بقلم-د. ابتهاج الكمال -
المرأة وإشكالية صُنّاع القرار
ماانفك المجادلون في حقوق المرأة السياسية يعتبرون أن غاية ما يمكن أن يفضي عليه أفق الحوار القائم بين صانعي القرار السياسي هو التوافق على صيغة نسبية لحجم التواجد النسوي في مواقع السلطة وقوة العمل؛ طبقاً لما يعدونه تحولاً باتجاه رصيد تنموي جديد من نتاج بشري نسائي، طالما كانوا يدرجونه ضمن أضيق هوامش برامجه السياسية.
وفي ظل جدلٍ كهذا، أو أفق كذلك الذي يرسمونه لمستقبل المرأة، فإن أقصى ما يمكن التكهن به في الوقت الحاضر هو اندفاع مُحرج قد تضطر بعض القوى السياسية الوطنية إلى ركوب موجته بمنأى عن النشوز عن الاتجاه العام، وهو الأمر الذي ينبغي توخي محاذيره قبل الإعلان عن أي وثيقة عمل وطني تتوصل إليها الأحزاب والتنظيمات اليمنية.
أعتقد أن مسئولية صانعي القرار بهذا الخصوص تقتضي قناعات أكيدة بأمرين: أولهما أن النسبة التي ستخصص للمرأة هي رقم حقيقي، له ما يمثله من شخوص على أرض الواقع اليمني، وليس مجرد محاكاة لتجارب خارجية تحظى بخصوصياتها التي قد تتقاطع مع الظرف اليمني، وثانيهما هو مدى الاستعداد القائم لدى القوى السياسية على تلبية الحاجة النوعية "للكوتا"، ومواءمتها مع معايير الاتجاهات التنموية للبلد، لتفادي أن تتحول المشاركة الواسعة للمرأة إلى عبء على مسيرة التنمية، وخطوة ارتجاعية بعكس الغايات التي تنشدها قيادة اليمن السياسية، والتي شدد عليها الأخ رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة ومحفل.
إن ضرورات الطور الحديث للدولة اليمنية تستدعي فرصة تجديد واسعة ليس على نطاق السياسات التنظيمية للأحزاب التي مازالت مترددة -بقدر كبير- عن استيعاب المرأة ضمن مواقع أماناتها العامة، بل تستدعي أيضاً تجديد دماء دوائر تمثيل المرأة بقيادات شبابية مؤهلة لإضفاء صبغة العصر-بكل تجلياته- على هوية الحركة النسوية اليمنية، التي لم تزل بمنأى عن قواسم التفاعل الإيجابي اللائق بمستوى النمو الديمقراطي، والسياسي الذي آلت إليه اليمن، واستحال عنوانها في المحافل الدولية.
ومن تلك المنطلقات نخلص إلى أن مسألة رسم خارطة تحول واضحة نحو برنامج مشاركة نسوية واسعة ليست مسألة رقمية مرهونة بنسب "الكوتا"، بقدر ما هي خارطة تنموية دقيقة لا تحتمل التأويل إلى حساسيات سياسية بحتة، يخشى البعض أن يضيف فضل المبادرة إليها رصيداً جديداً لحساب المؤتمر الشعبي العام..!
ولاشك أن الخطوات التنفيذية لهذه الخارطة ستكشف عن الكثير من التفاصيل والمعادلات الصعبة التي تستدعي جهداً مضنياً لتحقيق توازناتها، لأننا في الوقت الذي سنحاول فيه استقطاب المرشحات للمجالس المحلية، أو المقاعد النيابية قد نصطدم بتباينات التوزيع "الديموغرافي" الذي يجعل من المنافسة في عدد من المدن في أوج سعيرها بخلاف مدن أخرى يتعذر فيها العثور على مرشحة واحدة بالمواصفات النوعية التي نأمل دعم التنمية بها.. والحالة ذاتها قد تحدث على صعيد الوعي الشعبي بقبول مشاركة المرأة السياسية والمهنية.
بجانب ذلك، هناك إشكالية لدى بعض القوى السياسية في المفاضلة بين النوع السياسي (الحزبي) وبين النوع الأكاديمي (المهني) وهو أمر غالباً ما تترتب عن سوء حسمه حالة انفصام في برامج حراك القاعدة النسوية المُعّول عليها إحداث تفاعل تحولي في الأطر التنموية للمجتمع، مما يجعل إسهامها، وأثرها ضعيفاً لا يلبي الغايات المرسومة.
وفي الحقيقة هناك الكثير جداً من الحسابات المتعلقة بالمرحلة القادمة، التي تطرح نفسها على طاولة صانعي القرار الخاص بالتمكين السياسي للمرأة، والتي لابد من النظر إلى اعتباراتها قبل تقرير أي خطوة، لئلا يكون تجاهلها والقفز على أبجديتها أمراً ينقل المرأة اليمنية إلى حلبة أرقام تعوزها الكفاءة، وموازنات غير مدروسة تضع مستقبل الحركة النسوية بأيدٍ لاتجيد غير توقيع الإملاءات الضيقة الأفق.
إن ما نأمله هو قراءة منطقية مستفيضة للواقع اليمني، تنبثق من آفاقها رؤى سياسية واضحة، تتحدد بموجبها أفضل آليات التمكين السياسي للمرأة، بما يجعلها عند حسن ظن قيادة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، الذي أولاها ثقته الكبيرة بدورها التنموي والإنساني.