الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:03 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الأحد, 02-يناير-2005
المؤتمر نت - الكاتب العراقي نزار خضير العبادي المؤتمرنت- نزار العبادي -
الإرهاب يطول أرض الحرمين
يقينا أنها المرة الأولى التي تشهد فيها المملكة العربية السعودية موسمين للحج في آن واحد.. الأول تمد فيه أكفها بالمصاحف، وابتهالات الرب، وتبسط كرمها البدوي للحجيج، ممن يحل ضيفا على بيت الله الحرام، سائلا المغفرة، وجنات النعيم.
أما في الموسم الثاني- فهي تمد أكفها بالبنادق والقنابل، باسطة الموت لحجاج جهنم من الإرهابيين الذين ينتحرون على أبواب مقرات الأمن، وعلى عتبات الأسواق والطرقات، وبين حدقات الأطفال وهي تتلو القرآن بين يدي خالقها العظيم ، لينعم عليها بالسلام- في عصر الخوف من الإرهاب!
موسمان للحج في السعودية.. اجتهدت فيهما الرياض على وضع كل ترتيبات الموسم- بما في ذلك تحديد أعداد المسموح لهم بالتوبة والاستغفار، وطلب فردوس النعيم، ولم يبق من شيء غير التفكير: كيف السبيل للحد من أعداد حجاج الموسم الآخر المسموح لهم بولوج جهنم من بابها الأوسع والمنقوش بعبارة: للإرهابيين فقط ؟
سألتني ابنتي ذات الثمان سنوات بعد أن سمعت في الأخبار أنباء التفجيرات في المملكة " كيف دخل اليهود إلى السعودية.. هل دخلوا عندما كان العساكر راقدين ؟" لم أعرف كيف أجيبها، فهي بالفطرة تؤمن أن الإرهاب لا يمكن أن يلتقي مع الإسلام، وإن رجال الأمن ( العساكر) هم كالأسوار، تمنع وصول الشر، فكانت محقه حين أبدت دهشة من تحول حماة الوطن إلى صيد رخيص للإرهاب!.
ربما باتت المشكلة أكثر تعقيدا الآن، رغم أن ما يحدث اليوم لم يكن خافيا عن التوقع في الأعوام الماضية التي وقف فيها الجميع يقرأ الإرهاب بلغة، ويكتبه بلغة أخرى، كما لو كانت القضية مجرد مجاراة هوس العصر الأمريكي، الذي أكد لأبنائنا كم هي رخيصة حياة الإنسان العربي المسلم، وأنه ليس بالضرورة أن يكون إرهابيا ليقتل، فقد تدرب رجال المارينز أن يطلقوا الرصاص في كل الاتجاهات كي يسلموا.. مثلما علمنا التاريخ أن ( لا يقتل جلجامش الا جلجامش نفسه).!
قبل أكثر من عام كتبت تحليلا مطولا حذرت فيه من أن العناصر المتشددة داخل المملكة لم تشهر الراية البيضاء بعد – حتى وإن بدت العكس- وستسعى قريبا إلى بناء خلايا تنظيمية معقدة من شأنها مفاجأة الحكومة إذا ما فكرت ذات يوم بالإيعاز لأجهزتها الأمنية لفتح أبواب جبهة الحرب لاستئصال الإرهاب، ونصحت بخيارات مبكرة تحول دون تمكين المتطرفين من بناء تلك الخلايا .. إلا أن ما استنتجه آنذاك قد وقع فعلا ازدادت المشكلة تعقيدا.
أعتقد بقوة أن معظم النخب السياسية القيادية في عالمنا العربي قلّما تطالع الصحف والدراسات الاستراتيجية، وربما ينظرون إلى أقلامها بتعالي باعتبار الكاتب فئة اجتماعية دنيا، محدودة الدخل، وهو الأمر الذي ترتب عنه انتكاس نظم الحكم، وتراجع مستويات مهاراتها السياسية جراء انعزالها عن مفكريها ومثقفيها.
لاشك أن المناخ العالمي يتجه بخطابه عن الإرهاب، صوب عوامل ثقافية واقتصادية واجتماعية وغيرها مما يتم تداوله في المحافل الدولية، إلا أن الغريب هو أن الجانب التطبيقي يجري بمنأى عن كل تلك الأدبيات المنطقية، في ظل تراشق الاتهامات بين الحكومات، والبحث دائما عن كبش فداء جاهز لحمل تبعات الحدث.
بالأمس كانت الولايات المتحدة تتهم نظام صدام بالإرهاب، واليوم نحن جميعا نتهمها بالشيء نفسه، أما المملكة فقد ظلت لأعوام تتحدث عن عبور الإرهاب إليها عبر حدودها مع اليمن، وأولت هذه المسألة تفكيرا مليا قادهاإلى "جدار فاصل" على امتداد تلك الحدود، ثم كثفت تعاونها مع صنعاء أمنياً، حتى أصبحت التصريحات متفائلة وواثقة من مخرجات ذلك التعاون، ومع ذلك شهدت المملكة أعنف موجات عنف في تاريخها هذا العام.
يبدو جلياً أن العالم يكافح الإرهاب بغير أدواته الحقيقية، ومقوماته البيئية الخاصة، وظروفه الدولية، لذلك فهو ينمو ويستشري في كل مكان من العالم.. ولعل المثير في الآمر أن الولايات المتحدة التي تقود الحملة الدولية على الإرهاب أصبحت كما العميل المزدوج- فهي تضرب الخلايا المتشددة وتقضي عليها في نفس الوقت الذي تشجع- بأفعالها وأساليب عملها- ولادة تنظيمات بديلة عنها، ممن يرون وحشية المغامرات الأمريكية، ومدى استهتار قواتها بالأرواح البشرية، وبمقدرات الحياة الإنسانية للمجتمعات الإسلامية.
هناك من يؤمن أن الجبناء لا يمكن أن يثأروا لأنفسهم وأوطانهم، ولكن يثور فجأة من يظلم أو يذبح من الوريد إلى الوريد، وهذه الحالة ليست بأيدي السعودية أو غيرها لمنع قلوب الناس وأحاسيسهم من التفاعل مع واقع ما يدور حولهم من مشاهد يومية دامية، وظلم لايجاريه شيء في مآسيه.
أن الإرهابيين في العالم العربي والإسلامي لم تلدهم أمهاتهم على تلك الشاكلة، بل أنهم اكتسبوا مهارات العنف وقسوة القلب من مدارس التدريب المفتوحة الميادين لحروب سيد البيت الأبيض المفتون بمسميات "هوليوود" التي يطلقها على عملياته الإبادية مثل ( الاناكوندا) و ( الرعد الحارق) و( ثعلب الصحراء) و( القبضة الماحقة) .. وغيرها مما ظلت تروج له الفضائيات الغربية، وتسرد تفاصيله صحافتها الحريصة على تعزيزها بصور تعذيب السجناء، واغتصابهم، وانتهاك أعراض النساء، والترهيب للأطفال عند مداهمة البيوت وسرقة نفائسها في وضع النهار وأمام أصحابها، ناهيكم عن مشاهد القصف السجادي للمدن ومساواة بيوتها بالأرض فوق ساكنيها.. الخ
حتما أن تلك الممارسات كانت المدرسة التي يتعلم منها الإرهابيون قسوة القلب، ووحشية الإبادة الجماعية، وبالتالي أصبحت مهمة مكافحة الإرهاب في عالمنا تقتضي أولا إيقاف ثقافة العنف المسوّقة عبر الشاشات والصحف من ميادين حروب المار ينز الأمريكي.. فذلك من شأنه أيضا إيقاف شحنات الحقد والانتقام المتبلورة عنها.
أعتقد أن الهجوم على بعض المؤسسات الأمنية في المملكة العربية السعودية لا ينبع من ضعف تلك الأجهزة، بقدر ما يترجم انتقاما من قوتها التي منعت الإرهابيين من بلوغ الأهداف الأجنبية التي يرومونها بفارغ الصبر.. لكن هذا لا يمنع الأشقاء السعوديين من مراجعة الحسابات، وقراءة الأحداث بمنطق العقل والتحليل للوقوف على إجابة موفقة على السؤال: يا ترى إلى أين انتهت حلول القوة الأمريكية الخارقة في مكافحة الإرهاب ؟ وأي بدائل متاحة بوفرة في المملكة ولم نجرب استخدامها بعد!؟




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر