جميل الذيابي -
عقدان ونصف العقد
عقدان ونصف العقد مرّا منذ انطلاقة منظومة مجلس التعاون الخليجي في أبوظبي عام 1981، ولا يزال الشارع الخليجي تائهاً لا يعلم كيف يحكم على منظومة مجلسه، فلا هو قادر على حمل نعش الموت وتقبل العزاء في مجلس لم يبلغ من العمر سوى أربعة وعشرين ربيعاً، ولا يمكن أن يصفق لما قّدم لأنه لم يحقق أمنيات وتطلعات وطموحات الشعوب الخليجية، ولا يمكن أن يبقى جامداً عند حدود التنظير وانتظار التغيير والتطوير. ويأمل الخليجيون بأن يروا مجلساً مستنسخاً من الاتحاد الأوروبي ليحقق الطموحات والتطلعات خلال الحقبة الأولى من الألفية الجديدة.
وحتى لا نلبس عمامة الحزن السوداء ونتباكى على سنيّ المجلس الخليجي الأربع والعشرين الماضية، ومن خلال متابعتي لمسيرة المجلس البطيئة، أقول انه لم يحتضر بعد كما يحصل لبعض التكتلات الاقليمية، وربما يعزى ذلك الى عمره الشاب مقارنة بعمر الجامعة المديد. لكن هناك رزمة من القرارات كان في إمكان الدول الخليجية الست تحقيقها وتفعيلها على ضوء امتلاك المال والنوم على وسائد النفط والغاز، إلا أنها ظلت عاجزة عن انجازها وتفعيلها بفعل البيروقراطية المميتة والروتين الإداري الممل داخل دوائر دول المجلس الحكومية. المجلس الخليجي لا يزال هشاً يحتاج إلى الإرادة الحقيقية القادرة على ترميمه وإعادة هيكلته بما يتوافق مع تطلعات الشعوب المستقبلية، لا خطط الحكومات البطيئة، ليصبح كياناً واحداً يجمعه القرار الواحد مثلما تجمعه اللغة والدين والدم والعادات والتقاليد. مسيرة التعاون الخليجي لم ولن تخلو من التباينات والتناقضات في العلاقات بين دول المجلس بحكم طبيعة الأسرة الواحدة، لكنها تميزت على رغم ذلك بعدم الوقوف عند المشكلات والخلافات، بل كانت تقفز إلى إيجاد الحلول الآنية للتحديات والمعوقات السياسية والاقتصادية التي تواجهها لتستمر المسيرة ولو على ظهر سلحفاة، ليبقى الخليجيون يغنون سوياً «خليجنا واحد... وشعبنا واحد».
يواجه المجلس الذي أسس في مطلع الثمانينات الميلادية لأسباب جيوسياسية وعسكرية واجتماعية، ولكبح جماح رغبات الجارين العراقي والايراني ونياتهما، تحديات وحروباً تدور رحاها على الشواطئ والصحارى الخليجية، وعلى بعد بضعة كيلومترات من حقول تمد العالم بالنفط، ولو لم تتكئ الدول الخليجية الى صناديق المال وبراميل النفط، وزعماء يدركون مدى الخطر، لذهبت الأرواح وحلت على هذه المنطقة الصحراوية لعنة عدم الاستقرار إلى الأبد، لتتناهشها اساطير العشائر والقبائل والتحالفات البدوية.
تساءلت ذات مرة أمام مسؤول في الأمانة العامة لدول المجلس عن الأسباب الحقيقية وراء إهدار بلايين الدولارات على البرامج العسكرية والسياسية، وخفض الانفاق على الرفاهية والحياة الاجتماعية، فسألني سريعاً: أليس الأمن والاستقرار أهم؟ رددت: بلى! فقال: «ما ذهب لفوهة البارود كان في مقابل سلامة الشعوب والحفاظ على الأمن والحياة المطمئنة المستقرة». وأردت إثارته متسائلاً: إلى متى وأنتم تسوفون وتقررون ولا تفعلون أو تنفذون؟! فردّ: «ما تراه بعيداً وبطيئاً نراه قريباً ومقبولاً»، مشيراً إلى أن تطبيق مبدأ «المساواة» في معاملة مواطني دول المجلس وتوحيد النظام الجمركي والعملة النقدية الموحدة في سنة 2010 تبعث على التفاؤل في ظل الظروف العصيبة التي واجهت المجلس منذ التأسيس.
لا يخفى على أي متابع ومحلل للمرحلة الخليجية المقبلة مدى حاجتها الى «إرادة سياسية» لتسريع المسيرة وتحقيق الطموحات وتعزيز العلاقات وتعميق الصلات بين الخليجيين، وإيجاد آلية عمل واضحة لوجود تكتل خليجي سياسي وأمني واقتصادي وثقافي لمواجهة المخاطر والتحديات والمستجدات الاقليمية والدولية بما يتماشى مع المتطلبات العصرية الحديثة.
لا تزال آليات تنفيذ القرارات وتقويمها تصطدم بآليات الروتين والبيروقراطية المعقدة في بعض الدوائر الرسمية، ما يقف حاجزاً أمام ترجمة القرارات الى واقع حقيقي ملموس. ومتى تمكن الخليجون داخلياً من اضعاف البيروقراطية وتمرير القرارات الى حيز التنفيذ من دون تردد فسيصلون إلى نتائج تخدم مؤسسات المجتمع المدني، خصوصاً الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في دول المنطقة، ما سينعكس في مستوى القرارات ومدى تنفيذها. ختاماً أؤكد ان مؤسسات المجتمع المدني في دول الخليج «جاهزة» للتعاطي مع القرارات لا انتظارها عقدين ونصفاً آخرين.