فاخر السلطان - المرأة الكويتية والانسحاب السوري
يبدو أن معارضي مسعى المرأة الكويتية لنيل حقوقها السياسية، ومعارضي انسحاب الجيش والمخابرات السورية من لبنان، مرتبطان ارتباطا فكريا بحيث لا يمكن فكاك الأيديولوجيا الشمولية من مواقفهما. فلا يبدو صدفة ذلك الارتباط الزمني حيث القضيتان تشتركان بالنظرة المقولبة في إطار أن كل مسعى إصلاحي وحقوقي ووطني مدعوم من قبل الغرب وبالذات الولايات المتحدة فهو مرفوض جملة وتفصيلا، وأن الأفكار الإصلاحية الوطنية لا تمثل إلا تهديدا لمشروعهم الشمولي - مشروع "الأمة" - وما يرتبط بذلك من مصالح دينية وقومية عروبية، وهو مشروع يسعى لتهميش قضايا الوطن المصيرية وإضاعتها في بحر الهدف الأيديولوجي الكبير. فرفض الدعم الأميريكي لم يأت من موقف عدائي فارغ لواشنطن، بل أتى من أسس يستند إليها الخطاب الديني – العروبي المتحالف في أكثر من منطقة من مناطق العالم العربي والإسلامي، حيث تستند تلك الأسس إلى استراتيجية ترى بأن المشروع الديمقراطي الليبرالي الغربي من شأنه أن يمثل تهديدا لمشروعهم الشمولي في الساحات المحلية والعربية والإسلامية. فكلما ظهر مسعى إصلاحي حقوقي وطني في مجتمعاتنا ولحقه دعم ومساندة أميريكية، كلما استشاط الخطاب الديني – القومي غضبا وسعى بكل ما يملك من قوة لعرقلة هذا المسعى. فطرفا الخطاب يشتركان في نظرتهما الشمولية للقضايا ورفض أي دعم (أو تدخل) غربي وبالذات أمريكي فيها. فلو تتبعنا مواقفهما من مختلف الأحداث التي تشهدها المنطقة، بدءا من الكويت، ومرورا بالعراق ومصر والأحداث في الأراضي الفلسطينية وفي أفغانستان، وانتهاء بلبنان، لوجدنا أن مواقفهما منها متطابقة إلى حد كبير. فالاثنان متفقان على قضايا كثيرة ومختلفان على أخرى قليلة، لكن الأبرز في هذا الاتفاق والاختلاف هو الرفض المطلق لكل المشاريع الإصلاحية التي للأميريكان يد طولى فيها ولو خدم ذلك المشروع هدف وطني كبير أو قضية حقوقية بارزة. فرفض الدعم الأميريكي لتلك القضايا والأحداث إنما ينبع من طبيعة المشروع الغربي بشكل عام بوصفه يناهض شمولية الخطاب الديني والقومي ويهدد وجودهما الفكري والحركي. لذا يشترك الرفض الديني في الكويت لحقوق المرأة مع الرفض الديني العروبي للانسحاب السوري من لبنان، في أن الاثنين يناهضان الموقف الغربي في دفاعه عن حقوق وحريات المجتمعات العربية.
لنعود إلى التاريخ القريب، وخصوصا إلى نهاية القرن الماضي حينما استطاع صدام حسين أن يبرز قضية التحالف الديني العروبي ويستغلها شر استغلال لصالح سياساته ومشاريعه الظلامية، دون أي شعور بالذنب من قبل هذا التحالف تجاه جرائم صدام وتاريخه الفاشي الطويل. فبرز منذ تلك اللحظة هذا التحالف وظهر بقوة على السطح من دون أن يتفق على أسس فكرية مشتركة باستثناء أساس الشمولية وهدف المجتمع "الأمة". لذا كان من أبرز مشتركات هذا التحالف، الذي كان للإسلاميين الكويتيين دورا كبيرا فيه، الوقوف بوجه السياسات الأميريكية الداعمة لمشاريع الحرية والإصلاح في المنطقة، بدءا على سبيل المثال من مشروع تحرير الكويت من الاحتلال الصدامي، والذي اتفق خلاله التحالف الديني – العروبي على معارضة الآلة السياسية والعسكرية الأميريكية على قيادة عملية التحرير، ثم الاستهانة بالإنجازات الأميريكية في حرب البوسنة وكوسوفو، مرورا بالتشكيك باتهام تنظيم القاعدة الإرهابي بالوقوف وراء عمليات 11 سبتمبر الإرهابية في واشنطن ونيويورك وتحميل مسؤولية تلك الجريمة لجهات أجنبية وبالذات إلى إسرائيل، ثم الوقوف ضد الحرب في أفغانستان التي أدت إلى إزاحة نظام طالبان الظلامي من الحكم، والاحتجاج على قيادة أميركا لحرب تحرير العراق، وأيضا معارضة التوجه لعقد انتخابات فلسطينية بعد وفاة رئيس السلطة ياسر عرفات بهدف خوض مرحلة جديدة من المحادثات مع إسرائيل، وأخيرا وليس آخرا معارضة الضغوط الغربية الداعية إلى انسحاب سوري من لبنان بموازاة معارضة حقوق المرأة في الكويت باعتبارها مطلب تغريبي.
إن سياسات التحالف الديني - العروبي تستند إلى فكرة تطويع المصلحة الوطنية لصالح المصلحة الأكبر الشمولية، وهي المتمثلة في الظرفين اللبناني والكويتي راهنا، في رفض أي مصلحة حقوقية أو وطنية مدعومة من الغرب ولا تصب لصالح المشروع الأكبر ألا وهو مشروع "الأمة". فحينما يكون تحرير لبنان من الاحتلال السوري، في نظر العروبيين والدينيين، ضد المصلحة الشمولية العليا المتمثلة في خلخلة الجبهة الأممية العربية والإسلامية لمواجهة إسرائيل، فلا أهلا ولا مرحبا بالتحرير. وهو باعتقادي موقف مشابه للموقف العروبي - الديني أثناء حربي تحرير الكويت والعراق. وحينما يكون تحرير المرأة الكويتية من قبضة الأفكار التاريخية، خاصة حينما يتلازم ذلك مع تأييد وضغط غربيين، فإن ذلك لا يعتبر لدى الشموليين مشروعا حقوقيا بل مشروع تغريبي، أي أنه يصب في صالح المشروع الغربي ويجب وأده. فالمصلحة الوطنية التي لا تصب في إطار المصلحة الشمولية الكبرى، تعتبر عدو العروبيين والدينيين، وعلى أساس ذلك نستطيع أن نعي لماذا يعادي هؤلاء المشاريع الوطنية الحقوقية التي تهدف لخدمة الوطن والمواطن لا خدمة العروبة والفهم الديني الشمولي
عن موقع ايلاف |