الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:20 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الثلاثاء, 15-مارس-2005
بقلم-د. رفعت سيد أحمد -
تأملات فى تقارير أمريكا عن حقوق الانسان فى العالم
هل يمكن فصل ما يحدث من احتقان سياسى وتوتر غير مسبوق بين أمريكا وسوريا، وبين الأخيرة ولبنان، بدون البحث عن الدور الأمريكى فى اشعاله، وبدون فهم للأهداف الأمريكية التى لم تعد خافية لإكمال السيطرة على العالم والهيمنة على مقدرات هذه المنطقة الاقتصادية والسياسية؟ هل يمكن عزل ما يجرى فى العراق أو فلسطين عن الدور السياسى الأمريكى فى العالم للتحكم فيه وإقامة امبراطورية كونية تكون لأمريكا فيها اليد الطولى دون منازع أو منافس!! هل يمكن فهم ما يجرى من استفزازات مع كوريا الشمالية أو طهران دونما تحليل مسبق لمقاصد أمريكا فى آسيا وأطماعها فى النفط، ورغبتها الحثيثة فى الهيمنة والانفراد بقيادة العالم؟
ان الاجابة المباشرة على هذه الأسئلة هى بالقطع لا يمكن فصل كل ما يجرى من أحداث وتطورات داخل وحول بلادنا العربية والاسلامية دون تأمل لهذه الرغبات الشريرة، والمصالح الأكثر شراً لأمريكا فى بلادنا وفى العالم أجمع.
وهى ذاتها الرغبات والمصالح التى خلقت الرغبة فى الهيمنة والانفراد، والتى نتج عنها ذلك الشعور القبيح الذى تجده فى كلمات بوش وخطاباته وإدارته السياسية الحاكمة: شعور الوصى أو الأب الروحى "ولكن بالمعنى السلبي" على الكون، وبأن هذا العالم بات ملكية خاصة يتصرف بها ومعها كيفما رأى وكيفما شاءت ارادته، ولعل فى تأمل التقارير الدورية التى تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية ما يقدم نفسه كدليل على هذه الارادة الشريرة للهيمنة، والتى تتعامل مع الكون باعتباره إرثاً مشاعاً أو أرضاً مستباحة وتكيل فى الحكم على الدول بعدة مكاييل ظالمة ولا تكتفى فقط بالحكم النظرى عليها بل هى تسعى بكافة ما امتلكت من وسائل تأثير وأسلحة لتطبيق ما تراه من أحكام على تلك الدول لمجرد أنها تختلف معها أو مارقة عن سيطرتها.
ولعل فى تأمل أحدث نموذجين لهذه التقارير ما يقوم كدليل على هذه الوصاية الاجرامية على العالم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبخاصة فى عهد الادارة المتطرفة الحالية التى تحكمها
.
جلاد العالم

قبل أيام، أصدرت الخارجية الأمريكية تقريرها السنوى لحقوق الانسان فى العالم "صدر فى الأول من مارس / آذار 2005" وهو يغطى أوضاع حقوق الانسان من وجهة نظر أمريكا فى 196 دولة فى العالم وفيه وجهت الولايات المتحدة انتقادات حادة لأغلب دول العالم وكأنها الوصى عليهم والمراقب لتصرفاتهم باعتبار العالم "مزرعة خاصة" لها، والطريف أنها لم تتناول وبشكل مقنع انتهاكات حقوق الانسان بداخلها، وتوسعت فى الهجوم على العالم بلا رحمة وبلا احترام لاستغلال وسيادة دوله، وفى تسلط فريد على حق الآخر وخصوصيته، مع استغلال قبيح لقيمة إنسانية راقية اسمها "حقوق الانسان"، التى تنتهكها يومياً الولايات المتحدة فى أكثر من مكان فى عالمنا المعاصر من العراق إلى أفغانستان مروراً بالسودان وجنوب شرق آسيا الى أمريكا اللاتينية الى الأقليات بداخلها وبخاصة المسلمون، فكيف تمتلك وزارة خارجيتها كل هذه الجرأة على العالم لتصير حكماً، وهى فى الأصل "جلاد" العالم؟!

سجل فى تدهور مستمر

- على أية حال.. لنتأمل ما ذكره هذا التقرير وبخاصة عن بلادنا، ففى إشارة الى سوريا وإيران أكد التقرير أن سجل البلدين فى تدهور مستمر، وأن حق الايرانيين فى تغيير حكومتهم كان مقيداً الى حد كبير فى عام 2004 بسبب العمليات السياسية التى شملت انتخابات معيبة على نحو خطير.
وقال التقرير: ان الحكومة الايرانية التى يهيمن عليها رجال الدين المحافظون مسئولة عن العديد من عمليات القتل فى العام الماضى بما فيها إعدام أشخاص بعد محاكمات تفتقر الى الاجراءات الواجبة.
وأوضح التقرير أنه على الرغم من أن الدستور الايرانى يحظر التعذيب إلا أن هناك تقارير عديدة ذات مصـداقية بأن قوات الأمن وحرس السجون عذبوا السجناء بضربهم وتعليقهم من الأيدى والأرجل.
وبشأن سوريا، ادعى التقرير أن هناك منعا لأى معارضة سياسية منظمة، وأن هناك ممارسة للتعذيب، وأشار التقرير الى ما يسميه بأوضاع الأقلية الكردية فى سوريا والتى أسفرت عن وقوع أحداث شغب فى محافظة الحسكة خلال شهر مارس 2004.
- المعلوم للكافة ان الادارة الامريكية تصعد فى الآونة الأخيرة من لهجة الانتقاد لحكومتى سوريا وايران حيث تتهم دمشق بدعم وإيواء قادة عراقيين سابقين، والسماح للمسلحين بالعبور الى العراق دون عائق ودعم جماعات المقاومة الفلسطينية "وكأن ذلك بات عيباً فى شريعة بوش!!"، كما تتهم الادارة الامريكية حكومة طهران بمتابعة برنامج أسلحة نووية يشكل خطراً كبيراً على الأوضاع الاقليمية.

انتهاكات أمريكية

ومازالت الولايات المتحدة، برغم دعمها أسلوب الحل الدبلوماسى الذى يتبناه الاتحاد الأوروبى تعتبر الخيار العسكرى ضد ايران قائماً.
وخصص التقرير الأمريكى فى الجزء الخاص بالسودان قسماً مهماً حول الأوضاع فى اقليم دارفور وقال: ان الحكومة السودانية والميليشيات التى تدعمها مستمرة فى ارتكاب فظائع فى الاقليم برغم الوعود المتكررة بالكف عن هذه الانتهاكات الوحشية وأعمال القتل.
وقال التقرير: فى دارفور ارتكبت الحكومة والميليشيات المدعومة منها الجنجاويد انتهاكات خطيرة خلال العام بما فى ذلك تدمير مئات من قرى القبائل الافريقية تدميراً تاماً فضلاً عن القتل العمد للمدنيين. وكذلك انتقدت مصر والسعودية ثم بعض الدول الأوروبية.
وقد وازنت الخارجية الأمريكية فى تقريرها حول أوضاع حقوق الانسان فى روسيا بين نقد الرئاسة الروسية فى هذا السجل والقيود المفروضة على وسائل الاعلام وتراخى البرلمان والضغوط السياسية على هيئة القضاء وبين الاشادة بالأداء الروسى فيما يخص المساعدة فى الحرب على الارهاب.
وقال التقرير: ان الولايات المتحدة قلقة بشأن تآكل مساءلة الحكومة الروسية بسبب القيود المفروضة على الاعلام والبرلمان والضغوط.
وفى توضيح لمحتوى التقرير ذكر مايكل كوزاك نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكى لشئون حقوق الانسان ان الولايات المتحدة تحاول الاتفاق مع الجانب الصحيح لدى الشعوب التى تحاول شق طريقها نحو الحرية والديمقراطية.
وقال كوزاك: لا توجد دولة لديها سجل كامل فى حقوق الانسان وبالتأكيد ولا الولايات المتحدة نفسها، وأقر بوجود انتهاكات أمريكية لكنه قال ان واشنطن أظهرت مصداقيتها فى مجال حقوق الانسان بمحاكمة المذنبين حتى مع قيام بعض المنتقدين بالشكوى من أنه يتعين محاسبة المزيد من المسئولين عن هذه الانتهاكات.
وقد وجهت الصين انتهاكات خطيرة للتقرير الأمريكى واتهمت حكومة بكين الولايات المتحدة بالاستمرار فى اتباع سياسات المعايير المزدوجة.

خلط متعمد

وأعربت حكومة بكين على لسان المتحدث باسم الخارجية الصينية عن عدم الرضى التام عن التقرير الأمريكي، ودعا المتحدث الصينى الولايات المتحدة الى الكف عن التدخل فى الشؤون الداخلية للصين، وقال ان مثل هذه التقارير لن تسهم فى تحسن العلاقات الثنائية.
وقد اتهم التقرير الصين بإسكات الأصوات المعارضة وقمع الحريات الدينية وتقييد حركة التعبير بالإضافة الى ممارسة انتهاكات ضد المسجونين.
- هذا التقرير، سبقه تقرير آخر لوزارة الخارجية صادر عن مكتب الديمقراطية وحقوق الانسان والعمل فى 5/1/2005، وقدمته الوزارة الى لجنة العلاقات الخارجية ولجنة العلاقات الدولية وهو تقرير يحمل عنوان "معاداة السامية فى العالم"، احتوى على خلط متعمد بين العداء لاسرائيل والعداء لليهود كديانة أو جنس بشري، وانتهى الى اعتبار كل شكل من أشكال العداء لاسرائيل "وهى بالمناسبة دولة ارهابية بامتياز وباعتراف المنظمات الدولية الحقوقية المحايدة" عداء للسامية وهى لافتة خادعة وشديدة الزيف شديدة التوظيف وبشكل رخيص من قبل أمريكا والمنظمات الصهيونية بداخلها وخارجها، وتحت هذه اللافتة جاء التقرير المذكور ليذكر ما يلى نصاً: ان التصاعد فى ظاهرة العداء للسامية فى العالم خلال السنوات الأخيرة يرجع الى أربعة مصادر رئيسية:
1 ـ العداء التقليدى لليهود، الذى ساد قروناً طويلة، فى أوروبا وبعض البلدان فى أجزاء أخرى من العالم، وهذا النوع من العداء يشمل القوميين المتطرفين وغيرهم ممن يؤكدون ان المجتمع الاسرائلى يسيطر على الحكومات، الإعلام، العمل الدولى "العمل الاعلامى الدولي" وعالم المال غأليست هذه حقيقة تؤكدها الأرقام والوقائع؟!.
2 ـ الشعور القوى المناهض لإسرائيل، الذى يخلط بين الانتقاد الموضوعى لسياسات إسرائيل وبين معاداة السامية.
3 ـ الشعور المعادى لاسرائيل، الذى يعبر عنه بعض السكان المسلمين فى أوروبا، والذى يستند الى شعور قديم بالكراهية نحو كل من اسرائيل واليهود، فضلاً عن المعارضة الاسلامية لتطورات الأوضاع فى المناطق "الفلسطينية" المحتلة وفى عهد أقرب فى العراق .
4 ـ انتقاد الولايات المتحدة والعولمة بطريقة تطال بوجه عام إسرائيل، وتحت عنوان "وقائع معاداة السامية" جاء رصد التقرير للعديد من الوقائع التى تستهدف التعبير عن رفض السياسات العدوانية الاسرائيلية الا ان التقرير ألبسها ثوباً كاذباً مضللاً اسمه العداء للسامية، وهى وقائع امتدت من أوروبا الى الشرق الأوسط الى أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

من ناحية أخرى يستخدم منتقدو اسرائيل صوراً إعلامية مختلفة من أجل انتقاد دولة اسرائيل وسياساتها وكذلك الجاليات وغيرها ممن يقدمون دعماً لإسرائيل، قد تفتقر هذه الانتقادات الاعلامية الى حجج متكافئة أو إلى أسس حقيقية، ولكنها دائماً ما تدخل الولايات المتحدة ضمن غايات هذه الانتقادات، التى غالباً ما تؤكد فى السياسة الخارجية الامريكية يتم إعدادها فى اسرائيل أو أن اليهود مسيطرون على أجهزة الاعلام والأسواق المالية فى الولايات المتحدة وباقى أنحاء العالم ..

التهمة السخيفة

والسؤال الآن، هل أضحت أمريكا هى الوصى الشرعى على العالم وباتت هى المعيار للحكم على مدى التزام العالم بحقوق الانسان؟ ثم ما هى هذه الحكاية السخيفة الخاصة بمعاداة السامية والتى أصدرت أمريكا بشأنها قانونا رسميا فى 14/10/2004 يجرم من ينتقد اسرائيل ويوسع من دائرة المتهمين بتلك التهمة السخيفة..
ان العداء الحقيقى الذى يجرى فى فلسطين والعراق على أيدى اسرائيل وأمريكا، إن هدفنا كان ولايزال هو لفت أنظار أمريكا وهذا الغرب ذى الضمير الميت للجرائم الحقيقية التى تجرى ضد شعبنا فى العراق وفلسطين .
- على أية حال.. هذه التقارير فضلاً عن كونها انتقائية، فهى كاذبة وخادعة، وهى أيضاً أسقطت جرائم قامت بها أمريكا وذكرتها منظمات دولية حقوقية ولنتأمل أحدث هذه التقارير المحايدة والهامة، فقبل يومين حملت منظمتا اتحاد الحريات المدنية الامريكى و حقوق الانسان أولا وزير الدفاع الأمريكى دونالد رامسفيلد فى دعوى قضائية رفعتاها فى محكمة إلينوى الفيدرالية نيابة عن ثمانية عراقيين وأفغان مسئولية مباشرة عن عمليات التعذيب وإساءة معاملة المعتقلين فى العراق وافغانستان.
وأوضح رئيس فريق محامى الاتحاد لوكاس جوتنتاج ان الوزير رامسفيلد يتحمل مسؤولية مباشرة ومطلقة عن هذا الانحطاط والرعب بإصداره تخويلاً رسمياً باستخدام أساليب تحقيق غير شرعية وبتخليه عن واجبه القانونى بوقف التعذيب، وتابع أن رامسفيلد علم بأن أوامره كانت تؤدى الى التعذيب، لكنه تقاعس عن وقف ذلك.
ورفعت المنظمتان القضية نيابة عن ثمانية رجال هم أربعة عراقيين وأربعة أفغان تعرضوا للتعذيب والضرب وتقطيع الجسم باستخدام السكاكين، والاذلال الجنسى وعمليات الاعدام الكاذبة وغير ذلك من أساليب المعاملة غير القانونية، ووقعت عمليات التعذيب فى سجن باجرام وغيره فى أفغانستان وسجن أبو غريب فى العراق وجاء فى بيان الجماعتين أن أياً من الرجال الثمانية لم يدن بأى جريمة، وأفرج عنهم جميعاً.

القبح الامريكي

هذه التقارير الغربية المحايدة تكشف الوجه الآخر لهذا القبح الامريكى المسيطر على العالم والذى يريد أن يفرض بالقوة وصايته، تحت عناوين زائفة، تُنتهك يومياً حرمتها، وعلى رأسها يأتى عنوان "حقوق الانسان"، ولا تستحى وزارة الخارجية الامريكية، أن تتبجح بالدفاع عن هذه الحقوق، فى البلاد الأخرى فترى فيها العيوب، ولا ترى عيوبها هى وعيوب الامبراطورية الشريرة التى تعبر عنها، انها ترى القذارة فى عيون الآخرين ولا تراه فى عيونها، الا انه ورغم هذه الثنائية الواضحة للعيان، ولكل منصف، عاقل فى هذا الكون فإن الادارة الحاكمة فى واشنطن ومعها قطاعات واسعة من النخب الأمريكية المتصهينة، لم يعد يهمها كثيراً اتهامها بالثنائية أو بالظلم والغطرسة والوصاية على العالم.

خبط عشوائي

انها الآن فى موقف المتبجح فى سلوكه، والفاجر فى فعله السياسي، انها كالثور الهائج الذى يخبط فى كل مكان خبطا عشوائيا، ومثل هذا الثور الهائج الذى يقترب الآن كثيراً من رقاب ما تبقى صامداً فى بلادنا العربية "نموذج سوريا" يحتاج الى مقاومة وليس الى تنازل يتلوه آخر، يحتاج الى سياسات مضادة لكل ما يقول او يفعل باعتبار ما يقوله هو الشر المطلق، الذى ان تنازلنا أمامه عن قضية سيطلب التنازل عن الأخري، فلا مفر من الصمود والرفض الكامل لكل ما يطلب، ولكل ما يقول، ينسحب هذا الأمر أكثر على موقفه ومطالبه بشأن قضايا عادلة تأتى على رأسها قضية حقوق الانسان، لقد سبق ووصف الامام الخمينى ـ رحمة الله عليه ـ ذات يوم أمريكا بـ"الشيطان الأكبر" ونحسب أن السلوك والقول الذى نراه ماثلاً أمامنا من قبل أمريكا تجاه شعوبنا وقضايانا العادلة، يصغر الى جواره فعل الشيطان ذاته: كبيراً كان أم صغيراً، واذا كان الحال كذلك، فليس أمامنا سوى الاستعاذة بالله من الشيطان ثم التوكل عليه، وهذا التوكل لا يكون صحيحاً إلا بإشهار سلاح الجهاد فى وجه هذا الشيطان الرجيم، الذى لم يعد يفلح معه سوى ذلك... والله أعلم.
نقلاً عن العرب اون لاين




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر