المؤتمر نت- ترجمة: آلاء الصفار - الدولة الأكثر ديمقراطية في الجزيرة العربية تعد الجمهورية اليمنية بلداً ديمقراطياً إذا ما قورنت بجيرانها. بينما العربية السعودية تجري حالياً إنتخابات مجالس محليّة ، وهناك دول خليجية أصغر تتّخذت في الوقت الحاضر خطوات بسيطة نحو رفع المشاركة السياسية ، ولحدّ الآن لايوجد بمثل (قوة) البرلمان الكويتي الذي يعد المجلس الوحيد في العالم الذي تم انتخابه من قبل عدد ضئيل من الناخبين الصغار!
لكن اليمن على النقيض من ذلك ، إذ عندها برلمان متعدّد الأحزاب، إنتخب من قبل ناخبين من كلا الجنسين لثلاث مرات منذ 1993، والذي يحق له أن يصوّت على الميزانيات وسحب الثقة من الحكومة. فالجمهورية اليمنية حظيت بنظام متعدّد الأحزاب منذ قيامها في 1990، عندما الجمهورية العربية اليمنية ، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية توحّدتا ، وسعت الأحزاب الرئيسية الحاكمة الى حماية وجودها من خلال التعدّدية السياسية.
اليمنيون انتهزوا التوجه العالمي نحو التغيير والوحدة التي طال انتظارها ، فاغتنموا الفرص التي جاءت بمقدمة القوانين الجديدة الخاصة بالصحافة ، والأحزاب السياسية ، والإستفتاء الشعبي على دستور الدولة الجديدة التي قامت مطلع التسعينيات.
وللأسف، فإن الربيع اليمني لم يفلت من أزمته الرئيسية الأولى: المتمثلة بالصراع بين النخب السياسية للجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي كانت اتفقت على تقاسم السلطات في حكم دولة الوحدة. بينما كان المجتمع الدولي يسلط أضاءه على مصر والعراق والعربية السعودية، مثيراً التساؤل : لماذا الموجة الثالثة للديمقراطية لم تصل العالم العربي، ونافذة الفرص اليمنية كانت آخذة بالانغلاق في الشتاء 1993-94.
فبعد عام من الانتخابات البرلمانية الأولى، دخلت القيادتين السياسيتين السابقتين حرباً مع بعضهما البعض. ولعل هذه الكارثة تمخضت عن آثار طويلة ، وأثارت مخاوف قيادة الجمهورية العربية اليمنية المنتصرة من إمكانية أن تقود التعدّدية السياسية إلى الانفصال. علاوة على ذلك، فأن الأمر لم يتجلى فيما إذا كانت القيادة قد تعلّمت من أخطائها أم مازالت تؤمن بأن كل الأخطاء التي أرتكبت في أوائل التسعينيات كانت أخطاء الحزب الاشتراكي اليمني. بعد أكثر من عقد، ما زالت الحكومة تردّ بانفعال عندما ينتهك الصحفيون واحدة من الثوابت ، أو مما "يهدد الوحدة الوطنية " .
هكذا، تخلخل المسار نحو الديمقراطية ، وبينما كانت المشاركة الشعبية تمثل جزء من الحياة السياسية اليومية لوقت طويل، فان مثل هذه المشاركة لم تعد بالضرورة آمنة. فهناك صراع عنيف بين الحكومة ، وبين الإسلاميين المتطرفين ممن يعارض السياسة الخارجية للحكومة والجذريين يعارضون السياسة الخارجية من الحكومة وفقاً لقواعد تنظيمية ، والتي غالباً ما تقود إحدى القبائل اليمنية الى الوقوع في المواجهة.
وكانت المواجهة الأحدث أودت بأرواح المئات من الناس في محافظة صعدة أثناء صيف 2004م . أما الأزمة الأخرى، فهي أزمة قصيرة الأجل، تمت ترجمتها بإحتجاجات ضدّ ما هو متوقع منرفع الدعم المالي عن الوقود. إلا أن هناك عوامل أخرى يمكن أن يترتب عنها تأثيرات بعيدة المدى أكثر، مثل الخطّة الأمريكية القاضية بنقل المعتقلين اليمنيين من جوانتانامو إلى سجن على الأراضي اليمنية خاضع لسيطرة الامريكيين- وهو الأمر الذي سيثير بكل تأكيد الإسلاميين والقوميين على حدّ سواء، بالإضافة إلى تشويه سمعة وزيرة حقوق الإنسان اليمنية (المرأة الوحيدة في مجلس الوزراء). فإن التوتر الذي ستتسبب به مثل هذه الحركة سيضع الحكومة في موضع الدفاع ، ويزيد رغبتها في بسط نفوذها بمختلف الوسائل .
إن أمر كهذا سيؤثّر على الصحافة قبل كل شيء والمنظمات غير حكومية التي تقدر بـ 6,000 منظمة مسجلة. العديد من هذه المنظمات غير الحكومية خاملة، والكثير منها تحصر أنشطتها في برامج المساعدات الاجتماعية ، فيما يظهر الآخرون كما لو أنهم هيئات "غير حكومية" قريبة جدا للحكومة ، وما زال هناك آخرون ينبغي تسميتهم بالمشاريع الربحية ذات المصالح الشخصية.
على الصعيد الآخر ، فإن هناك مئات المنظمات غير الحكومية مشغولة في انشطة المجتمع المدني بجدية، مثل التدريب على حقوق الإنسان، مراقبة الانتخابات، تمكين المرأة والشباب، ودراسات أكاديمية نقدية
الزعماء والمواطنون اليمنيون يتحدّيان الآن لركوب الموجة الديمقراطية القادمة، الذي يجب أن تمنح شفافية أكبر إلى القطاعات العامّة والخاصّة وحرّية الصحافة.في الوقت الحاضر فإن اليمنيين يحمسهم التشجيع الدولي الذي يشد الأنظار الى أيّ وميض ديمقراطي في العالم العربي - وخصوصا في شبه الجزيرة العربية، الذي يشكل اليمنيون فيها نصف أعداد السكان.
إذا قُدِّر لليمن أن تنتقل من نطاقها الإقليمي فإن من الممكن أن تصبح فيها ديمقراطية حقيقية في غضون 10 سنوات - ضمن أسلوب يمني بشكل مميّز . إلاّ أن بقاءها كجزء من بلدان الشرق الأوسط بكل صراعاتها ، والعنف الذي فيها ، والنظم الاستبدادية ، ولكونها من أفقر البلدان في العالم العربي لذا فإن المستقبل محاط بالريبة .
* ترجمة عن ( الديلي ستار ) يوم 23/03/2005م |