حاوره في القاهرة - محمود بيومي -
القاضي الهتار الإسلام ضد العنف والإرهاب
أكد القاضي حمّود عبد الحميد الهتّار عضو المحكمة العليا ورئيس لجنة الحوار الفكري باليمن .. أن حالة الأمة الإسلامية بحاجة ماسة إلى التغيير .. وذلك للارتقاء بأحوالها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية .. وأن غاية التغيير المنشود هي الحفاظ علي هوّية الأمة الإسلامية وأصالتها .. وإقامة حكم الله تعالي في الأرض معتبراً أن ذلك لا يأتي الإ عن طريق منهجية التغيير التي تتطلب استثمار كافة طاقات الأمة وتوجيهها لصالح الإسلام والمسلمين . وأوضح في حواره .. أن تغيير حالة لأمة إلى الأصلح والأقوام هدف إسلامي أصيل .. وقد ورد العديد من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة .. التي تحثّ المسلمين علي مواصلة تغيير واقعهم نحو الأفضل .
وأشار إلى أن واقع الأمة الإسلامية يؤكد أنها تسير في دروب التغيير النظري لا التطبيقي .. مما أدي إلى تفاقم وتضخم المشكلات ا لتي تواجه المسلمين في حياتهم لمعاصرة .. وتناول الحوار العديد من القضايا ا لتي تهم الأمة الإسلامية نص الحوار :
الإسلام لا يقر العنف
= في بدء الحوار أسأل القاضي حمود الهتار .. هل يقبل الإسلام فكرة التغيير العنيف في المجتمعات ؟
- لا بد أن نقرر أن الإسلام لا يؤمن بالعنف والقسر .. بل يقر منهجية الحكمة في الدعوة وحل جميع المشكلات التي تعترض المسلمين وكافة المجتمعات البشرية .. وبهذا تميّز الإسلام عن غيره من الأيديولوجيات التي تنادي بالتغيير القسري وتدعو إلى الصراعات والمطاحنات بين البشر .. كما أن المسلمين لم يسلكوا عبر تاريخهم الطويل دروب ا لشر والرذائل لفرض الفضائل .
إنقاذ المسلمين
= هناك من يري أن فكرة التغيير الدائم في المجتمعات الإسلامية أمر غير ضروري .. فما رأيكم في هذا الطرح ؟
- لا شك أن هناك العديد من الدوافع الداعية إلى ضرورة إحداث التغيير في المجتمعات المسلمة .. منها إنقاذ المسلمين مما اعتراهم من ضعف ووهن وعوز .. فقد وصلت الأمة الإسلامية في حياتها لمعاصرة إلى درجة متردية إذا قيست بأحوال الأمة في صدر تاريخها الإسلامي المجيد .. وذلك بسبب ابتعاد المسلمين عن العمل بأحكام الدين الإسلامي الحنيف .
وأضاف لقاضي حمود الهتار : فإذا نظرنا في المجال العسكري نجد أن أمتنا المعاصرة قد أصيبت بالعديد من الهزائم .. وفي الجانب السياسي نجد أن الأمة قد تمزّقت وتناثرت وحدة المسلمين إلى فرق متعددة الاتجاهات .. كما تعددت الكيانات الإسلامية الهشّة .. بينما خضعت الأمة الإسلامية اقتصاديا لكيانات دولية .. لا تريد أن تقوم للأمة الإسلامية القوية قائمة في المجتمع الدولي المعاصر .. وقد اغتصب جزء مهم من كيان الأمة الإسلامية أمام سمع وبصر المجتمع الدولي بل وتأييده !! وهذا الأمر جلي للغاية في فلسطين والعراق حديثا وفي تركستان الشرقية قديما .. ولا ندري ماذا سيحدث في الغد القريب .. إذا استمرت حالة الأمة علي هذا النحو .
اغتيال عقول المسلمين
= كيف يتم التغيير من النمط التغريبي في التفكير - السائد في أغلب ديار المسلمين - للنمط الإسلامي المنشود ؟
- إذا نظرنا إلى ا لجانب التربوي في حياة المسلمين المعاصرة .. وجدنا المناخ السائد في الأغلب والأعم من بلادنا .. يرتكز علي علوم الغرب الإلحادية .. مما أدي إلى اغتيال عقول النشء المسلم .. فأصبح الانتماء لغير الإسلام ولمسلمين – للأسف الشديد – مما وسع دوائر العصبيات والقوميات المتنافرة .. وهكذا أجهضت المؤسسات التربوية المتغربة في ديار المسلمين .. كل الجهود المبذولة في مجالات التربية الإسلامية .. بل وأضحت علوم لإسلام في مرتبة تقل كثيرا عن اهتمام الأفراد والجماعات بالعلوم الغربية .. في حين أن الإسلام هو أكبر ثورة ضد ا لجهل .
وأضاف : وقد وصلت بنا الحال لنري الأمة الإسلامية وقد وصلت فيه ا لي درجة من السوء لم تبلغها في تاريخها الطويل .. وإذا نظرنا إلى أحوال أمتنا في عصورها السابقة .. لأدركنا ما نحن فيه من تبعية وضياع .. وأصبحنا قانعين بالمباهاة بماضينا الإسلامي لمجيد الذي صنعه أجدادنا في كافة المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والعلمية والحضارية .. كل هذا دون أن نحاول اللحاق بركب التقدم العلمي والرقي الذي بلغته أمم سبقناها في هذا المجال بآلاف السنين .. وقد زحفت الي ديار المسلمين ثقافات وفلسفات نخرت في الكيان الإسلامي وأبعدته عن مصادر عزّته وارتقائه .
منهج التغيير الإسلامي
= ما هو المنهج الذي يضعه ا لإسلام لتغيير المجتمعات المسلمة الي الأفضل والأقوم ؟
- نحن ندرك أن التغيير في الإسلام سنّة من سنن الله تعالي .. المهم أن تبدأ لأمة في أحداث التغيير الإيجابي المنشود والمطلوب .. لتحويل الضعف إلى قوة والفتور إلى حماسة .. ولا يتم ذلك إلا بغرس قيمة التغيير الموضوعي التطبيقي في كل تربة تستظل براية الإسلام تحقيقا لقوله تعالي : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " – سورة الرعد آية 11 – وقد أشار لله تعالي إلى الجانب التطبيقي للتغيير في قوله سبحانه : " ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار . جهنم يصلونها وبئس القرار " - سورة إبراهيم الآيتان 28 و 29 -
وأضاف : فالتغيير إلى الأصلح هو الغاية التي يبتغيها الإسلام .. وذلك للإرتباطية بين الأسباب والمقدمات في كل عمليات التغيير المنشود .. يقول تعالي : " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا " – سورة النور آية 55 –
وقال : ويأتي في مقدمة عمليات التغيير لإصلاح شأن المجتمعات المسلمة .. ضرورة تجسيد الشريعة الإسلامية وممارستها عمليا وتحويلها إلى واقع حي ملموس في حياة الأمة الإسلامية المعاصرة .. كما جسدها رسول الله صلي الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم .. ومالم تتحول الشريعة الإسلامية إلى واقع مطبّق ستظل في إطارها النظري المثالي .. ويجب إلا تحكم أو تتحكم أية ضوابط غير إسلامية لتحدد ملامح الأمة الإسلامية .. لأن الضوابط المستوردة لا يمكن لها أن تبلغ مكانة الضوابط الربانية التي وضعها الله تعالي لإصلاح شئون الأفراد والمجتمعات المسلمة .. ولابد من التأكد بأن أي تقنين يخالف نصا شرعيا .. يكون شأنه شأن ا لقوانين الوضعية .. فالشريعة الإسلامية تتضمن الحل الجذري لكل القضايا والمشكلات التي تواجه الأسرة البشرية .. وتتضمن تحقيق المصالح العامة وتصون حقوق الأفراد والمجتمعات .
الحل الأمثل
= كيف تصبح الشريعة الإسلامية هي الحل الأمثل للمشكلات العصرية ؟
- إن الشريعة الإسلامية هي الحل الأمثل لجميع المشكلات في تاريخ وحياة لبشر .. سواء كانت مشكلات عقائدية أو مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية .. حيث ضمن الإسلام حفظ لضرورات الخمس وهي : العقل والنفس والنسب والمال والدين .. وجعل كل ما يخل بشيء منها جريمة تستوجب العقوبة .. كما نظمت علاقة لبشر بالخالق سبحانه وتعالي والكون والمخلوقات .وأضاف : فالشريعة لإسلامية ضمنت للبشر سعادة لدنيا والآخرة .. وقد أمرنا لله تعالي ورسوله صلي الله عليه وسلم .. بالتمسك بها والسعي لإقامتها وتحكيمها بين ا لناس .. يقول تعالي :" وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " – سورة الأنفال آية 39 – فإن لم تحكم شريعة الله تعالي بين الناس .. فإن الفتنة قائمة وكائنة وتصبح البشرية كلها مهددة بالهلاك و ا لضياع ولا شك أن السعي لإقامة شرع الله تعالي فريضة محكمة .
تغيير المجتمعات المسلمة
= كيف نبدأ تغيير مجتمعاتنا الإسلامية إلى الأفضل ؟
- يقول القاضي حمود ا لهتار : أن التغيير المطلوب في هذا المجال .. يجب أن يبدأ في مسارين متلازمين .. أولهما : السلاح الفكري ونشر العقيدة لإسلامية .. وثانيهما : قيام المؤسسات التي تتولي تجسيد هذه العقيدة الخالدة في واقع وحياة لشعوب المسلمة ونحن ندرك مدي مكانة الفكر وقيمته العليا في الإسلام .. لإن العلم هو الوسيلة إلى تنمية الفكر وإثرائه .. لذلك اهتم الإسلام بالعلم والعلماء .. يقول تعالي : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب " – سورة الزمر آية 9 – وقوله تعالي : " إنما يخشى الله من عباده العلماء أن الله عزيز غفور " – سورة فاطر آية 28 – وقوله سبحانه وتعالي : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير " – سورة المجادلة آية 11 – وقد أكد لقرآن الكريم ضرورة استخدام العقول لإحداث المعرفة الحقة .
الجهاد ليس لسفك الدماء
= يطعن خصوم الإسلام والمسلمين في الجهاد ويعتبرونه وسيلة لتبرير الإرهاب .. فماذا تقول لهؤلاء ؟ وكيف ننشر مفهوم الجهاد كما ورد في الإسلام ؟
- يقول ا لقاضي حمود الهتار : الجهاد في الإسلام لم يشرع لسفك الدماء .. بل شرع لإزالة المعوقات التي تحجب العقول وتمنع من التفكير وتجعل الإنسان يعيش في حالة من الركود الفكري .. وفي هذا المجال نجد أن الدعوة الإسلامية هي دعوة لتحرير العقول من الخوف ودعوة الي تصحيح المفاهيم الخاطئة .
وأضاف : لا شك أن نشر العقيدة وتصحيح المفاهيم هي الخطوة الأولي في دروب التصحيح .. كما أن قيام المؤسسات الإسلامية بمختلف أنشطتها .. بأداء دورها في إصلاح العطب الذي لحق بالأمة الإسلامية .. أمر ملح في هذه المرحلة الراهنة من حياة المسلمين .. ويتطلب ذلك إعداد الدعاة إعدادا سليما حتي يتمكنوا من أداء دورهم والقيام برسالتهم خير قيام .. وأن تقوم المؤسسات الفقهية بأداء دورها في بيان موقف الإسلام من مختلف القضايا التي تهم الأمة الإسلامية .. لأن الآلية الفقهية هي التي يشكل الأوعية الشرعية لحركة الأمة الإسلامية .
وقال : ويجب أيضا أن تكون المؤسسات الإعلامية في ديار المسلمين مدارس للتثقيف ونشر الوعي بمقرات الأمة الإسلامية .. كما يجب أن تبتعد عن ترويج سلعة " النفاق " وبث الأخطاء .. كما أن المؤسسات التربوية في ديار المسلمين مطالبة بأداء دورها في تربية النشئ المسلم وحمايته من التسلط التربوي وفقا للنظرة الغربية .. فالتغيير الإسلامي منهج كلي وشامل وهو وسيلة لإقامة حكم الله تعالي وإصلاح شأن الأمة الإسلامية .
نقلاً عن مجلة " الحرس الوطني " السعودية بالعدد رقم 268