المؤتمرنت - (إعادة اكتشاف) مسلمي أسبانيا في 2004 الحادي عشر من مارس 2004 شهد تفجيرات مدريد الدامية التي نسبت لتنظيم القاعدة، فأصبحت الأقلية المسلمة في أسبانيا منذ ذلك اليوم على موعد مع إعادة اكتشافها من جديد في هذا البلد، ووضعها في مقدمة الأحداث.
ففي أعقاب تلك التفجيرات بدأ اليمينيون يوجهون الاتهامات والإساءات إلى المسلمين ومراكزهم الدينية مطالبين بالتشدد معهم، إلا أن الحكومة الاشتراكية التي تولت بعد الهجمات بأيام قليلة لم تبد اهتماما بتلك الأصوات، بل بادر الاشتراكيون لتبني بعض إجراءات التهدئة، من أبرزها محاولات تسوية أوضاع المهاجرين المسلمين غير الشرعيين، ونسبة كبيرة منهم من المغاربة .
ومع ذلك، فقد بات واضحا أن تجاوز تداعيات حدث بحجم هجمات مدريد على المسلمين يحتاج لمزيد من الوقت.
ودوت صباح يوم 11-3-2004، وقبل 3 أيام من الانتخابات العامة الأخيرة، سلسلة انفجارات عنيفة في 4 قطارات بالعاصمة مدريد خلقت وراءها قرابة 200 قتيل. وبعد ساعات قليلة عثر على شريط فيديو قرب مسجد مدريد المعروف باسم "مسجد 30 م"، أعلن من خلاله مسئولية تنظيم القاعدة عن الهجوم بسبب دعم الحزب الشعبي اليميني الحاكم للحرب على العراق.
البداية..
شكل ذلك الحدث بداية التفات الأسبان إلى الأقلية المسلمة المهمشة منذ أكثر من 500 عام وتحديدا منذ حملات الإبادة والطرد إبان ما عرف بمحاكم التفتيش التي أعقبت سقوط آخر الممالك الإسلامية في الأندلس، فبدا وكأنهم يعاد اكتشافهم من جديد بعد تلك الفترة الطويلة، حيث امتلأت وسائل الإعلام بتحقيقات عن مسلمي أسبانيا وعن الإسلام، بعضها كان منصفا والبعض الآخر كان متجنيا لحد كبير.
رد فعل المسلمين والأسبان
وفي محاولة منها لاحتواء تداعيات الحدث، سعت جمعيات المهاجرين والهيئات الإسلامية في أسبانيا إلى تنظيم مظاهرات أدانت من خلالها التفجيرات وشاركت في إشعال الشموع في مواقع الانفجارات، إلا أن المظاهرات شهدت مشاركة محدودة للمسلمين نظرا لتخوف أغلبهم من انتقام المتطرفين الأسبان.
كما لم يمنع ذلك من حملات الكراهية غير المسبوقة في تاريخ أسبانيا الحديث والتي شملت اعتداءات تنوعت بين توجيه السباب والشتائم للمحجبات في الطريق العام إلى محاولات الاعتداء على بعض المساجد، بجانب تكرار حوادث طرد مهاجرين مسلمين من أعمالهم أو تعرضهم لمعاملة سيئة من أصحاب العمل.
وزاد تسليط أضواء وكاميرات الإعلام على المسلمين مع تكثيف موجة الاعتقالات التي شملت العشرات من أبناء الجالية المسلمة المهاجرة، حيث كان يطلق سراح بعضهم ويلقى القبض على آخرين.
وبدأت استطلاعات الرأي تشير إلى ارتفاع العداء للمهاجرين المسلمين. ووفقا لاستطلاع نشرته صحيفة "إلموندو" اليمينية بعد التفجيرات، فإن أغلبية ساحقة من الأسبان وصلت لـ78% كانت تؤيد نزع الحجاب بالمدارس.
ومقابل مشاعر الخوف المتنامية لدى المسلمين خلال الأشهر التي أعقبت 11 مارس، زاد أيضا الهاجس الأمني لدى السلطات الأسبانية وتجلى ذلك يوم 22 مايو 2004، الذي شهد حفل زفاف ولي العهد الأسباني الأمير فليبي دي بوربون في مدريد، فقد تم إدخال تعديلات كثيرة على مسار موكب الزفاف تخوفا من هجمات أخرى، وهو ما جعل مسلمي أسبانيا يدركون أن التغلب على آثار هجمات مدريد يتطلب الكثير من الوقت والجهد، بالرغم من أن غالبيتهم نجحوا إلى حد كبير في الاندماج في المجتمع الأسباني خاصة أنهم ينحدرون في مجملهم تقريبا من دول المغرب العربي القريبة..
"التآزر من أجل التسامح"
وتحت شعار "التآزر من أجل التسامح"، سعت الحكومة الاشتراكية الجديدة بزعامة "خوسيه لويس رودريجيز ثاباتيرو" مع بداية توليها الحكم إلى تهدئة كل هذه الأجواء المتوترة، مع ضبط الأوضاع الأمنية أكثر وبدأت تتخذ بعض الإجراءات في سبيل ذلك.
وأعلنت في هذا السياق عن استعدادها لتسوية أوضاع مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين (وبينهم أعداد كبيرة من المسلمين خاصة المغاربة بسبب القرب الجغرافي) قدرت عددهم بعض وسائل الإعلام بـ 800 ألف مهاجر، في أكبر عملية من نوعها لتسوية الأوضاع للمهاجرين.
كما بدأت الحكومة الاشتراكية أواخر أكتوبر 2004 التطبيق التجريبي لقانون الهجرة الجديد الذي ينص على أن كل مهاجر أمضى سنة على الأقل في أسبانيا بصفة غير قانونية يمكنه التقدم بأوراقه للحصول على أوراق الإقامة، شرط أن يتقدم بدعوى قضائية ضد مشغله، وأن يقوم هذا المشغل بعد ذلك بأداء كل المستحقات المالية لصندوق الضمان الاجتماعي وباقي المؤسسات المرتبطة بوزارة التشغيل، وأبدت مرونة في تطبيق القانون.
وفي إطار التهدئة أيضا، لم تحاول الحكومة الاشتراكية إصدار أي قانون يحظر ارتداء الحجاب على غرار ما حدث في فرنسا وبعض الولايات الألمانية بالرغم من مطالبة قوى اليمين بذلك.
تدريس الإسلام
وتوجت خطوات التهدئة وتوفيق أوضاع الأقلية المسلمة بإعلان الحكومة الاشتراكية أنه سيتم في مطلع العام الجديد 2005 الشروع في تدريس الإسلام لأول مرة بالمدارس الأسبانية.
وقالت "ميرسيدس ريكو جودوي" المديرة العامة للشئون الدينية في الحكومة: إن عددا من المدن الأسبانية الكبرى مثل مدريد، وبرشلونة، كبرى المدن الأسبانية، إضافة إلى منطقة الأندلس بالجنوب ستعتمد تدريس الإسلام بداية من يناير 2005.
يذكر أن تدريس الدين الإسلامي بالمدارس الأسبانية معمول به فقط في مدارس مدينتي سبتة ومليلة، وهما المدينتان اللتان تخضعان للسيادة الأسبانية في شمال المغرب وتوجد بهما نسبة كبيرة من المسلمين من أصل مغربي يحمل أغلبهم الجنسية الأسبانية.
الهاجس الأمني
إلا أن هذه الخطوات الحكومية، قابلتها إجراءات أخرى لم تكن خالية من مخاوف الحكومة الأسبانية مما تعتبره خطر "التطرف الإسلامي"، وظهر ذلك من خلال استبعاد وزارة الدفاع الأسبانية بشكل قاطع إمكانية تجنيد متطوعين مسلمين من بين المهاجرين في صفوف الجيش والتركيز على مهاجري أمريكا اللاتينية، لسد النقص في عدد الجيش.
وظهرت تلك المخاوف أو "الهواجس" أيضا في تعليق ماريا تيريزا فيرنانديز دي لاليجا النائبة الأولى لرئيس الحكومة على قرار الإفراج عن الإمام المصري محمد كمال مصطفى الذي استمرت قضيته في المحاكم الأسبانية قرابة 4 سنوات، معتبرة أنه "لا يدعم سياسة الحكومة بتآزر المجتمع من أجل التسامح وأن إطلاق سراح الإمام المتشدد يعمل ضد هذه السياسة".
وكان الإمام الذي أفرج عنه يوم 20-12-2004 قد اتهم بـ"تشجيع العنف ضد المرأة" بعد إصداره كتابا في عام 2000 يقول فيه بجواز "ضرب المرأة بطريقة لينة شرط عدم ترك آثار على جسدها". واقترن قرار الإفراج بشرط حصول الإمام على دورات في حقوق الإنسان.
شبح دائم
ومع اقتراب العام 2004 من نهايته وبينما كان البعض في أسبانيا يعتقد أن شبح 11 مارس يسير نحو الاندثار، أعلنت الشرطة الأسبانية في 14 ديسمبر الجاري اعتقال مجموعة من "النازيين الجدد" منطقة كاتالونيا (شمال شرق البلاد) قاموا خلال الشهور الأخيرة بإحراق عدد من المساجد بالمنطقة وحاولوا إلحاق أضرار بالمراكز الإسلامية وأفراد الجالية المسلمة هناك.
بعد ذلك بأيام، ألقي القبض على 3 مغاربة، أحدهم يدعى "محمد الحسكي" اتهم بأنه "العقل المدبر" لتفجيرات مدريد.
ويرى مراقبون معنيون بالشأن الأسباني أن توجهات حكومة خوسيه ثاباتيرو التي لم يمض على توليها الحكم إلا 9 أشهر بالكاد لم تتبلور بعد بشكل نهائي تجاه المسلمين وأنها ستكون أكثر وضوحا إزاءهم في 2005.
واستند المراقبون في ذلك إلى تصريح لثاباتيرو أدلى به أمام لجنة التحقيق في تفجيرات 11 مارس قبل بضعة أيام وقال فيه: إن "الإرهاب الدولي الإسلامي" هو المسئول عن تفجيرات القطارات، وأشار إلى أن "هناك إجراءات سيبدأ العمل بأغلبها في مطلع السنة المقبلة"، وهو ما قد يشير إلى أن هناك مزيدا من الأحداث الساخنة بانتظار مسلمي أسبانيا قريبا.
ويدين 94% من إجمالي عدد سكان أسبانيا البالغين 40 مليون شخص بالمذهب المسيحي الكاثوليكي، في حين ينتمي الباقون إلى ديانات مختلفة من بينها الإسلام الذي كان يشكل الديانة الرئيسية في شبه جزيرة أيبيريا (الأندلس) طيلة 8 قرون.
ولا يوجد إحصاء دقيق بأعداد المسلمين في أسبانيا نظرا لأن قسما غير قليل منهم يقيم بصفة غير شرعية في البلاد، إلا أنه استنادا لتقديرات رسمية أسبانية يقدر عددهم بنحو 750 ألف مسلم.
المصدر اسلام اون لاين
|