الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:18 ص
ابحث ابحث عن:
علوم وتقنية
الإثنين, 23-مايو-2005
عبدالله بخاش -
السرطان في اليمن.. وتحديات المواجهة
ما زالت تمثل مشكلة الأورام السرطانية في اليمن تحدياً صعباً لكل الجهود الرسمية والأهلية التي تبذل في سبيل المواجهة مع السرطان، فأعداد المرضى تفوق بكثير الأمكانات المتاحة بالمركز الوطني للأورام، وتكاليف علاج السرطان عبء ثقيل لا تقوى أسر المرضى على تحمله، ومعظم الحالات المرضية إسعافية لا تحتمل التأخير أو الانتظار. وكل يوم يمر تتجدد فيه الأحزان وتضيق خيارات الممكن، وتتبدد فرص الأمل المتضائل بتقادم الزمن.
لقد بات تزايد أعداد مرضى السرطان حقيقة ملحوظة لا تحتاج إلى من يثبتها إذ تشير سجلات الإحصاء الطبي إلى تسجيل (873) حالة ترددت على المركز خلال شهر إبريل الماضي، في حين كان العدد الكلي خلال العام 2002م لا يتجاوز (117) حالة وفقاً لإحصائية صادرة عن وحدة التسجيل الطبي للأورام أنذاك، فيما يؤكد الأطباء أنهم يستقبلون يومياً ما بين (50-60) مريضاً ويدفعون بنحو (70) مريضاً للعلاج الإشعاعي في كل يوم.
ومع أن أطباء الأورام يجمعون على أن الأعداد تتزايد بشكل مخيف وأن معظم الحالات تصل إليهم في وقت متأخر، لكن لا أحد يستطيع مع ذلك تحديد العدد أو حجم المشكلة وأماكن الانتشار، والسبب كما علمنا هو عدم وجود مراكز رسمية لتسجيل السرطان، مشيرين إلى أن افتتاح وتشغيل مركز الأورام قد ساهم في كشف جزء من جوانب المشكلة، ويرى الدكتور محمد القدسي – اختصاصي الأورام والعلاج بالإشعاع- أن تكوين معلومة كاملة عن حالات السرطان تتطلب إنشاء مركز وطني لتسجيل السرطان، وتوسيع الرعاية الصحية الأولية لكافة أنحاء الوطن، ويقول الحالات التي تأتينا تقريباً هي من نسبة (20%) من السكان الذين يحصلون على الرعاية الصحية الأولية، أما نسبة (80%) من الحالات فهي لا تسجل ولا تعالج وممكن تنتهي بدون أن يعرف عنها شيء.
ويضيف الأطباء أربعة أنواع من الأورام الخبيثة تأتي في المقدمة من بين اثني عشر نوعاً... هي الأكثر انتشاراً بين المرضى اليمنيين، وهي أورام الجهاز الهضمي، والرأس، والرقبة، والثدي، والليمفوما، وأن كانوا يبدون استغرابهم من ارتفاع نصيب سرطان الرأس والرقبة وتصدره خارطة السرطان في اليمن، وخصوصاً صغار السن، وهو الأمر الذي يعتبر غريباً وغير متوقعاً بالنسبة لبقية بلدان العالم.
ويذهب الأطباء إلى التأكيد على وجود علاقة طردية إيجابية بين الإصابة بالسرطان بعض الأمراض الوبائية المنتشرة بكثيرة في اليمن – وهو ما أكدته عالمياً بعض الدراسات والأبحاث- فارتفاع الإصابة بالملاريا مثلاً لها علاقة وثيقة بنوع خبيث من أنواع سرطان الغدد اللمفاوية، والإصابة بفيروس الكبد لها صلة بسرطان الكبد، أما البلهارسيا فذات علاقة أكيدة بسرطان المثانة على وجه التحديد، فيما يشكل التدخين السبب الرئيسي للإصابة بنحو (30%) من كل الأنواع السرطانية، ويحتوي التبغ على أكثر من أربعة آلاف عنصر كيماوي منها (55) عنصر مسرطن، وأكدوا بأن مكافحة هذه الأوبئة والآفات ستكون على صلة وثيقة بالوقاية من السرطان الخطير.
ونبه الدكتور يحيى مجلي – استشاري أمراض وجراحة الأورام- إلى قضية الاستخدام العشوائي للأسمدة والمبيدات والسموم الكيماوية التي تدخل حياتنا كل يوم بأكثر من طريقة، مشدداً على أهمية ضبط وتقنين بيع واستخدام هذه السموم الكيماوية وعدم صرفها أو استخدامها إلا بإشراف المهندسين الزراعيين المختصين.
وتكشف إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن نحو مليون شخص يتأثرون بالكيماويات سنوياً، فيما يموت كل عام عشرين ألف شخص نتيجة الجهل بمخاطر المبيدات، وتقدر التقارير عدد المركبات الكمياوية الموجودة بأكثر من (11) مليون مركب وأن أكثر من (100) ألف مركب كيميائي يتم تصنيعها في العالم سنوياً، ولهذا فقد أعادت الوكالة العالمية للأبحاث السرطانية النظر في حوالي (45) مبيداً حشرياً وفطرياً، وللآفات الزراعية، بعد وجود أحد عشر صنفاً منها ذات فعل سرطاني،وهو ما يدعونا للحد من استخدام السموم الكيماوية وإحكام الرقابة عليها.
وبعيداً عن الاستطراد فإن المعضلة الأساسية أمام أطباء الأورام – هي تأخر اكتشاف الأورام السرطانية لدى المرضى وبالتالي عدم وصولهم إلى المشافي المتخصصة إلا بعد تقدم المرض وفوات الأوان وتتداخل في هذه المعضلة عدة عوامل جوهرية كالجهل والفقر وتعدد مصادر التلوث البيئي، فضلاً عن ندرة الأطباء المختصين في مجال الأورام وتركزهم في العاصمة ومحدودية الوسائل التشخيصية والمخبرية للسرطان، والتي يتسبب غيابها في معظم الأحيان الوقوع في أخطاء تشخيصية وعلاجية يضيع معها الكثير من الوقت والجهد.
ويرى المختصون في المركز الوطني للأورام بأن الكشف المبكر للسرطان يساعد على نجاح العلاج، فكلما كان الاكتشاف مبكراً كلما أمكن السيطرة على الورم السرطاني، والتخلص منه في المراحل الأولى، ويقول الدكتور عبدالله الرقاص – المتخصص في طب وعلاج الأورام- بأن قضية الأورام تحتاج بالدرجة الأساسية إلى وعي جماهيري واسع واهتمام بالفحص الدوري إذْ ينبغي عند الاشتباه بوجود أي تورم في أي منطقة من الجسم سرعة التوجه لإجراء الكشف المبكر للأورام.
يضاف إلى المعضلات السابقة صعوبة الكلفة المادية لعلاج السرطان سواءً كانت بالنسبة للمرضى وأسرهم المنكوبة أو بالنسبة للجهات والمؤسسات الصحية، وهو ما استدعى الحكومة اليمنية لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بتيسير فرص العلاج المجاني لمرضى السرطان – وإن كان ذلك يكلفها الكثير.
ويرى الدكتور منيف محمد صالح – طبيب الأورام والعلاج الإشعاعي أن تشغيل المركز بحاجة إلى دعم سخي وضخم لا يتوقف عند حد ما. ويضيف: المتعارف عليه عالمياً إن مركز الأورام تحظى بدعم سياسي وحكومي وشعبي من جميع الأطراف، ولا يمكن أن تعمل ويكتب لها الاستمرارية بدون هذا الدعم؛ مشيراً بأن سياسية المركز تهدف إلى تحقيق مجانية العلاج، والحد من السفر للعلاج في الخارج،وذلك من خلال توفير وزارة المالية مائتي منحة علاجية شهرية للعلاج بالمركز واعتماد وزارة الصحة توفير بعض الأدوية الكيماوية مجاناً للمرضى – إن كانت بحاجة إلى التحديث واستيعاب الجديد من الدواء، منوهاً بأن المركز سيعمل على توفير الاحتياجات من الدواء الكيماوي مجاناً للمرضى.
وعموماً فإن المركز الوطني للأورام – وهو والوحيد في اليمن – يمثل في الوقت الراهن أقرب الحلول الممكنة لمواجهة انتشار السرطان، وإعادة الأمل لشفاه المرضى، وسيكون من المفيد خلال السنوات القادمة استكمال الأقسام الضرورية المتبقية كمختبر الأنسجة وقسم جراحة الأورام، وقسم الطب النووي والعلاج بالنظائر المشعة.
لكن تبقى الحلول الاستراتيجية لمعالجة المشكلة ماثلة في إعداد وتأهيل كتيبة من الأطباء في مجال طب وعلاج الأورام وإنشاء وحدات علاجية، وبحثية في المحافظات وإيجاد رديف آخر لمركز الأورام، وتنفيذ حملات الكشف المبكر والاهتمام بالوعي الصحي والوقائي وتبني دعوة للعودة إلى الطبيعة والحد من الملوثات البيئية المسئولة عن كل هذه المخاطر.





أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر