الشرق الاوسط- ديانا مقلد - الاحتراف يتطلب الأمان أولا! يروي مراسل لفضائية عربية كيف أنه اندفع خلال الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003 لتغطية الحرب موفداً من قبل محطته من دون أن يطلع بشكل كافٍ على تفاصيل أساسية تتعلق بالتأمين على حياته أو بحقوقه المعنوية والمادية في حال تعرضه لأي مكروه أو لمجرد عمله في منطقة خطرة.. أما خضوعه للتدريب على التغطية الإخبارية في مناطق نزاع عسكري فكان ذلك بالنسبة إليه ترفاً لم يصرح به قبيل توجهه إلى العراق، وهو اكتفى ببضعة لقاحات طبية افترض أنها ستحميه نوعاً ما من مخاطر حرب بيولوجية!
وخلال عمله في تلك المرحلة شعر هذا المراسل بسذاجة ما بعد أن طرحت إحدى الصحف المحلية في بلاده قضية إيفاد مراسلين محليين من دون تأمين حياتهم فيما كان يعتقد هو أن ذلك من المسلمات، لكن لم يكن كذلك..
خلال السنتين الماضيتين راجع هذا المراسل الكثير من حساباته وهو يعيد نجاته من مصير مأساوي لاقاه صحافيون عراقيون وعرب وغربيون، للصدفة وحدها.
لعل ما يجري في العراق منذ أكثر من سنتين قد بدل من النظرة إلى الحماية والتأمينات التي يجب على المؤسسات الإعلامية والصحافية خصوصاً العربية أن تقدمها لمراسليها ومندوبيها جراء تضاعف الأخطار التي بات الصحافيون يتعرضون لها في ذلك البلد. ففيما عدا بضع مؤسسات لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة لا يزال التعامل مع حقوق الصحافيين والمراسلين في مناطق النزاع أدنى بكثير من حجم المخاطر التي يتعرضون لها، علماً أن عدداً من مناطق النزاع الأساسي في العالم هي في منطقتنا!! كما أن المؤسسات الغربية التي باتت تخشى على حياة مراسليها من القتل أو الخطف أو تقلقها الأموال الطائلة التي تفرضها القوانين الغربية للتأمين على حياة صحافييها باتت تميل إلى الاعتماد على مراسلين محليين لأنهم أقل كلفة!!
في العراق تراجع بشكل ملحوظ عدد المراسلين العرب والغربيين لصالح الاعتماد شبه الكلي على المراسلين والمصورين العراقيين الذين سقط منهم ما يقارب الثلاثين منذ بدء الحرب الأميركية في العراق.
في حقبة ما بعد سقوط النظام العراقي مباشرة حاولت المؤسسات الإعلامية الغربية إنشاء أنظمة حماية لصحافييها ومكاتبها معتمدة على شركات أمنية خاصة. ولكن ثبت أن هذا الإجراء لا يفي الغرض لأنه يحول الصحافي إلى شبه مقاتل، ولأنه يثقل تحركه بإجراءات حماية تعرقل عمله وتعزز من صورته كهدف وطرف. وكانت الخطوة الثانية أن ضاعفت المؤسسات الغربية من اعتمادها على المراسلين المحليين مما حولهم بدورهم إلى هدف للجماعات المسلحة والقوات الأميركية على حد سواء، وهو حال المؤسسات العربية أيضاً. وهنا ننتقل من الحديث عن حقوق الحماية للصحافيين العرب إلى حقوق الحماية للصحافيين العراقيين ونسأل: هل تعني الاستعاضة عن الصحافيين العرب بالصحافيين العراقيين تخففاً إضافياً من المسؤوليات حيالهم؟؟ وإذا كان المطلوب تأسيس جيل من الصحافيين العراقيين المحترفين في مجال الإعلام، أليس المطلوب أيضاً إشعار هؤلاء بأن مخاطر المهنة تقابلها ضمانات وحقوق لم يكن يؤمنها لهم النظام السابق تماماً كما لم يكن يسمح بعمل محايد ومحترف؟
اليوم في مقابل الاحتراف والحياد المطلوب أيضاً حماية وأمان!
|