الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:32 ص
ابحث ابحث عن:
عربي ودولي

الخليج - الامارتية

السبت, 28-مايو-2005
د.غسان العزي -
ماذا بعد الانتخابات في لبنان؟
يعترف وليد جنبلاط،في كل تصريحاته،بأن مبعوث الامم المتحدة تيري-رود لارسن طلب منه كذا والسفير الفرنسي أراد كذا والأمريكي نصح بكذا.. وهو مضطر للتنفيذ.كما أن رئيس مجلس النواب نبيه بري صرح علنا في وجه المطالبين بتأجيل الانتخابات الاشتراعية اللبنانية، بغية التوصل الى قانون يؤمن صحة التمثيل، بأن “هذا القرار عند فرنسا وأمريكا”. لقد ضغطت هاتان الاخيرتان لاجراء انتخابات، ولو من دون”انتخابات” لأن “المحادل” و”البوسطات” بحسب التعابير الرائجة في لبنان قررت سلفا شكل التركيبة النيابية المقبلة وأسماء ممثليها فردا فردا عقب “انتفاضة الاستقلال” أو “ثورة الارز” التي يمتدحها بوش في هذه الايام صبحا وعشية.
انتقل لبنان في أشهر معدودة من وصاية سورية بموافقة أمريكية ودولية منذ العام ،1976 الى وصاية علنية أمريكية-فرنسية.وتم تنفيذ البند الاول في القرار1559 المتعلق بانسحاب القوات السورية من لبنان، في انتظار تنفيذ البند الثاني وهو الأهم في الأجندة الأمريكية المتعلق بتجريد حزب الله والمخيمات الفلسطينية من السلاح.
اللبنانيون منقسمون حول هذا البند، ومن المعروف ان تجريد حزب الله من السلاح من دون أي ضمانات فعلية للبنان الذي لايملك قوة مسلحة قادرة على الدفاع عن أراضيه في وجه اعتداء قادم من الحدود الجنوبية، انما هو تنفيذ لمطلب “اسرائيلي” أولاً وأخيراً. ويصر الأمريكيون على هذا المطلب رغم علمهم بما قد يترتب عليه من تداعيات على السلم الاهلي في لبنان.وهناك من يقول إن واشنطن التي توافق مع “اسرائيل” على عدم تنفيذ قرار الأمم المتحدة الرقم 191 المتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم سوف تضغط على السلطة السياسية الجديدة في بيروت للانخراط في تسوية مع “اسرائيل” تتضمن توطين نحو 300 ألف لاجىء فلسطيني يقيمون في لبنان. هذا الاخير لاطاقة له على استيعابهم لأسباب عديدة منها خوف المسيحيين من الاخلال بالتوازن الطائفي الهش.من هنا الاجماع اللبناني والذي تبناه دستور الطائف، على رفض هذا التوطين تحت أي ظرف من الظروف.ولكن ربما يخرج الأمريكيون من جعبتهم حلا كان يخشى منه الرئيس الشهيد الحريري وهو تقسيم لبنان الى فدراليتين طائفيتين تتحرر المسيحية منها من عبء الفلسطينيين الذين سيقبعون في الفدرالية ذات الاغلبية المسلمة.باختصار شديد فان التوطين في الادبيات السياسية اللبنانية هو المرادف للتقسيم، الأمر الذي لن يتم قبل المرور ربما بحرب أهلية جديدة أو ب “فوضى خلاقة” بحسب التعبير الامريكي الذي صار رائجا في هذه الايام.
الضغوط المتوقعة على لبنان “الجديد” من قبل الولايات المتحدة لن تكون عسكرية بل سياسية واقتصادية على وجه الخصوص.فالبلد يقبع تحت عبء أكثر من أربعين مليار دولار من الديون ومن خدمة دين تزيد على ضعف ناتجه الاجمالي الداخلي، وهو من بين الارقام الاعلى في لائحة الدول الأكثر مديونية في العالم. وبالتالي فان اقتصاده المحتاج الى المساعدات لايقوى على تحمل مجرد التهديد بضغوط اقتصادية.هناك مبرر لتفاؤل الامريكيين بقدرة سياسة العصا والجزرة على انتاج المفاعيل المأمولة منها في لبنان.
صحيح ما يقال ان مسألة تجريد حزب الله من السلاح ستكون شأنا داخليا لبنانيا، كما يعد القائمون على السياسة اللبنانية اليوم وكما وعدت فرنسا على وجه التحديد.ولكن الصحيح أيضا ان الولايات المتحدة سوف تكون حاضرة على الدوام لتذكر وبالحاح شديد الدولة اللبنانية أو “الديمقراطية الناشئة” كما يسميها بوش بأن من واجبها تنفيذ القرار1559 في أسرع وقت ممكن وقبل كل شيء.
هناك بالطبع مساحة للتفاؤل بوصول هذه المسألة الى نهاية سعيدة، لكن هذا الأمر مثل غيره من الأمور المتعلقة بهذا البلد ذي الجيوبوليتيك المعقد، مرهون بما هو خارج عن الارادة اللبنانية.انه مرهون بمدى مايكون قد توصل اليه الفلسطينيون و”الاسرائيليون” في مساعيهم الى السلام، وفي ما سيؤول اليه التفاوض الاوروبي - الايراني حول ملف طهران النووي، دون أن ننسى سوريا التي وان تركت لبنان إلا أن لها فيه نفوذاً يضرب جذوره في التاريخ والاجتماع والسياسة وغيرها لايحتاج الى تواجد مباشر لقواتها أو مخابراتها.
ان مقولة كيسنجر الشهيرة ماتزال صالحة الى اليوم: لا حرب في الشرق الاوسط من دون مصر ولاسلام من دون سوريا.لبنان أعجز من الدخول في تسوية سلمية مع “اسرائيل” اذا لم تدخلها سوريا واذا بقيت مستبعدة منها كما هو عليه الحال اليوم.
وتجريد المقاومة من سلاحها يهدف الى دفع لبنان الى تسوية مع “اسرائيل” لاطاقة له على تحمل تبعاتها وشروطها، كما يهدف الى الغاء التهديد الذي يمثله حزب الله في الحدود الشمالية ل “اسرائيل” في حال قررت هذه الاخيرة قصف المفاعلات النووية الايرانية على غرار ما فعلت ضد مفاعل أوزيراك العراقي في يوليو/تموز 1981.
أضف الى ذلك أن الولايات المتحدة وفرنسا، والاتحاد الاوروبي عموما، لا يزالان يختلفان في الرؤية الى النظام الدولي والى لبنان والشرق الاوسط عموما.وقد يعود هذا الخلاف للظهور الى السطح والتفاقم في ظرف من الظروف.
تحت شعار الشرق الاوسط الكبير أو الموسع تملك واشنطن أجندة اسرائيلية وتسعى للهيمنة على المنطقة هيمنة ناجزة نهائية في حين أن الاجندة الفرنسية هي أورو-متوسطية أكثر منها شرق-أوسطية وتعتبر أن الفوضى وصدام الحضارات وما شابه يطاول أوروبا القريبة مباشرة أكثر مما يؤثر في الولايات المتحدة البعيدة.وهي ترى الى السلام العادل والشامل شرطا للدمقرطة أو ملازما لها في حين أن واشنطن لا تعطي اشارات واضحة تدل على عزمها ممارسة الضغوط الحقيقية على حلفائها “الاسرائيليين” في حال امتنع شارون بذريعة أو أخرى تنفيذ التزاماته المعقودة في شرم الشيخ وخارطة الطريق.
وفي حال توقف العملية السلمية بين الفلسطينيين و”الاسرائيليين” على خلفية انصراف واشنطن عن الملف لسبب أو آخر مثل التركيز على مصر المقبلة على تطورات يمكن ادراجها في مشروع الدمقرطة أو السعودية التي تعاني من الارهاب أو لسبب اقتراب موعد الانتخابات الامريكية أو غيره فإن الاوراق قد تعود الى الاختلاط من جديد فيعود لبنان كما المنطقة الى المربع الاول، وهذه تجربة ماتنفك تتكرر في المنطقة منذ بداية الصراع في نهاية الاربعينات من القرن المنصرم.





أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر