بقلم الدكتور سيف العسلي - المراهنة على الخارج قمار سياسي إن من يراهن على الخارج لتحقيق مصالحه الذاتية فإن رهانه خاسر، والأكثر خسارة منه هو الذي يراهن على من يراهن على الخارج، فالطرفان يمارسان نوعاً من القمار السياسي، القمار في المواقف السياسية مذموم كالقمار في الأموال، لأن كلا القمارين يسببان الخسارة والدمار لممارسيهما، القمار هو الدخول في رهان خاسر، فالمقامر لا يتعلم من أخطائه، فعلى الرغم من الخسارة المتكررة التي يتكبدها، إلاَّ أنه يصر على ممارسة الرهان، إذاً المقامر إنسان غير سوي.
إن المقامرة تختلف عن المخاطرة، فالمخاطرة هي القبول بتحمل مخاطر محسوبة يكون احتمال تحقق هذه المخاطر مساوياً لاحتمال الفوائد المصاحبة لها، أما المقامرة فهي تحمل المخاطر مع وجود احتمال كبير لعدم تحقق أية فوائد مصاحبة لها.
إن مراهنة بعض القوى السياسية على التدخل الخارجي للوصول إلى السلطة هي أقرب للمقامرة السياسية منها إلى القيام بمخاطرة محسوبة، فاحتمال تدخل العالم الخارجي لإيصال هذه القوى إلى السلطة في اليمن يكاد يكون معدوماً، وفي حال حدوثه فإن نجاحه شبه مستحيل.
التجارب التاريخية القريبة والبعيدة، تدل على أن الخارج لا يحبذ التدخل في اليمن، فعلى الرغم من انتشار الاستعمار الغربي خلال القرن التاسع عشر والجزء الأول من القرن العشرين، إلاَّ أن ما تم احتلاله من اليمن هو ميناء عدن، ولم يكن ذلك حدثاً عابراً، وإنما كان تعبيراً صادقاً عن صعوبة التدخل الخارجي في اليمن.
تؤكد ذلك التجارب التاريخية الحديثة، فقد كان التعويل والمراهنة على الخارج من أهم الحسابات الخاطئة التي ارتكزت عليها المحاولة الانفصالية الفاشلة في عام 4991م، فقد كانت هناك محاولات لتدويل هذه القضية والاستقواء بالخارج لفرض الانفصال، وعلى الرغم من أن الظروف في ذلك كانت مواتية نسبياً، إلاَّ أن المراهنين خسروا، فمن الواضح أنه كانت هناك استجابة لهذه المحاولة من بعض القوى الخارجية، لكن بفضل الله تعالى وبفضل التماسك الداخلي وبفضل القيادة الحكيمة لفخامة الأخ علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية، فشلت هذه الجهود وفشلت محاولات الانفصال، وعلى الرغم من هذا الفشل الذريع، إلاَّ أن المراهنين لم يعتبروا من ذلك وظلوا يهرولون إلى الاستقواء والمراهنة على التدخل الخارجي كلما لاح لهم في الأفق سراب، فهم تارة يستخدمون الحرب على الإرهاب لإغراء الخارج بالتدخل على أن يحققوا أهدافهم الدنيئة، وتارة يُسرِّبون معلومات خاطئة عن ممارسات واسعة ضد حقوق الإنسان، ويستخدمون الطائفية والمناطقية وكل ما أتيح لهم من حيل وتضليل لاستدراج العالم الخارجي للتدخل في اليمن، لكنهم فشلوا حتى الآن وسيفشلون في المستقبل.
وعلى الرغم من كل هذه المحاولات الفاشلة، إلاَّ أنهم لم ولن يتعظوا، فالإقلاع عن ممارسة القمار يحتاج إلى علاج ولا يمكن أن يحدث بشكل تلقائي، وقد وصل الأمر بهؤلاء المقامرين إلى افتعال أحداث عنف علّ ذلك يلفت انتباه العالم الخارجي فيتعاطف معهم ويتدخل لصالحهم كما حدث في أحداث صعدة في العام الماضي، فبمجرد إشعال فتيل الفتنة والتمرد بدون أي مبرر قام البعض بتصوير ما يحدث من تصرفات لقمع هذه الفتنة على أنه تصفية عرقية وقتل لمواطنين أبرياء، ثم ما فتئوا في ترديد الأكاذيب والتضليل في تصوير ما حدث على أنه انتهاك لحقوق الإنسان، وعلى الرغم من الحملة العشواء التي قادها بعض المقامرين السياسيين، إلاَّ أن النتيجة كانت هي الخسارة الذريعة، وعلى الرغم من ذلك إلاَّ أن هؤلاء المقامرين السياسيين لم يتعظوا، فعملوا على تفجير الأوضاع في صعدة من جديد واستخدموا نفس الأسطوانة المشروخة، ولكن النتيجة كانت هي الفشل، وعلى الرغم من ذلك، إلاَّ أن هناك اليوم أبواقاً توحي، بشكل صريح أو ضمني، بأنه يجب أن يحدث في اليمن تدخل خارجي كما حدث في دارفور أو في لبنان، إذ أن إدمانها على ممارسة المقامرة السياسية دفعها إلى أن تفعل ما تفعل على الرغم من عدم وجود أي تشابه بين حالة دارفور وحالة لبنان، فأحداث صعدة لا تتشابه مع ما حدث في دارفور، لا من قريب ولا من بعيد، فقد تمت معالجة أحداث صعدة بحكمة كبيرة، إذ أن هذه المعالجات لم تطل إلاَّ المتورطين فيها، فلم يحدث قتل لمئات الآلاف، ولم يجر اغتصاب لأحد، ولم يجر تهجيرقسري لأحد، ولم يجر إحراق أي أحد حي، ولم يجر نهب أي أموال خاصة، فكيف يقدم أحد من أبناء اليمن على مقارنة ما حدث في صعدة بما جرى في أية منطقة أخرى في العالم؟
وهناك اختلاف بين اتفاقية الطائف وما سمي بمعاهدة العهد والاتفاق، فالأولى حدثت بعد حرب أهلية، والثانية حدثت قبل حرب، الأولى وافق عليها جميع اللبنانيين، والثانية نقضها الانفصاليون، وقبل غيرهم تخلوا عنها نهائياً عندما أعلنوا الانفصال، فمعاهدة العهد والاتفاق لا شرعية لها تستدعي تدخل المجتمع الدولي لتنفيذها، وعملياً فإن انتصار الوحدة ألغى كل مبررات هذه الاتفاقية، وعلى الرغم من ذلك، إلاَّ أن هناك مقامرين جدد لكنهم بكل تأكيد أكثر بلادةً من المقامرين السابقين، ومن ينادي بانفصال المحافظات الجنوبية، لأنه لم يحصل على الوظيفة التي يريدها، فإنه يستهبل نفسه ويستهبل أجهزة الإعلام التي روّجت له، فوضعه كوضع من يطالب بانفصال الولايات المتحدة الشمالية عن الولايات الجنوبية، وعلى الرغم من أن المقامر الجديد لا يستحق حتى الذكر والتعليق، إلاَّ أنه يجب أن يكون عبرة لأي مقامر آخر لا يزال يتحين الفرصة، وربما شُجِّع هذا المقامر الغبي ليكون «طعماً»، فإذا ما كانت الاستجابة جيدة جربوا حظهم، ونحن نقول لهم إنهم سيفشلون كما فشل من سبقهم وكانوا أكثر ذكاءً منهم وأكثر حظاً.
إن هذه التجارب التاريخية كلها تدل على عدم وجود أي مبرر أو نية لأي تدخل خارجي في اليمن، فاليمن ليست العراق، وعلي عبدالله صالح ليس صدام حسين، والحوثي ليس آية الله الخميني، والحسني ليس مانديلا، وبريطانيا ليست أمريكا، ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين وليس في القرن التاسع عشر، ومع ذلك فإن البعض يتناسى هذه الحقائق ويظل يراهن على الخارج، ومن ثم فإن التفسير الوحيد لذلك هو القمار السياسي، فالمقامر كلما خسر زادت رغبته في القمار، وهذه القوى كلما خسرت زادت مراهنتها على الخارج، وكما أن الاستمرار في المقامرة لا يؤدي إلاَّ إلى زيادة خسارة المقامر، فإن الارتهان للخارج لن يؤدي إلاَّ إلى تسويد أوجه المقامرين في الداخل والخارج، وعلى هذا الأساس فإن جهودهم لا يمكن أن تنجح، لأنها مفضوحة وبليدة وساذجة، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا الخوف من عمل كهذا؟
إن الخوف ليس على الوطن، وإنما الخوف هو على هؤلاء المقامرين السياسيين أنفسهم، فعلى الرغم من كل هذه التصرفات، إلاَّ أنهم يظلون إخواننا وأبناءنا وآباءنا، فعلينا واجب مد أيدينا إليهم لمساعدتهم، وفي هذا الإطار فإننا نقول لهم إنهم لا يحتاجون للخارج لمحاربة الفساد الذي يدينونه، فاليمن بلد فيه هامش كبير من الديمقراطية، ومن ثم فإن عليهم أن يعملوا من خلال هذا الهامش، وفي هذه الحالة فإن عليهم أن يعتمدوا على أبناء شعبهم، فإذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم فربما دل ذلك على خطأ في هذه المطالب لا على خطأ في فهم أبناء شعبهم، وفي هذه الحالة فإن عليهم مراجعة هذه المطالب بدلاً من الاستقواء بالأجنبي ضد بني شعبهم.
إن على المقامرين أن يفتحوا عقولهم ومسامعهم لأبناء شعبهم لا للخارج، فالخارج دائماً يبحث عن مصالحه لا عن مصالح الآخرين، كما أن عليهم أن يقدموا خدماتهم لأبناء شعبهم بدلاً من تقديمها للخارج، فأبناء شعبهم سيحفظون ذلك الجميل لهم ويقابلونهم بنفس المشاعر، أما الخارجي فإنه يستهزئ بمن يتآمر على وطنه ولا يحترم إلاَّ من يحترم نفسه.
ما من شك أن قيام المقامرين بمثل هذه الأعمال والتصرفات لصالح بلادهم سيمكنهم من الخروج من براثن إدمان القمار السياسي، لأنها ستجعلهم - بإذن الله تعالى - يشعرون بأنهم مواطنون صالحون أسوياء، وفي ذلك يكمن علاج المدمنين من القمار، وعليهم أن يغتنموا فرصة تسامح شعبهم وقيادتهم معهم، فإذا ما استمروا فعليهم أن يعلموا أن المكر السيء لا يحيق إلاَّ بأهله، مع أننا نتمنى لهم الشفاء العاجل.
نقلاً عن الثورة
|