زهير الحارثي* -
الدوحة وتل أبيب: المغزى والهدف..!
خرجت الناطقة باسم الخارجية الاسرائيلية لتقول ان قطر طلبت دعم اسرائيل للترشح لمجلس الأمن، واردفت تقول ان علاقتنا جيدة مع قطر كونها الدولة الوحيدة في الخليج التي تربطنا بها علاقة ايجابية.
ماذا تقرأ في هذه العبارة؟ وما الذي تريده قطر من اسرائيل؟ وما الذي تنويه اسرائيل من استغلال هذه العلاقة؟!
هل هو ارضاء قطري للضغط الاميركي الداعم لاسرائيل؟ أم هو تغريد خارج السرب لاثبات الوجود والتمرد عن المألوف؟! وهل تجد اسرائيل في الطلب القطري اختراقا للدول العربية ودول الخليج تحديدا لبعثرة الاوراق وخلط المعادلات السياسية؟ ثمة تساؤلات مشروعة ومطروحة بقوة، تقودنا بالتأكيد الى استقراء الواقع واستخدام القراءة العقلية في سياسة هذه الدولة او تلك، من أجل فهم مغزى العلاقة والهدف الذي تصبو اليه، لا سيما ان افرازاتها ستشكل امراً واقعاً لا يمكن اغفاله أو تهميشه.
على ان هذا يستدعي منا العودة الى الوراء بعض الشيء لنرصد بعضا من المواقف القطرية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، دعوة شارون لزيارة قطر مع الاعلان عن عقد اجتماع لوزراء الخارجية لمنظمة المؤتمر الاسلامي، وتزامن ذلك مع غضب شعبي عربي جارف لممارسات شارون آنذاك، حيث قام بحرب مدمرة وشاملة للشعب الفلسطيني متوعدا اياهم بالاستمرارية على هذا النهج وفي ظل غليان الشارع العربي آنذاك، وتراكم جثث الشهداء الفلسطينيين وتواصل النضال الفلسطيني المشروع، بررت قطر دعوتها لشارون لزيارتها من أجل عقد مفاوضات مع الفلسطينيين.
على ان المتأمل للسياسة القطرية، يلحظ ان ثمة غرابة في نهجها، ويشعر بأنها غير قادرة على رؤية الاشياء وتحليلها ضمن المنطق والمعقول والممكن، مما يعني عدم توازنها لو ارتهنا الى المنهج العقلاني، حيث يتضح من الرسم البياني لهكذا سياسة عدم الاخذ في الاعتبار الظروف والمعايير والمرجعية والمبادئ، وكأنها تكرس نهجا ديالكتيكيا (جدليا) يقوم على فكرة وفكرة مضادة لها.
وقد تسعفنا الذاكرة قليلا، وقبل عقد من الآن عندما ناشدت دول مجلس التعاون الخليجي قطر الوقوف معها من أجل قرار موحد ضد ايران لاسباب ليست مثار نقاشنا هنا، تمردت قطر واتخذت قرارا فرديا (ذاتيا) بالتواصل مع ايران آنذاك، وقبل بضع سنوات، خرجت قرارات القمة العربية بالقاهرة مطالبة بالغاء التعامل مع اسرائيل، حيث لم تمض (24) ساعة من صدور البيان الختامي حتى الغت تونس المكتب الاسرائيلي، ثم لحقتها عمان والمغرب، ليخرج لنا وزير الخارجية القطري معلنا ان قطر (تدرس) امكانية اغلاق المكتب. هذا التردد والبطء في اتخاذ قرار حاسم من قبل قطر، ادى الى ان تعتذر كل من السعودية وايران ولبنان عن عدم حضور المؤتمر الاسلامي الذي عقد حينذاك في الدوحة. كان من المتوقع، وفي ظل الظروف آنذاك من استمرار الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية على الفلسطينيين، ان يصدر قرار باغلاق المكتب وتجميد كافة الانشطة التجارية مع اسرائيل، وان تستغل قطر الموقف لصالحها، خاصة وهي كانت تستضيف مؤتمرا اسلاميا كبيرا، الا ان سوء التوقيت وعدم استيعاب الابعاد، ولذلك عندما شعرت بغياب الدول وضعف المشاركة وان ثمة فشلا سيلحق بالقمة الاسلامية، بادرت الى الاعلان عن اغلاق المكتب تلبية لرغبة الزعماء العرب والمسلمين في حين انه كان بامكانها ـ مثلا ـ ان تتمسك بوجهة نظرها في عدم اغلاق المكتب الى حين انتهاء المؤتمر، أو انها استدركت ذلك واتخذت القرار مبكرا مما كان سيبعدها عن الحرج، لا سيما وانه لا توجد التزامات قاهرة تفرض على قطر التمسك بتواجد المكتب الاسرائيلي. وحين نطرح هنا هذه الامثلة، فإنها تكشف جذور العقلية السياسية القطرية، حيث عدم الثبات في القرار السياسي أو مسألة التمرد السياسي، بمعنى ان يكون قرارها في نهاية المطاف هو الفيصل، بغض النظر عن صوابه أو عدمه، المهم الا يفرض عليها.
إذن، لا بد من القول ان القرار السياسي تتضح فعاليته في اهدافه ومغزاه وتوقيته، وعندما تختلف هذه المعادلة أو يسقط احد عناصرها، فإن الفشل والتخبط والتمرد هو مآلها. وقد جسدت السياسة القطرية هذه المعادلة في مرحل معينة ان الاستنجاد باسرائيل، وطلب دعمها للترشح لمجلس الأمن يمثل اهانة حقيقية للعرب، واعترافا بالهيمنة والسيطرة والنفوذ الاسرائيلي، وخنوعا للرغبة الاميركية وتزلفا لها، لا سيما ان المنطقة الآن تعاني من وضع مأزوم. ان النظرة الموضوعية للسياسة القطرية، والتي ادخلتها في دهاليز مظلمة حينا، وفي شرفات عالية حينا آخر، يعني في ما يعني عدم وضوح الرؤية والمعاناة من تضخم الانا والامثلة كثيرة (قناة الجزيرة وتركيزها على السعودية بينما الشؤون القطرية غائبة تماما.. اليس في قطر ما يستحق الاهتمام) ان المقام هنا ليس للتجريح أو الهجوم أو النقد، بقدر ما هو طرح ينزع الى القراءة العقلانية الموضوعية، ليتم استخلاص الاحكام بالاستدلال. ولذا فإن التفرد بالرأي، والتمرد، والمكابرة من نوع الاخطاء التي لا يمكن قبولها أو السكوت عنها، وعندما نبررها فإن هذا معناه: قابلية استفحالها. وعلى الدول العربية واجبات مرتبطة بمواثيق واتفاقيات فيما بينها، كما ان المرجعية (الهوية والعقيدة والتاريخ...) تحتم على الكل الارتهان الى العقل حين اتخاذ القرار، ومعرفة دوره وواجباته.
فالعقلانية في السياسة هي الحل، اما سياسة التمرد لأجل التمرد، فهذا قد ينجح لحظيا، اما على المدى الطويل فالنتيجة هي الصراع ومن ثم الانفصال أو الانهيار وتلك نهاية مأساوية، لكنها طبيعية اذا حكمنا العقل.
* كاتب سعودي