الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:33 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء

( بمناسبة يوم المرأة العربية)

الإثنين, 31-يناير-2005
مية الرحبي -
هل تنتظر المرأة العربية إصلاحاً من الخارج ؟
تردد في الآونة الأخيرة اتهامات عديدة لشريحة من النخبة العربية المثقفة أنها ضد الإصلاح الاتي من الخارج، لمجرد الموقف المسبق من أمريكا والعداء للغرب، والانغلاق والدوغمائية، وغير ذلك من النعوت، من قبل من يعتقد أن تلك النخب بمعارضتها لنفس الأهداف التي تنادي بها هي ومشاريع الإصلاح الغربية، تدلل على قصور نظر وغباء تاريخي، فلماذا تقف هذه الشريحة ضد هذه المشاريع الإصلاحية، هل لمجرد كونها آتية من الخارج ؟ هل تعيق النظرة الضيقة لهذه الشريحة إمكانية دراسة هذه المشاريع الإصلاحية بموضوعية، وإيجاد تقاطعات مشتركة بينها ؟

لقد سئلت مرارا في الاونة الأخيرة لماذا أرفض مشروع الشرق الأوسط الكبير وأنا ناشطة في مجال حقوق المرأة، رغم أن تمكين المرأة كان أحد عناصر الثالوث الأساسي الذي نادى به المشروع إلى جانب الحرية والمعرفة، وهي ما ننادي به أيضا ؟

ولعل الإجابة الأولى التي تفرض نفسها، أن من أسس الدعوة إلى حرية المرأة وحقوقها، هو رفع الوصاية عنها، رفع وصاية قانون مجحف بحقها يكبلها ويعتبرها إنسانا غير كامل الأهلية، مواطنا ناقص الحقوق والواجبات، رفع وصاية المجتمع الذكوري المتمثل في العائلة والزوج والقبيلة والعشيرة والأعراف والتقاليد، التي تمارس ضدها قمعا تاريخيا، ورفع وصاية الأنظمة المستبدة التي تطبق عليها قهرا مضاعفا كمواطنة، وتصادر كل نشاط مجتمعي يمكن أن يناضل في سبيل نيلها حقوقها، ألا يكفي المرأة وصايات، حتى تأتي وصاية من الخارج، لم تسأل المرأة عن رؤيتها لواقعها ولسبل الخروج منه، بل تبنت تصورا ورقيا لهذا الواقع وحلولا طوباوية، لا علاقة لها به ؟

هذا إذا افترضنا أن الغرب وعلى رأسه أمريكا ترغب فعلا بتمكين المرأة وتحسين واقع المجتمعات العربية وإجراء نقلات نوعية فيها نحو الديمقراطية.

فالاحتلال العسكري الأمريكي للعراق وكل الأهوال التي مرت عليه تحت تأثير هذا الاحتلال بدءا من تفكيك الدولة إلى نهب صروحها الثقافية والعلمية، مرورا بأشكال الإهانة والقتل والتعذيب التي تعرض لها أبناء العراق، وآخرها فضيحة سجن أبو غريب، وانتهاء بإعادة هيكلية الدولة على أسس إثنية طائفية، تعيد المجتمع العراقي إلى مرحلة ماقبل المواطنة، كانت له انعكاسات مأساوية على المرأة العراقية، فبعض الأرقام تشير إلى وجود 917 امرأة معتقلة في سجون الاحتلال 38 منهن تحت سن 16، وفي الفلوجة قتلت أيام الحصار 168 امرأة منهن 57 بطلقة في الرأس من قبل قناصة أمريكيين ( مصادر من المقاومة العراقية، ربما تكون غير دقيقة، ولكن هل لدينا مصادر أخرى ؟ )، فالله وحده يعلم عدد النساء اللاتي قتلن في العراق، ومن ترملت وتيتمت وثكلت منهن، ومن فقدت معيلها، ومن تعرضت للمهانة والتعذيب، عدا عن أن المرأة في العراق تتأرجح اليوم بين إقرار وإلغاء قانون أحوال شخصية مذهبي، جعلها تترحم على القانون الذي كان مطبقا أيام الحكم المستبد.

إن الدرس الحالي في العراق ليس الوحيد، بل سبقته دروس كثيرة في الماضي أثبتت أن أي إصلاح أو تطوير يأتي من الخارج، حتى لو أقرينا بوجوده، كان ثمنه غاليا، موسوما دائما بمزيد من الارتهان والتبعية للخارج، تلك الدروس التي بدأت بالاستعمار والانتداب مرورا بالأحلاف التي تجعل الدول الضعيفة تابعا ذليلا للدول القوية، وانتهاء بالارتهانات التي تفرضها ديون الدول الفقيرة للبنك الدولي، وغيره من المؤسسات والمشاريع الاقتصادية العالمية، وحرص الدول العظمى على ترسيخ وجود أنظمة تابعة، صمتت عن استبدادها وقمعها لشعوبها، ما دامت وفية لمصالح ساداتها.

هذا عدا عن أن محاربة " الإرهاب " على الطريقة الأمريكية، تفرخ يوميا المزيد من الحاقدين على سياستها، والذين يزدادون تشددا وإيمانا أن الطريق الوحيد للرد على العنف هو العنف.

كل ما سبق أثر و يؤثر بشكل غير مباشر سلبيا على وضع المرأة، فالاقتصاد التابع، والأنظمة المستبدة، وامتداد التيارات الأصولية كان لها الدور الأكبر في لجم حركة تحرر المرأة.

لقد طرح تمكين المرأة في مشروع الشرق الأوسط الكبير ووثيقة دول الثماني كشعار دون تقديم تصورات واضحة لسبل إخراج المرأة العربية من محنتها، بل إنهما تقدمان تصورا مضحكا مبكيا لذلك، فما ذكر عن دورات للنساء لتعليم القيادة، تظهر كم هو بائس وسطحي فهم واقع المرأة العربية، وسبل تحررها.

إن الأبحاث والدراسات التي انطلقت من عمق مجتمعاتنا، أظهرت فهما عميقا لواقع المرأة العربية، الذي يتأثر بعوامل عديدة:
ـ تطبق على المرأة في بلادنا قوانين غلفت بقدسية، لا يجوز المساس بها، بحجة أنها مستمدة من الشريعة الإسلامية، رغم أن ذلك تم بطريقة انتقائية ذكورية، من السهل بمكان اثبات انتقائيتها وانحيازها.
ـ تخضع المرأة لأعراف وعادات وتقاليد مجحفة بحقها مستمدة من النظام القبلي العشائري، الذي يعتمد المفهوم الذكوري، ولهذه الأعراف والتقاليد قوة تفوق قوة القانون والدين في بعض المناطق، وخاصة في الريف.
ـ تعتمد السلطة في أغلب الدول العربية نظام حكم الحزب الواحد، الذي يتفرع منه منظمات ومؤسسات ومن بينها الاتحادات النسائية، تحت مسميات مختلفة، والتي لم تقدم للأسف لحركة المطالبة بحقوق المرأة في السنوات الأخيرة أي إنجاز حقيقي ملموس، بل كانت عبارة عن منظمات مصابة بأدواء المنظمات الأخرى من ترهل ونفعية، وعدم صدق في العمل من أجل خدمة الشريحة الاجتماعية التي تمثلها، وتطابقت مطالبها مع القرار السياسي للسلطات الحاكمة، دون أن تشكل يوما جماعة ضغط، كما يفترض بها نظريا كمؤسسات مجتمع مدني، مقابل تعطيل وحظر لمؤسسات المجتمع المدني، التي كان من الممكن أن تقوم بدور فعال في المطالبة بحقوق المرأة، ورفع سويتها وتشجيع مشاركتها في جميع مناحي الحياة، مما يجعل النضال في سبيل حقوق المرأة جزءا لا يتجزأ من النضال الديمقراطي بشكل عام، مع التأكيد على خصوصية هذا النضال وضرورة إعطائه اهتماما خاصا من الحركات الديمقراطية.
ـ تتشابه أوضاع المرأة في جميع الدول العربية من حيث القوانين والأعراف والعادات والتقاليد والأنظمة الحاكمة، مع وجود اختلافات طفيفة بين بلد وآخر، لذا فإن توحيد الجهود بين العاملين في مجال حقوق المرأة، وحقوق الإنسان، والعمل الديمقراطي بشكل عام، في الدول العربية، يعطي دفعا إيجابيا لهذا العمل.
- في الوقت الذي تدعو فيه المبادرة الأمريكية إلى تمكين المرأة، تمارس هي وحليفاتها في المنطقة سياسة عدوانية تشمل فيما تشمل النساء في فلسطين أيضا، اللاتي يتعرضن للقتل والقمع والتشريد والتجويع.
- إن الحلول التي تقدمها المبادرة الأمريكية حتى ولو افترضنا جدلا بصدقها، الذي لا نراه على أرض الواقع، كما في الدعوة لإنشاء معاهد للتدريب على القيادة خاصة بالنساء، يدل على الجهل المطبق بوضع المرأة والطريق الجادة الطويلة التي لابد أن تبدأ خطواتها الأولى من عمق المجتمعات العربية، لتحرير المرأة وتمكينها.
إن تجربة المغرب، والتي قاد فيها النضال المطلبي العادل لمؤسسات المجتمع المدني، إلى تطوير هام على صعيد قانون الأحوال الشخصية لصالح المرأة، بموافقة أغلبية الشعب، بأساليب ديمقراطية حضارية، لخير دليل على أن هذا هو الطريق السليم لتحرر المرأة وإقرار حقوقها في أي مكان من العالم.
تشمل الحلول الناجعة لتحرير المرأة وتمكينها مسارات متوازية على صعيد التوعية، ومكافحة العادات والتقاليد المجحفة بحقها، والتمسك بتلك التي ترفع من شأن الإنسان وتكرس القيم العربية الأصيلة، وتغيير القوانين والنضال في سبيل إقرار قانون أسرة عصري يضمن كامل حقوق أفرادها، والتمكين الاقتصادي، والتعليم، والصحة الإنجابية، ومكافحة الاتجار بجسد المرأة، مع النضال من أجل السماح لمؤسسات المجتمع المدني بممارسة دورها كاملا في دعم قضية المرأة.
لذا فإن مسار تحرر المرأة مرتبط ارتباطا عضويا بالنضال الديمقراطي العام، الذي يسمح للمرأة بأخذ مكانها الحقيقي في المجتمع، و للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية بالعمل بشكل جاد مخلص في سبيل نيل المرأة إنسانا ومواطنا حقوقها في إطار نظام ديمقراطي يضمن حقوق كل مواطن، ويجعل الشعوب تمسك بيديها بزمام مصيرها ومستقبلها، فليس خير من الشعوب من يعرف ماذا تريد وكيف تصل إلى تحقيق آمالها.
# الراية القطرية




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر