المؤتمر نت-عبد الله المعافري -
زبيد .. مشعل في موكب النور(الحلقة الثانية)
زبيد بتاريخها الحافل سياسيا واقتصاديا وعمرانيا واجتماعيا وعلميا كتاب تناثرت أوراقه، لقد تغير حال هذه المدينة الرابضة على وادي زبيد الوادي الذي سميت باسمة وتؤكد الحقيقة التاريخية أنها ليست دعوة الإسلام آخر العام السابع ودخول العام الثامن الهجري برئاسة ابي موسى الاشعري رضي عنه وأخوية أبى رهم ، وابي يردة وسته وثلاثين من الاشاعرة فلما وفدوا على رسول الله صلى الله وعليه وسلم بارك الله في زبيد – ثلاثا- فقال القوم الاشاعرة القاطنون- بوادي رماع- ورمع يا رسول الله فقاله عليه السلام – بارك الله في زبيد ثلاثا – ورمع في الثالثة- لهذا عرفت من البقاع المرحومة التي حظيت بدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام وهذا دليل آخر يؤكد قدم المدينة قبل الإسلام تضاف إليه الدلائل التي أشرنا اليها في الحلقة الأولى.
كما أضاف عليه السلام عند استقبال وفد زبيد: "أتاكم أهل اليمن أرق أفئدة والين قلوبا، الأيمان يمان والحكمة يمانية" تم بعث معاذ بن جبل الأنصاري وأبى موسى الاشعري لنشر تعاليم الإسلام إلى اليمن وقال لهم: ( يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا).
وتجدر الإشارة إلى ان اسم الوادي (زبيد) سمي باسم هذه القبيلة اليمنية نسبة إلى رافد من روافد الوادي بالسحول يمسى (زبيد).
وقديما كانت تسمى بارض الحصب بالتصغير نسبة إلى الحصيب بن عبد شمس وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ( إذا وصلت ارض الحصيب فهرول) وقال جياش بين نجاح:
تلك الملاعب من صار وتصابي لله ايام ولا خلت
بعض الهويب وساحل الاهواب لا عيش الا ما أحاط بسوحه
أن زبيد تقع في سهل تهامة الغربية وتبعد عن البحر الأحمر ثلاثين كيلو متر وعن الجبل ثلاثين كيلو متر طقسها حار صيفا ومعتدل شتاء، وليلها شديد الروعة لموقعها الجغرافي يهب علها نسيم البحر ونسيم البحر فيلطفا حرارة الصيف، وهي مدينة مدورة يحيط بها سور إحاطة السوار بالمعصم بني من بالياجور وله أبراج وقلاع على الأبواب.
وتعد زبيد قصبة اليمن السهلية ولها منافذ بحرية أهمها تلك البقعة التي نزل بها معاذ وأبو موسى الاشعري، وميناء آخر استخدمها الحميريون قبل الإسلام هي ميناء غلافقة والفازة والاهواب والمخاء القريبة منها نسبيا وتتفرع من قبيلة الاشاعر فخوذ كثيرة نذكر منها قبيلة على شمال وادي زبيد والمعاصلة على جنوب الوادي تمتد حتى الساحل، وتتبعها المحارقة التي ينسب اليها شريج المحرثي بوادي زبيد والرمه، وغيرها من القبائل التابعة والقبائل القرشية التي جاءت أليها بعد الإسلام.
والحق كل الحق أن الفضل في ازدهار هذه المدينة يعود للإسلام الذي جعل للمسجد مكان الصدارة في الحضارة العربية الإسلامية إذا انه لم يكن مكانا للفتاوى بعد العبادات بل كان مكانا تجسدت فيه الديمقراطية الحقيقية في أروع صورها حيث نوقشت فيه كل أمور المسلمين الدينية والدنيوية وفيه استقى المسلمون كل تعاليم السماء التي تنظم الحياة بكل تفاصلها الدقيقة العظيمة ابتداء من سفاسف الأمور التي يهملها المسلمون اليوم رغم أهميتها ومن أمثلتها قضية الاستئذان بالدخول إلى بيوت الغير فعجبا لأمة تضيع دستور حياتها الواضح السهل الذي أنار لها دروب التقدم ورصف مسالكه بكل يسر وبساطة، ولهذه الأسباب المذكورة آنفا ظهرت مدن إسلامية بمثابة جامعات صارت مراكز إشعاع حضاري أضأت جنبات العالم كانت المساجد نواتها الأولى ذات التأثير البالغ انطلق نور الحق منها فبدد الظلام ومحا كل مساوئ الجاهلية برسالة الإسلام الذي غير الفكر الإنساني وحياته القاتمة السوداء التي سادت المجتمع الجاهلي المنغمس بضلال الوثنية المشركة وتضاربت الفكر الحائر.
إذن فالمسجد بعث روح السمو الفكري والعلمي والاجتماعي وأطلق الطاقات الإنسانية الخلاقة من عقالها انطلاقا من أو أمر الكتاب ( القرآن) الذي أمر الإنسان بالتفكر فيما حوله وفيمن حوله من الكائنات قائلا" آفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت" فامتثل لها المسلمون فرسخت الأيمان وزادت الإنسان يقينا في عالم الحقيقة والإنسانية لحقه التي خلقت لتكون على بصيرة من وجودها في هذا الكون المليء بالحقائق العلمية المذهلة فزادته تطلقا لحياة سعيدة خالدة وزادته كمالا في ذاتيته وإنسانيته.
فمن المسجد كان انبثاق الحضارة الإسلامية التي غيرت مجرى التاريخ المظلم إلى نور الحقيقة واليقين والعزة والبناء والأعمار نتيجة سمو الروح الإسلامية عن غيرها بالعبادة والقداسة والنور والعدل والمساواة وتكوين الشخصيات العلمية في مجالات العلم الديني والفلسفي والطبيعي فتوسعت رقعة الإسلام نتيجة تسامح تعاليمه و انفتاحه على غيرة من الأديان.
وزبيد احتوت كل هذا التنوع العلمي والعرقي ففدت مدينة جامعة تشبه مركز أبحاث دائمة في شتى العلوم والمعارف التي شاعت بعد الإسلام إلى اليوم مثلها مثل بغداد، ودمشق، والقاهرة، والقيروان، والزيتونه، وطشقند، وقرطبة، وغر ناطة، وتبريز، والبصرة، والكوفة، وصنعاء وجبلة وجند، وتعز وزبيد، وترع، والشحر.
هذه المدن أمهات الحضارة الإسلامية ومعاقلها الروحية والفكرية علما وفلسفه وقد أثبت الخزرجي والجندي وغيرهم دور المسجد في بناء الفكر الإسلامي باليمن في حلقات العلماء بزبيد فتسابق الخيرون إلى عمران المساجد التي عرفت آنذاك بالمدارس و أوقفوا عليها الأراضي الزراعية والعقارات ليكون ريعها لرعاية العلماء والمتعلمين من الطلاب.
أما من الناحية الاقتصادية فكان لزبيد دور كبير في الحركة التجارية كونها تعج بورش الإنتاج السلعي والحرفي مما ساعد على وجود تجارة تربط اليمن بسائر مناطق شبة الجزيرة العربية وآسيا وأفريقيا وأوربا.
وخلال عصر الإسلام الأول كانت.. تتبع مخلاف الجند إداريا وكذا في عهد الدولة الأموية والعباسية، حتى ترهلت الخلافة العباسية الثانية وشاخت.
فبدأ عندئذ دور زبيد السياسي إذا وجدت صراعا سياسيا حادا في إقامة الدويلات المركزية تارة واللامركزية تارة أخرى وتؤكد الروايات التاريخية أن جميع أراضى زبيد كانت حمى كليب ومهلهل وتمتد من الجحف إلى آنف قونص وفيها قصره وبركته وإسطبل خيله الذي كان يربط فيه وذلك على ذروة جبل عال يشرف على تهامة وكان يقصد في القصر وينظر الأرض تحته مزدهرة خضراء مع مجرى العيون والسواقي المائية، والحجف ارض تقع غرب زبيد، اما قونص جبل شمال شرق زبيد مرتبط بجبال وصاب وهناك ارض تمتد شمال المدينة إلى قرية التريبة تسمى الحمر ( أي حمر كليب ومهلهل) وهذا صحيح لأن الأساطير الشعبية حتما تحوي بعضا من الحقيقة.
وعندما شاخت دولة بين العباسي كان المأمون قد قلد محمد بن عبد الله بن زياد الأعمال التهامية وما أستولي عليه من الجبال فيقدم اليمن في سنة ثلاث ومائتين (203) هجرية ومعه رجل تغلبي يسمى محمد بن هارون قاضيا وهو جربني عقامة، وعندما رأي أبن زياد أن الفرصة مواتية له استقال عن دولة الخلافة وأسس الدولة الزيادية وجعل زبيد عاصمة لها اذا انه اول من اختط المدينة بشكلها الحضري المعروف وسورها سنة 204م هجرية وكان له مولى اسمه جعفر شديد اليأس ساهم في إنشاءه دول بني زياد وينسب أليه مخلاف جعفر ( ما يعرف اليوم بمذيخرة) من نواحي مدينة إب واتسعت رقعة الدولة الزيادية حتى أنها حكمت إلى المخلاف السليماني ( عسير ونجران وفي عهد ابنه ابو الجيش إسحاق بن إبراهيم تمكن الزياديون من الاستيلاء على المخلاف المذكور آنفا بقيادة سليمان بن طرف وكان أحد قادة الزياديين وهو من ارض تهامة أيضا .. وتضعضعت دولة بني زياد نتيجة موت ابي الجيش إسحاق بن إبراهيم سنة 391 عن طفل اسمه عبد الله وقيل زياد فكفلته أخته هند بنت آبي الجيش وأستاذ جيشي يسمى رشدا ، فلما مات طفله الحسين بن سلامة واصبح وزيرا قام بالأمر لولد أبى الجيش وأخته هند فاسترجع كثيرا من المناطق التي انسلخت من المملكة، واختط مدينة الكدار على وادي سهام ومدينة المعفر على وادي ذؤال وكان عادلا في الرعية كثيرا الصدقات، وانشاء الجوامع كبيرة والمنارات طوال والآبار العادية في المفازات المنقطعة وبنى الأميال والفراسخ والبرد على الطرقات من حضرموت إلى مكة فمات الحين بني سلامة سنة 402 هجرية وانتقل الملك إلى طفل آخر من بني زياد كفلته عمة له وبعث أستاذ اسمه مرجان من عبيد الحسين بن سلامة، وكان له عبدان حبشيان رباهما صغارا وولاهما الحكم كبيرين: أحدهما أسمه نفيس كلفه تدبير الحضره والثاني اسمه نجاح وهو الذي تنسب إليه الدولة النجاحية فيما بعد، وهو والد سعيد الاحول وجياش، كان يتولى أعمال الكدراء والمهجم ومور والواديين فتنافس على الحضرة وكان نفيس غشوما مرهوبا ونجاح رفق بالناس والرعية.
وكان مولا هما مرجان يميل إلى نفيس فنهمي الخبر إلى نفيس ان عمه بن زياد تميل إلى نجاح فاعلم مولاه فأمره بالقبض عليها وعلى ابن أخيها إبراهيم بن زياد، فقبض عليهما وبني عليهما ( جدارا وهما أحياء يناشدانه الله حتى ختم عليهما فماتا اختناقنا وبهذا الفصل الأليم الذي يذكرنا بممارسات أجهزة القمع العربية ينتهي عصر دولة بني زياد التي اتخذت من زبيد عاصمة لها.
وابتدأ فصل جديد يطلق عليه المؤرخون عصر الدولة النجاحية التي اتخذت زبيد عاصمة لها أيضا.
قائمة المراجع
1- زبيد: تاليف عبدالرحمن الحضرمي
مساجدها ومدارسها العلمية في التاريخ.
2- تاريخ اليمن
المستمر بهجة الزمن في تاريخ اليمن
تأليف تاج الدين عبدالباقي بن عبدالمجيد اليماني
تحقيق / مصطفي حجازي
3- مقدمة في الآثار اليمنية
تأليف أ.ء/ عبدالحليم نور الدين مؤسس قسم الآثار والدراسات الأثرية بجامعة صنعاء عميد كلية الآثار بجامعة القاهرة حاليا