بقلم/عبدالفتاح الشهاري* -
غدير والحوثي.. يداك أوكتا وفوك نفخ
لم يكن من نهج الحكومة اليمنية في يومٍ من الأيام أن تقوم باتخاذ أي إجراء من شأنه إثارة الرأي، أو شد الانتباه تجاه مذهبٍ معين، أو حزبٍ ما، أو أي تنظيمٍ، فللسلفية التابعة للشيخ مقبل بن هادي رحمة الله عليه طقوسهم في صعدة، وللصوفية أتباع السيد الحبيب الجفري رعاه الله طقوسهم في حضرموت، وللإخوان المسلمين من خلال قادتهم ومنظريهم ودعاتهم احتفالاتهم ولقاءاتهم الخاصة بهم في كل محافظة، ولجماعة التبليغ التابعة للشيخ أحمد الفقيه طقوسها الخاصة بها في صنعاء، ولجماعة البهرة والإسماعيلية طقوسهم الخاصة بهم في حراز، وكذلك للاشتراكيين، والناصريين، والبعثيين، وسائر القوميين، وهذا الأمر بالتأكيد يُحسب للحكومة اليمنية لا ينكره إلا جاحد، ومع ذلك فهذا لا يمنع أن تكون الرقابة قائمة ومستمرة للحد من أي أمرٍ من شأنه استغلال هذه المساحة من الحرية للجميع، ومن تلك الفعاليات والمعتقدات والطقوس ما يخص الشيعة من تيار المذهب الزيدي أو الاثنى عشري وما ألفوا أن يقوموا به في اليوم الثامن من عيد الأضحى من إحياء يوم (غدير خم).
و(غدير خم) من الأيام التي ورد ذكرها في جميع كتب السيرة والحديث، وهو يوم مشهور من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه وقع بين فكي غلو من الشيعة وتجاهل من مخالفيهم، وهو حدثٌ أقيم في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة من العام نفسه الذي حج فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وفى الشهر نفسه الذي نزلت فيه آية (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) في اليوم التاسع من ذي الحجة يوم عرفة، وحدوثه في هذا اليوم ينافي ما ذهب إليه الشيعة من قولهم أن آخر آية نزلت على رسول الله هي: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس، إن الله لا يهدى القوم الكافرين) والتي بموجبها يرى الشيعة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلن الأمور التالية:
ا- أنه سيترك للمسلمين ثقلين: أحدهم كتاب الله. طرفه بيد الله وطرفه الآخر بأيدي المسلمين وأن الآخر هو عترة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ربه أخبره بأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.
ب- بعد أن رفع يد علي قال: "من كنت مولاه فعلى مولاه."
ج- وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا قال: "اللهم وال من والاه وعاد من عاد".
د- وقال: "اللهم أدر معه الحق حيث دار".
وبغض النظر عن التدقيق في صحة الأحاديث الواردة من عدمها فليس هذا مقامها، وبدون التفاصيل فيما يحصل في هذا اليوم من غلو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار وكنت شخصياً قد حضرت تجمعاً كهذا التجمع أثناء زيارتي لليمن، وراعني ما يحدث فيه من مبالغات لا تنبغي.. ولكن مع هذا فإن ما نود ذكره بأن مغالاة الشيعة تلك في حدثٍ كهذا لم يكن محركاً لاستثارة الآخرين عليهم أو طعنهم فيه فكما ذكرنا أن الأمر يدخل ضمن إطار الحريات التي كفلتها الدولة للجميع، بل أن هناك من الاتجاهات الإسلامية الأخرى والمذهبية ما فيه من الغلو أقسى وأبشع..
نسرد ما سبق لكي نصل إلى ما تم نشره مؤخراً من قرار السلطات الحكومية بمنع ما إقامة يوم (غدير) فإن هذا القرار يبدو مناقضاً لما ذكرناه آنفاً عن الحريات، إلا أن ما ظلم (غدير خم) هو التصرفات اللامسئولة، والأفكار الهوجاء من بعض منتسبي الاتجاه الشيعي بمذهبيه الزيدي والاثنى عشري، فإن فتنة الحوثي والتي خرجت على المجتمع اليمني كأمرٍ شاذٍ وشنيع كشفت شيئاً من خلل بعض النفوس المريضة، والتي مازالت تستجلب الماضي، وتبحث عنه، وإن فشل إدارة المسؤولين عن الرجل وتصرفاته، والعمل بحكمة لإنقاذ الموقف جعل جميع منتسبي التيار يقفون أمام واجهة المدفع في خط المسؤولية..
ولهذا فإن ضحية إلغاء (غدير خم) يأتي نتيجة ما أوكتاه يدا الحوثي ونفخه فاه.. إلا أننا نتمنى من السلطات أن تتحسس رائحة شريحة أخرى من أصحاب المحاولات البائسة للعبث بأمن اليمن ليس عن طريق الخروج عنها، وإنما عن طريق تجزئتها، وهؤلاء إن لم تسعى الدولة إلى التنبه لهم ومحاولة السيطرة عليهم فسيستشري مرضهم.. ويقع ما لا يحمد عقباه..
* كاتب صحفي