* بقلم :صالح القاضي - العرب بين استحقاق الداخل وضغوط الخارج
يبدو ان النظام العربي يعيش وضعاً مأزوماً ويدخل في طور الاحتضار السياسي، حيث بات يترنح ويتخبط ولا يكاد يعرف أين يقف أو إلى أين يسير. طوال مسيرة النظام الإقليمي العربي صدرت «ترسانة» من القرارات العربية الجماعية تقريباً، وكان نصيبها التجاهل والهروب من استحقاقتها بالاجماع أيضاً، لذا يبدو النظام العربي دائماً في عيون المجتمعات العربية وكأنه يدور في الركن ذاته.
الشارع العربي على طول الوطن العربي وعرضه صار يدرك ضعف وهشاشة النظام الاقليمي العربي الذي يقف عاجزاً عن التعاطي مع القضايا القومية بروح المسؤولية وعن إدارة الأزمات، وتحولت مؤتمرات القمة إلى فعاليات كرنفالية ومناسبات سنوية في مؤشر يؤكد قبول الجميع بشكلانية القمة وفقدانها الفعالية.
المأساة الحقيقية أن النظام العربي فقد زمام المبادرة وصار يتعامل مع الأحداث الجسام تعاملاً سلبياً يخلو من الإرادة الفاعلية، منتظراً مخرجات السياسة الدولية واملاءاتها. ليس بوسع الدول العربية إقامة نظام مؤسسي فاعل على الصعيد الإقليمي من دون أن تتمكن هي من إقامة نظم مؤسسية فاعلة على الصعيد المحلي، من هنا ينبغي أن يتواكب الإصلاح الداخلي مع الإصلاح الإقليمي.
إن النظم السياسية العربية لاسيما في المشرق العربي مهددة في معظمها بمشروع الهيمنة الإمبراطوري الأميركي وبالمشروع الصهيوني التوسعي، كما هي مبتلاة بأوضاع داخلية تتسم بالتسلط والقمع والفساد، الأمر الذي يجعلها مكشوفة أمام مخاطر المشروعين المذكورين.
لذلك فإن معيار جديتها في مواجهة هذين المشروعين يتمثل في انفتاحها على الداخل وتجاوز حالة العداء والخصومة مع شعوبها والتنازل عن كبريائها الذي سيقود إلى كوارث سياسية واقتصادية واجتماعية، فلابد من التغيير والتعاطي مع حكم القانون والديمقراطية والتجدد الحضاري.
النظام العربي يواجه أزمة بنيوية عميقة تختلف جذرياً عن جملة الأزمات التي سبق أن واجهها، إنه يواجه تحدي البقاء في ظل متغيرات وتحولات دولية تنبئ بإعادة صياغة الخرائط السياسية في الشرق الأوسط. جامعة الدول العربية كيان مؤسسي يمثل النظام الاقليمي العربي، وهي في واقع الحال تمثل مجموع إرادات 22 دولة عربية بكل نجاحاتها وخيباتها، لذلك فإن المعضلة الحقيقية تتمحور في عناصر النظام بكل تفاصيلها ومكوناتها وآلياتها.
الظروف الذاتية والموضوعية تقتضي من النظام العربي وقفة مراجعة جريئة وصادقة يتم من خلالها التعامل بشفافية وموضوعية مع القضايا الداخلية والخارجية وإعادة صياغة النظام الإقليمي في إطار مؤسسي سليم يراعي التباينات ويعظم المصالح المشتركة على طريق بناء تجربة تكاملية، فضلاً عن السعي إلى بناء دولة المؤسسات بديلاً عن دولة الشخص والنظم الشمولية.
لقد صار المواطن العربي ينظر اليوم نظرة الشامت وغير المكترث بما تواجهه الأنظمة من ضغوط خارجية تجبرها على تقديم تنازلات من جراء سنوات طويلة من الطغيان السياسي والتسلط والانغلاق، وما انفكت هذه النظم تنتهج الخطاب السياسي والإعلامي التبريري الذي درجت عليه منذ سنوات طويلة.
ولأن المجتمعات تشكل الوعاء الحافظ للكيان القومي، فإنها في الوطن العربي تقع حالياً خارج المعادلة والحسبة، فهناك هوة عميقة تفصل الشعوب عن الأنظمة الحاكمة، مما يعطل الأداء العام ويخلق حاجزاً يجعل هذه النظم تغرد خارج السرب على نحو يضع المجتمعات موضع المتلقي للمخرجات الرسمية غير قادرة على المبادرة والفعل المؤثر على صنّاع القرار.
المنطقة العربية تتعرض لهجمة خارجية تستهدف الاجهاز على النظام الإقليمي العربي واستبداله بنظام شرق أوسطي أوسع يستوعب إسرائيل وغيرها من الدول الإقليمية مثل تركيا وباكستان ضمن مخططات تستهدف محو الهوية العربية. والأنكى أن الأنظمة العربية أضحت في ظل المتغيرات تواجه العالم الغربي كله مجتمعاً، بما فيه أوروبا ولم تعد المسألة محصورة في الولايات المتحدة، كما كان الحال في السابق.
نحن لا نطرح رؤية تشاؤمية قاتمة حيال النظام العربي ومعطياته وآلياته، بل نحسب أننا نمارس نقداً موضوعياً للمشهد العربي الرسمي ضمن رؤية تحليلية كاشفة تناقش الأوضاع المعاشة مع ثقتنا بقدرة العربي على النهوض السياسي والاقتصادي والتقني حينما تتهيأ الظروف المناسبة لذلك. كما يجدر القول بأن النظام الاقليمي العربي بوضعه الحالي يمثل الحد الأدنى من الحضور السياسي العربي على الخريطة الكونية ووجود الجامعة (بيت العرب) أفضل من الوقوف في العراء!
* صحافي يمني - دبي
|