بقلم :د. منيرة فخرو - رياح التغيير في الشرق الأوسط .. والعواصف المتوقعة في قصر ريفي شيّد في القرن االسادس عشر جنوب لندن، حضرت خلال الأسبوع الماضي مؤتمراً يتناول الإصلاح في الشرق الأوسط. كان الحضور مزيجا من رجال سياسة وأكاديميين وبرلمانيين بريطانيين وأوروبيين وأميركان ومجموعة من العرب يناقشون تجارب بلدانهم ويتحاورون في ميادين مختلفة في حوار استمر ثلاثة أيام. تناول المؤتمرون مواضيع عدة تتعلق بالتغير الديمقراطي والمشاركة السياسية:
هل يتم التغيير من القمة أم تشارك القاعدة فيه عن طريق منظمات المجتمع المدني؟ وما هي فرص الإصلاح في المنطقة العربية. . وكيف يتم إصلاح الدستور والبرلمان؟ هل هناك تجارب ناجحة في هذا المجال.. وكيف يتم تطويرها في حالة وجودها. كانت هناك جلسات أخرى تتعلق بمجتمع المعرفة والتعليم ودور القطاع الخاص في دفع عجلة التغيير السياسي في المجتمعات العربية.
من الملاحظ أن وتيرة عقد المؤتمرات والاجتماعات التي تتناول موضوع التغيير في الشرق الأوسط قد ازدادت في الأشهر القليلة الماضية وحضرت بعضها وخرجت من تلك المؤتمرات بقناعة هي أن التغيير سوف يحدث ولكنه لن يكون سهلاً مفروشاً بالورود، بمعنى أنه لن تكون هناك ثورة برتقالية أو وردية على طريقة ما حدث في دول أوروبا الشرقية وإنما سيتخلل التغيير ردود أفعال عنيفة ومقاومة من الفئات التي ستتضرر بهذا التغيير.
الفرق بيننا وبينهم أن التغيير عندنا لا يقتصر فقط على إنشاء مؤسسات ديمقراطية وتعزيز دور المجتمع المدني فقط وإنما يشمل تغييراً شاملاً في مناهج التعليم وتغيير أوضاع المرأة والقوانين التي تحكمها والتي تعودت عليها تلك المجتمعات دهوراً طويلة وكذلك إرساء القوانين الحديثة والتعامل مع الخارج الذي يرصد ويقيّم الأوضاع في منطقتنا بعيون مفتوحة على آخرها، لذلك فالتغيير سيكون أكثر صعوبة مما نتوقع.
ففي الكويت لا تزال المعارضة قوية في مجلس الأمة حول دخول المرأة معترك الترشيح والإنتخاب رغم محاولات الحكومة الكويتية كسر هذا الحاجز، وفي لبنان تنعقد مظاهرة المليون للتعجيل بخروج السوريين من لبنان وتأتي مظاهرة مضادة تندد بالقرار 1559 وتقدم الشكر للقوات السورية على «حمايتها» للبنان.
وفي مصر تمت موافقة الرئيس مبارك على ترشيح آخرين للانتخابات الرئاسية المقبلة وكذلك إطلاق سراح الناشط السياسي أيمن نور بعد توقيفه لمدة أسابيع، ولكن لا تزال الفئات الحاكمة تعارض الإصلاحات المطلوبة من الداخل والخارج بشدة. ويزداد الوضع حراجة عندما تؤيد الدول الغربية فريقا دون الآخر فيتهم الطرف الذي أيدته بالعمالة للغرب.
خلال العقود الثلاثة الماضية، لم يحدث أي إصلاح في المنطقة بل العكس، بينما تزداد مناطق أخرى انفتاحاً تدهورت أوضاع المنطقة العربية ووصلت إلى حالة تفجرت فيها بعض المجتمعات من الداخل على شكل مجموعات إرهابية. إن تطبيق الديمقراطية هو أكثر صعوبة مما نتصور، ففي افريقيا، على سبيل المثال، وصل عدد الإنتخابات التي أجريت خلال الخمس عشرة سنة الماضية إلى خمسين مرة، ولكن النتيجة هي أن بلداناً قليلة فيها قد يطلق عليها دول ديمقراطية.
وما يلفت النظر أن بعض دعاة الإصلاح يفضلون إصلاح الإقتصاد أولاً ثم يتجهون إلى معالجة الوضع السياسي ويستشهدون بمثال كوريا الجنوبية التي ركزت منذ نهاية الحرب الأهلية في الخمسينات من القرن الماضي على إصلاح الوضع الاقتصادي رغم مطالبات العديد من فئات المجتمع بتطبيق الديمقراطية خاصة في صفوف العمال والطلاب.
ومع النجاحات الإقتصادية التي حصلت بدأ الوضع السياسي في الإنفراج ولكن بضغوط من الداخل والخارج. أما سنغافورة وهي المثل الكلاسيكي الذي يضرب دائماً في نموذج الإصلاح الإقتصادي أولاً، عندما تولى «ليك وان يو» رئاستها في الستينات من القرن الماضي باشر في إصلاح الإقتصاد والتعليم ولكن مارس قبضته الحديدية على البلاد لمدة أربعة عقود تحولت سنغافورة في نهايتها إلى الديمقراطية.
لقد تناسى هؤلاء المطالبون بـ «الإصلاح الإقتصادي أولاً» أن التاريخ لا يعيد نفسه بشكل دقيق. وأن ما كان مقبولاً في الستينات والسبعينات من القرن الماضي لا ينطبق على بدايات الألفية الثالثة حيث الديمقراطية هي الهاجس الأول لدى الشعوب. الإصلاح الآن لا يأتي إلا متكاملاً، بمعنى أن يكون الإصلاح الإقتصادي موازياً للإصلاح السياسي ومكملاً له. فثورة المعلومات والتزايد السريع في منظمات المجتمع المدني وانتشار الفضائيات عززت الأفكار الديمقراطية خاصة بين أوساط الشباب التي تشكل الغالبية بين فئات المجتمع.
وما يزيد من تعقيد الأمر بالنسبة للتنظيمات السياسية المسيطرة على الساحة العربية والخليجية هو كون معظمها تنظيمات إسلامية لم تحسم أمرها بعد حول قضايا تحديثية في غاية الأهمية مثل موضوع المرأة والأقليات غير المسلمة في الوطن العربي.
ورأيي أن تبادر تلك الجماعات إلى توضيح رؤيتها الخاصة حول هذين الموضوعين كما فعل الحزب الحاكم في تركيا حين أصدر قانون الأحوال الشخصية الذي حاز على قبول الأتراك وشركائهم في الإتحاد الأوربي. هذا القانون الذي أعلن المساواة المطلقة بين الجنسين لم تجرؤ الحكومات السابقة على إصداره وإنما أطلقته حكومة إسلامية تعلم مسبقاً بأنها لن تتهم بالكفر والخروج عن الدين كونها هي حاملة لواء الإسلام والمدافعة عن الدين.
وعندما توضح الفئات الإسلامية موقفها من تلك القضايا الحساسة تطمئن إليها فئات اجتماعية متعددة كالليبراليين والنساء وفئات اليسار بصورة عامة. إن بناء ديمقراطية مستقرة دائمة في المنطقة العربية يتمتع مواطنوها بجميع حقوقهم هي عملية تزداد تعقيداً كلما أمعنا النظر فيها. ولكن لابد أن تكون الخطوات الأولى ثابتة وراسخة كي نستطيع مواصلة السير في هذا الطريق الشاق الواعد .
البيان الاماراتية* 17/3/2005م
|