المؤتمرنت / بقلم فيصل الصوفي -
حول مشروع القانون الجديد عن السلاح
تبيَن لنا الآن إننا كنا في الماضي نخدع أنفسا بالقول: إن ظاهرة انتشار الأسلحة لا تمثل خطراً على الحياة ، أو السلم الاجتماعي، وقد كانت هناك مشكلة حقيقية موجودة دائما- لكننا لم نعترف بها لنفكر بعد ذلك في إيجاد حلول لها من خلال تشريع مناسب.
وقد كانت هناك حقيقة لدى البعض -من وجود مثل هذا التشريع- رغم أن الأمر لا يستهدف حق المواطن في الحصول على سلاح شخصي أو الاحتفاظ به، بل يستهدف المجرمين، ومهربي الأسلحة ،والذين يسيئون استخدامها، ومنذ نحو تسع سنوات أسهمت قيادة وزارة الداخلية في وضع مشروع لقانون تنظيم حمل " الأسلحة" وحيازتها استناداً إلى خبرتها المباشرة مع المشاكل الناتجة عن ظاهرة انتشار الأسلحة وطوَر مجلس الوزراء ذلك المشروع ثم قدمه إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره، ولكن المجلس السابق- وبعده المجلس الحالي ظَلا يتجاهلان طلب الحكومة، وفي هذا الأسبوع وافق مجلس النواب على طلب الحكومة ،ووضع مشروع القانون ضمن جدول أعماله.
الذين ظلوا يرفضون هذه المشروع كانوا يبررٍون ذلك الرفض بالقول: إن هناك قانون لتنظيم حمل الأسلحة صدر منذ سنوات، وهو ساري المفعول وعلى الحكومة أن تطبقه أوًلا ،قبل أن يطالب بقانون جديد.
بينما يقول المسؤولون في وزراه الداخلية :إن قانون تنظيم حمل الأسلحة النارية و الذخائر والاتجار بها" والذي صدر في مايو 1992م لا يتعرض لحيازة السلاح، كما أن المشرع لتنظيم " حمل الأسلحة" أعطى كثيراً من الأشخاص حق الحصول على الأسلحة، دون ما حاجة لإذن أو تصريح رسمي، فضلاً عن أنه لا يعطي رجال الشرطة صلاحيات في كبح سوء استخدام الأسلحة، إلى جانب أن القانون يعطي المواطنين حق الحصول على الأسلحة ،وحملها دون قيود إلا في حالات محدودة.. ومن وجهة نظري أن ذلك القانون الذي يظهر من اسمه أنه ينظم حمل الأسلحة" ولا يتعاطي مع قضية الحيازة والاتجار بالأسلحة هو بمثابة" شرعنة، لظاهرة انتشار الأسلحة وحمايتها.
بعض الذين أعلنوا الحرب على مشروع القانون الجديد - من خارج مجلس النواب- يقولون إن من غير المقبول المساس بحق الناس في التسلح، أو فرض قيود على هذا الحق لأن وجود الأسلحة بأيدي الناس ضروري للدفاع الشرعي عن أنفسهم وعن دينهم ،ووطنهم .
وعادة ما يضربون المثل بأمريكا الدولة القوية التي ينص دستورها على حق المواطنين في التسلح ( التعديل الثاني في دستور الولايات المتحدة ينص على مايلي: بما أن وجود ميليشيات منظمة تنظيماً جيداً يعد من الأمور الضرورية لصون أمن أي ولاية حرة، فأنه لا يجوز إنكار حق الشعب في الاحتفاظ بالأسلحة وحملها.
وفي حقيقة الأمر أن الدستور الأمريكي ينص على " حق الشعب" وليس" المواطن" ومع ذلك فإن تساهل الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المسألة قد أدى إلى وجود (211 )مليون قطعة سلاح بأيدي الموطنين الأمريكيين، وبالمقابل تعد الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأولى في العالم من حيث عدد الجرائم الناتجة عن توافر تلك الأسلحة الصغيرة في المجتمع الأمريكي.. ولذلك فإن الحرية الأمريكية في هذا الجانب لا تصلح مثالا إيجابياً، بل يمكن الاستشهاد بها كمثال سلبي.. هنا أيضا في اليمن يمكننا القول إن التسامح المبالغ فيه تجاه ظاهرة انتشار الأسلحة ،والدفاع عن هذه الظاهرة أدى إلى استمرار الكثير من المتاعب كالحروب القبلية، بل إنه لولا وجود هذه الظاهرة وهذه الثقافة المدافعة عن بقائها كما هي لما كان بمقدور رجل مثل حسين الحوثي أن يملك كل تلك الأسلحة وأن يُسلح تلك الجماعة التي قادها لشن الحرب على الدولة وتهديد الاستقرار والسلم الأهلي.
إن مشروع القانون الجديد المقدم من الحكومة إلى مجلس النواب - لا يستهدف حق المواطن في الحصول على سلاح شخصي مسجل ومرخص، بل يستهدف الحيلولة دون انتشار الأسلحة التي لا يجوز لأحد الحصول عليها ،سوى قوات الجيش والشرطة، وهو أيضا يستهدف المجرمين المهربين ويضع ضوابط لحمل الأسلحة وحيازتها وحفظها والاتجار بها، وينبغي أن يطور مجلس النواب من مشروع القانون، وألا ينتقص منه، وأن يجعل الحصول على الأسلحة مسألة غير سهلة بل نتمنى أن يتضمن نصوصاً جديداً تتعلق بإعلان العاصمة ،وعدن -على الأقل- مناطق يمنية خالية من السلاح ويتم التدرج في هذه المسألة لنصل في النهاية إلى مدن خالية من السلاح.