المؤتمر نت -
(اورت) والتنقيب عن القصة اليمنية
لم تشجعه جهة ما على إعداد بحث عن الأدب القصصي في اليمن، وباستثناء تأثير الصور الفوتوغرافية التي شاهدها عن اليمن واقتراح صديق قرر المواطن الألماني (جونتر اورت) البحث في قديم الأدب القصصي اليمني وحديثه.
بحث ادراج مكتبات الجامعات الألمانية والأوربية وسافر إلى القاهرة ولما لم يجد ما يشبع بحثه قال (اورت) لنفسه:" إما أنه لا يوجد أدب قصصي في اليمن أو أن الأدب موجود ولم يجد من يهتم به إلى الآن" فكان الافتراض الثاني.
لم يعد يتذكر عدد زياراته لليمن لكنها لا تقل عن عشر زيارات أغلبها ما بين الأعوام 91-96م حيث كان يجمع مواد رسالته لنيل الدكتوراه في الأدب اليمني متنقلاً ما بين مقر اتحاد الأدباء وجامعة صنعاء إلى مركز الدراسات.
وبعد نحو 5 سنوات من التنقيب عن القصة القصيرة في اليمن يجد الباحث والمترجم الألماني / (جونتر ورت) نفسه أمام معضلة جديدة تتمثل في عدم وجود أستاذ جامعي بجامعة (برلين الحرة) يشرف على رسالته.. !! فكيف قوبل بحث جونتر عن القصة اليمنية في ألمانيا ؟ وما مدى إقبال القارئ الألماني على الأدب العربي بشكل عام ؟! وما هي الصعوبات والعوائق التي واجهها المترجم / جونتر في اليمن؟
أسئلة عديدة وقضايا كثيرة تحدث عنها الدكتور/ (جونتر اورت) في سياق الحوار التالي :
إلتقاه في صنعاء/ جميل الجعدبي
ما هو سر اهتمامك بالأدب القصصي في اليمن دون غيره..؟!
بالتأكيد كان لدي اهتمام معين باليمن بشكل عام كبلد عربي وربما لأني رأيت بعض الصور عن اليمن، كل هذه عوامل دفعتني للبحث عن الأدب اليمني في مراجع مكتبات الجامعات الألمانية وفي أوروبا بشكل عام.
حتى عملت جولة في القاهرة، في محاولة للعثور على كتب حول هذا الموضوع.
ولاحظت أنه لا يكاد يكون هناك بحث متخصص في الأدب اليمني. إلا كتاب أو ربما كتابان لمؤلفين مصريين؛ فقلت لنفسي هناك افتراضين. أما أنه لا يوجد أدب في اليمن. أو أن الأدب موجود ولم يجد من يهتم به إلى الآن.، وكان الافتراض الثاني هو الصحيح.
دوران حركة الترجمة بين نفس اللغات الأوربية
في ظل حركة الترجمة. كيف يبدوا لكم شهد الأدب في الوطن العربي . وهل هو مؤهلاً لقيادة حوار ثقافي ( عربي – ألماني ) ( عربي – أوربي ) في ظل الأحداث الدولية الراهنة وما تشهده الساحة من دعوات لحوار الثقافات بين الشعوب ...؟!
حقيقة حركة ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى حركة محدودة .. مقارنة مع بقية اللغات والآداب. ولعل أسباب عديدة وراء ذلك منها أن الأدب العربي بشكل عام ليس مطلوباً إلى درجة كبيرة في أوروبا، وهذا يخص جميع البلدان العربية، وليس فقط اليمن باستثناء ربما أعمال نجيب محفوظ باعتباره أول كاتب عربي يحصل على جائزة نوبل للآداب عام 88م.
فالأدب العربي ليس معروفاً كثيراً في أوربا لأسباب ليست في عدم تأهيل الأدب العربي فنلاحظ نفس الشيء فيما يخص الأدب الهندي والصيني والأدب الأفريقي فالترجمة عن هذه الآداب محدودة جداً في أوربا، ويبدو أن حركة الترجمة في أوربا والبلدان الغربية بما فيها روسيا تدور بين نفس اللغات الأوربية نفسها أكثر من التبادل الترجماني بين اللغات الأوربية وغير الأوربية.
هل للأحداث السياسية والصراعات دور في إفراز تلك الحركة للترجمة ؟!
السياسة تلعب دور في إقبال القارئ الغربي والأوربي على أدب معين.
فهذه الوضعية السياسية المعقدة جداً عكست نفسها فيما يخص الإقبال على الأدب العربي فإذا كانت أوروبا تنظر إلى الشرق الأوسط باعتباره منطقة أزمات وصراعات ومصدر إرهاب فلا نستطيع أن نتوقع أن يكون هناك طلب كبير أو قبول لمعرفة الأدب العربي أكثر من ما هو عليه حالياً.
متى بدأت رحلتك مع الأدب اليمني ؟!
بدأت رحلتي مع الأدب اليمني عام 1991م حيث كانت أول رحلة لي إلى اليمن والفضل يعود في ذلك إلى صديقي (كريم ثابت) الذي كان يدرس في ألمانيا وتعرفت عليه فاقترح عليَّ أن أعمل بحثاً عن الأدب اليمني، ولا أتذكر صراحة كم مرة جئت إلى اليمن لكنها لا تقل عن عشر زيارات قمت خلالها بجمع المواد ومقابلة الكتاب والأدباء لكتابة الدراسة.
معالجة قضايا الإنسان اليمني
أين وجد الباحث (جونتر ورت) الأدب اليمني مقارنة بالأدب العرب اليوم العالمي من خلال تجربته ؟!
الأدب اليمني مثله مثل بقية الآداب العربية، فهو أدب يوافق الحياة العصرية ويعالج هموم وقضايا الإنسان اليمني المعاصر مع الفارق الزمني ربما أن الأدب اليمني الحديث بدأ في وقت متأخر نسبياً مقارنة مع الأدب في لبنان أو مصر وسوريا، فالأدب اليمني كان خارج نطاق الاتصال المباشر بالبلدان الأخرى وبالحداثة إذا صح التعبير. وبالتالي نلاحظ أن الأدب القصصي الحديث بدأ في اليمن في الستينات وطبعاً كانت هناك محاولات أولى في الأربعينات والخمسينات.
وكيف تقيمون مشهد الأدب القصصي في اليمن حالياً؟!
النتاج الأدبي في اليمن يعيش طفرة حقيقية
ألاحظ نشاط كبير في النتاج الأدبي في اليمن، فمنذ بدأت أهتم بالأدب اليمني في بداية التسعينات ألاحظ طفرة حقيقية فكل سنة تصدر العشرات من المجموعات القصصية والروايات كما أن الرواية تلعب دور متزايد الآن أكثر من السابق حيث كانت القصة القصيرة هي السائدة في الستينات والسبعينات أما الآن فقد صدرت العديد من الروايات لأدباء من الرجال والنساء.
اجتماع الأدباء في اليمن سهل مهمتي
عوامل ساعدتك خلال مرحلة إعداد الدراسة في اليمن؟!
أعجبني بشكل خاص في اليمن تكاتف الأدباء لا تجد ذلك في أوروبا أو ألمانيا فهناك في ألمانيا (حساسيات) بين الأدباء تجعلك أمام كاتب واحد أما هنا في اليمن تزور مقر اتحاد الأدباء تجد أمامك ربما عشرة من الأدباء والكتاب لا حساسيات بينهم، فهم يجتمعون مع بعض وهو ما سهل لي المدخل إلى الأدب اليمني، ووفر عليَّ عناء البحث من باب إلى باب للاتصال بأحد الأدباء.
وماذا عن الصعوبات التي واجهتها ؟!
الصعوبات والعوائق لم تتعلق بالأشخاص بل كانت في كيفية الحصول على المراجع والكتب؟ فلم يكن هناك سجل للكتب القصصية اليمنية ومتى صدرت؟! ومن أين ؟! وأسماء الأدباء والمراجع والأبحاث حاولت أن أطلع على كل ما كتب في إطار النقد الأدبي اضطريت فكان الحصول على هذه الكتب والمجلات أحياناً متعباً وأطريت لأن أبحث في الاتحاد وأسأل عن الكتب المعينة في جامعة صنعاء ثم في دور النشر وأحياناً كنت أذهب إلى الكاتب نفسه واسأله إذا بالإمكان تزويدي بنسخة من هذا الكتاب وحتى الكاتب أحياناً ليس لديه نسخة وهنا كانت المشكلة.
أصداء الأدب اليمني في برلين الحرة
أصدقاء ساعدوك من خارج الوسط الأدبي ؟!
نعم فهناك أشخاص أهدوني كتباً من مكتباتهم ومن منازلهم حتى تجاوزت العوائق في البحث عن القائمة الشاملة بكل الكتب القصصية في اليمن وعلى حد علمي كانت هي أول قائمة من هذا النوع.
كيف قوبل بحثك عن الأدب اليمني في الجامعة الألمانية؟! وهل ثمة عوائق واجهتها خلال تقديم البحث لمناقشته ؟!
واجهتني مشكلة إيجاد أستاذ جامعي يشرف على هذه الدراسة لأن الأستاذ المشرف على أي رسالة دكتوراه لابد أن يكون على دراية بنفس الموضوع، أما بالنسبة للأدب اليمني فلم يك هناك من يعرف تقريباً أي شيء عن هذا الجانب ومع ذلك قوبل البحث بصدى طيب وإيجابي واختفت بقع بيضاء من خارطة الأدب العربي على الأقل بالنسبة للمختصين الألمان في هذا المجال وبالطبع حاولت نقل ما توصلت إليه من نتائج البحث إلى العربية لكي يتمكن القارئ في اليمن من الإطلاع على ما كتبت وهو كتاب (دراسات في القصة القصيرة اليمنية) الصادر عن اتحاد الأدباء.
انطباعاتك عن اليمن بشكل عام .. والوحدة اليمنية كظاهرة عربية فريدة. وكيف تقيم التعاون بين اليمن وألمانيا بعد الوحدة الألمانية ؟!
الاتصالات عديدة بين المانيا واليمن في أكثر من مجال فمنذ سنوات طويلة وقبل الوحدة كانت اليمن من أهم البلدان النموذجية لخدمات التنمية الألمانية .. فكانت الاتصالات مكثفة بين البلدين وبين شطريهما آنذاك واستمر هذا التعاون الوثيق وتزايد سنة 90 بعد الوحدة اليمنية والوحدة المانية وأعتبر جهودي جزءاً من جهود تهدف إلى التقارب بين البلدين.
عراقة اليمن وكنوزها تجذب اهتمام الأوربيين
عادات وتقاليد يمنية نالت إعجابك في اليمن ؟!
حسن الضيافة من العادات العربية بشكل عام والعادات اليمنية بشكل خاص فالزائر الأجنبي يقابل بالترحيب الكبير من قبل اليمنيين سواء كان سائحاً أو رجل أعمال أو باحثاً، يعتبرون اليمن من البلدان المفضلة لدى العديد من الباحثين سواء من الأوربيين أو الألمان بشكل عام ليس فقط في مجال الآداب أو الأبحاث الاجتماعية حتى في مجال الزراعة والجغرافي والجيولوجيا فاليمن كبلد عريق وملئ بالتاريخ والثقافة يجذب اهتمام الأوروبيين بشكل خاص.
تصحيح صورة اليمن في الخارج
ومع ذلك لا تسلم اليمن من تحذير بعض الدول بما فيها ألمانيا لرعاياها من السفر إليها؟
موضوع اختطاف السواح كما حصل في بعض الأحيان كحالات فردية أثر إلى حد بعيد في الصورة السائدة عن اليمن ولابد من تصحيح هذه الصورة في الخارج كما تعلم من أكثر من خمس سنوات لم تحصل حالة اختطاف واحدة ولكن الصورة القديمة لا زالت وبالتالي هذا يؤثر على حركة السياحة وألاحظ خلال التسعينات كان هناك إقبال سياحي في اليمن تراجع نوعاً ما بعد الأحداث وأيضاً تورط يمنيين في أحداث 11 سبتمبر كل هذه أشياء أثرت سلبياً على صورة اليمن في الخارج.
أخيراً.. من هو (جونتر ورت) ؟
أولاً أؤكد أنني (جونتر ورت) ولست (جونتر غراس) لاحظت مرة بحث في الإنترنت أنه حصل تبديل للإثنين فأنا صاحب الكتاب عن الأدب اليمني وليس غونتر غراس .
• مواليد 1963م تلقيت دراستي الأولى في مدرسة عادية إلى أن تخرجت من الثانوية.
• أنا من مدينة أرلن تقع جنوب ألمانيا وفيها جامعة مشهورة بالطب والهندسة وفيها قسم للغة العربية سجلت فيه وحضرت الدروس الأولى في اللغة العربية ووجدت سهولة ما في كتابة الخط العربي .
• فكانت بداية مرحلتي مع اللغة العربية.
• في 83 كنت موفداً في إطار منحة دراسية في القاهرة ثم منحة أخرى إلى سوريا 87.
وحينما تخرجت من جامعة ارلن بدأت في الإعداد لرسالة الدكتوراه عن الأدب اليمني سنة 91م وحصلت على الدكتوراه من جامعة برلين الحرة عام 97م ومنذ ذلك الحين عملت مدرساً للغة العربية ثم مترجماً متخصصاً حيث بدأت العمل كمترجم مستقل لجهات مختلفة.