بقلم-فيصل جلول -
من يوقف مسيرة التشاؤم في القمم العربية؟
ما الذي يأمله المواطن العربي عندما يجتمع زعماء أمته؟ سؤال بسيط مازال مطروحاً منذ عودة العرب الى الساحة الدولية في مطلع القرن الماضي. الجواب الذي يضمره عامة العرب هو: الوحدة، التنمية ، التعليم ضبط الخلافات العربية-العربية في الحدود الدنيا، مجابهة أعداء العرب ومواجهة خصومهم بفعالية وبطريقة تحفظ كرامة أمتنا ومكانتها ونظرتها لنفسها بوصفها أمة عريقة تستحق مايحق لها وتخضع لما يتوجب عليها.
قد يبدو هذا الجواب بسيطاً للوهلة الأولى ، لكنه مع الأسف لم يكن وهو ليس الآن هماً حقيقياً للزعماء العرب الذين اجتمعوا في الجزائر، ومن قبل في تونس، ومن قبل في غير عاصمة عربية، فما الذي يهم القادة العرب إذن والى مايسعون من خلال قممهم العربية المتعاقبة؟
من المؤسف القول ان مسارات القمم العربية منذ نهاية الحرب الباردة كانت محكومة غالباً بظروف دولية ضاغطة وبظروف شعبية ضاغطة أيضاً ، فمن جهة كانت القوى العظمى ومازالت تأمل بأن يوافق العرب في قممهم على الخضوع لأسرائيل والتهاون في حقوقهم في فلسطين وغيرها، في حين كانت الشعوب العربية ومازالت تطالب قادتها بمجابهة التحدي الأسرائيلي والتمسك بالحقوق الأساسية للفلسطينيين والعرب.
بين هذين النوعين من الضغوط كانت القمم العربية تميل الى الوقوف في منطقة وسطى دون أن ترضي الشعوب العربية تماماً ودون ان ترضي القوى العظمى تماماً الى أن تقدم ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بمبادرة السلام المعروفة في قمة بيروت عام 2002م وفيها للمرة الأولى حديث عربي صريح عن الاعتراف باسرائيل والتطبيع معها شرط أن تعيد الدولة العبرية أراضي العرب وتعترف بحقوق الفلسطينيين.
لم يكد يجف حبر المبادرة المعلنة حتى اعلنت اسرائيل رفضها ومارس شارون تصعيداً حربياً في الأراضي المحتلة، فما الذي فعله العرب بالمقابل ؟ لاشيء البتة.
لقد تصرفوا وكأنهم لم يتقدموا بمبادرة سلمية ، وأن شارون لم يرفض هذه المبادرة بطريقة استفزازية بل مهينة.
في قمة الجزائر لم ينتظر أرييل شارون الأعلان العربي عن التمسك بالمبادرة نفسها تحت شعار إعادة تفعيلها، فقد صرح مسؤول إسرائيلي، بقوله أن دولته ترفض المبادرة وان العرب تأخروا كثيراً في طرحها ذلك أن الظروف الدولية والأقليمية تغيرت على حد قوله وان تغيرهما يفترض تطبيعاً مع اسرائيل دون مقابل .
وهنا أيضاً من الصعب أن نلمس جواباً آخر غير الجواب الذي وقع غداة إعلان المبادرة أي الصمت والتعرف كأن شيئاً لم يكن.
في قمة الجزائر، كما في القمم العربية الأخرى يبدو أن القادة العرب لايعيرون اهتماماً كبيراً لمصير القرارات التي تصدر عن قممهم ونستدل على ذلك ليس فقط من خلال مثال المبادرة العربية للسلام وإنما من خلال أمثلة لاتحصى فأدراج الجامعة العربية مدججة بالبيانات والقرارات والدراسات النظرية الجميلة التي تنتظر المتابعة والتطبيق منذ سنوات طويلة دون جدوى فهل من سبيل لحل هذه المعضلة؟
الحق أن استمرار الحالة الراهنة للقمم العربية بات لايطاق، خصوصاً لجهة الصراع العربي الإسرائيلي فأن يرفض القادة العرب التطبيع مع اسرائيل في القمة ثم يعمد بعضهم الى التطبيع تحت حجج وذرائع مختلفة بعد القمة أمر يوحي بالسخرية من الجامعة العربية وقرارتها وينطوي على اعتقاد ضمني بأنها لاتستحق الاحترام من قبل اعضائها وليس أعدائهافحسب.
حتى لاتستمر مهزلة القرارات التي تخترق قبل أن يجف حبرها وحتى لاتصبح الجامعة العربية أَضحوكة في المجتمع الدولي وغير جديرة بالأحترام ، ربما يتوجب على اعضائها أن يلتزمواالمبادئ البسيطة التالية :
أولاً : الامتناع عن إتخاذ قرارات غير قابلة للتنفيذ أو معرضة للاختراق وعدم الاحترام.
ثانياً : تشكيل محور مركزي داخل الجامعة يتفق أعضاؤه على خطوط عريضة لدور الجامعة ضمن استراتيجية محددة المعالم والأهداف ومن ثم العمل على أن يكون جدول اعمال القمم العربية محكوماً بهذه الأستراتيجية وأن يعمل هذا المحور على فرض احترام مايتفق عليه تحت طائلة التشهير بالمقصرين والمعرقلين والمخترقين لقرارات ساهموا باتخاذها ووافقوا عليها.
ثالثاً: تحقيق التوازن بين القرارات السياسية والقرارات غير السياسية والعمل على تنفيذ القرارات المتخذة وفق جدول زمني خاضع للمساءلة في القمم المقبلة ، بحيث يصعب على المتخلفين عن التنفيذ والتطبيق الدفاع عن تخلفهم تحت طائلة الظهور بمظهر من يخرق الاجماع ويتحمل مسؤولية الاخلال بالعمل العربي المشترك.
رابعاً: تحقيق إصلاح داخلي في الجامعة العربية يتيح لها التدخل بصورة اكبر في المجالات العربية المشتركة وغير السياسية بشأن التربية والتعليم والطبابة والخدمات وبالتالي منحها أدواراً تتيح لها استعادة ثقة الرأي العام وتعاطفه وإظهارها كمؤسسة جامعة ومجدية وليس إطاراً للبيروقراطية والتوظيف والعمل غير المنتج.
خامساً:تخفيف عبءالقضايا الثنائية وتجنب طرحها على الجامعة حتى لاتصبح أسيرة مشاكل ثنائية عصية على الحل.
تلك هي باختصار بعض المبادئ التي يمكن أن تعدل مسار التشاؤم الذي يتحكم بالعمل العربي المشترك هذا إذا أراد العرب شيئاً آخر غير مهرجانات القمة التي باتت خالية من التشويق والمفاجأة..
نقلاَ عن صحيفة 26 سبتمبر