الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:29 ص
ابحث ابحث عن:
عربي ودولي

الحياة - اللندنية

الإثنين, 23-مايو-2005
المؤتمر نت - الحياة عبدالوهاب بدرخان -
صور صدام وأشياء أخرى
لا يكاد يمضي يوم من دون ان تضطر الولايات المتحدة الى فتح تحقيق في فضيحة جديدة، حتى ان الأمر غدا وكأن «الامبراطورية» في آخر أيامها فبات موظفوها وعسسها يعبثون وهم متيقنون بأن الضوابط والروادع لم يعد لها أي معنى.

من مسألة تدنيس القرآن في معسكر الاعتقال في غوانتانامو، الى قضية تعذيب السجناء الأفغان حتى الموت، الى ملف برنامج «النفط للغذاء» الذي لم يشر بعد الى تورط اي فرد اميركي، الى فضائح تبذير نحو بليوني دولار في العراق قبيل «نقل السلطة» من دون نقلها طبعاً، وأخيراً الى فضيحة صور الرئيس العراقي السابق صدام حسين في سجنه.

تحقيقات. تحقيقات. تحقيقات. الكلمة توحي بأن مرجعية القانون مقدسة، لكن التطبيق لم ينتج سوى خيبات الأمل، لأن التحقيق يعني في القاموس الأميركي ـ خصوصاً منذ أحداث 11 سبتمبر ـ عملية يصار فيها الى ترتيب معين يؤدي الى اختيار ضحايا معينين لتنال «العدالة» منهم، وبذلك يبقى المذنبون الحقيقيون المسؤولون عن الجرم المبرمج الذي تحول الى فضيحة بعيدين عن الإدانة. وكان التحقيق في فضيحة أبو غريب مثالاً لهذا النمط.

بديهي ان هذه التحقيقات، والتسويات التي تنطوي عليها، لا توفر مبرراً مقنعاً أو مفحماً لرفض الولايات المتحدة خضوع مواطنيها للقانون الدولي أو مثولهم أمام المحكمة الجنائية الدولية. فلو ان القضاء و«العدالة» الأميركيين حاسمان وحازمان في الحكم على اقترافات أبناء الامبراطورية، لكان تمييز الولايات المتحدة نفسها مفهوماً. لكن تلاعبهما بالقيم الانسانية يعني ان هذين، القضاء والعدالة الاميركيين، يعملان في خدمة عنصرية معلنة ومصممة.

للأسف، لم يكن تراجع «نيوزويك» عن خبر تدنيس القرآن، كافياً للاقناع بأن الخبر غير صحيح. لكنه كان كافياً بأن ضغوطاً واحتجاجات اميركية حكومية أقنعت إدارة المجلة بأن الخبر نشر في وقت غير مناسب لإدارة الرئيس جورج بوش. وبين التضحية بمصداقية المطبوعة، وقتل مصداقية الحملة الاميركية لـ«مصالحة» الرأي العام العربي والاسلامي، كان الخيار واضحاً وسهلاً، طالما ان الأمر يتعلق بشأن خارجي. ثم ان تكذيب الخبر يساعد «التحقيق» الذي وجد نفسه سريعاً أمام «مزاعم»، مجرد مزاعم غير مؤكدة، فبماذا سيحقق إذاً؟

المهمة ليست بهذه السهولة في ما يتعلق بموت سجناء أفغان تحت التعذيب، الأرجح من دون علم السلطات الأفغانية، وبالأخص أولئك المنتخبين «ديموقراطياً» في صفوفها. إذا كان هناك تعذيب قد حصل، وموت قد حصل، على أيدي سجانين أميركيين، فإننا أمام حال تنسب عادة الى دول عربية أو اسلامية. بعد نحو أربع سنوات على السيطرة الأميركية على افغانستان، لا بد من التساؤل عن الحكمة في ان يتجشم الاميركيون عناء الرحلة الى هذا البلد لارتكاب ممارسات كان يمكن ان يتقنها «الطالبان» على نحو أفضل. هناك أحد احتمالين: إما ان التعليمات الرسمية سمحت بهذا التعذيب حتى الموت، أو ان الجلادين تصرفوا بدافع ثأر وانتقام. لا يُعرف إذا كان «التحقيق» سيهتم حقاً بجلاء الحقيقة.

بالنسبة الى صور صدام، الأمر لا يتعلق بصدام أو بالموقف من ماضيه، ولا بتعاطف محتمل معه لدى البعض أو باحتقار مؤكد له لدى بعض آخر. الأمر يتعلق بدوافع تسريب الصور لسجين، كائناً من يكون، ونشرها على الصفحة الأولى لجريدة الـ«صن» واسعة الانتشار في بريطانيا، لكن المعروفة بأنها لا تحترم أي قيم اخلاقية، بل انها تفخر بذلك وتصر عليه. هذه الصور لا تشكل عملاً صحافياً بمقدار ما هي صفقة مالية جيدة لمن سربها اميركياً كان أو عراقياً. ولم يكن متوقعاً ان تنشرها صحيفة محترمة وانما صحيفة مثل الـ«صن» لا تتردد في اصطياد أي خبر يسيء للعرب والمسلمين ولا تحجم عن إبداء عنصرية كريهة إزاء أي سحنة سمراء أو دشداشة أو بشت أو كوفية أو عمامة. سبق ان كتبت الصحف، قبل اسابيع، عن صدام في سجنه. وقالت انه يغسل ثيابه بنفسه. نعم، إن في حياته في المعتقل ذلاً يستحقه لأنه أذل شعبه وحقره. لكن هذا لا يبرر أي حماسة ساذجة للصور، وكأن نشرها قسط مبكر من العقوبة المتوقعة لصدام بعد محاكمته. لا يختلف إثنان على ان السجن مهانة للرئيس السابق، ولو كان تمتع الجمهور بهذه المهانة أمراً مشروعاً لما كانت الاعراف والاتفاقات الدولية حظرته، ولكنا تمتعنا مثلاً بصور للطاغية الصربي السجين ميلوشيفيتش. وللمرء أن يختار ن ينظر الى العالم إما بمنظار الـ«صن» أو بمنظار الاعلام الآخر الذي يحترم انسانية الانسان.






أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر