بقلم- فيصل الصوفي - إصلاح التعليم الديني مطلب عربي قديم ظلت القوى الإسلامية المحافظة وكذلك المتشددة ( أفراد، جماعات) -ظلت دائماً تقاوم أي محاولة للتغيير أو التحديث، وعادة ما كانت تبرر هذه المقاومة باسم الإسلام، وتلجأ إلى التهويل من الخطر الغربي الدائم، وتتحدث من مؤامرات تحاك من الخارج ضد الإسلام والمسلمين، وصار التحصن بالدين ضد هذه الأخطار والمؤامرات الموهومة هو تحصن ضد التغيير والتحديث. وبحكم تحالفاتهم مع الأنظمة السياسية ونفوذهم في المؤسسات العامة، كانوا يستطيعون دائماً التأثير في الحكام وإقناعهم أن ما هو قائم أو سائد من نظم ثقافية واجتماعية وتشريعية يمثل الوضع الصحيح في المجتمع، ولا توجد أخطاء يمكن إصلاحها ولا توجد دواعي أو مبررات لطرح قضايا مثل التحديث أو التغيير. وفي الحقيقة فإن هذه القوى ظلت الفئة الوحيدة الرابحة في ظل بقاء الأوضاع السائدة كما هي، وكان رفضها للتغيير، وباسم الإسلام دائماً مفهوماً، وذلك خشية منها على مصالحها التي تظل مضمونة مع بقاء تلك النظم الثقافية الاجتماعية والتشريعية دون تغيير، بل تزداد هذه المصالح ويتقوَّى نفوذ أصحابها؛ طالما ظلت الأوضاع السائدة كما هي..
ولنأخذ مثالاً واحداً، يتعلق بقضية مثارة الآن بقوة، وهي تحديث المناهج التعليمية و إصلاح التعليم التي يقاومها الإسلاميون بقوة؛ لمجرد أن الأنظمة العربية بدأت تواجه بضغوط خارجية، وخاصة من جانب الإدارة الأمريكية التي طالبت بعد أحداث سبتمبر 2001م بإزالة محرضات العنف والإرهاب الموجودة في المناهج التعليمية لبعض الدول -خاصة تلك التي خرج منها أغلب المتطرفين ومرتكبو الهجوم الإرهابي في نيويورك وفي مناطق أخرى من العالم.
إن دولاً عربيةً عديدة شرعت في تغيير بعض الكتب المدرسية وتحاول إصلاح النظم التعليمية فيها، ولكن الإسلاميين يصورون الأمر هكذا: إذا كانت هذه الخطوات تتم بعد مطالبة بوش بتغيير المناهج، إذن فقد أصبحت الدول العربية تقوم بما يطالب به الآخرون، أي التخلي عن الإسلام والثوابت والتقاليد والخصوصية، إن تغيير المناهج او إغلاق مركز ديني أو جمعية هي إجراءات لمحو الإسلام. وبالطبع فإن ادعاءات كهذه تجد من يصدقها ويساندها، بالرغم من القناعات الموجودة لدى معظم أفراد المجتمع بأن الإسلام ينتشر في الغرب ويُحترمُ هناك، وله دعاةٌ ومؤسسات ومساجد.. الخ.
إن كل ما يأتي من الغرب من نصائح أو مطالب تثير حساسية لدى الإسلاميين، وبقدر مبالغ به، ومن ثم تجد مقاومة؛ بغض النظر عن كون هذه المطالب تصب في مصلحتنا أو أنها كانت قد نبعت في وقت سابق من أعماق مجتمعاتنا، كما هو الحال في تحديث المناهج وإصلاح التعليم..
إن مقاومة الإسلاميين لذلك مفهومة، لكن ماليس بمفهوم هو أن كثيراً من الذين ظلوا في الماضي يطالبون بإصلاح التعليم والتغيير للمناهج وتجديد الخطاب الديني هم من كانوا يقفون حينها في مواجهة الإسلاميين الأصوليين، انتقلوا الآن إلى صف خصومهم وصاروا ينتقدون تحديث المناهج بدعوى أن ذلك يحدث بضغوط خارجية.
أن هذا التحديث، أو الإصلاح كان على الدوام حاجة ملحة في البلدان العربية، والمطالبة بها كانت من جانب العرب أنفسهم- على الأقل قبل مائة سنة من تولي "جورج دبليو بوش" الرئاسة الولايات المتحدة..
فعلى سبيل المثال اشتغل الإمام محمد عبده مدة طويلة في حياته بالدعوة إلى إصلاح التعليم وخاصة التعليم الديني في الأزهر، ورحل عن الدنيا عام 1905م، وبقي الحال على ما هو عليه. ومن بعده وحتى اليوم ظلت قضية إصلاح المناهج والتعليم والخطاب الديني مطلباً ملحاً في كل الدول العربية ومن جانب العرب أنفسهم. وكانت هناك مئات الندوات والمؤتمرات، والدراسات والتقارير التي تناولت تلك القضايا وطالبت بالتعاطي معها من واقع المصلحة المحلية، واستندت تلك الصيحات إلى النتائج والمخاطر الناتجة عن بقاء أنظمة التعليم متخلفة، ومخاطر الخطاب الديني والمناهج التي تكرس التخلف وتلغي العقل وتمجد الماضي وتبرر حالة عدم المساواة، وتنمي مشاعر الانقسام في الصف الإسلامي نفسه، وتحضُّ على العنف والكراهية، ولاتتبني نظرة منصفة تجاه عقائد الآخرين.. الخ.
لقد كانت تلك المخاطر واقعة على مجتمعاتنا نفسها، والذين دعوا إلى إصلاح الوضع كانوا تربويين وسياسيين ومفكرين من أبناء هذه المجتمعات نفسها، لكن لم يستمع إليه أحد، بل وجد من يشكك في مقاصدهم ويقاوم الاستجابة لتحذيراتهم ونداءاتهم، فسكت كثير منهم بعد أن شعروا -كما يبدو- أن رأيهم غير مطلوب.
|