الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 05:55 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الخميس, 19-مايو-2005
محمد اللوزي -
الوحدة الوطنية
في حلنا وترحالنا كانت حلما يناوش حياتنا.. أحياناً كنا نعيشها لدرجة الخلق من الحنايا.. وأحياناً أخرى كانت تمس الكيان لدرجة الألم. التساؤلات بين وقت وآخر تنهمر كالمطر متى؟! وكيف؟! وبأي طرق؟. لم يكن لدينا شك كجيل تربى عليها وألف لغتها وسكنته بقوة إنها لن تكون، العكس من ذلك كانت تجسد بالكتابة وتتفتح طرية، وكان الشعر أروعه ما قيل فيها. والنغم ما تموسق من نهرها الجميل.. بين جيلنا كانت الخصومة السياسية ألاّ تكون هناك خصومة مع الوحدة الوطنية.. وبين جيلنا كان التباري على شده بين الإبداع والإبداع. الوحدة كانت إبداعا وملهمة لهذا الإبداع لم يكن هناك بد من الانشغال عليها. إنها المصير كما أنها الفتح المبين.. كأن أحداً لم يكن له في هذا الوجود من مطلب سواها ولم يكن للوجود من معنى بدونها.. هكذا تداخل الإنسان بالوطن بالثورة بالوحدة بالتنوع في هذا الإطار الجميل.
ولكم كانت المقايل على طول الوطن وعرضه تأخذ من الوقت كله الحديث عن حلم "وحدتنا المباركة". الجميع يتفق عليها ويخاصم أيا كان يريد التشكيك بها أو ينبس بشفه حيالها في الاتجاه المعاكس. ولم يكن أحد يجرؤ على احد أن يسير على الهامش حانقاً أو غاضباًً. لأنها كانت بكل تأكيد "أيقونه" تاريخية الكل يتقلدها ويستاف عطرها. ويزيد الوطن ثقة بالغد من أنها ذات زمن رائع ستأتي لا محالة.
والحق يقال: أنها بالقدر الذي لامست شغاف القلب. هي أيضا التعب الحقيقي والسفر الذي لا ينقطع والبحث عن الذات لأنها الامتداد الطبيعي للهواء والتفتح مع الزمن والالتحام مع الأرض والتداخل كما تتداخل الفصول بالفصول والنهار بالنهار.. لم تكن على عهدنا السياسة حولها وفيها سوى قصيدة أو لوحة تشكيلية أو أغنية مثل (رددي أيتها الدنيا نشيدي).. بهذا المعنى كانت مثالاً نظل في توق إليه ولا نقبل غيره ونفرح في التعاطي معه ونشد الوثاق منه إلى القلب كي لا تفر الأمنية فيتلاشى الزمان والمكان ويتبخر الماء ولا تتبقى نافذة للهواء.. اقرؤوا إن أردتم ما شئتم من إصدارات "ماقبل" لن تجدو كتابا واحداً يخلو من الوحدة ومعناها الرائع والأنيق.
لن تجدوا شيئاً يخيب الظنون سوى الظنون ذاتها وقد أسرتها روائع الإبداع حيال الهم الوطني الذي نريده واقعاً.
السياسة إذاً والنضالات وحتى المزايدات والأيديولوجيات لم يكن لها أي رواج أو قبول جماهيري مالم تسير في فلك وحدتنا وتتخلق منها. وتمضي بعدئذ إلى حيث تكون رصيدا إضافياً وحافزاً جديداً يجعلنا أكثر إصراراً على خوض معترك التحدي من أجل الوطن في الوحدة والوحدة في الوطن. لم يكن ثراء الحياة إلا منها وثروة الانتشاء فيها.. روعة وبهجة ومسرة كانت وحدتنا. جمالاً وألقاً وتكويناً استمديناه منها وكأن لا شيء له قيمة أو معنى ما لم يكن حافلاً بهذا الرائع الذي نصحو وننام عليه وندغدغ الصباح به كما نوشوش المساء ونصبوا إلى السقسقة. فنشعر أن كل الكائنات من حولنا تعزف أنشودة "الوطن "الوحدة" نشيد فتنة للقلب ما أروعه وأنبله وما أجمله زمنا كان فيه النضال نضالا والاختلاف شيمة والاتفاق عهداً وانتماء.
ما بعد:
من الإصرار ولد الجود، والفرح. تموضع الحلم صار وقعا استراح اليماني من مشقة السفر وإن كان لذيذاً هدأ قلبه وسكنت جوارحه وملأت العافية كل ذرة رمل في هذه الأرض.. لحظة الميلاد الجديد انهمرت الدموع ورقصت القلوب وصحى الزمن على زمن أكثر طراوة ونعومة كأننا لم نكن إلا هذا اليوم وكأن حياتنا طولاً وعرضاً صبغت لهذا المعنى في هذا اليوم 22 مايو 1990م.
لقد تحققت أنبل الأمنيات وأغلاها وصار الوطن فسيحا والذاكرة تزداد ثقة بعظمة الآتي:
لم نكن بعد إذ نرتاب في مقدرة الإنسان من أن يشق غمار المستحيل ولقد تجسد فعلا معنى الكلمة "تباً للمستحيل".
فبأي حديث بعده يفترون ونهر الحرية والحياة والنقاء هو هذا الرابض فينا حد اليقين. حقا أنه الوطن أو الإنسان الوطن صيغاً من طينة واحدة (ليس منا أبدا من فرقا).
أجمل الشعارات أكثرها احتفاءًً بهذا اليوم واستحضاراً من قبل لهذا اليوم.
ولم يكن بد من أن يغيض الفرح حسد الحساد ومن أن يكابد الوطن شيئا من المشقة يصدرها له من لا يرجون للوطن الوقار والسكينة والعيش بطمأنينة.
من اجل ذلك زحف الوجع قليلاً قليلاً. وارتهن البعض إلى الحساد وطغت على الفرحة الحيرة والتساؤل المؤلم. ترى هل سنبقى في ذات اليقين ولن نتزحزح.
كان مجرد هذا التساؤل ووضعه على الطاولة. بداية احتقان يأتي ولم يمض سوى القليل من الزمن حتى كبر التمادي والحديث عن المساس بالسيادة الوطنية وبالرجوع إلى الوراء وخربشة الأحلام وتمزيق روائع الإبداع والحط من شأن الإنسان وقدرته. كان كل ذلك يجري الترتيب له وأمام عظمة المنجز "الوحدة الوطنية". تبخرت كل الأوهام وتبددت الكثير من السحب واستطاعت الأرض أن تتحدث بقوة أنها لا تقبل المجزأ والعود من جديد وقال الإنسان كلمته الفصل "نعم" للجمال والطهر والنقاء وكان ذلك يعني قبول التحدي من جديد في الدفاع عن الوحدة، في تصدير رائعة أخرى لزمن لا بد أن يكون في صالح الإنسان، في تجذير المعنى وترسيخه حد الدهشة. لذلك كان الحسم سريعاً والانتصار مدهشا ليبقى الواهمون يكابدون الألم ويعيشون في حالة العبث اليومي من كونهم عصوا التاريخ وخالفوا الحقيقة وانتهجوا الخيانة ليبقوا في ذمة الزمن "خونه" ولم يكن للخيانة سوى القبر خارج حدود الوطن وفرح أهله..
بهكذا استمرت الأنشودة واستمر الميلاد وترسخت القيم.
أما اليوم:-
تجاسراً يتركب القلة القليلة في التعاطي السيئ مع وحدتنا وكأن هذه القلة لا ترغب إلا في الندم ولا يحلوا لها العيش إلا في الارتهان والارتزاق.. بوقاحة تحاول أن تبقى مشدودة إلى الهزيمة تأتي منها فلا تقوى على التواصل لترتد إلى البكاء والتحديق بكراهية إلى الأرض. كأن هذه القلة غريبة الوجه واليد واللسان. من أجل ذلك تقبل بالفتات تضع شروطا على الحياة وتظن أنها قادرة على خدش جدار الوطن.. وليتها تدرك أن الأرض عصية والإنسان. وأن لا "أسكود" ولا العملات المتشابه ألوانها استطاعت أن تحدث خدشا بسيطا في نهر الوحدة العظيم.
صحيح أن لنا تجربتنا بحلوها ومرها سلبها وإيجابها ولكن هذه التجربة لا تقبل الارتداد وليس في قاموسها "الفشل" وتدرك هذه القلة هذا المعنى غير أنها ترتاح للارتهان الذي ألفته وتربت عليه وكانت في نسيج حياتنا تحيك الدسائس والمؤامرات وحيث لا يخلو وطن من الأعداء فإن القدر يظل مناصراً لمن يريدون الحياة ويرفضون النميمة والحرام ولا يحفلون بشيء مما يأتي إليه المتسكعون في دهاليز الظلام وأوكار الخيانة.
لذلك ليسوا في الوطن إلا نافخ كير يرتد إليه شرره ورماده وليسوا في الزمن غير فاصلة صغيرة لدرجة أنها لا ترى بالعين المجردة. ومهما حاروا وداروا وتداعوا وتباكوا سيبقون إلى يوم الدين مدحورين مذمومين. وليتهم يفيقون من هكذا لحظات تجر لحظات كلها مرارة وندم وارتزاق حرام. فيما الوطن يمضي إلى حيث إرادة الشعب تصيغه انتصارات متوالية واستحقاقات تاريخية.







أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر