباشر في المؤامرة الدنيئة القذرة على حركة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وشعبها المقاوم البطل، منذ انطلا معركة طوفان الأقصى المبارك في 7 أكتوبر 2023. ولعلّي هنا أذكّر القارئ اللبيب بعدد من تلك المؤامرات الدنيئة التي اشتركت فيها المملكة السعودية على القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية، وهي قضية فلسطين. وهي:
أولاً: اشتركت المملكة السعودية في فتح أجوائها الفضائية للطيران المعادي للأمة، وهو الطيران العسكري والمدني جيئة وذهاباً.
ثانياً: فتحت السعودية طريقها البري أمام شاحنات النقل من ميناء جبل علي في الإمارات العربية المتحدة، مروراً بالأراضي السعودية وأراضي المملكة الأردنية الهاشمية، وصولاً إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة ("إسرائيل") كي توصل البضائع والمواد الغذائية الطازجة إلى جنود الاحتلال الصهيوني، وما زالت تلك الطريق مفتوحة حتى يومنا هذا.
ثالثاً: شاركت قيادات عسكرية رفيعة من المملكة السعودية في اجتماع في مدينة المنامة عاصمة مملكة البحرين التي ضمت كلاً من مملكة البحرين ومصر ومشيخة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة الأردنية الهاشمية، وهيئة الأركان العامة لجيش العدو الإسرائيلي، وبقيادة المنطقة العسكرية الوسطى للقوات المسلحة الأميركية.
رابعاً: نشر الكاتب الأميركي الشهير BOB WOOD WARD في كتابه الحديث "الحرب"، في هذا العام 2024، جملة من المعلومات الخطيرة التي رواها عن اللقاءات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي اليهودي أنتوني بلنكن مع حكام المملكة السعودية والإمارات ومصر والبحرين والأردن وقطر. وخلاصة جميع تلك اللقاءات معهم تفيد بأنهم متفقون اتفاقاً كلياً مع رؤية الإدارة الأميركية الديمقراطية فيما تنفذه عصابات الكيان الصهيوني الإسرائيلي في قطاع غزة، وكان شرطهم الوحيد ألا تظهر نتائج تلك الجرائم في وسائل الإعلام العالمية والعربية لأنها تحرج هؤلاء الحكام العرب أمام شعوبهم.
خامساً: لا تَعُدّ حكومة المملكة السعودية أن ما يحدث من جرائم وحشية يومية لأزيد من 400 يوم بلياليها منذ أن بدأت معركة طوفان الأقصى، تلك الجرائم التي وقعت وحدثت بحق الشعب الفلسطيني من قتل للشهداء الذين تجاوزوا 42 ألف شهيد وشهيدة، وجرح أزيد من مئة ألف جريح، لا تَعُدّ الحكومة السعودية أن هذه الآلام والمآسي قضيتها ولا تعنيها في شيء، لا بل إنها تتنصل منها كلياً، والدليل وسائل إعلامها المتعددة وما تُظهره عبر شاشاتها وقنواتها، وما يقوله بعض مثقفيها وإعلامييها الذين يكررون ببلادة مُفرطة أن القضية الفلسطينية لم تعد قضيتهم، وتجد برامج الترفيه والأفراح والمسابقات الرياضية والفنية وحتى الحيوانية منتشرة في القنوات الفضائية السعودية، من دون حياء ولا خجل ولا إظهار لأبسط المشاعر الإنسانية أو الأخلاقية أوالدينية.
سادساً: سأورد اقتباساً شبه مطول للدكتورعبد الفتاح عبد الباقي، وهو يقدم وثيقة سعودية فى منتهى الخطورة [نشرتها مكتبة مدبولى في القاهرة عام 2006 عبر كتاب "فى تاريخ الأمة العربية الحديث المشروع القومى الذى لم يتم" للدكتورذوقان قرقوط* والصادر عن مكتبة مدبولى فى القاهرة عام 2006، في صفحتى 506، 505 نشر الكاتب صورة أصلية من الوثيقة الخطيرة جداً التالية:
"توصيات اللجنة الخاصة بمجلس الوزراء السعودي فى 5 رمضان 1386 هـ الموافق 16 ديسمبر 1966 عن الوجود العدوانى المصرى فى اليمن"
*مولانا صاحب الجلالة الملك فيصل بن عبد العزيز المعظم يا صاحب الجلالة:
بناءً على توصياتكم الكريمة لوضع التقرير الخاص عن وجود العدو المصري فى اليمن وتوجيهات جلالتكم لاقتراح ما نراه من موجبات إزالته، اجتمعت في يوم 5 رمضان 1386 هـ الموافق 16 ديسمبر 1966 م، اللجنة الخاصة بمجلس الوزراء بغياب بعض الأعضاء وحضور أصحاب السمو وعدد من الخبراء الأميركان الآتية أسماؤهم:
*سمو الأمير فهد بن عبد العزيز وزير الداخلية.
*سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران.
*سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض.
*صاحب المعالي كمال أدهم مندوب رئيس الوزراء ومستشار المكتب الخاص.
*السيد: كيم روزفلت مدرب خبراء وزارة الدفاع والقسم العسكري الأميركي.
وقررنا ما يلى:
1- رفع التقرير المرفق لجلالتكم المتضمن – لخطة الخلاص – من العدو الجاثم في اليمن- وكل الأعداء لرفعه بعد إقراره من جلالتكم إلى فخامة الرئيس لندون جونسون، والحذف منه أو الإضافة إليه ما ترونه جلالتكم.
2- تأكد لنا بما لا شك فيه أبداً أن المصريين المعتدين لن ينسحبوا من اليمن ما لم يرغَموا بقوة جبارة تضربهم وتشغلهم عنها بأنفسهم عنا إلى الأبد، وأنه ما لم تتحرك صديقتنا العظيمة أميركا لدعم إسرائيل لردع المصريين فسوف لن يأتي عام 1390 هـ أو كما قال الخبراء الأميركان عام 1970 م – وفي هذه الأرض لنا ولأميركا بقية من وجود.]
انتهى الاقتباس هنا.
إن المملكتين السعودية والأردن هما من مهد وحضّر وساهم بالمال والجغرافيا من أجل إسقاط الأنظمة العربية القومية الوطنية في كل من جمهورية مصر العربية والجمهورية العربية السورية، ومعاونة كيان العدو الإسرائيلي والحكومة الأميركية، للانتصار في عدوان الخامس من حزيران عام 1967، والتي أطلق عليها العرب قاطبة أنها نكسة حزيران.
إن احتضان حكومة المملكة السعودية لحفنة تافهة من المرتزقة اليمنيين في فنادق الرياض وأبو ظبي ودبي، كل هذه السنوات العجاف التي مرت من زمن العدوان السعودي الإماراتي على الجمهورية اليمنية وعاصمتها صنعاء وشعبها اليمني الصابر، هو دليل آخر على أن مصالح حكومة المملكة السعودية تتناقض تناقضاً كلياً، في كل زمان ومكان، مع مصالح شعوب الامة العربية والاسلامية قاطبة، وأن موقفها يتسق مع برنامج حركة الصهيونية العالمية.
الخلاصة
مثلت حكومة المملكة السعودية منذ نشوئها، والموثقة بخط يد مؤسسها الأول السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مايلي "أنا السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل الفيصل آل سعود أقر وأعترف ألف مرة للسِّير برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى، لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم، كما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها حتى تصيح الساعة)". إنها أعظم خلاصة الخلاصة نستشهد بها للتاريخ من صنّاع التاريخ أنفسهم، وفوق كل ذي علم عليم.
عضو المجلس السياسي الأعلى في الجمهورية اليمنية / صنعاء |