الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:42 ص
ابحث ابحث عن:
علوم وتقنية
الثلاثاء, 31-مايو-2005
المؤتمر نت - اجزاء العين الانسانية المؤتمرنت-عبدالله بخاش -
زراعة القرنيات في اليمن.. آفاق مستقبلية
عرفت اليمن زراعة القرنيات في منتصف السبعينات -من القرن الماضي- عندما قام بإجرائها لأول مرة استشاري طب وجراحة العيون الدكتور، إبراهيم الجرافي لأحد المرضى بالمستشفى الجمهوري. ومن وقتها، وزراعة القرنية تمثل مطلباً ملحاً للمئات من مرضى العيون في بلادنا؛ إلا أن عملية إجرائها لا تتم في معظم الأحيان لعدم توفر القرنيات وارتفاع أسعارها نظراً للّجوء لاستيرادها من الخارج.
ومنذ عقد التسعينات شهدت اليمن توسعاً في هذا المجال؛ حيث أجريت نحو هذه العمليات في عدد من المستشفيات الحكومية، وفي عدد من المراكز الطبية التي يمتلكها القطاع الخاص، وساعد على ذلك تبني بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية، دعم وتمويل عمليات زراعة القرنية في اليمن؛ والإسهام في حل أهم معضلة تتمثل في توفير القرنيات باستيرادها من الخارج؛ حيث تصل قيمة القرنية الواحدة ما بين (500-1000) دولار -حسب بلد التصدير- ومؤخراً اتجهت وزارة الصحة العامة والسكان لدعم وتشجيع زراعة القرنية في اليمن، بدلاً من ابتعاث المرضى لإجرائها في الخارج.
نتائج وأسباب
وكشفت دراسة علمية حديثة عن الأسباب الرئيسية لزراعة القرنيات للمرضى اليمنيين في الخارج وحددتها في القرنية المخروطية بالدرجة الأولى؛ تليها حالات التهاب القرنية الفيروسي والبكتيري، ثم في المرتبة الثالثة إصابات القرنية.
وأشارت نتائج الدراسة التي أجراها الدكتور، صالح العقيلي والدكتور، محفوظ بامشموس لبحث حالة سبعين مريضاً أجريت لهم زراعة قرنية في الخارج. لقد تجاوزت نسبة النجاح (85%) وكان الفشل موجوداً بنسبة بسيطة. وأرجعت الدراسة -التي نشرتها مجلة العيون السعودية مؤخراً- أسباب الفشل إلى ضعف وهزال العيون التي زرعت لها قرنيات جديدة.
وأكدت أن نسبة النجاح تتجاوز (85%) من حالات القرنية المخروطية. أما بالنسبة لحالات الإصابة والتهاب القرنية فتوجد عوامل أخرى تقلل من نسبة نجاح الزراعة.
والقرنية- كما يصفها الدكتور صالح العقيلي- أستاذ طب العيون بجامعة صنعاء- هي جزء نسيجي شفاف يغطي سواد العين، ليس له أوعية دموية، ويقوم بدور وظيفي هام في عملية النظر، ولا تزيد سماكة القرنية عن "مليمتر" واحد فقط؛ علماً بأنها تتكون من خمس طبقات.
ويشير الدكتور -العقيلي- إلى هدفين أساسيين لزراعة القرنية؛ الأولى لتحسين الإبصار، نظراً لوجود أي عتامة في القرنية ناتجة عن إصابة أو التهاب فيروسي أو عدوى جرثومية أو حالة القرنية المخروطية التي تؤدي جميعها إلى ضعف البصر، والثاني هدف علاجي ويكون في حالة حدوث التهاب صديدي حاد يسبب ثقباً في القرنية، وهو ما يستدعي استبدال القرنية المصابة التي فقدت شفافيتها بقرنية سليمة من شخص متوفٍ.
ممنوع الغلط
وفي حديثه لموقع (المؤتمر نت) أكد الدكتور سلطان السقاف استشاري طب وجراحة العيون في مستشفى الثورة العام بصنعاء أن عملية زرع القرنية ليست معقدة وإنما عملية دقيقة ممنوع، الغلط، فيها. ويوضح أن عملية استئصال القرنية من عين المتوفي لا تعني مطلقاً اقتلاع العين بأكملها وتشويه الجثة. وقال: تستغرق عملية نزع القرنية حوالي خمس دقائق فقط وتأخذ عملية الزراعة نحو (40-60) دقيقة، فيما تبقى القرنية صالحة للزارعة بعد استئصالها لمدة (10-20) يوماً شريطة أن تحفظ في محلول خاص، وتفضل القرنيات التي تكون أعمار أصحابها دون الخمسين عاماً.
ويحدد أستاذ طب العيون بجامعة صنعاء الدكتور، محفوظ بامشموس موانع الحصول على القرنية والاستفادة منها في ثلاث حالات. ويقول: لا تؤخذ القرنيات من الأشخاص المتوفين، نتيجة أورام دماغية، أو أورام منتشرة، أو الحاملين لفيروس الإيدز أو من كانوا يعانون من أمراض خاصة بالعين؛ لأن قرنياتهم تكون جودتها غير سليمة أو مضمونة.
بنوك العيون
بدأ التفكير في زراعة القرنية في القرن الثامن عشر في فرنسا، وحاول بعض الجراحين الأمريكيين والإيرلنديين استبدال قرنية حيوان عن القرنية البشرية المصابة في القرن التاسع عشر، لكنها فشلت. وكانت أول عملية لزراعة قرنية بشرية ناجحة في تشيكوسلوفاكيا في عام 1945م على يد الجراح "إدوارد زيرم". وأجريت عمليات زراعة القرنية في الأردن ومصر في الستينات من القرن الماضي. وأنشئ أول بنك للعيون بالأردن في مستشفى القدس، ثم أنشئ بنك العيون الأردني في مستشفى الجامعة الأردنية عام 1979م. أما في مصر فقد أحجم الأطباء عن إجراء عمليات زراعة القرنية وأُغلقت بنوك العيون في عام 1996م بعد اكتشاف ظاهرة سرقات العيون والاتجار بها؛ انتظاراً لصدور تشريع قانوني جديد ينظم إجراءات النقل والزراعة ويحمي المرضى والأطباء، معاً.
واليوم تُجرى عمليات زراعة القرنية على نطاق واسع في البلدان العربية, لكن الكثير منها -للأسف -لا بنوك لديها للقرنية رغم وجود المستشفيات والمراكز المتخصصة، إذ تعتمد في الغالب على التبرعات المحدودة أو الاستيراد من الخارج بأموال طائلة -كما هو الحال بالنسبة لقطر التي بدأت زراعة القرنية في عام 1992م، أو الإمارات العربية المتحدة التي أعلنت -مؤخراً- انضمامها رسمياً إلى الوكالة الدولية لمكافحة العمى بإقليم شرق البحر الأبيض المتوسط في أبريل 2002م.
ثلاث مراحل
أما في اليمن فقد تسارعت الخطى كثيراً نحو إنشاء بنك للعيون في مستشفى الكويت الجامعي بصنعاء. وترجع بدايات الفكرة إلى مؤتمر العلوم الذي نظمته مؤسسة البحث العلمي عام 2002م في تعز عندما تقدم الباحثان اليمنيان الدكتور، صالح العقيلي والدكتور، محفوظ بامشموس بخلاصة بحث لمرضى يمنيين أجريت لهم هذه العملية بالخارج. وأكدت توصيات المؤتمر على ضرورة إنشاء بنك العيون. وفي مؤتمر العلوم 2003م -الذي أقيم في مدينة سيئون- تم الإعلان رسمياً عن إنشاء البنك. ومنذ ذلك الوقت تقوم جمعيات أطباء العيون بالتعاون مع قسم العيون في جامعة صنعاء، لترتيب وتشغيل هذا البنك. وقد تم زراعة عشر قرنيات خلال العام 2004م وثلاث قرنيات في عام 2005م -بتمويل من مؤسسة طيبة الخيرية وجمعية المؤتمن التنموية- ويشير الدكتور العقيلي إلى، ثلاث مراحل أساسية لتشغيل البنك، وهي مرحلة دعم استيراد القرنيات من الخارج وزراعتها للمرضى الفقراء ودعوة الخيرين من الميسورين والتجار ورجال الأعمال للإسهام في هذا الجانب، ثم مرحلة إيجاد غطاء إعلامي فاعل للمشروع وحملة توعية موسعة تستهدف تشجيع المواطن على التبرع بالقرنيات بعد وفاتهم. وستكون المرحلة الثالثة، والأخيرة، هي الاعتماد في تمويل وتغذية بنك العيون بالقرنيات من داخل الوطن دون اللجوء إلى الاستيراد، وهو ما سيساعد على جعل القرنيات في متناول عدد كبير من المرضى المحتاجين لها.
مشروع الجميع
ويقول الدكتور، محفوظ بامشموس -أستاذ طب العيون بجامعة صنعاء- إذا أحس المجتمع بالفائدة الكبيرة لزراعة القرنيات، فإن الأمر سيصبح متقبلاً من الجميع، وسيكون التبرع شيئاً أساسياً للحصول على القرنية- خصوصاً وأن لدينا فتوى شرعية بجواز نقل وزراعة القرنية منذ سنوات، كما أن قانون المهن الطبية يجيز زراعة القرنيات والتبرع بها. وبالتالي -عند نجاح المشروع- ستؤخذ القرنيات وتزرع للمرضى مجاناً. ويطرح الأطباء قضية الدعم السياسي وتبني أهم القيادات في الدولة للمشروع شرطاً أساسياً للنجاح، مستشهدين في ذلك ببعض التجارب في المنطقة. ففي الأردن تبنىَّ المشروع الملك حسين بن طلال- رحمه الله- وزوجته الملكة، نور لا تزال الرئيس الفخري لبنك العيون الأردني، والأمير، رعد بن زيد هو "الدينامو" المحرك للبنك، وكان الملك ،حسين، أول من تبرع بقرنيتيه لبنك العيون الأردني منذ نحو عشرين عاماً -قبل وفاته- لكنه توفي لأسباب تمنع الاستفادة من قرنيتيه -وفي مصر أعلن شيخ الأزهر، محمد سيد طنطاوي- عن تبرعه بقرنيتيه بعد الوفاة- في الوقت الذي كان مجلس النواب يناقش قانون نقل القرنيات، وينتظر رأي الأزهر فيه. أما أشهر المتبرعين في المنطقة العربية فقد كانت عائلة الفحل نجار- من لبنان- التي دأبت منذ (14) عاماً على وهب قرنيات المتوفين من أفرادها. وهكذا بغياب ستة أشخاص منهم أعطت العائلة السعادة لاثني عشر شخصاً وغيرت مستقبلهم، وأضفت بعطائها الكريم مفهوماً آخر على ألم الفراق. والمؤكد في الموضوع أن التبرع بالقرنيات -بعد الوفاة- هو عمل إنساني سخي ومتجرد، بل يمثل قمة العطاء الإنساني وينطلي على بُعدٍ إيماني عميق. فالمتبرع لا يبقى من عطائه إلا أن يرى انتفاع غيره منه وأن يحظى برضى ربه وجزائه، لذا فمشروع كهذا سيكون بحاجة كبيرة إلى دعم وتأييد الجميع وإلى رعاية كريمة من الحكومة والقيادة السياسية، لأن المشروع لا يعني أحداً بعينه وإنما مشروع وطن ومجتمع متكامل، ومسئولياته يتوزعها الجميع.






أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر