المؤتمرنت -عبدالله المعافري -
الحياة الثقافية والعلمية في زبيــد
تاريخ المدن عادة يرتبط بثلاثة أمور رئيسية الأول جغرافية المكان وتضاريسه والثاني البيئة الطبيعية المحيطة بالمدينة والثالث لا يقل أهمية عن العنصرين السابقين وهو عنصر فعال بالنسبة للمدن إنهم السكان.
وزبيد واحدة من المدن التي تضافرت العناصر الآنفة الذكر في تشكيل ملامحها الجمالية العمرانية ونوع العلاقات القائمة بين الناس وبالتالي عاداتهم الاجتماعية في الحياة اليومية ولحظات الفرح ولحظات الحزن.
كذلك الأمر بالنسبة لطبيعة البشر النفسية الراغبة دوماً في العطاء وبذل المعروف للأتي وابن السبيل والأهم من هذا كله أن أبنائها يقبلون التعايش مع من يفد إليهم ويرغب بالبقاء الدائم فسرعان ما تحتويه المدينة لأن أهلها استوعبوه أولاً في قلوبهم تماماً كسهل تهامة الشاسع وقد بسط كفيه بالعطاء الوافر لكل سائل أو جائع. إذاً فطبيعة البشر تعكس طبيعة المكان الذي تتجسد كل تضاريسه ومناخاته في أشكال الناس وطبيعتهم النفسية والجسمانية، هذا كله من جهة شكل بعض من ملامح تاريخ المدينة، ومن جهة أخرى علاقتها بالبحر الذي يزودها بجزء وافر من أقواتها مقابل حملها مسئولية تزويد البحارة بما يحتاجونه من مئن وماء وغير ذلك لذا فالمدينة جبلت على العطاء والتسامح، وتاريخها يمكن القول أنه صورة لحالة البحر والسهل والبشر.
فالبحر أحياناً صاخب مضطرب وأحياناً أخرى هادئ ساكناً معطاءً والسهل مترامي شاسع شديد الحرارة لكنه كثير العطاء فمن مطرة واحدة يجني البشر محاصيل وفيرة ودسمة وكذا الأمر بالنسبة للبشر وديعون مسالمون كالحملان لكنهم إذ استبد بهم الشعور بالظيم يتحولون براكين مدمرة.
ونتيجة لهذه الأسباب فتاريخ زبيد تاريخ مضطرب وخاصة منذو بزوغ فجر الدويلات الإسلامية في اليمن إذ مرت بالمدينة زوابع الصراعات السياسية. طوال ذلك العصر يبزغ نجم دولة الزياديين أولاً مرحلة من الدهر فيأفل نجمهم ويبزغ نجم موالييهم النجاحيين فيأفل وهكذا حتى يأتي عهد الأيوبيين ومن بعدهم بني رسول والعجيب في الأمر أن المدينة تخرج من كل صراع سالمة وكأنها تنحني أمام زوابع الصراع السياسي كبحار ماهر يقظ يحني قامته كلما داهمته موجة عاتية.
ثم يعود ليصلب قامته مرة أخرى كذلك الحال بالنسبة لزبيد مدينة العلم وحاضنة العلماء. لا زلت أذكر الكثير عنها منذ تفتق وعي على هذه الحياة.
من أحاديث الناس في قريتي وهم يتحدثون عن الحاج سيف، ذلك العالم الجليل رحمه الله الذي ترك القرية وترك الأرض لأخوه الأكبر ( الحاج عبدالله فارع) وتفرغ للعلم عند ما عزم السفر إلى زبيد لينهل من بحر علومها الفياض وقبله أبن عمه( محمد الحاج) رحمة الله عليهم أجمعين كل هذه الحكايات كان يناقلها الناس باعتزاز وأكبار لأصحابها لأنهم، أصبحو في زمانهم أعلم الناس بالحلال والحرام واشتهروا بالزهد والتقوى والورع نتيجة مكثهم في زبيد لطلب العلم، ومنهم من فضل البقاء بها بعد أن وصل إلى مرتبه علمية رفيقة أهلته للانضمام إلى صفوف العلماء فمكث بها يعلم الناس ويبحث ويؤلف الكتب والمصفات وبعد هذه الاطلالة على المدينة وأهلها وعظيم فضلها على الناس خاصة طلبة العلم منهم فقد أن آوان الحديث عن المدينة الخالدة في ذاكرة الآزمنة والامكنة إلى يومنا هذا وإلى ما شاء الله سبحانه.
وعن عصرها الذهبي إبان الفترة الرسولية ( الدولة الرسولية) في اليمن تلك الفترة الذهبية بالنسبة لليمن أيضا إذ تميز العصر الرسولي باالاستقرار السياحي والرخاء الاقتصادي والتقدم والأزدهار العلمي والثقافي تألقت خلاله زبيد تألقاً غير مسبوق إذا آنه لم يحدث من قبله ولا بعده بالنسبة للمدينة ويعود إزدهار الدولة الرسولية وبالتالي الوضع العام في اليمن وتحقيق وحدته كاملة تحت لواء هذه الدولة التي حكمت حتى مكة المكرمة قبلة المسلمين لإسباب عدة أهمها:
1- أن مؤسسي الدولة الرسولية إمتازوا عن غيرهم بالثقافة الواسعة بل أن بعضهم كان لهم اهتمامات علمية بحتة ومتخصصة.
2- إشاعتهم لجو من التسامح الديني ولو في حده الأدنى.
3- اهتمامهم بالعلوم بمختلف فروعها.
4- قبولهم للنقد من كبار رجال الفكر الديني وبا الاخص المتصوفة أمثال ( أحمد بن علوان) رحمه الله.
5- انفتاحهم على العالم الخارجي وإقامتهم علاقات سياسية وتجارية ناجحة ومتطورة خاصة مع دول شرق آسيا مثل اليابان، الصين، وغيرها من الدول.
6- اهتمامهم بالتجارة والحرف وتطوير المواني وتوسعتها مما زاد من دخلهم القومي وبالتالي توضيفة بشكل أيجابي رفيع.
7- يمكن ملاحظتة في النتاج الكبير من لمدارس العلمية لدرجة أن بعض أميرات البيت الرسولي أنشأن مدارس وأجرين للعاملين فيها من رجال العلم والمتعلمين رواتب شهرية بالاضافة إلى المساجد الملحقة بها والمساكن الخاصة بطلبة العلم وهذا كله صب في آخر الآمر وشكل دولة قوية بل دولة حديثة بمقاييس هذا العصر.
* الحياة العلمية في زبيد
يعد الجامع الكبير في زبيد من أهم المدارس العلمية التي كانت مشاعل للفكر في جميع الفنون والعلوم وأهمها.
القرآن وعلومه، والحديث وأسانيده ومصطلحه والفقه وأصوله وفروعه، واللغة العربية وآدابها، وشتى العلوم ومن أشهر مدرسيه.وخطبائه ومحديثه ومرشيديه علماء فطاحل: العلامة أبو الفتوح بن أبي عقاقة المقافة التغلبي في علم القرآن والفقه، وكان عالما ومجودا وله عدة مؤلفات منها كتاب التحقيق وكتاب الخبائي ( الخبايا)
والعلامة محمد بن عبدالله بن ابي عقاقة الحفائي ولي القضاء بزبيد في العهد النجاحي، والعلامة الحسن بن محمد بين ابي لمقامة، وكان خطيبا للجمعة واليه تنسب الخطب العقامية التي كان يرتجلها، وله كتاب جواهر الاخبار وملح الاشعار، وكذا أبو بكر بن عبدالله بن أبي عقاقة، والقاضي / عبدالله بن محمد ابي عقاقة التغلبي ولي القضاء بزبيد وتفقه على فقهائها في التفسير والحديث وكان بنوعقاقة من ابرز علماء عصرهم وبهم انتشر المذهب الشافعي بزبيد، وقال بعضهم معتز بنفسه.
نتمني ربيعة في تغلب ومن تغلب في بني الارقم
ويجدر الاشارة إلى أن الامام الشافعي كان قد وصل إلى زبيد إبان الحكم الرسولي فمكث فيها فترة من الزمن تم تركها بعد أن أخذ عنه علماء زبيد ذلك المذهب وبدأو بتدريسه لطلاب العلم.
ومن علماء المسجد الكبير بزبيد ايضا علي بن حسن البشري ولي القضاء بها بعد بني عقاقة والعلامة على بن ابراهيم الزيلعي، والعلامة عياش المخزومي وغيرهم كثر.
* مسجد الاشاعر
الذي أسسه أبو موسى الاشعري فور عودته من مكة بعد أن أسلم في بداية العام الثامن الهجري وقد أجريت له توسعات كثيرة في كل الفترات وما يهمنا هو دوره العلمي واحتضانه حلقات العلم والتنوير.
وكان للمسجد محراب كبير للصلاة وتتوسطه حلقات العلم وقراءات الأمهات الست، ومحراب صغير في الجهة الشرقية للطريقة (الجيلانية) ومحراب في القرب للطريقة النقشبندية. مما يوحي بنوع من التسامح الذي ساد إبان الحكم الرسولي فشاعت الطرق الصوفية المختلفة ومما يجدر الإشارة إليه أن الشيخ احمد بن علوان كان قطب الصوفية في اليمن آنذاك ونذكر أن أباه كان موظفاً في بلاط الملك عمر بن علي بن رسول الملقب بالملك (المؤيد) لكن ابن علوان رفض أن يكون موظفاً واتجه للتصوف وكثيراً من الأوقات وجه نقداً لاذعاً للسلطة الرسولية خاصة في السنوات التي تكون فيها الغلال شحيحة والضرائب مرتفعة على الرعية.
إذ يقول في إحدى قصائده المشهورة الموجهة للملك الرسولي عار عليك قصور مشدة وللرعبة دور كلها دُمن.
وكان قد اتخذ من (يفرس) مقراً دائماً له ولم تنله يد الرسوليين بالبطش رغم حدة نقده لهم. وهذا يدل دلالة واضحة على مدى سعة صدورهم واستفادتهم من النقد البناء عكس الانظمة العربية اليوم بشكل عام التي تصم إذانها عن الإنصات إلى الحقيقة كذلك كان يوجد غرب مسجد الأشاعر مقصورتان للطلاب، ومقصورتان للكتب العلمية والمصاحف القرآنية. وغرفة لحفظ الغرش، ومقصورة للنساء.
ولا تزال حلقات العلم تقام في هذا الجامع إلى يومنا، هذا ومما يجب أن أشير إليه أنه كان في مساجد زبيد إبان حكم الرسوليين من العلماء من يصلون الفجر على وضوء العشاء إذا كانوا يمسون يتلون كتاب الله سبحانه ويقومون الليل سجداً ركعاً تتجافى جنوبهم عن المضاجع.
تقام قراءة صحيح البخاري فيه ابتداء من 21 جمادى الثانية من كل عام إذ يقرأه العلماء ويشرحونه لطلاب العلم وعند الانتهاء منه يقام حفل كبير يحضره العلماء وبحثهم بقصيدة للعلامة ابن العلاء علي بن آيبك الدمشقي الصفدي رحمه الله تعالى وتغمده برحمته، مطلعها:
هذا البخاري بحمد الله قد ختما وليس فيه حديث واحد كتما
لكن قرأناه أبوابا مبوبة مملوءة أدبا موفورة حكما
وقد قرعنا به الأسماع فانفتحت من يعد ما ملئت من قبله صمما
وأصبحت كل عين من بصائرنا للحق مبصرة ليست تخاف عمى
هذا الكتاب الذي نرجوا الشفاء به هذا الكتاب الذي للداء قد حسما.
ومن العلماء الأجلاء الذين تولوا التدريس والإمامة بمسجد الأشاعرة كثيرون جداً نذكر منهم
العلامة أبو قرة موسى بن طارق اللحجي الزبيدي المتوفي سنة 203 هجرية والعلامة محمد بن هارون التغلبي، والعلامة عياش المخزومي والعلامة احمد ابن ابي بكر الحطاب المتوفي (820 هجرية) والعلامة عبدالله بن أبي بكر الحطاب المتوفي سنة 894هـ,
* مسجد الطواشي: (المشهور بمسجد الرهائن)
عمره الطواشي جوهر الرضواني أحد أمراء بني رسول وهو تابع للوقف الكبير ويقع شرق الجامع الكبير بجوار منازل الحوائجي بربع الجامع إما شهرته بمسجد الرهائن فتعود لنظام الرهائن الذي عمل به الأئمة حتى قيام الثورة عام 1962م نكتفي بهذا القدر البسيط مما ذكرناه من المساجد الهامة في زبيد ثم نعرج على مدارس زبيد ونذكر أهمها.
أيضاً. ومن هذه المدارس المدرسة التاجية الأولى للفقه (وتشتهر حالياً بمسجد الحوائجي) أسسها تاج الدين بدر بن عبدالله المظفري خادم الحرة زوجة الملك المظفر عمر بن رسول. درس بها العلامة أبو علي عبدالرحمن بن عبيد بن احمد بن سعود بن عليان بن هشام الترقمي تولى القضاء بزبيد واستوطنها بعد ان تخلى عن القضاء وأخلد للتدريس توفي سنة 722 هجرية ودرس بها أبو بكر بن عبدالله الريمي تفقه على علي قاسم الحكيمي المتوفي سنة 680 هجرية ودرس بها علماء أجلاء من آل الناشري.
* المدرسة التاجية الثانية تقع بجوار سوق الحدادين درس بها أبو بكر جبريل والعلامة محمد بن علي المقري، والعلامة احمد بن عثمان بن بصيص في علم الفقه والنحو والحديث والتفسير والمعاني والبيان والمنطق والعلامة أبو الحسن علي بن عبدالله الزيلعي المعروف بالفرضي أخذ عن الإمام احمد بن موسى عجيل واحمد بن سليمان الحكمي.
· المدرسة التاجية الثالثة للقراءات السبع:
يقول الخزرجي أنها في سوق المبردعين الذين يصنعون البرادع عندها وتعرف بمدرسة القراء. بناها تاج الدين بدر بن عبدالله المظفري وأوقف عليها وقفاً عظيماً وجعلها مدرستين إحداهما للقراء والأخرىء للحديث درس بها الفقيه الفاضل أبو الحسن بن علي بن عبدالله الزيلعي الفرضي اشتهر بذلك لأحكامه في علم الفرائض والحساب وكان مشاركا في العلوم الدينية توفي سنة 714هجرية.
وفي عهد الملك المجاهد الرسولي كان الفقيه أبو الحسن بن علي بن صالح الحضرمي عالماً محققاً إذ يذكر صاحب طبقات الخواص الشرجي أنه كان ناهياً عن المنكر على الملك ففي يوم من الأيام صادف أن خادماً من خدم الملك المجاهد الرسولي دخل المدرسة التاجية المعروفة بمدرسة القراء. وكان الفقيه مدرساً بها فرت مع الخادم شيء من آلات اللهو يحمله في ثوب من الحرير قاصداً به السلطان وهو جالساً في المنظرة بدار السلطان بجوار المدرسة المذكورة فلم يتمالك الفقيه نفسه فأخذ العود من يد الخادم وضرب به الجدار فبلغ ذلك الملك فسجد شكراً لله وقال الحمد لله الذي جعل في زماني من ينكر المنكر على الملوك ولا يبالي.
· المدرسة الفاتنية:
أسستها جهة فاتن ماء السماء بنت الملك المؤيد الرسولي وهي بالقرب من باب سهام ولها سبيل أمام باب سهام يسمى السبيل الفاتني وآخر في طريق النخل بوادي زبيد، ومسجد الزبدة وسبيله، وأوقفت على كل ذلك وقفاً يقوم بكفايته.
ورتبت فيها إماماً ومؤذنناً ونزحاً للماء ومصلى وأيتاماً يتعلمون القرآن وغيره من المعارف وأوقفت على الجميع ما يقوم بكفايتهم، وتعتبر الحرة فاتن من النساء الجليلات الشريفات القادرات على تحمل المسؤولية تحب الخير وتعمل من أجله وكانت محط إعجاب أخيها الملك المجاهد توفيت 768 هجرية هذا فقط النذر اليسير من جوانب الازدهار الثقافي والعلمي لمدينة زبيد إذ بلغت أوج ازدهارها العلمي في ذلك العهد عهد بني رسول الزاهر الذين أسسوا دولة ملات أسماع وأبصار العالمين وكانت صفحة ساطعة من صفحات تاريخنا الإسلامي المشرق.
قائمة المراجع:
1- العقود اللؤلؤية للخزرجي ج1، ج2
2- زبيد مساجدها ومدارسها.
عبدالرحمن الحضرمي- طباعة المركز الفرنسي للدراسات اليمنية.
3- تاريخ الدولة الرسولية مؤلفه مجهول.