المؤتمر نت - صقور أميركا يدفعون بوش إلى شفا الهاوية كان متوقعاً أن يحاول الرئيس الأميركي جورج بوش تضمين حرب العراق في إطار القضية الأكبر، وهي إرساء الديمقراطية في العالم. وهذا هو أسلوب الرؤساء في أوقات الحرب. ففي نهاية 1863 كان شعار حرب الرئيس إبراهام لينكولن للقضاء على حركة انفصال الجنوب يدور حول ما إذا كان «حكم الشعب بواسطة الشعب ومن أجل الشعب انتهى على سطح الأرض أم لا».
وبحلول 1917 تحولت الحرب الأوروبية التي قال الرئيس وودرو ويلسون انه لا يفهم أسبابها في 1916 ـ تلك الحرب تحولت إلى «حرب لانهاء كل الحروب» و «لجعل العالم مكاناً آمناً لقيام الديمقراطية».
إن القادة يُعقدون أسباب الحروب التي تكون قد بدأت بالفعل على خلفية مصالح معينة، ويحولونها إلى صراعات في مراحل زمنية لها طابع خاص لكي يحصلوا على تضحيات بشرية ومالية أكبر، ولكن بوش تفوق على ويلسون، وذهب إلى ما هو أبعد مما دعا إليه الأخير.
فهو لا يريد أن يجعل العالم آمناً من أجل الديمقراطية فحسب، وإنما سعى إلى أن يجعل العالم ديمقراطياً. وبينما استطاع لينكولن القضاء على العبودية في الجنوب، يسعى بوش إلى التخلص من الاستبداد على وجه الأرض. ولذا «فإن الأمر ينطوي على سياسة تنتهجها الولايات المتحدة لدعم نمو الحركات والمؤسسات الديمقراطية في كل دولة وكل ثقافة من أجل تحقيق هدف أسمى، وهو التخلص من حكم الطغيان في العالم»، على حد تعبير بوش.
لا يدري أي شخص محافظ ما إذا كان عليه أن يضحك أم يبكي لأن الرئيس بوش قد أكد على حقه في التدخل في الشؤون الداخلية لكل دول العالم.
لماذا ذلك؟ لأن «وجود الحرية في أراضينا يعتمد بشكل متزايد على نجاح الحرية في أراضي الآخرين»®. ولكن هذا أمر يتعارض مع التاريخ كلية. فالعالم ظل دائماً مبتلى بحكام مستبدين، وعلى الرغم من ذلك فقد تمتعت أميركا دائماً بالحرية. ونحن بقينا أحراراً عن طريق اتباع نصيحة الرؤساء واشنطن وجيفرسون وأدامز بالابتعاد عن الصراعات والحروب الخارجية التي لا تخصنا.
فمن الذي أوصل إلى الرئيس الأميركي هذا التصور القائم على التدخل في شؤون الآخرين؟
إن الرئيس الأميركي يخطط الآن لحمل قادة العالم على تبني المعايير الديمقراطية الأميركية حيث يقول بوش: «سنقوم باستمرار بتوضيح الخيار أمام كل حاكم وكل دولة ـ إنه خيار بين الاستبداد، وهو الخيار الخطأ دائماً، والحرية، وهي الخيار الصائب دائماً».
هذه التصورات وصفة للدخول في حرب لا تنتهي ولكن كما حذر الرئيس الأميركي الأسبق جيمس ماديسون، فإنه «لا يمكن لدولة أن تحافظ على حريتها وسط أجواء حروب متواصلة».
من هؤلاء وما هو الشيء الذي حوّل رئيساً جاء الى السلطة وهو ليست لديه أي فكرة عن العالم إلى تبني فكرة أن حرباً عالمية من أجل الديمقراطية يمكن أن تحافظ على أمننا؟ الإجابة هي أحداث سبتمبر والمحافظون الجدد.
في خطاب تنصيبه الأخير، ذكر بوش اليوم الذي وقعت فيه احداث الحادي عشر من سبتمبر، وقال انه اليوم الذي «تعرضت فيه الحرية للهجوم». من الواضح انه لم يتم إرسال أشخاص متطرفين لقيادة طائرات وتفجيرها في مركز التجارة العالمي بسبب كراهية ميثاق الحقوق.
وإنما بسبب كراهية وجودنا وسياساتنا في الشرق الأوسط وهذه هي الأسباب نفسها التي كانت لدى مقاتلي جبهة التحرير الوطنية الجزائرية عندما فجروا عدة مقاه في باريس والأسباب التي كانت لدى حماس عندما فجر عناصرها مطعماً للبيتزا في القدس. إن الذين نفذوا هجمات سبتمبر جاءوا الى أميركا لأننا كنا هناك نحن لم نتعرض لهجوم بسبب أفكارنا، ولكن بسبب ما قمنا به، انهم لا يكرهون مبادئنا وانما يكرهون سياستنا، فتدخل أميركا في الشرق الأوسط هو سبب أحداث سبتمبر، ويعتقد بوش ان هذا التدخل هو العلاج فهل لم يتعلم شيئا من العراق؟
أحد هؤلاء الذين حولوا الرئيس بوش إلى تبني فكرة انه من دون ديمقراطية العرب لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط هو ناتان شارانسكي، وكثير مما كتبه هذا المنشق السوفييتي الشهير هو حقيقي بشكل لا يمكن إنكاره. فحتى داخل اكثر الدول المستبدة ظلاما، فان الشعوب تتوق الى الحرية، فهي تكره الاستبداد وتحب الحرية وتتمنى العيش في أراض تسمح باختيار القادة.
في الوقت الذي يتوجب على الحكام الديمقراطيين ان يعودوا الى الشعب لتجديد ولاياتهم في ظل انتخابات حرة، فانه يتوقع منهم بشكل اكبر ان يبحثوا عن السلام والرخاء اللذين تصبو إليهما الشعوب، ولذلك فان الديمقراطية وحدها هي التي تستطيع تمهيد الطريق نحو السلام الحقيقي والآمن. تلك هي رسالة شارانسكي في كتابه «حالة للديمقراطية» وهو الكتاب الذي تبناه الرئيس الأميركي وشجع الجميع على قراءته.
ولكن ما هو حقيقي غالبا ليس حقيقيا دائما، والسياسة الخارجية الأميركية التي تقوم على حماية المصالح الحيوية لأميركا والسلام والحرية للأميركيين، لا يمكن ان تقوم وتعتمد على مثالية منشق سوفييتي سابق أو على ايديولوجية محافظين جدد وعدونا بـ «رقصة زنجية» في العراق وطمأنونا الى انه سيتم استقبالنا بالورود هناك. وعلى النقيض مما يقوله شارانسكى، فان الديمقراطية ليست شرطاً ضرورياً أو كافياً لسلام وأمن أميركا ولا حتى لسلام إسرائيل.
ان حث بوش على عدم الضغط على إسرائيل كي تتوصل الى سلام مع الفلسطينيين الا بعد ان يتبنى الفلسطينيون الديمقراطية ما هو الا وسيلة ذكية لتأجيل السلام الى اجل غير مسمى وتمكين إسرائيل من توسيع مستوطناتها وتقوية قبضتها على الضفة الغربية والقدس الشرقية، قد يكون هذا من مصلحة إسرائيل ولكنه ليس من مصلحة أميركا، ان مثالية شارانسكي تأتي لتتوافق مع أجندة شارون، فهل لا يمكن للرئيس بوش ان يدرك هذا؟
وفي ضوء الحقيقة القائلة ان المحافظين الجدد كانوا خاطئين في كل توقعاتهم بشأن العراق، فهل يمكن ان يريد بوش حقاً ان يقامر بالشرق الأوسط على أساس توقعاتهم الواثقة والتي تفيد انه بمجرد ان تسقط الممالك العربية ستزدهر الديمقراطية الغربية بين أناس يبدو انهم يمقتون بوش ويقدسون أسامة بن لادن؟
وبعد رد الفعل الذي اتسم بالصدمة في كثير من الدوائر لخطاب التنصيب الرئاسي، سارع البيت الابيض والرئيس جورج بوش نفسه الى إيضاح انه لم يكن هناك شيء جديد أو جذري في الخطاب. ربما ان هناك شعوراً بالحقيقة والواقع بدأ في الظهور.
نحن لن نتوقف عن شراء النفط السعودي او نقطع مساعدتنا السنوية لمصر والتي تبلغ ملياري دولار أو نقطع علاقتنا بنظام مشرف في باكستان او نفرض عقوبات على الصين التي يمكن ان تؤثر تأثيرا بالغ السلبية على قيمة الدولار لان تلك الأنظمة ترفض ان تقوم بالإصلاحات التي تطالب بها إدارة بوش لن يحدث مثل هذا الأمر، فالرئيس بوش سينتهي به الأمر اما بالتراجع عن تصريحاته الرنانة المبالغ فيها او يأخذنا معه الى شفا الهاوية.
والمحافظون الجدد، بحماستهم المتهورة، آخذون في التكالب على الإشادة بالرئيس. انهم ليسوا محافظين على الإطلاق، انهم معادون للنهج المحافظ، وسوف تنتهي حربهم من أجل الديمقراطية كما انتهت حرب ويلسون، أي بخيبة امل للرئيس ومأساة لدولته.
* باتريك بوكانان - هو مرشح سابق للرئاسة الأمريكية
عن «اميركان كونزر فاتيف»
ترجمة: حاتم حسين
|