الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:07 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء

استهلها(الماس) خيل الرئيس

الأربعاء, 26-يناير-2005
المؤتمر نت - الكابتن محمد القملي - مدرب النادي اليمني للفروسية تحقيق - نزار العبادي -
الفروسية.. أسرار تخطف صنعاء ، ورهان الأثرياء
عالم يزخر بالأسرار، ويسرد التاريخ من على صَهوة الخيول.. ربما توارى في زحمة الانبهار، إلا أنه ينبعث اليوم ليجيب فضول سؤالنا: لماذا سُميت الفروسية بـ(رياضة الأثرياء)؟ وما قصة الخيل الذي امتطاه الرئيس علي عبدالله صالح؟ وما حكاية الشيخ الهائم حباً بالخيول؟ ويا ترى أين توارث خيول اليمن الأصيلة، وكيف استوى واقع الفروسية في بلد طالما وصفوه بـ(مهد العروبة)!؟
أسئلة كثيرة ترتجع مع أول صهيل يتهادى على عتبات نادي الفروسية بصنعاء، الذي قصدناه لنميط النقاب عن وجه عالم الأسرار، والحكايا، والتاريخ.. وتراث العرب الأصيل- الخيول- التي ما انفكت تثير النقع في مضمار رحب ، يرسم في الأذهان ميادين الملاحم، وصليل السيوف، وبيارق التوحيد ، ومجد العرب التليد.. أليست هي الخيل "معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة"! وهي من حملت أسفار الأمم، وخطَّت بحوافرها سِيَر الفرسان والعظماء والمشاهير!

* خيول اليمن تتوارى !
رغم أن اليمن موصوفة بأنها "مهد العروبة" وأصل العرب، كان غريباً أن يكون نصيبها من الخيول ضئيلاً لا يكاد يُقارن بسواها من دول الجزيرة والخليج العربي.. فاليمنيون -عبر التاريخ- اقترن الخيل بتراثهم، وتأصّل في تقاليدهم- ليس في الأسفار والحروب وحسب، بل جرت العادة قديما أن تُزف العروس إلى بيت زوجها على ظهر الخيل ، كنوع من التكريم لها والاحتفاء بمَقدمها.
وللخيل حضور كبير في الموروث الشعبي الثقافي اليمني، فقد وردت في المثل الشعبي رمزا للأصالة والكرامة، كما في قولهم: (عز الخيل صُبولها)- أي بوجودها في الإسطبل، كما وردت رمزا للشيء النفيس، في المثل القائل: (دجاجة الدولة فرس)، وغيرها، كما مثلت الخيل عنواناً للوجاهة ، والمكانة الاجتماعية ، وللكرم أيضاً .. ولكن السؤال أين توارت الخيول اليمنية!؟
يعتقد الكابتن محمد القملي – مدرب خيول نادي الفروسية، وأبرز فرسان اليمن- " أن المشائخ والمواطنين قبل حوالي 50-60 عام كان أغلبهم لديهم خيول، إلا أنه بعد قيام ثورة سبتمبر عام 1962م أخذت القوات المصرية التي كانت تدعم الثورة اليمنية بترحيل أعداد كبيرة من الخيول إلى مصر على ظهور البواخر برفقة القوات المنسحبة، حيث كانوا يستخدمونها في المعارك في المناطق الوعرة، مما أدى إلى تناقص أعداد السلالات الجيدة منها".
إلا أن الشيخ حمد فنيس- صعدة- يضيف سبباً آخراً، إذ يقول أنه: "حدث إقبال كبير من قبل دول الجوار، والخليج على شراء الخيول اليمنية، وكانوا يدفعون مبالغ كبيرة ومغرية، مما دفع أصحاب الخيول إلى بيعها- خاصة- وقد بدأت تنتشر السيارات بمختلف أنواعها، ولم تعد في البلاد حروب مثل الأول ليحتاج الناس للخيول.. فالحاجة لها قلت".
يقدر الكابتن القملي أعداد الخيول المتبقية في اليمن بـ(1000- 1200) خيل. أما الذين يرعونها فهم قلائل جداً. فالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب – يمتلك حوالي (60) خيلا، معظمها من سلالات يمنية توارثها أباً عن جد مثلما توارث الحب لها ولركوبها. وهو لا يبيع منها إطلاقا لكنه أحيانا يهدي منها المشائخ وشخصيات من دول عديدة تربطه بهم علاقات حميمة.

* عودة .. على صهوة (الماس)
ويبدو أن عودة اليمن للاهتمام بالخيول وتشجيع الفروسية لم يكن بالأمر السهل، فقد تطلب ذلك توجيها ورعاية رئاسية مباشرة من لدن الرجل الأول في الدولة الرئيس علي عبد الله صالح، تمخض عنه إنشاء (النادي اليمني للفروسية) بصنعاء، الذي قدم له الرئيس (13) خيلا هدية، فيما خصصت له وزارة الشباب والرياضة مبلغ (5) خمسة ملايين ريال كميزانية سنوية.
ويُعتبر الرئيس علي عبد الله صالح من أبرز عُشاق الفروسية في اليمن، وكان ظهوره عام 2001م في وسائل الإعلام وهو يمتطي صهوة أحد الخيول إيذاناً ببدء عهد حقيقي لرياضة الفروسية في اليمن. إذ أعطت تلك اللقطة دعما معنويا- خاصة للشباب- للتوجه نحو ركوب الخيل.
فالرئيس لديه في دار الرئاسة حوالي (30) خيلا من سلالات يمنية وعربية أصيلة وجميلة ، ويشرف على تدريبها ثلاثة من أفضل فرسان الجمهورية ممن تلقوا تدريباتهم على يدي الكابتن محمد القُمّلي. أما الخيل التي ظهرت برفقة الرئيس فاسمها: (الماس) ، وقد قدمتها كلية الشرطة هدية لفخامته بداية عام 2001م - في وقت لم يكن عمر (الماس) فيه سوى ثلاثة أعوام، كان خضع خلالها لتدريب القملي، واشترك ببطولة الجمهورية للعام 2000م.
وبحسب الكابتن القملي - فإن (الماس) من الخيول اليمنية الأصيلة، وينحدر من أب كان يُعد من أفضل الخيول في اليمن، ويوجد لـ(الماس) خيل الرئيس أخ من أبيه في النادي اليمني للفروسية. ويذكر القملي: أن رئيس الجمهورية يُولي الفروسية عناية خاصة، فقد وجَّه بدعم أصحاب الخيول ومساعدتهم في الحفاظ عليها وتكاثرها، وكذلك تقديم المعدات للفرسان مجانا كهدايا، وهو الأمر الذي حظي برعاية وزير الشباب والرياضة عبد الرحمن الأكوع وإشرافه المباشر على تنفيذه.

* رياضة الأثريــاء
لكن الفروسية ليست كأية رياضة أخرى، فهي الموصوفة بـ(رياضة الأثرياء)- نظرا لتكاليفها الباهضة. يقول القملي: أن لدى النادي اليمني للفروسية (60) خيلا، تُقدر مصاريف الخيل الواحد منها بأكثر من مليون ريال يمني ، لكون جميع الأدوية والعلاجات يتم استيرادها من الخارج، مما يجعل الدعم المقدم من قبل وزارة الشباب والرياضة أقل من الاحتياج بكثير، مشيرا إلى أن الواردات التي تدخل للنادي لا تكاد تغطي مصاريف الخيول ذاتها.
ويضيف: تكاليف الفروسية كبيرة لأن الخيول تتطلب مصاريف سكن، وطعام وشراب، وعمال، وعلاج، فضلا عن أن الفارس ايضا يحتاج إلى ملبس خاص، ومعدات معينة جميعا ذات أسعار باهظة. ويبدو أن من أطلق على الفروسية لقب (رياضة الأثرياء) كان محقا تماما، فأسعار الخيول تكاد تقترب من عالم الخيال، إذ أن الخيل الذي يجيد قفز الحواجز يتجاوز سعره (100) مائة ألف دولار أمريكي- حسب الكابتن محمد القملي- الذي يذكر ايضا أن خيل الفارس السعودي خالد العيد الحائز على المركز الثالث في (سدني)، ويعد من أفضل فرسان العرب، تقدر قيمة خيله المسماة (الرياض) بـ(300) ألف دولار أمريكي حين اشتراها، واليوم بدفعون له فيها (3) ثلاثة ملايين يورو، كونها خيل تشارك في الأولمبياد تقفز الحواجز العالمية فوق ارتفاع (1.40) متر.

* تقليعة الشباب.. فروسية!
أما من حيث الإقبال على الفروسية، فيقول القملي أنه: "جيد لكن المشكلة في الاستمرار، فالذين يستمرون قليلون نظراً لكون البعض يرى إمكانية الاشتراك صعبة، رغم أنها مُسهّلة قياسا إلى أي مكان آخر في العالم". ولكن هناك إقبال مثير للإعجاب من جهة زوار النادي غير الدائمين. فقد قدر وليد النجار- موظف التذاكر لركوب الخيل- عدد التذاكر التي يبيعها ما بين (1500-2000) تذكرة يوميا في الأعياد والعطل والإجازات.
فيما ظل الملفت للنظر حقا في محبي ركوب الخيل، هو أن هذه اللعبة لم تعد حكرا على الذكور وحدهم، إذ يذكر النجار: "أن نسبة الذكور 70%، فيما تبلغ نسبة الإناث ممن يركبون الخيل 30%. ومن حيث الأعمار فإن معظم الذكور دون سن 40 عاماً، بينما لا تتعدى أعمار الإناث 30 عاما كحد أقصى".


* وللفروسية مشاكلها أيضاً
الفروسية في اليمن تعيش مشاكلها الخاصة.. فالاتحاد اليمني للفروسية تم تجميده بقرار وزارة الشباب والرياضة إثر خلافات بين أعضائه، ولن يستأنف نشاطه حتى يتم تعيين إدارة جديدة. في الوقت الذي يواصل النادي اليمني للفروسية تنظيم بطولات داخلية تشترك فيها الكليات، ويقيمها على نفقاته وإمكانياته المحدودة جداً.
من جهة أخرى، فإن جميع الخيول اليمنية غير مسجلة في بريطانيا لدى المنظمة الدولية (الواهو) المتخصصة بالخيول العربية، وتمنحها شهادة يحق لها بموجبها المشاركة في الأولمبياد وأية سباقات عالمية- باستثناء خيل واحد فقط يعود للشيخ حاشد عبد الله الأحمر يحمل شهادة دولية.
يقول القملي: "يجب أن يأتي فريق من المنظمة العالمية (الواهو) إلى اليمن بموجب استدعاء رسمي ليقوم بأخذ عينات من الدم، ويسجل مواصفات الجسم من طول ووزن وعيون وصدر وغيرها مما يقاس عليها صلاحية تسجيل الخيل من عدمها".
ويؤكد: "لدينا في اليمن خيول من سلالات غير موجودة في أي مكان من العالم، ولكن للأسف ليس هناك من يسجلها في المنظمة العالمية ليتسنى لها المشاركة في السباقات الدولية". ويضيف القملي مشكلة أخرى تعترض الفروسية اليمنية، وهي: " أن اليمن لا تمتلك خيول القفز، الأمر الذي يضطر الفرسان اليمنيين عند المشاركة في سباقات خارجية إلى استعارة خيول بالإيجار"، معتبراً ذلك سبباً رئيسياً في إعاقة التنافس.
ويبرر ذلك قائلاً: "بطولة القفز مكونة من شرطين هما: الفارس والفرس، وبالتالي فالذي يشارك بخيل مستعار ينزل مستواه بنسبة 50 بالمائة، وهكذا يصبح من الصعب الحصول على نتيجة مشرفة للبلد.. فالحُكام الدوليين يشيدون دائماً بالفرسان اليمنيين، ولكن ما الفائدة! لكي نشارك باسم اليمن، ونرفع علمها يجب أن نمتلك الخيول الخاصة بنا، والمدربة على أيدينا مع فرسانها. وهذه الخيول ليس بمقدور أحد شراؤها سوى الدولة لأنها باهظة الثمن جداً".

* شيخ متيم بحب الخيول
وكما ذكرنا في البدء: أن الفروسية عالم يزخر بالأسرار، ولا شك أن للأسرار رجال تفقهها، وتحترف فك طلاسمها، ولعل الشيخ حاشد عبد الله بن حسين الأحمر أعظم أسرار الفروسية في اليمن قاطبة. الشيخ حاشد الأحمر رجل من بقايا عالم الفرسان.. فهو متيم بحب الخيول كما لو أنه ورث عشق آبائه وأجداده الذين امتطوا صهوات خيرة الجياد الأصيلة، وكتبوا بحوافرها فصولا من التاريخ اليمني المجيد.. وهو – أيضاً - اليمني الوحيد الذي يمتلك خيلا مسجلة في المنظمة العالمية (الواهو)، وفي الوقت الحاضر يكرس جهده للتواصل مع المنظمة من أجل تسجيل بقية الخيول اليمنية الأصيلة- ولو على حسابه الخاص!
عندما دخلنا المكتب الخاص بإدارة تدريب الخيول في نادي الفروسية، كانت بصمات الشيخ حاشد أضفت لفضاء المكتب ثراءاً عظيماً، فقد أخبرنا الكابتن القملي أن كل ما حولنا قدَّمه الشيخ هدية للنادي، حتى السروج المُذهبة أبى إلا أن يشتريها من متاجر (هارتز) في لندن - التي كان يملكها محمد الفايد رجل الأعمال الذي قتل مع الأميرة ديانا- وكان أقل سرج منها لا تقل قيمته عن 2000 دولار. وهو لا يكتفي بشراء معدات الفروسية المختلفة، بل يُفضِّل رعاية الخيول بنفسه، إذ يتردد عليها من حين لآخر، وينظفها، ويطعمها، ويرعاها كما لو أنها بعض أصدقاءٍ حميمين للقلب.. فيعرف أصولها وسلالاتها ويقرأ التعابير في عيونها.

الكابتن محمد القملي لم يجد ما يذكره في آخر اللقاء غير أن يقول: "أدعو الناس أصحاب الإمكانيات إلى أنه هناك شخص اسمه حاشد عبد الله الأحمر يبذل مصاريف غير عادية على الخيول، من حبه للفروسية ؛ وهو يرعاها بنفسه ونتمنى أن يفوز النادي بأمثاله من الفرسان المهتمين بالأصالة والتراث".

* لماذا تردد أمهر الفرسان؟
يُعد الكابتن محمد القُمّلي أمهر فرسان اليمن ممن تدرب على يديه أغلب الفرسان اليمنيين – بما فيهم المدربين في كلية الشرطة ورئاسة الجمهورية.فقد شارك في بيروت منافساً 30 فارساً آخراً ، فاحتل المركز التاسع لأنه كان ينافس بخيل مستعار- فكانت النتيجة موضع استغراب الآخرين. وفي عام 2003م تردد الكابتن محمد في المشاركة بالمنافسات الدولية ..
فقد كان يرى الخيول المستعارة لا تشجع على المنافسة ، ولا تؤهل لكسب نتيجة مشرفة لليمن ، إلاّ أنه لم ير بُداً من ذلك فدخل السباق وأحرز المركز السادس..
إلاّ أن الحسرة ظلت وحدها من تلوذ في أحشائه وهو يتحدث لنا – كما لو أنه فارس مكلوم بجراحات ثخينة !

* أسماء وفضائل
يقيناً أن عالم الفروسية دُنيا تملؤها الأسرار والغرائب والمُتع..وربما لايعلم البعض أن للخيول أسماء تُدعى بها ، مثل :"الميمون" ، " كحيل " ، " الطواف " ، "الصقر" ، "الذهب" ، و "الماس" – الذي هو خيل رئيس الجمهورية. هكذا أخبرنا صالح العزي – أحد أعضاء النادي – الذي يؤكد أن الخيل يعرف إسمه ، ويستجيب إذا ما أحد ناداه ، وأن العلاقة التي يرتبط بها الفارس بخيله علاقة مودة وإخلاص وحب متبادل ، لذلك اقترنت الخيول الأصيلة بوجاهات القوم ، والأبطال ، والعظماء ممن يقدرون إحترامها ، ويمنحوها حقها في الرعاية .
ويضيف العزي : " ليس كل شخص يصلح أن يكون فارساً ، فالفروسية ليست خيل وحسب ، بل شجاعة ، وشهامة ، وأخلاق ، وتتطلب من الفارس مهارة فائقة في كيفية التعامل مع الخيل وغرس علاقة حميمة معه ، فتلك هي فضائل الفروسية في كل مكان ، ولكن العرب أدرى الناس بها ".

* وما زال الأمل ينبض
الفروسية في اليمن مازالت عمل ينتظر جهد كبير، ودعم أكبر كي تحظى بعنوان في ميادين الرياضة، ولعل القائمون عليها يتطلعون من الراعي الأول- الفارس علي عبد الله صالح- دعمهم بخيول القفز، ومدربين أجانب، ودورات خارج القطر يتزودوا منها بالخبرة الأفضل، والتجربة الأكمل..وذلك هو نبض جميع أعضاء النادي اليمني للفروسية المتأمل في الغد خيراً.
الفروسية استهلها (الماس) ذات يوم متصدراً واجهات الصحف.. فيا ترى هل ستكون رهانه الذي يكسبه شباب الغد !؟
يقيناً أن كل شيء ممكن .. فالخيل الذي كسب حلبات السياسة، وصال وجال في رحاب دوائر الانتخاب ، وصناديق الاقتراع إيذاناً بغد اليمن المشرق ، لن يعجزه رهان مضمار الفروسية !؟




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر